خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / معجم / مسلك السببيَّة

مسلك السببيَّة

وهي من النظريات التي تصدّت لتفسير ماهو المجعول في الأمارات، ومجمل المراد من هذه النظريّة هو انَّ الأمارة جعلت سبباً لتدارك ما يفوت من مصلحة الواقع.

وقد عالج الشيخ الأنصاري (رحمه الله)بهذه النظريّة اشكال ابن قبة على التعبُّد بالظن وانَّه يستلزم تفويت مصلحة الواقع على المكلّف كما يوجب ايقاعه في مفسدة الواقع لو اتّفق منافاة مؤدى الأدلّة الظنيّة للواقع، وقد تصدى الاعلام للإجابة عن هذه الشبهة، ومن هذه الإجابات ماذكره الشيخ الأنصاري (رحمه الله) من انَّ المجعول في الأمارات هو السببيَّة، وذكر انَّ لمسلك السببيَّة اتجاهات ثلاثة:

الاتجاه الاول: هو السببيَّة الأشعريَّة، وحاصل المراد منها هو انَّه ليس لله جلَّ وعلا أحكام وراء قيام الأمارات، بمعنى انَّه ليس ثمّة أحكام واقعيّة تابعة لملاكات في متعلقاتها، والموجود انما هي أحكام مستفادة من مؤديات الأمارات وانَّ قيامها يكون سبباً في حدوث مصلحة في جعل الأحكام واعتبارها على طبق مؤديات تلك الامارات، وقد شرحنا هذه النظريّة تحت عنوان (التصويب الأشعري) (التخطئة والتصويب).

الإتجاه الثاني: هو السببية المعتزليَّة، وحاصل المراد منها هو التسليم بوجود أحكام واقعيّة تابعة لملاكات واقعيّة إلاّ انَّه عند قيام الأمارة تنشأ مصلحة في مؤداها أقوى من مصلحة الواقع فيقتضي ذلك تبدُّل الحكم الواقعي إلى حكم مطابق لمؤدى الأمارة، فيكون ذلك من قبيل طرو العناوين الثانويَّة المقتضية لتبدُّل الحكم الاولي إلى حكم يتناسب مع العنوان الثانوي الطارئ.

ومع انكشاف منافاة الأمارة للواقع تزول المصلحة عن مؤداها ويلزم التعبُّد بما هو مقتضى الواقع إلاّ انَّ تبدُّل الحكم حينئذ يكون بسبب تبدُّل الموضوع، بمعنى انَّه قبل انكشاف الواقع لا مصلحة في متعلّق الحكم الواقعي وانَّ المصلحة متمحّضة في مؤدى الأمارة، وأمّا بعد انكشاف منافاة الأمارة للواقع تنتفي المصلحة المتعلِّقة بمؤدى الأمارة وتصبح المصلحة في متعلَّق الواقع، وهذا هو الذي يوجب تبدُّل الحكم.

وقد شرحنا هذه النظريّة بشيء من التفصيل تحت عنوان (التصويب المعتزلي).

الإتّجاه الثالث: السببيَّة بمعنى المصلحة السلوكيّة – بحسب تعبير المحقّق النائيني (رحمه الله) – وهي التي تبناها الشيخ الأنصاري (رحمه الله)، وحاصل المراد منها انَّ لله جلَّ وعلا أحكاماً واقعيّة تابعة لملاكات واقعيّة في متعلقاتها وانَّ هذه الملاكات لا تنتفي بقيام الأمارات على خلاف الواقع، غايته انَّ قيام الأمارة يقتضي نشوء مصلحة في سلوك الأمارة والجري على وفقها، هذه المصلحة يُتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقعة .

ولأنَّ المصلحة في سلوك الأمارة ثبتت بواسطة مقدمتين الاولى هي أدلّة الحجيَّة للأمارة، والثانية هي قبح تفويت مصلحة الواقع، إذ استفدنا من مجموعهما انَّ الأمارة سبب في نشوء مصلحة في سلوكها والجري على وفق مؤداها فتكون هذه المصلحة جابرة للمصلحة الواقعيّة الفائتة، فلأنّ المصلحة السلوكيّة نشأت عن ذلك تكون النتيجة هي اختصاص اشتمال السلوك على المصلحة بالمقدار الذي يفوته سلوك الأمارة من مصلحة الواقع.

فلو صلَّى المكلَّف صلاة الجمعة استناداً إلى الأمارة ثمّ انكشف له انَّ الواقع هو وجوب صلاة الظهر، فتارة يكون الإنكشاف بعد أوّل الوقت وحينئذ يكون ما تداركته المصلحة السلوكيّة بمقدار ما فات من مصلحة الواقع والذي هو في الفرض مصلحة الوقت الفضيلي لصلاة الظهر، فلا تقتضي المصلحة السلوكيّة تدارك مصلحة أداء صلاة الظهر في الوقت، ومن هنا يلزم المكلَّف أداء صلاة الظهر في الوقت، إذ لا يقتضي أداء صلاة الجمعة أكثر من تدارك ما فات من مصلحة أول الوقت.

أمّا لو انكشف الواقع بعد انتهاء وقت صلاة الظهر فإنَّ المصلحة السلوكيّة تقتضي حينئذ تدارك ما فات من مصلحة الوقت، ولا تقتضي تدارك مصلحة أصل الصلاة، ولهذا يلزم المكلّف قضاء صلاة الظهر بعد الوقت، نعم لو لم ينكشف الواقع فإنَّ مصلحة سلوك الأمارة تقتضي تدارك ما فات من مصلحة أصل الصلاة.

ثم انَّه لمَّا لم تكن المصلحة في قيام الأمارة وانما هي في سلوكها بعد قيامها لمَّا كان كذلك فإنَّ المكلَّف لو لم يعمل بمقتضى الأمارة – فلم يكن فوات الواقع مستنداً لسلوك الامارة – فإنَّ مصلحة الواقع لا تكون متداركة.

هذا هو حاصل المراد من السببيَّة بنحو المصلحة السلوكيّة والتي تبناها الشيخ الأنصاري والمحقق النائيني (رحمهما الله) .

Slider by webdesign