خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / 44 حوار خاص / الفقه التربوي وضرورة الاهتمام به .. حوار مع الشيخ الدكتور محمد حجازي
الفقه التربوي

الفقه التربوي وضرورة الاهتمام به .. حوار مع الشيخ الدكتور محمد حجازي

خاص الاجتهاد: في الجزء الثاني من حوار الاجتهاد مع سماحة الدكتور محمد أحمد حجازي العاملي، تطرق سماحته إلى موضوع فقه الأسرة والتأهیل الأسری والذي خاض سماحته في هذا المهم الذي هو محل حاجة ماسة للمتابعة والمواكبة لكثرة المراجعات اليومية من الناس، والأسئلة الكثيرة التي توجد في موضوع الأسري والتربوي. يرى مؤسّس ومدير المركز الإستشاري للترشيد الديني والتوعية الأسرية في لبنان الدكتور حجازي أنه لو جمعنا أحكام أحوال الشخصية في ما يتعلق بالزواج والطلاق وكافة القضايا، يمكن أن يزيد عن كتاب الصلاة والصيام.

محاور الجزء الثاني من الحوار

  • نواجه أزمة الإجابة على كل الأسئلة المطروحة، فعلينا أن نكون على وجود مكثّف على وسائل التواصل الإجتماعي من خلال الإعلام.
  • علماء المسلمين الشيعة مسئوليتهم أكبر من بقية العلماء.
  • إذا طرحنا للناس موضوع الزواج والأسرة بأسلوب شيّق وسلس وسهل، يمكن أن نبرز الإسلام فعلاً من خلال فقه الأحوال الشخصية أو ما يسمى اليوم فقه الأسرة.
  • هناك منظومة متكاملة على مستوي الفكر التربوي بحسب المنهج الإسلامي.
  • نحتاج لتفعیل المؤسسات فی قضیة فقه الأسرة.
  • التعریف بکتاب: “فلسفة التربية الفقهية عند الإمام الصادق عليه السلام.

لا یجوز حبس الاسلام فی مکان معین:

نحن الآن نواجه أكثر من أزمة. نواجه أزمة الإجابة على كل أسئلة التي تطرح علينا. نواجه أزمة كيفية اعادة الشباب الى محور الإسلام وإلى فهم الإسلام. اذن كم عندنا الآن من هواجس وعندنا من مخاوف و عندنا من مسئوليات جمة على هذا المستوى؟

تعال الآن الى الحوزات العلمیة. ليس كل من هو موجود في الحوزة عنده هذا الألم. الان الطالب يفكر بهذه الطريقة بأنه يريد أن ينهي السطوح العليا مثلا و ينتقل إلى البحث الخارج. لا یفکر كيف یمكنه فيما بعد أن يستنبط حكماً أو أن يصبح عنده القدرة على الإستنباط سواء نظرياً أو بالطريقة العملية. هل الجميع يملك هذا الطموح؟

یلاحظ أن هناك بعض الناس مع الأسف وهذا طبعاً نقص ذاتي، لازال الى يومنا هذا يفكرون تجاه القضايا على طريقة قديمة بأن العالِم مَثَله كمثل الكعبة تؤتى و لا تأتي. يجلس في مكانه و غير مسئول على أحد على الإطلاق. هذا ليس صحيحاً أبداً. نحن الأن لازم أن نكون على وجود مكثّف على وسائل التواصل الإجتماعي من خلال الإعلام، و إبراز الإسلام من خلال الإعلام.

لكن ماذا نلاحظ في المقابل؟ هناك الكثير من الناس يجلسون في بيوتهم ويتعلمون ويأكلون من الحقوق الشرعية وليس لهم أي دخالة بما يحصل في الخارج! كيف ينهض الإسلام؟ هذا ما يريده إمام الزمان؟! هذا من يريده إماننا صلوات الله عليه؟!

تقول لبعض الأشخاص ماذا تدرس؟ يقول أنا أربعة عشر سنة مثلاً درست الخارج. تفضل ماذا أنتجت للمجتمع؟ كما يذكر هذا الأمر الشهيد مطهري رضوان الله عليه في كتابه “التربية والتعليم في الإسلام”. يقول أن بعض الطلبة يتغّنى ويقول أنا درست عند المجتهد الفلاني خمس وعشرين عاما. يقول حسناً، أنت ماذا قدّمت للمجتمع؟ ولطيف في هذا المقام وقد ذكرت الشهيد المطهري، اعادة صياغة الكتاب “الإسلام ومتطلبات العصر” وتشیيد هذا الكتاب وتشیيد هذه المعلومات الموجودة في الكتاب.

أذكر قديما أكثر من عشرين عاماً أنا قرات الكتاب يعني أول ما ترجم الى العربية. اظن نحن بحاجة ماسة الى مثل هذه الكتب. لأن مثل فكر الشهيد المطهري وكل ما تكلّمنا عليه الآن، هو من هذا الفكر، بحاجه لإخراج الإسلام من صندوق مغلق إلى الحياة.
لأن الإسلام هو المعاملة، الإسلام هو الوجود والحضور الإجتماعي والحضور السياسي والحضور العلمي والحضور التربوي والحضور الإقتصادي؟ الإسلام لا يجوز حبسه في مكان معين.

علماء الشیعة مسئولیتهم اکبر من بقیة العلماء لأن باب الاجتهاد لازال مفتوحا:

كما الآن نلاحظ بعض الخطباء، أقول البعض وليس الكل، يركز على قضايا معينة مثلاً في خلال مواسم معينة فقط وخلاص. مثلا في موسم عاشوراء، موسم عظيم جداً نركز على كم يوم في عاشوراء ثم بعد ذلك ننسى ماذا نفعل. المهم نحن ماذا إكتسبنا؟! ماذا يقدّم لإسلامنا؟ نحتاج وخاصة أن اصحاب الدين هم أئمتنا عليهم السلام، هم أهل مكة وهم أدرى بشعابها، هم من علّمنا و ترك لنا الأصول و نحن علينا التفريع .

