خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / معجم / حجيَّة القطع

حجيَّة القطع

ذكرنا في بحث (الحجيَّة الذاتيّة) انَّ الحجيَّة الثابتة للقطع إذا كانت بمعنى الحجيّة المنطقيّة فإنَّ ثبوتها للقطع يكون ذاتياً، وأمّا إذا كانت الحجيّة بمعنى المنجزيَّة والمعذريّة فقد وقع البحث في نحو ثبوتها للقطع، وقد ذكرت في ذلك ثلاثة اتّجاهات.

الإتّجاه الأوّل: انَّ المنجِّزيّة والمعذريّة للقطع نشأ عن التباني العقلائي بملاك انَّ عدم ترتيب هذين الأثرين على القطع يُفضي إلى اختلال النظام.

ومن هنا كان عدم ترتيب الأثرين على القطع قبيحاً وانَّ ترتيبهما حسن، والحسن والقبح بناء على مبنى أصحاب هذا الإتّجاه من المتبنّيات العقلائيّة المعبَّر عنها في المنطق بالقضايا المشهورة أو التأديبات الصلاحيّة.

وحينئذ تكون الحجيّة الثابتة للقطع حجيَّة جعليّة وليست ذاتيّة.

وأمّا اعتبار حجيّة القطع بهذا المعنى من موارد الحسن والقبح العقلائيين فهو ناشئ – كما أفاد السيد الخوئي (رحمه الله) – عن انَّ عدم جعل الحجيَّة – بهذا المعنى – للقطع يُفضي إلى اختلال النظام، إذ لو لم يكن القطع منجِّزاً لما كان القاتل مثلا عن عمد مسئولا عن فعله، إذ له أن يقول بأني وان كنت قاطعاً إلاّ انِّي لست مسئولا عن ترتيب الأثر على القطع، كما انَّه لو لم يكن القطع معذِّراً لكان لكلِّ سلطان مثلا أن يعاقب رعيّته على فعل يعتقدون صوابيّته، وهذا من الظلم القبيح، وعندها لا يقوم للناس نظام لعدم وجود ضابط يعتمدونه.

وبهذا يتّضح انَّ منجزيّة ومعذريّة القطع ناشئة عن التباني العقلائي، وباعتبار انَّ الشارع قد أمضى البناء على حجيَّة القطع، فإنَّه حينئذ يكون حجَّة شرعاً.

الإتّجاه الثاني: انَّ الحجيّة الثابتة للقطع انَّما هي بحكم العقل وإلزامه، فهو القاضي بلزوم ترتيب الأثر على القطع أي هو القاضي بمنجزيّته ومعذريّته.

وهذه النظريّة وان كانت ظاهرة من بعض العبائر إلاّ انَّ السيد الصدر (رحمه الله)يشكك في إرادة أصحاب هذه العبائر لما هو ظاهر منها، وذلك لوضوح فساد ماهو مستظهر منها، إذ انَّ العقل ليس من شأنه الحكم والإلزام وتنحصر وظيفته في الإدراك فحسب، كما هو محرّر في محلّه.

وبناء على هذا الإتّجاه لو صحّت النسبة تكون الحجيّة الثابتة للقطع ذاتيّة، والمقصود من الذاتيّة هو الذاتيّة في باب البرهان، والذي يكون فيه وجود الموضوع وتقرّره كافياً في ثبوت الحكم له.

الإتّجاه الثالث: انَّ الحجيَّة الثابتة للقطع من اللوازم الذاتيّة له، وذلك بمقتضى ما يدركه العقل من التلازم بين القطع وبين المنجزيّة والمعذريّة.

وهذا الإتّجاه يختلف عن الثاني من جهة انَّ المدّعى في الإتجاه الثاني هو حاكميّة العقل بحجيّة القطع وأمّا هذا الإتّجاه فهو يبنى على انَّه ليس للعقل سوى دور الإدراك للتلازم الذاتي بين القطع والحجيَّة، فالعقل بناء على هذه النظريّة يدرك انَّ العمل بمؤدّى القطع حسن وانَّ المؤاخذة على ترك العمل بمقتضى القطع حسن، كما انَّه يُدرك قبح التخلُّف عمّا يقتضيه القطع وقبح المؤاخذة على العمل بمؤدى القطع حتى مع اتفاق منافاة القطع للواقع.

وهذا الإتّجاه هو مذهب مشهور الاُصوليّين كصاحب الكفاية والسيّد الخوئي (رحمهما الله).

