خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / معجم / الحكومة بملاك النظر

الحكومة بملاك النظر

قلنا انَّ هناك ضابطين للحكومة وباعتبارهما تمَّ تقسيمها إلى قسمين، ونبيِّن تحت هذا العنوان القسم الاوّل، وهو الحكومة بملاك النظر.

وحاصله: انَّ قوام الحكومة هو نظر الدليل الثاني للدليل الاول لغرض شرحه وتفسيره، وهذا معناه وجود قرينة على انَّ المتكلّم ناظر لكلامه الأوّل وقاصد لشرحه وبيانه، ولذلك صورتان:

الصورة الاولى: أن تكون وسيلة التعبير عن النظر هي أحد أدوات الشرح والتفسير مثل كلمة (أي – أعني – أقصد) وما يؤدى مؤدى هذه الكلمات.

الصورة الثانية: أن تكون وسيلة التعبير عن النظر غير أدوات الشرح والتفسير، كأن يتوسّل المتكلّم للتعبير عن النظر بواسطة التنزيل أو مناسبات الحكم والموضوع.

والسيّد لخوئي (رحمه الله) ذكر انَّ الضابطة لهذه الصورة هي لغويّة الدليل الحاكم لو لم يكن هناك دليل آخر جاء الدليل الحاكم لغرض شرحه وبيانه.

ومثاله: قوله (لا شك لكثير الشك)، فإنَّ هذا التعبير لا يكون مبرَّراً ومعقولا لو لم يكن هناك دليل آخر جاء هذا الدليل لغرض شرحه وبيان بعض حدوده، فلو لم يكن للشك في الصلاة حكم خاص ورد في دليل آخر فما معنى نفي الشك أي حكمه بالنسبة لكثير الشك.

فلغوية الدليل الثاني مع افتراض عدم الدليل الاول هو المعبِّر عن نظر الدليل الثاني للدليل الاول، واذا ثبت النظر ثبتت الحاكميّة للدليل الثاني على الدليل الاول.

ثمّ انَّ للحكومة بملاك النظر اسلوبين:

الاسلوب الاول: ويُعبَّر عنه بالنظر في عقد الوضع: وهو ان يتصدَّى الدليل الحاكم لشرح الدليل الاول عن طريق التصرّف في موضوعه إمّا بنحو التضييق أو بنحو التوسيع، ويكون الغرض من ذلك نفي الحكم عما هو خارج عن حدود الدائرة المضيّقة بواسطة الدليل الحاكم في النحو الاوّل أو اثبات الحكم لما هو أوسع من دائرة موضوع الحكم في الدليل المحكوم في النحو الثاني، ويعبَّر عن النحو الاول بنفي الحكم بلسان نفي الموضوع وتكون الحكومة معه مضيّقة، ويُعبَّر عن النحو الثاني باثبات الحكم بلسان اثبات الموضوع وتكون الحكومة معه موسعة.

ومثال الحكومة المضيّقة: مالو قال المولى: (من شك بين الثلاث والأربع بنى على الأربع وتشهّد وسلّم ثمّ قام فجاء بركعة بفاتحة الكتاب وتشهّد بعدها وسلَّم) ثمّ قال: (لا شكّ لكثير الشك)، فإنَّ الكلام الثاني ناظر إلى الكلام الاوّل، وذلك بقرينة انَّ الكلام الثاني لا يكون له معنىً محصَّل ومعقول لولا وجود كلام سابق يكون هذا الكلام مفسراً له ومبيناً لحدوده، إذ ما معنى أن يقال ابتداءً (لا شك لكثير الشك) لولا أن يكون للشك حكم ثابت بدليل آخر.

وأمّا انَّه كيف يكون الكلام الثاني في المثال متصرِّفاً في موضوع الحكم في الكلام الاوّل فهو لأنَّ المتكلّم استعمل موضوع الحكم في الدليل الاوّل كوسيلة لشرح وبيان حدود موضوع الحكم جداً وواقعاً فنفى بعض أفراد الموضوع عن أن تكون مشمولة للموضوع المجعول عليه الحكم في الدليل الأوّل.