لذلك نحن مسئولياتنا كبرى. علماء المسلمين الشيعة مسئوليتهم أكبر من بقية العلماء، لأن باب الإجتهاد لازال مفتوحة الى يوم القيامة والى يوم ظهور الإمام صلوات الله عليه. العقل متفتح والعقل في شغل دائم. لماذا نريد أن نقفل باب الاجتهاد بطريقة ثانية؟ أليس هذا إقفال أننا نقصي أنفسنا عن محاكاة الواقع و أن نواكب العالم الخارجي؟ و نبقى على كيفيات متحجرة.

وأنا هنا لا أقول أنه لا یوجد ایة محاولة والعياذ بالله، أنه لاشك بوجود بعض المحاولات، لا بد من تنويه أن هناك الان مؤسسات كبرى في ايران على سبيل المثال هي تواكب هذا التجديد وتواكب هذا العصر، وهناك على المستوى العقائد على المستوى كلام الجديد هناك أبحاث رائعة و قيّمة جداً، على مستوى الفتوى هناك أبحاث جديدة ومتقدمة وجريئة، لا يعني أنه ما نقوله أن هناك يعني صورة سوداوية بالكامل. لا، لكن ما نطمح اليه أن نكون على قدر المسؤولية.

فقه الأسرة و التأهیل الأسری وعلة الترکیز علیه:

المحاور: السؤال التالي الذی يخطر ببالي هو لماذا من كل مجالات التفكير، قد ركّزتم على فقه الأسرة وعلى تأهيل الأَسَري؟ ما هو أهميته؟

شكرا جزيلا على سؤالكم. حقيقتاً أنا في خضام اختصاصي العلمي، سواء كان الحوزوي أوالجامعي، طموحي الأكبر هو على مستوى الفقهي والعقائدي والى قبل سنوات إلى اليوم، لكثرة المراجعات اليومية من الناس، والأسئلة الكثيرة على نفس المنوال الذي نتحدث عنه، التي تطرح على مستوى الفقهي والعقائدي والأخلاقي، كان حول قضايا الأحوال الشخصية. كتبت في بعض مؤلفاتي، انه لو الآن جمعنا أحكام أحوال الشخصية في ما يتعلق بالزواج والطلاق وكافة القضايا، يمكن أن يزيد عن كتاب الصلاة والصيام.

لا شك أن هناك الآلاف من المسائل المرتبطة بهذا الباب، القديمة التقليدية والمستحدثة، وبالتالي هي كبقية المسائل، هي محل حاجة ماسة للمتابعة والمواكبة. خصوصاً اذا ركزنا على مفاهيم أساسية التي طرحها الإسلام وطرح النبي صلى الله عليه وآله حينما ورد أنه ” ما بني بناء في الإسلام أحب الله تعالی من بناء الزواج أو التزويج.

” اذا كان أحب بناء عند الله سبحانه و تعالى هو الزواج، وفضلاً عن بقية الآيات والروايات التي تتحدث عن موضوع الزواج والأسرة، ذلك حينما يُبيّن الإسلام و يظهر القيمة العالية للزواج، بالتأكيد اللازم منه هو أن يكون هناك أحكام تشريعية تنظّم هذه العلاقة.

وهذا ما موجود في الكتب الفقهية، يعني أقل نظرة فيه في الرسائل العملية. إذا نظرنا إليه بطريقة معاصرة اليوم، أو طرحنا للناس بأسلوب شيّق وسلس وسهل، يمكن أن نبرز الإسلام فعلاً من خلال فقه الأحوال الشخصية أو ما يسمى اليوم فقه الأسرة، بطريق محببة. وهي ايضا من جملة مسائل التي يجب على مكلف أن يتعلمه وأن يتفقه في معرفتها، هي من المسائل الإبتلائية.

وبالتالي لأن نواة المجتمع هي الأسرة، ولأن المبادي التي يتربّى عليه الإنسان والتي تقرّر مصيره في ما بعد، وتقرّر اتجاهاته في ما بعد، هي الأسرة، فاطلقت من هذا الباب وقد وجدت أنه يحتاج الى تخصّص، ويحتاج الى متابعة حفيفة يومياً، والعمل على الكافة المصادر العربية والأجنبية و الإسلامية في هذا الإطار.

والذي زادني قوة و ثقة عالية برب عزوجل، و في هذا المشروع هو ما قدّمته في الرسالة الجامعية كان عنوان اطروحتي للجامعة “فلسفة التربية الفقهية عند الإمام الصادق عليه السلام”.

و يعني ذلك ما عنيته وهو عباره عن مجلدين، أعني بذلك، أنه ما هي القواعد التي اعتمدها الإمام الصادق عليه السلام من الناحية التربوية في تربية أصحابه من الجانب الفقهي، وما هو السرّ في بقاء وإستمرار هذا المذهب منذ ١٤٠٠ عام ونيّف الى يومنا هذا؟ بهذه المتانة، بهذا العمق، بهذا التطور، بهذا الحجم. فوجدت أنه من الجدير جدا أن ننظر إلى هذا الجانب من ناحية أساسية هي القواعد التربوية التي ربّ عليها أصحابه.

سبحان الله بعد أن اتممت هذا الأمر وبعد أن ناقشت وانتهيت من هذه المرحلة، شاهدت أن الله سبحان وتعالى فتح لي باباً كبيراً وأكملت في هذا الطريق، أنه وجدته جدير بالإهتمام و ضرورة المتابعة.

والذي شجّعني على ذلك أكثر بعد أن أسّسنا المركز الاستشاري للترشيد و التوعيه الأسرية، وجدت أننا نحن في مكان، و المجتمع والناس في مكان آخر. يعني أهل العلم، مع الأسف الآن، اذا نعمل احصائية أنه من يهتم بهذا الجانب، نحن لا نتجاوز عدد اصابع الكفين بالجانب التربوي.

