خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / معجم / قياس مستنبط العلَّة

قياس مستنبط العلَّة

اتّضح ممّا ذكرناه تحت عنوان (القياس الاُصولي) انَّ المعنى الأوّل هو المعنى الرائج بينهم وانَّه يعني تعدية حكم ثابت لموضوع إلى موضوع آخر، وذلك للإتّحاد بين الموضوعين في العلّة.

والمقصود من العلّة اجمالا – وقد أوضحنا المراد منها تحت عنوان (العلّة والحكمة) – والمقصود منها الملاك الذي ينشأ عنه جعل الحكم لموضوعه أو العلامة التي جعلها الشارع وسيلة لاستكشاف موارد ثبوت الحكم دون أن تكون هذه العلامة هي المناط لجعل الحكم.

وباتّضاح المراد من العلّة نقول انَّها تارة تكون منصوصة، بمعنى انَّ الشارع قد نصَّ على انَّها المناط من جعل الحكم على موضوعه أو نصَّ على انَّها العلامة والضابطة لاستكشاف موارد الحكم، وتارة لا تكون منصوصة فيتعيَّن انَّها مستنبطة، أي متصيدة باحدى الوسائل المنتجة للظنّ أو القطع بكون هذا الشيء هو العلّة بالمعنى الاول أو الثاني.

وبذلك يتّضح انَّ قياس مستنبط العلّة هو الذي يتمّ فيه تعدية حكم ثابت لموضوعه إلى موضوع آخر، وذلك لاتّحادهما في العلّة المستنبطة.

وبهذا تعرف انَّ هذا النحو من القياس تُبذل فيه عنايتان، الاولى هي التحرِّي عن العلّة، والثانية هي تعدية الحكم المعلوم من موضوعه إلى الموضوع المجهول الحكم، وتمام الأقسام المذكورة لهذا النحو من القياس انَّما هي بلحاظ الاُولى.

وقبل استعراض هذه الأقسام نذكر هذا التطبيق ليتّضح به معنى استنباط العلّة، مثلا: عندما نقف على هذا الحكم وهو حرمة التصرُّف في مال اليتيم المستفاد من قوله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ)، فإنَّه لم تُذكر العلّة صريحاً في الآية المباركة لا بالمعنى الاول ولا بالمعنى الثاني، وعلينا هنا ان نستنبط العلّة من حرمة التصرُّف في مال اليتيم.

فإذا تعلَّق الغرض باستنباط العلّة بالمعنى الأوّل فهذا يقتضي البحث عن ملاك جعل الشارع الحرمة على التصرُّف في مال اليتيم، فنقول: انَّ التصرُّف في مال اليتيم ظلم، إذن العلّة والملاك من جعل الحرمة على التصرّف في مال اليتيم هو الظلم، وبهذا نتمكّن من نفي الحرمة عن التصرُّف في أمواله لو لم يكن في ذلك التصرُّف ظلم، كما نتمكّن من إثبات الحرمة للتصرّف في أيِّ مال إذا كان في ذلك التصرُّف ظلم.

أمّا إذا تعلَّق الغرض بالمعنى الثاني فهذا يقتضي مثلا تجريد لفظ اليتيم من مضمونه الدلالي ليكتسب وصف الضابطة الكاشفة عن موارد الحكم، كأن يقال انَّ المراد جدّاً من اليتيم هو كلّ من لا يستطيع التصرُّف في أمواله بصورة تعود بالنفع عليه.

وبهذا التجريد نتمكّن من اثبات الحرمة لمجموعة من الموضوعات مثل السفيه والمجنون والمغلوب على أمره لاستضعاف أو قهر أما إلى ذلك.

ثمّ انَّ لاستنباط العلّة مجموعة من الطرق، وهذه الطرق هي المعبَّر عنها بأقسام قياس مستنبط العلّة.