وحتى يتجلَّى المراد من هذا الإتّجاه لابدَّ من بيان معنى اللازم الذاتي، فنقول : انَّ المراد من اللازم الذاتي – وسيأتي ايضاحه تحت عنوانه – هو المحمول الخارج عن الذات اللازم لها، وذلك مثل الزوجيّة بالنسبة للأربعة، فإنَّ الزوجيّة ليست هي عين الأربعة كما انَّها ليست جزء مقوماً لها إلاّ انّها لازمة للاربعة بحيث يستحيل تخلّفها عن الأربعة.

فالزوجيّة محمول خارج عن ذات الأربعة لازمة لها، وهذه الملازمة ناشئة عن مقام الذات للأربعة، فهي بمقتضى ذاتها تستلزم حمل الزوجيّة عليها، وليس للعقل سوى دور الإدراك للملازمة.

وهكذا الكلام في القطع فإنَّ الحجيَّة نابعة عن مقام ذاته وان كانت مباينة لذات القطع، فهي محمول خارج عن ذات القطع لازمة له، ودور العقل متمحض في إدراك هذا التلازم، فليس هو واسطة في الثبوت كما هو مقتضى الإتجاه الثاني بل هو واسطة في الإثبات.

هذا هو حاصل الإتّجاه الثالث في نحو ثبوت الحجيّة للقطع، وللسيّد الصدر (رحمه الله) اتّجاه رابع تبنى فيه انَّ الحجيَّة – بمعنى المنجزيّة والمعذريّة – ليست لازماً ذاتياً للقطع، وحاصل ما أفاده (رحمه الله).

انَّ إدراك العقل لحسن العمل بمؤدى القطع وحسن المؤاخذة على ترك العمل بمؤداه، وكذلك إدراكه لقبح المؤاخذة على العمل بمتعلّق القطع لو اتّفق منافاته للواقع هذا الإدراك العقلي ليس إدراكاً للملازمة بين القطع بما هو قطع وبين الحجيّة، إذ لا ريب في انَّ القطع الغير المتّصل بأوامر المولى ليس منجزاً ولا معذراً، بمعنى انَّه لا يقبح – بحسب الإدراك العقلي – عدم الجريان على وفق ما يقتضيه هذا النحو من القطع، فلا يُعدُّ التخلُّف عن الاوامر القطعيّة الصادرة عن غير المولى ظلماً، كما انَّ العقل لا يُدرك حسن الجري على وفق الاوامر القطعيّة الصادرة عن غير المولى، وما ذلك إلاّ لأنَّ الظلم معناه سلب ذي الحقّ حقّه وانَّ العدل اعطاء ذي الحقّ حقّه، وهذا ما يستبطن لزوم ثبوت الحقّ لذي الاوامر في مرحلة سابقة عن إدراك حسن الجري على وفق أوامره القطعيّة وقبح التخلُّف عن أوامره.

وبتعبير آخر: انَّ العدل والظلم لا يصدقان إلاّ في حالة يكون هناك حقّ متقرِّر يراعى فيكون ذلك عدلا أو لا يراعى فيكون ذلك ظلماً، وهذا ما يُعبِّر عن انَّ الحجيّة ليست لازماً ذاتياً للقطع بما هو قطع بل هو لازم للأوامر القطعيّة الصادرة عمّن له حقّ الجريان على وفق أوامره.

ومن هنا لابدَّ وان يتّجه البحث إلى ماهو الدليل على ثبوت حقّ الطاعة لذي الأوامر القطعيّة فإن كان الدليل مقتضياً لثبوت ذلك الحقّ كانت أوامره القطعيّة حجّة أي منجِّزة ومعذرة.

وبتعبير آخر: انَّ التنجيز والتعذير ثابتان لاوامر من له حقّ الطاعة ويكون القطع وسيلة لإثبات صدور الاوامر ممّن له حقّ الطاعة، فالقطع يكون وسطاً في الإثبات وحجّة منطقيّة يتوسّل بها للتعرُّف على صدور أوامر من له حقّ الطاعة.

وبهذا يتشكّل قياس نتيجته الحجيَّة الاصوليّة – والتي هي المنجّزيّة والمعذريّة – وكبرى هذا القياس هو الاوامر الصادرة ممّن له حقّ الطاعة وصغراه القطع بصدور هذه الاوامر.

وعندئذ يمكن اسناد الحجيّة للقطع باعتبار وقوعه صغرى في القياس المنتج للحجيّة أي المنجزيّة والمعذريّة.

والمتحصّل انَّ الحجيَّة – بهذا المعنى – ليست لازماً ذاتياً للقطع بل انّها لازم ذاتي لأوامر من له حقّ الطاعة.

Slider by webdesign