هناک منظومة متکاملة فی التربیة بحسب المنهج الإسلامی:

مع العلم هناك منظومة متكاملة على مستوي الفكر التربوي بحسب المنهج الإسلامي. وانا اعطيك مثال على ذلك: عندنا رواية معتبرة مروية عن الإمام الصادق عليه السلام ويمكن أن يبنى عليها كمفهوم تربوي واسلامي والتي قال فيها عليه السلام: “يلعب الغلام سبع سنين ويعلّم الكتاب سبع سنين ويعلّم الحلال و الحرام سبع سنين”. هي الرواية الوحيدة من جملة أحد عشر رواية موجودين في كتاب وسائل الشيعة بحثت عن سند هذه الروايات، فوجدت سند هذه الرواية يمكن الإعتماد عليها، و وثقتها و وجدت أنّ كمفهوم إسلامي بإمكاني أن أقول وبضرس قاطع أن هذه الرواية قد صدرت من الإمام، و بالتالي هذا مفهوم تربوي.

لكن الملفت في كافة بقية الروايات يقول مثلاً : اتركوهم سبعا،ً أدبوهم، ثم استوزروهم. هي الرواية الوحيدة التي يقول فيها: علموهم الحلال و الحرام في السبعيّة الثالثة. هذا طبعا أنا أقول هنا، ربطاً مع كلامنا، لماذا؟ اهل البيت عليهم السلام يريدون من شيعتهم أن ينتهجوا منهجاً قويماً وسليماً و عميقاً ينقسم إلى قسمين بعد السبعة الأولى.

تعلموا الكتاب سبعة سنين، ثم بعد ذلك تعلموا الحلال و الحرام. أنا بتقديري لو قُيّد لنا في غير هذا الزمن البائس، أنه لو أردنا أو بإستطاعتنا أن نعلّم أولادنا منهجاً اسلامياً تربوياً قويماً، الوحدة وعشرين سنة يخرج اي ولد مجتهد. أنا على يقين، أربعة عشر سنة، من السبعة الى الوحدة و عشرين، أو يراهق الاجتهاد.

و خصوصاً يكون الذهن خالي و عنده قابليات و كل مقدماته. أو على الأقل اذا لم يكن مهيّئاً و عنده القابلية الكافية، متفقهة بالدين و ما هو المطلوب اكثر من ذلك؟ “أغد عالماً أو متعلماً و لا تكن إمّعة”. لابد، لأنه من كمالات الإيمان في الفقه الشيعي وفي الرؤية الشيعية، و فكر الإسلام الشيعي هو التفقه في الدين، و من لم يتفقه في الدين فهو أعرابي.

فأنا على اعتقاد، أن موضوع التعامل مع الأسرة هو ليس فقط نظريات تربوية أو وحدة النظريات التربوية الأخري التي جاءت من المدرسة الغربية، لا؛ التأكيد على جانب الفقاهة بالنسبة الى العائلة و تفقيه العائلة.

مثل القضية التي اشتغلت بالبحث عنه  لم أنته منه بعد، وكتبته كمسودة و في حال المراجعة كتاب “بحث تثقيف الجنسی العائلي بين الأحكام الفقهية والمدارس الغربية والنظريات الحديثة”. لماذا طرحت هذا الأمر؟ لأنه مرتبط بالعائلة من نواحي عديدة، لكن اهم ناحية فيها هي؛ الأحكام الفقهية.

لأن العرف طاغ على حياتنا و قد قام بدور إقصائي لتعلم الحلال و الحرام. جانب الحلال و الحرام أصبح مادة ضعيفة عند الناس، و هو أقوى مادة و أشرف مادة، لكن الناس ضعّفوه، بسبب كل ما ترى من تراكمات معرفية على البشر، وكثرة المواد العلمية و كثرة الإختصاصات، وتراجع الدور الفقهي إلى الوراء مع الأسف، عند غير أهل الإختصاص وعند عامة الناس، و بالتالي ضعفت الروية حول الأحكام الشرعية.

قد اعتنت الروایات بالعلاقات الجنسیة بتفصیل مملّ:

بما أن الإسلام لم يترك شيئاً الا وطرحه، وقد طرح قضايا المتعلقة بالعلاقات الزوجية حتى الدقيقة والخاصة، لكن تدخُل في إطار تعلّم الأحكام الشرعية ما بعد أربعة عشر قرناً، لأن الناس أهملوها وابتعدوا عنها، ولم يعرفوا حقيقة الأمر فتحولت التعرف على مثل هذه القضايا اصبح عيباً عند العرف.

المشكلة أين؟ بتقديري المتواضع، في الوقت الذي يقولون عنه، أن تعلّم الأحكام بتفاصيل كاملة حول العلاقات الجنسية، من باب المثال، وحول العلاقات الزوجية كافة التفاصيل التي نحتاجه، حتى صفات المرأة التي تريد أن تتزوج أعتنت الروايات بها، بتفصيل مملّ، في الوقت الذي نعتبر هذه الأشياء بالعرف الأعوج اليوم أنها عيب من العيوب.

ماذا يفعل الناس في المقابل؟! يفتحون كافة الوسائل الإعلامية، الغير متاحة من الناحية الشرعية و الغير أخلاقية، ويأخذون منها كل ما يفسد الأخلاق ويفسد السلوك ومع الأسف الشديد، عند بعض الناس لا يتحرّجون منها ولا يقول أنها عيب من العيوب. لماذا؟ لأن الغرب جاء بها؛ الإنبهار بالغرب.