القسم الاول: استنباط العلّة بواسطة الدوران، بمعنى أن نجد انَّ الحكم يدور مدار شيء وجوداً وعدماً دون التصريح بأنَّ ذلك هو مدار الحكم، وحينئذ نستكشف انَّ علّة ثبوت الحكم لموضوعه انَّما هو ذلك الشيء، إمَّا لأنَّه مناط الحكم وعلّة جعله أو لأنَّه الضابطة التي يتعرف بها على موارد ثبوت الحكم، إذ لا معنى للدوران غير أحد هذين الأمرين.

ومثاله: وجوب الإعتداد على المرأة، فنلاحظ انَّ الشارع أوجب الإعتداد على المرأة لو طُلقت بعد الدخول بها ونفى عنها وجوب الإعتداد لو طُلّقت ولم يكن زوجها قد دخل بها أو كانت صغيرة أو يائساً، وهذا معناه انَّ وجوب الإعتداد يدور مدار أهليّتها للحمل.

وهذه هي العلَّة المستنبطة، وهي من العلل بالمعنى الثاني، وبهانتمكّن من نفي وجوب الإعتداد على المطلقة لو كانت مقلوعة الرحم مثلا، إذ انَّها منطبَق لهذه الضابطة المستنبطة، وكذلك لو قطعنا بواسطة الوسائل العلميّة انَّها عقيمة أو انَّ زوجها كان عقيماً أو انَّها أو زوجها كان يستعملان موانع الحمل أو كان زوجها قد دخل بها في وقت أثبت العلم انَّه لا يمكن معه الإخصاب، فإنَّ تمام هذه الموارد منطبق لهذه الضابطة المستنبطة.

والملاحظة التي ترد على هذه الوسيلة هو انَّ الدوران يرجع دائماً إلى الإستقراء والتتبّع، فنحن انَّما نصل للدوران بواسطة تتبع واستقراء موارد ثبوت الحكم واستقراء موارد انتفاء الحكم وبواسطته نتمكّن من احراز دوران الثبوت والإنتفاء مدار شيء معيّن، وواضح انّنا لا نتمكّن من احراز الدوران إلاّ مع الإستقراء التام، أما مع افتراض كون الإستقراء ناقصاً فلا يمكن معه احراز الدوران.

وبهذا لا يتأهّل الدوران الناشيء عن الإستقراء الناقص للكشف عن علّة ثبوت الحكم وانتفائه، إذ لعلَّ بعض الموارد التي لم نتحصّل عليها بالإستقراء تكون مانعة عن تحقّق الدوران، ومن الواضح جدّاً انَّ الإستقراء في الشرعيّات دائماً يكون ناقصاً، لأنَّ المفترض هو الجهل بحكم هذه الموضوعات والتي يُراد بواسطة الدوران الناشئ عن الاستقراء التعرُّف على حكمها.

ففي المثال المذكور عثرنا بواسطة الإستقراء على بعض الموارد التي ثبت فيها وجوب الإعتداد وعثرنا كذلك على بعض الموارد التي كان وجوب الإعتداد منفيّاً عنها وبقيت موارد لا ندري ماهو حكم الله تعالى فيها، وحينئذ كيف نحرز الدوران مع احتمال انَّه لو وصل إلينا حكم الله لكان مانعاً عن ثبوت دوران وجوب الإعتداد وعدمه مدار الأهلية للحمل، فلا سبيل لإحراز الدوران بعد اناطته بالإستقراء التام والمفترض عدمه، إذ مع تماميّة الإستقراء لا تكون ثمّة فائدة للدوران واستنباط العلّة.

نعم مع الإستقراء الناقص يحصل الظنّ بالدوران إلاّ انَّ الظنّ ساقط عن الإعتبار بلا ريب إلاّ أن يقوم دليل قطعي على اعتبار هذا النحو من الظنّ وإلاّ فالأصل في الظنّ هو عدم الحجيّة كما هو ثابت بالآيات والروايات والدليل العقلي القطعي، إذ انَّ نسبة فعل أو قول لأحّد بمجرَّد الظنّ قبيح ويشتد القبح حينما يكون الإسناد بغير علم للشارع المقدّس.