ونفي الموضوعيّة عن هذه الأفراد معناه نفي الحكم عنها، إذ انَّ الاحكام تابعة لموضوعاتها ثبوتاً وانتفاء، ومن هنا قيل بانَّ المنفي روحاً في الدليل الحاكم هو الحكم ولكن بلسان نفي الموضوع أي بواسطة نفي موضوعيّة بعض الافراد عن موضوع الحكم في الدليل المحكوم ومعه ينتفي الحكم عن هذه الأفراد ولمزيد من التوضيح راجع عنوان (نفي الحكم بلسان نفي الموضوع).

وأمّا مثال الحكومة الموسِّعة: فهو مالو قال المولى (لا صلاة إلاّ بطهور) ثمّ قال في كلام آخر (الطواف بالبيت صلاة) فإنَّ هذا اللسان يُعبِّر عن النظر بنفس التقريب السابق، والنظر هنا في عقد الوضع كما في المثال السابق، أي انَّ تصرُّف الدليل الحاكم انَّما هو في موضوع الدليل المحكوم إلاّ انّه بنحو التوسيع من دائرة موضوع الحكم في الدليل المحكوم، فموضوع الحكم في الدليل المحكوم هو الصلاة والحكم المترتّب على هذا الموضوع هو شرطيّة الطهارة، والدليل الحاكم جاء ليشرح المراد من الصلاة في الدليل المحكوم ويثبت انَّ الطواف فرد من أفراد الصلاة، وبذلك يترتّب الحكم المجعول – على الصلاة في الدليل المحكوم – على الطواف، وذلك لأنّه – بمقتضى الدليل الحاكم – فرد من أفراد الصلاة، وبهذا يتوسّع موضوع الحكم في الدليل الاوّل المحكوم وتصبح الطهارة شرطاً للطواف كما هي شرط للصلاة.

فهو إثبات لشرطيّة الطهارة ولكن عن طريق اعتبار الطواف فرداً للصلاة، وهذا هو معنى قولهم (إثبات الحكم بلسان إثبات الموضوع).

الاسلوب الثاني: ويُعبَّر عنه بالنظر في عقد الحمل، وهنا يتوسّل المتكلّم في مقام شرحه لكلامه الاول بالتصرّف في محمول القضيّة في الكلام الاوّل، أي في التصرُّف في نفس الحكم ابتداء دون توسيط الموضوع في ذلك كما في الاسلوب الاول.

ومثال ذلك قوله (ص) (لا ضرر ولا ضرار) وقوله تعالى (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج)، فإنَّ هذين الدليلين ناظران إلى الأحكام الشرعيّة الثابتة في الادلّة الاُخرى، حيث انَّ مقتضى تلك الأدلّه هو ثبوت تلك الاحكام بنحو مطلق سواء كانت ضرريّة وحرجيّة أو لم تكن.

وحينئذ لو فهمنا من الرواية انَّه لم يجعل الله تعالى حكماً ضررياً وفهمنا من الآية المباركة انَّ الله تعالى لم يجعل حكماً حرجياً فإنَّ الدليلين يكونان حاكمين على أدلّة الأحكام الشرعيّة الاوليَّة وموجبين لتضييق دائرة تلك الاحكام.

وتلاحظون انَّ هذين الدليلين قد تصرَّفا في نفس الحكم في الأدلّة المحكومة حيث انَّ المنفي في هذين الدليلين هو الحكم، فقوله (ص) (لا ضرر) معناه لا حكم ضرري مجعول على المكلفين وكذلك قوله لا حرج معناه لا حكم حرجي مجعول من المولى جلَّ وعلا.

ومن هنا كانت الحكومة في هذين المثالين من نحو الحكومة المتصرِّفة في عقد الحمل.

واتّضح ممّا ذكرناه تقريب الضابطة التي ذكرها السيّد الخوئي (رحمه الله) للتعرُّف على انّ الدليل الثاني ناظر للدليل الاول، إذ لا معنى لتصدِّي المولى لنفي الحكم الضرري والحرجي لو لم يكن هناك أدلّه تقتضي ثبوت الأحكام حتى في موارد الضرر والحرج.

Slider by webdesign