أعطيك مثال أقوى من هذا؛ العلاقات الغير الشرعية والعلاقات المحرمة في الزنا والسفاح والى آخره، عمل الميكاب في الغرب، بوی فرند، گرل فرند، هذا مقبول في العرف مع الأسف، في العرف الأعوج. تعال تحدث عن العقد المنقطع، تقوم السماوات والأرض ولا تقعد، أنه هذا حرام. يعني هذا العرف الأعوج المنقلب رأساً على عقب، هو الذي أنتج لنا هذه القضية، أنه اعمى كافة مفاهيم الإسلامية و ضرب بشكل أساسي توعية الأسرة.

لذلك أنا أخذت هذا المسار وأخذته من الناحية الفقهية ومن الناحية الأخلاقية ومن الناحية التربوية ومن الناحيه الإجتماعية، وقد وفقّني الله تعالى فيه على الاطلال على هذا الموضوع بالكتابة والبحث والتطبيق من جهات مختلفة، وأعتبر أنني لم أقدّم شيئاً ولازلت في بداية الطريق وكل ما أفعله وأقدمه أسئل الله سبحان وتعالى حقيقتاً أن يكون بذرة من البذور التي تزرع ويأتي جيل من الأجيال ويقطف ثمارها إن وفّقت وقبل عند الله تعالى وكانت بنية خاصة لوجه الله عزّ وجلّ إن شاء الله، يأتي من يستفيد منها.

نحتاج لتفعیل المؤسسات فی قضیة فقه الاسرة:

وأنا اعتقد أن المسار بطيء، إذا هكذا نمشي وبهذا الشكل البطيء لا يعطي نتيجة. وأعود وأكرر وهذا ليس لغيري، أيضاً لي، القضايا اليوم تحتاج الى تفعيل مؤسسات وليس أفراد. اعطيك مثال: إذا كثرت اﻻمراض في المجتمع، الطبيب في عيادته ﻻ يمكن ان يواكب كافة العوارض الصحية عند الناس، طبيب واحد مستحيل. ماذا نفعل؟

عادةً الناس كلها تذهب إلى المستشفيات، لأن المستشفى مؤسسة متكاملة فيها كل شيء، فيمكن ان تستوعب مئه او خمس مئه او الف مريض، وهكذا نفس الشيء.

إذا اﻻن هناك ألف وليس ألف، هناك مئة ألف مسألة من المسائل، أو سؤال، ﻻ أريد أن أضخم العدد، ألفي سؤال، ثلاثه آﻻف سؤال، والسؤال هنا ليس مجرد سؤال بنعم او كلا، السؤال بحث علمي. قضية متكاملة تحتاج إلى بحث والتدقيق. هل يكفي العالِم لوحده؟ ليس عنده وقت. هو يعمل ويشتغل جزئياً او كلياً في مجاﻻته الفقهية لذلك يحتاج الى مؤسسة يحتاج الى عمل دؤوب .

التعاملات الموجودة بین المؤسسات المرتبطة بفقه الاسرة:

المحاور: هل هناك مراودات وتعامل مع مؤسسات حول موضوع اﻻسرة و فقه الأسرة مع ايران والعراق؟

نحن ذهبنا سنة 2014 قمنا بزيارة للاخوه في قم، بجامعة المصطفى، بما أن جامعة المصطفى فتحت هذا الباب علمياً، كبحث علمي وكمواد تدريس حول فقه الأسرة. وقدّمت نموذج كنت بكل فخر، شريك مع هيئة التعليم وقمت بالمشاركة التعليمية آنذاك، وقمنا بالتجوال على بعض المراكز المهتمة باﻻرشاد الأسري. أيضاً تعاملت مع بعض اﻻخوه في العراق لكن لم نكمل الطريق، لأنه زياراتي قليلة الى العراق.

هم مرة من المرات أرسلوا وفداً إلينا الى لبنان وجاءوا برسائل من قبل العتبة الحسينيّة والعباسيّه، يطلبون مايمكن أن نقدم لهم من خبرات و تجارب عندنا.

على المستوى الشيعي في البيئة الشيعية في لبنان مع اﻻسف ﻻ يوجد مراكز كثيرة. يوجد مركزنا ومركز سكن ومركز أمان للإرشاد و السلوك اﻻجتماعي. فقط ثلاث مراكز.

فلسفة-التربية-الفقهية-عند-الإمام-الصادق

التعریف بکتاب: “فلسفة التربية الفقهية عند الإمام الصادق عليه السلام”:

المحاور:أن موضوع رسالتكم ﻻطروحة الدكتوراه، موضوع جميلٌ، فهل يمكن طرح بعض نتائج البحث؟

انا في الحقيقة قدمت بحثاً متكاملاً فی أربع مجلدات، يعني من نقطة الصفر من اﻻلف الى الياء. في كل العمليّه اﻻجتهادية. و ذكرت في البداية، في المجلد اﻻول كان الحديث فيه عن كل القواعد التربوية الحديثة والقديمة وما طرحه اﻻسلام، وبعد ذلك دخلت الى حياة اﻻمام الصادق عليه السلام وبعدها في الباب الثاني بدأت الحديث عن المبادئ التربية الفقهية.

يعني ما هي القواعد التي اعتمدها اﻻمام في تربية أصحابه؟ من قبيل مثل: إبراز الأصحاب، تقديم الأصحاب، مثلك فليفت الناس، إعطاء شهادات بحقهم، حثّهُم على الكتابة والتدوين، حثّهم على الحضور في المساجد، حثهم على الدراسة والتعلم، أيضاً مواكبة اﻻصحاب للإمام في كافة حياته، وطبعاً هذا كله أنا استدللت عليه من خلال قراءة العديدة من الروايات أو ما يستفاد من ذيل الرواية من هنا وهناك. يظهر أن اﻻمام عليه السلام لم يترك آن من الآنات، بإستثناء حالة نومه، اﻻ وكان يقدم كل ما عنده لأصحابه بشكل الغزير.