القسم الثاني: استنباط العلّة بواسطة المناسبات العقليّة ويعبَّر عنها بتخريج المناط أي تعيينه، ومورد هذا القسم هو أن نجد انَّ الشارع جعل حكماً على موضوع ولم يصرِّح بالعلّة إلاّ انَّ المناسبات العقليّة تقتضي أن تكون العلّة من ثبوت الحكم لموضوعه شيئاً معيّناً، وحينئذ يكون هذا الشيء المستنبط بواسطة المناسبات العقليّة صالحاً لأن يستكشف به حكم موضوعات اخرى متوفّرة على هذه المناسبة العقليّة.

ومعنى المناسبة العقليّة هو إدراك العقل لوجه التناسب بين الحكم وموضوعه، وهذا الوجه هو المعبَّر عنه بالعلّة والمناط المستنبط والمستخرج.

ومثاله: ان يجعل الشارع وجوب الزكاة في النقدين المضروبين بسكّة المعاملة، فإنَّه لم يصرّح في خطاب الوجوب بالعلَّة إلاّ انَّ العقل يستنبط من ملاحظة نحو التناسب بين الحكم والموضوع انَّ العلَّة من ايجاب الزكاة في النقدين هو انَّهما مدارالمعاملات التجاريّة كالبيع والإجارة والمضاربة وغيرها، ومن هنا نتمكّن من تعميم الحكم بالإيجاب ليشمل كلّ مال اتّفق ان صار مدار المعاملات التجاريّة، كالأوراق النقديّة، كما نتمكّن من نفي الوجوب للزكاة عن النقدين لو أصبح التعامل بهما ثانوياً فلم يكونا مداراً في المعاملات رغم بقائهما مضروبين بسكّة المعاملة، وذلك لأنَّ الأحكام تابعة لموضوعاتها وجوداً وعدماً والمفترض انَّ موضوع وجوب الزكاة ليس هو النقدين المضروبين بسكّة المعاملة بل هو المال الواقع مداراً في المعاملات كما هو مقتضى العلَّة المستنبطة بواسطة المناسبات العقليَّة.

والإشكال على هذا القسم من أقسام العلَّة المستنبطة انَّه وسيلة عائمة لا تخضع لضوابط علميّة معرفية فإنَّ مدركات العقل لا تخلو امّا أن تكون من قبيل مدركات العقل النظري أو انَّها من قبيل مدركات العقل العملي فلابدَّ من إثبات انَّ هذه المناسبة العقليّة راجعة لأحد هذين المدركين العقليين وإلاّ فلا تعدو الوهم أو الظن.

وبتعبير آخر: انَّ المدركات العقليّة بقسميها لا تكون إلاّ قطعيّة فليس للعقل أحكام أو قل مدركات ظنيّة، فالعقل إمّا أن يُدرك الشيء بنحو قطعي أو لا يُدركه أم ان يحتمله أو يظنّه فهذا يساوق عدم الإدراك والحكم.

وحينئذ نقول: انَّ المولى جعل الوجوب على موضوع ولم يصرِّح بشيء آخر فهنا كيف يمكن للعقل أن يحور في ذلك ويقفز إلى ماوراء الغيب ليتعرّف على واقع الموضوع وانَّه أوسع ممّا هو مذكور أو أضيق رغم افتراض انَّ الموضوع المذكور في الخطاب لا يعبِّر لا بمدلوله اللغوي ولا العرفي عن ذلك فليس ثمّة سوى الحدس والظنّ والذي لا يغني عن الحقّ شيئاً (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا)، فهل يقبل أحدٌ من المقننين ان تتصرَّف الرعيّة في موضوعات أحكامه لتوسّع منها أو تضيق اعتماداً على الحدس والظنّ، وهل يقبل العقلاء اعتذار من اعتذر بالمناسبات العقليّة لذلك رغم انَّه لا سبيل للتعرُّف على أغراض أحد إلاّ بواسطة ما يُعبِّر عنه بكلامه أو سلوكه، وهذا ما يتّصل بالإستظهار لا بالمناسبات العقليّة.

القسم الثالث والرابع: قد أوضحناهما تحت عنواني (السبر والتقسيم) و (تنقيح المناط).

Slider by webdesign