ومن منهجية اﻻمام العظيمة، طبعاً ليس عند اﻻمام وقت مباح بالمعنى الذي نفهمه، حتى لو كان وقت طعامه وشرابه وراحته. و مع هذا كان يقدم ما قدّمه اﻻسلام، لأن الإمام كان همّه اﻻكبر هو أن يقدم منظومة متكاملة. وخصوصاً؛ يعني أنا أعتقد؛ أنه بعد ثورة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، تلت هذه الثورة وبعد كل ما مر عليها من نتائج وتغيّر في العالم الإسلامي وصدمة و إعادة اﻻمور الى نصابها، ما فعله الإمام الصادق عليه السلام كان ثورة علمية، وكان طبعاً ذلك تكلیف اﻻمام، وهنا تكليف اﻻمام تكليف آخر حسب مقتضيات الزمان والمكان كان ثورة علمية.

واُتيحَ له بين ضعفين؛ بين ضعف الحكم العباسي والأموي، هذه المرحلة يظهر هذا العلم بهذا الشكل الكبير، وقبله ﻻ شك باقر العلم؛ اﻻمام الباقر عليه السلام، لكن ليس بالمقدار الذي اتيح من حيث المقتضيات الزمنية والمكانية للإمام الصادق عليه السلام.

فأنا حاولت أن أستخلص كافة الروايات واعتمد على مصادر ومراجع كثيرة كيف أن الإمام عليه السلام أصّل لأصحابه، “إنا نلقي عليكم الأصول وعليكم التفريع”، إن هذه القضايا لمعات و ومضات كيف أن الإمام ربّ أصحابه على الإستنباط. من باب المثال كيف نهاهم أو تعلموا منه من خلال نهي أبي الحنيفة عن الأخذ بالقياس، و أن أوّل من قاس هو أبلیس، و غير ذلك، و أنّ الدين لابد من الرجوع الى نصوصه و إلى أهله، أو كما قال الإمام في الرواية الإمام باقر عليه السلام لبعضهم شَرّقا أو غَرِّبا.

هذا التأديب وهذه التربية القوية المتينة العميقة هي التي ساعدت على وصول المذهب غضّا طريّا الى يومنا هذا، بهذا العمق. بل أعظم من ذلك كانت بركات السماء و بركات صاحب الزمان من ذاك الوقت، من غيبة الكبرى، الى يومنا هذا. يعني ما بعد الغيبة الكبرى إلى يومنا هذا كانت هناك فعلاً تأييدات إلهية وتأييدات من الولي الأعظم لإستمرار المذهب ولإستمرار عمل العلماء.

لا شک ان العلماء بمراحل؛ بین المتقدمين والمتأخرين، كان هناك طفرات نوعية، یعنی کما نعلم أن علم الاصول كيف بدأ؟ بمثل کتاب العلامة الحلی “الوصول إلى علم الأصول” كان عبارة عن کرّاس صغير، أو حتى ایام الشهید الثانی کان كرّاسات صغيرة.

الآن أصبحت موسوعات كبرى. هذا التطوير هو نتيجة هذه التراكمات ونتيجة تربية الإمام لأصحابه على كيفية إستنباط الحكم وأخذ الحكم الشرعي. مثلاً الإمام عليه السلام بكثير من المحاورات والأسئلة والأجوبة والمجتمع كان متفقه المجتمع وكان يقرأ القرآن.

مثلا يأتي ابا الكاهل أو غيره لمّا يسأل الإمام عليه السلام أنه : وقعت و تعثر قدمی و انقطع ظفری وضعت علیه مرارة فکیف أمسح علیه؟ أو یمكن الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام فيقول: إمسح علی اللباس لا باس ان تمسح علیه.

هنا السؤال: اللطيف أن السائل لم یکتفی بقول شكراً، کما نحن نفعل. بل سأله: انت من أين جئت هذا ، ومن أين أتيت بهذا من الكتاب؟ قال له: هذا و شبهه يعرف من كتاب الله تعالى : «ما جعل علیکم فی الدين من حرج»، هذا يدل على أن الإمام يعني كمجلس علميّ، سواء كان هو من يبدأ السائل أو الإمام يقول له، هذ طبعاً تعليم.

كيف تستنبط الحكم، كيف تأخذ الحكم. دورة متكاملة إلى أن وصلنا إلى النتيجة، طبعاً أنه مرّت في ما بعد عصر الغيبة الكبرى، وكيف العلماء طوّروا العلم و إلى آخره. و كيف تطور العلم الأصول مروراً بحركة الأخبارية وبعد أن قطّعنا هذا الموضوع، إلى يومنا هذا، كيف يستنبط الفقيه الحكم الشرعی، وضعتُ خرائط و وضعت جداول و اعطيتُ أمثله و نماذج علی ذلک، کیف يستنبط الحكم الشرعي، و وصلت إلى هذه النتيجة أن هذا ما توصل إليه الفقيه هو بسبب هذه التربية التي ربّ الإمام عليه السلام أصحابه عليها. و الحمدلله رب العالمين.

أتذكر في ليلة من الليالي، كنت وأنا في خضم الكتابة وحالة الإستمتاع وأنا أكتب، أذكر كنت أجلس علی طاولتی واكتب، لكثرة حالة الهيام والشغف بشخص الإمام الصادق عليه السلام، بكيت طويلاً بعد ما شعرت أنني صرت قاب قوسين وأدنى من إلانتهاء من الكتابة في هذا البحث المبارك، بكيتُ طويلاً، قلت فی نفسی أنه أنا أن طالعت وليس عشرات الکتب بل مئات الكتب، سواء في حياة الإمام الشخصية أو كل ما ورد عنه في الموسوعات أو الكتب المطبوعة عن الامام و الروایات، يومها قلت أنا ناقصني بعد شيء واحد فقط، كان ناقصني الصورة، صوره الإمام عليه السلام. لأنني عشت مع الإمام في فتره ست سنوات، و أنا أبحث، یعنی علّني أن أخذ شیئاً من هذا العلم الشریف والمبارک. و أسأل الله أن یمنّ علي بالشفاعة من الإمام الصادق عليه السلام.

بالمناسبة لكثرة ما إشتغلت بكتاب الوسائل، فقد أهديت ثواب كتابی الاطروحه للتربية الفقهية، للشیخ الحرّ العاملي قده.

 

معلومات عن الكتاب وتحميله

معلومات عن الكتاب وتحميله

فلسفة التربية الفقهية
تأليف | الشيخ الدكتور محمد أحمد حجازي

الشخصيّة التي نقف على طلائع أنوار معارفها، وغزارة فيضها العلمي، وعمق غورها، لننهل من لمعات بحرها، ليست شخصية عادية، أو يمكن مقارنتها بباقي الشخصيّات العلميّة، إنما هي النموذج الذي انحنت لها الأقلام تأدّباً، واستسلمت لها الأفكار خجلاً واحتراماً.

وعنيتُ بهذه الشخصية الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) الذي أجمع أهل زمانه، ومن تبعهم بإحسان، على أنّه أعلمُ مَنْ عليها.
وعند اختيارنا لأيّ موضوع علميّ يحكي عن جانب من جوانب شخصيّة الإمام الصادق(عليه السلام)، فإنّنا لا ندّعي القدرة على كشف أسرارها، وبالأحرى لسنا بصدد الحديث عن ذلك، إنما أقصى ما نقصد تناوله، هو كيفيّة الاستفادة من مبادئه (عليه السلام) العلميّة والدينيّة، وجعلها قواعد علميّة نستعين بها على تحديد معالم هذا البحث، وبخاصّة فيما يتعلّق بالقواعد الفقهيّة والأصولية التي وضعها(عليه السلام) وأصّلها وترك لنا التفريع عليها.

ومن هنا، فقد كتب الكثير من أهل العلم والباحثين عن حياة الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) من ولادته إلى وفاته حسب التسلسل التاريخي والأحداث التي وقعت في المدينة وذلك الظرف الزماني.
وقد أفاضوا في كتاباتهم عن تأسيسه للحوزة العلمية في المدينة والكوفة، ومدى نشاطه فيهما، وذكروا تلاميذه ورواته، كلاًّ أو بعضاً، حسب تتبّعهم وأغراضهم العلميّة.

وذهب آخرون للحديث عن تلاميذه حسب علومهم، فمنهم المتكلّم، ومنهم الفقيه، أو المفسّر أو المؤرّخ، وقد أفرد بعض العلماء، كتباً خاصة عن بعض تلك الشخصيات، كالفقيه الأكبر زرارة بن أعين، أو المتكلّم البارز هشام بن الحكم وغيرهما.
وقام البعض بجمع أحاديثه، أو مناظراته العلميّة كما فعل السيّد كاظم القزويني بجمع أحاديثه بترتيب حسن في كتابه الكبير موسوعة الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) الذي طبع منه إلى الآن ما يقارب ثمانية وعشرون مجلداً أو ما يزيد.
وثمّة علماء ذهبوا إلى الإهتمام بالجانب الفقهي والإستدلالي، ليسلّطوا الضوء على فقه الإمام(عليه السلام) وقواعده الإستدلالية مقارنة مع المذاهب الإسلامية الأربعة.

فقد كتب المحقق الشيخ أسد حيدر، كتاب “الإمام الصادق والمذاهب الأربعة”، وكتب الشيخ محمد جواد مغنيّة “فقه الإمام الصادق”(عليه السلام) الذي لا يخلو من منهج المقارنة، وغير ذلك من عشرات المؤلفات التي كتبت وألّفت حول جوانب شخصيّته المختلفة.

ولكن لمَّا رجعنا إلى تلك الكتب وغيرها مما اطلعنا عليه، لم نجد بحثاً مستقَّلاً عالجَ المنهج التربوي والطريقة التي تفرَّد بها الإمام الصادق(عليه السلام) في كيفيّة تفقيهه لتلاميذه وتربيته لهم، وتعليمهم قواعد الإستدلال والإستنباط والطرق التي يتبعها الفقيه لاستخراج الأحكام الشرعيّة من أدلتها الفرعية.

وإذا كان البحث عن خصائص شخصية الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) ونقل أحاديثه وآرائه وفتاواه المستندة إلى الوحي، ملازمتي لفهم شيءٍ من طريقته في التفقّه والتفقيه، إلاّ أنّ ثمّة فرقاً كبيراً بين أن يبحث أحدٌ عن فتاوى الإمام الصادق(عليه السلام) وكيفية استفادة الباحث ضمناً من تلك الفتاوى والأحكام، وبين أن يُسلّط الضوء بشكل خاص على تربية طلاّبه وتعليمهم الطرق المختلفة للتفقّه في الدين، التي يتميّز بها(عليه السلام) عن أئمّة الفقه والمذاهب الإسلاميّة الأخرى.

ولذلك، فإنَّ طرق التربية وتعليم الفقه التي يستند إليها الفقيه في العملية الإستدلالية كثيرة ومتشعّبة إلى أبحاث مختلفة، وهذا ما أثبته العلماء المتخصّصون في مادة علم الأصول الكفيلة باستنباط الأحكام الشرعية.
واستناداً إلى هذه الحقائق، فإنّ إثبات الطرق العلميّة عند الإمام الصادق(عليه السلام) تحتاج إلى إفراد أبحاث مختلفة من خلال النظر الدقيق في سيرته العلميّة، سواء كان ذلك عن طريق استناده إلى الآيات القرآنية، أو الروايات المفسّرة للآيات، والتي تخصّصها أو تقيّدها.

من هنا، كان بحثنا هذا يهدف إلى تسليط الضوء على المنهجيّة التربويّة التي اعتمدها الإمام(عليه السلام) مع طلابه، وبخاصّة من القرآن الكريم.

فمن طُرقهِ(عليه السلام) التي اتَّبعها لتعليم طلاّبه كيفية الإستدلال بظواهر القرآن الكريم على الأحكام، أنَّه بعدَما يلفت نظَر طلابه إلى ظهور آية من الآيات القرآنية، في حكم من الأحكام الشرعيّة، فيعود ويستعين بآية أخرى يستدل بها، ويستعين بظهورها على تأكيد أو تفسير الآية الأولى نفسها لتثبيت ذلك الحكم الشرعي، أو تكون الاستعانة بالآية الثانية ردَّاً على شبهة اعتقد بها الآخرون واعترضوا على نتيجة الإستدلال بها.

فحينما استفاد(عليه السلام) وجوب القصر في الصلاة من قوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصّلاَةِ)1)، مع علمه بأنّ الآخرين من أئمة المذاهب ذهبوا إلى استفادة معنى الإباحة والجواز من كلمة فلا جناح عليكم، فذهب إلى تدعيم استنباطه من آية أخرى، وهي آية السعي بين الصفا والمروة حيث ذكر الله تعالى: Nإِنّ الصّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ فَمَنْ حَجّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطّوّفَ بِهِمَا(2)، ومن المعلوم أنَّ أكثر المسلمين متّفقون على انَّ السعيَ من واجبات الحجّ لا من مستحبّاتها، والدليل على ذلك هو لفظ: Nفَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطّوّفَ بِهِمَا. وله(عليه السلام) في مثل ذلك، كثير من الإستنباطات التي كان يستند فيها إلى تفسير القرآن بالقرآن.

وكذلك الأمر لو نظرنا إلى استدلاله(عليه السلام) بالروايات التي كان يرويها عن رسول الله، أو عن جدّه أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، وغيره من الأئمة السابقين حيث كان يُعلّم طلاّبه كيفيّة الاستناد إلى تلك الروايات، مع كونه(عليه السلام) كان غنيّاً عن الإستدلال بها لضرورة أن فتواه(عليه السلام) بنفسها حجَّة مثل كلام آبائه(عليه السلام)، إلا أنَّه أراد بذلك تفقيههم وتعليمهم كيفية استنباط الحكم من الحديث.

وكذلك الحال في ما كان يستدلّ أو يأمر بالإستدلال به عن طريق الإجماع والشهرة، وما شابه ذلك، فنراه يقصد بذلك تعريف طلاّبه على طريقة الإستدلال بهما، لا توقف حجيّة كلامه عليهما، فكان مقصوده(عليه السلام) إن المتفقّهين في الدين إذا كانوا في زمان أو مكان لم تصل أيديهم إلى إمام زمانهم فيعرفون كيف يستنبطون الأحكام عن أدلّتها الفرعيّة.
فقد روي في موارد عديدة عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) أنَّه كان يبدأ بالمسلّمات عند جميع الفرق والمذاهب الإسلامية، أو على الأقل في الأمور التي أجمع عليها فقهاؤهم، فيراها مطابقة لشريعة جدّه محمد(-)، ثم يبني(عليه السلام) عليها ما يريده من أحكام وعقائد.

والظاهر أنَّ استناده إلى اتّفاق المسلمين أو إجماع علمائهم، لم يكن مجرّد إلزام الخصم بما يلتزمون به، وإن كان هذا ملحوظاً في استدلاله، إنما كان استناده إلى الإجماع كدليل من الأدلّة الشرعيّة لأجل أن يظهر ما هو مقبول عنده(عليه السلام)، بخاصّة أنَّ رأيه(عليه السلام) ورأي آبائه المعصومين(علیهم السلام) يكون داخلاً في إتفاق جميع المسلمين أو إجماع العلماء.

وعليه يكون الإجماع حجّة من جهة دخول رأي المعصوم فيه، وإن كان الآخرون يكتفون بحجيّة الإجماع لمجرّد إجماع فقهاء المسلمين، دون دخول آراء المعصومين(علیه السلام) في مثل هذه الإجماعات.

من خلال طرق الإستدلال هذه، نلاحظ كان الإمام(عليه السلام) يُعلّم أصحابه كيفيّة الإستنباط من الكتاب والسنّة والإجماع والعقل، ويردعهم عن التمسّك بقسمٍ من آية أو حديث أو إجماع وغير ذلك، ويأمرهم بالاستناد إلى قسم منها، ثم بعد ذلك يشرح لهم كيفية ذلك وطريقته.

وبتعبير أوضح، إن طرقَ الإستنباط المختلفة من أدب وسيرة وإجماع وغير ذلك، هي كالآلات والأدوات المستعملة في عملية الإستنباط، ومع الإقرار بالحاجة العلميّة إلى تلك الطرق المختلفة للإستنباط، نعتقد جازمين أن أمثال التلامذة كانوا بحاجة ماسّة إلى أستاذ معصوم يعلّمهم استخراج الأحكام الشرعيّة من الكتاب والسنّة وغيرهما، ويبين لهم الصحيح والفاسد من طرق الإستنباط وهذا ما قصدناه من التربية الفقهيّة لتلامذة الإمام الصادق(عليه السلام).

ومن هنا، فإننا ومن خلال سبرنا لمفاصل هذه الدراسة وقراءتنا لعشرات الكتب التي تناولت حياة الإمام الصادق(عليه السلام) لاحظنا أمورًا عدّة:

أولاً: إتباع العديد من أصحاب تلك المصنّفات منهجيّة التكرار والإضاءة على تفاصيل شخصيّة، أو عامّة مكرّرة دون ربط بعضها بالبعض الآخر، مما يبقينا أمام مشكلة من مشاكل الجمود الفكريس وهو عدم التجديد في هذا الموضوع. وكلامنا هنا لا يعني أنّنا بلغنا حدّ الكمال في موضوعنا ومقصدنا، وإنّما على الأقل حاولنا أن نخرج من التكرار والرتابة إلى الإستقصاء الجدي عن تفاصيل ضرورية تتعلّق بحياة الإمام(عليه السلام) العلميّة التربويّة.

ثانيًا: إهمال العديد من الجوانب التي ينبغي التوقف عندها، خصوصًا أنّ شخصية “الصادق(عليه السلام)” تحتاج إلى دراسات واسعة لإدراك حقائقها العلميّة، سواء أكان في الموضوع التربوي الفقهي أم غيره من الجوانب العلميّة التي ظهرت على يديه، والتي لم تبحث جميع مجالاتها على نحو مستقل.

لذا، فإنّنا بحاجة ماسّة إلى إعادة صياغة حياة الإمام(عليه السلام) بطريقة منهجيّة متناهية في الدّقة والتتبع والموضوعيّة لبلوغ ذلك المقصد الراقي.

ثالثًا: لم تخلُ بعض المصنّفات من الكثير من الإضاءات والخطوات اللامعة حول شخصيّة الإمام(عليه السلام)، وهذا مؤشّر كبير وإيجابي لنحو منحى جديد في فهم هذه الشخصيّة العلميّة. ولقد حاولنا بكل مسؤولية ووعي أن ننطلق من حيث توقف الآخرون، وعدم الوقوع في التكرار غير المجدي وغير الموضوعي، باستثناء ما يقتضيه أحيانًا البحث العلمي وتتطلبه الدراسات العلميّة الهادئة.

رابعًا: إنّ الأبحاث العلميّة تتوقف قيمتها العلميّة على جدّتها وجديدها، وما وصلنا إليه هو أن الحقائق العلميّة يجب أن تقال دون خوف أو تردد بعيدًا عن العصبية الشعواء التي لا تبقي ولا تذر، وفي مثل هذا البحث يمكننا أن نصل إلى مساحات واسعة من الحقائق التي تولد الإنسان علميّاً وفكريّاً من جديد، وتعرّفه على المضمون الفكري النابض بالحياة، وكأن الكاتب يكتب كلماته وإيقاعات قلمه تجري على نبضات قلب الإمام(عليه السلام) نفسه.

ولأجل تتميم مسائل هذا الموضوع من مختلف جوانبه عقدت بحثي على مقدمة وأربعة أبواب وخاتمة:أشرت في المقدمة إلى أهمية الموضوع والدافع لاختياره، وإلى المنهجية المتّبعة في البحث، والتي تنوّعت بتنوّع مواضيعه، فاتّسمت بالإستقراء والاسترداد والمقارنة والإستدلال والتحليل.

وخصّصت بالأول للكلام على جذور التربيّة الإنسانية ومبادئها. فتكلّمت في الفصل الأول منه على تعريف التربية وأنواعها وأهدافها، وأفردتُّ الفصل الثاني، للكلام على التربية قبل الإسلام، وتحدّثت في الفصل الثالث من هذا الباب عن التربية في الإسلام، والتي شكّلت بمجملها منهجاً متكاملاً، احتذاه الإمام الصادق(عليه السلام)، وسار على هديه نظرياً وعمليّاً.

وأفردتُّ الباب الثاني للكلام على المنهج التربوي عند الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، فتكلّمت في الفصل الأول منه على سيرة الإمام الصادق(عليه السلام)، وبخاصّة العلميّة والفكريّة منها وتناولت في فصله الثاني أُسس التربية الفقهيّة ونشأتها، وركّزت على النص والعقل كمصدرين من مصادر التشريع في الإسلام.
وتكلّمت في الفصل الثالث من هذا الباب على مشروعية الإجتهاد وقواعد الإستدلال، وجعلت الباب الثالث للكلام على خصائص التربيّة الفقهية عند الإمام الصادق(عليه السلام). فعرضت في فصله الأول للكلام على أقسام الفقه عند الإمام، فتحدّثت عن الفقه السياسي والإقتصادي والإجتماعي.

وعرضت في الفصل الثاني للكلام على قواعد التربية الفقهية بين الإمام الصادق(عليه السلام) وسائر أئمة المذاهب الإسلامية.
وخصّصت الفصل الثالث من هذا الباب للكلام على مقارعة الإمام للانحرافات، وتجنّبه لأخذ الأحكام عن العامّة.

أما الباب الرابع والأخير، فقد تكلّمت فيه على أثر المنهج التربوي عند الإمام في الفكر الإنساني، فتكلّمت في الفصل الأول على أثر المنهج التربوي عند الإمام في إثراء الفقه الإسلامي الإمامي، وتكلّمت في الفصل الثاني على أثر الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في التربية الفقهية على الحوزة العلمية الإمامية الإثني عشرية، وركّزت على المعوّقات التاريخيّة التي واجهتها تلك الحوزة.

وعرضت في فصله الثالث منه لأثر المنهج التربوي عند الإمام(عليه السلام) في الفكر الإنساني بشكل عام وبخاصة على المستوى السياسي والإقتصادي والتشريعي.
وأنهيت البحث بخاتمة لخّصْتُ فيها مُجمل ما وَرد في الدراسة، وما آلت إليه من نتائج توخّيتها.
أرجو من الله تعالى أن يوفّقني لأداء بعض ما يمكنني فهمه من هذا الموضوع وهو ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين.

[1]ـ النساء: 101.
[2]ـ البقرة: 158.

تحميل الكتاب

 

almojam

2 تعليقات

  1. سلام عليكم وشكرا على جهودكم لكن وإن كان موقعكم تخصصي ويهتم للقضايا الحوزوية ولكن مقالاتكم طويلة جدا وتسبب الملل

    الإعلام يحتاج إلى مقالات مختصرة مفيدة وشاملة وليس مطولات

    • وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      شكرا لكم لاهتمامكم بالموقع
      كلامكم دقيق وفي محله
      لكن بعض الأحيان لابد من نشر بعض الحمقالات الطويلة
      سنسعى ان شاء الله نشر الملخصات بقدر الإمكان
      شكرا لكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign