خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه

الورود

المراد من الورود هو أن يكون أحد الدليلين نافياً لموضوع الدليل الآخر حقيقة إلاّ انَّ منشأ الرفع الحقيقي هو التعبّد الشرعي، بمعنى انَّ الواسطة في ارتفاع موضوع الدليل المورود حقيقيّة هو التعبُّد الشرعي، وهذا يقتضي أن يكون موضوع الحكم في الدليل المورود من العناوين التي يمكن ارتفاعها حقيقة بواسطة التعبُّد الشرعي، وهذا في مقابل العناوين التي لا يتعقّل ارتفاعها حقيقة بواسطة التعبُّد الشرعي، فإمَّا أن تكون مرتفعة تكويناً وإلاّ فلا مجال لرفعها بواسطة الشارع حقيقة، نعم يمكن ارتفاعها بواسطة التعبُّد تنزيلا.

وهذا هو المائز الجوهري بين الورود والتخصُّص حيث انَّ كلاهما يشتركان في انَّ موردهما هو ارتفاع موضوع أحد الدليلين بالدليل الآخر حقيقة، والفرق بينهما انَّما هو من جهة سنخ الموضوع المرتفع حقيقة بواسطة الدليل الآخر، فإن كان من العناوين التي لا يتعقّل ارتفاعها بواسطة التعبُّد فهذامعناه انَّ رفع أحد الدليلين لموضوع الدليل الآخر كان بنحو التخصُّص، وان كان من العناوين التي يتعقّل ارتفاعها حقيقة بواسطة التعبُّد وكان منشأ الإرتفاع الحقيقي لموضوع الدليل الأوّل هو التعبُّد فهذا هو الورود.

ومثال ذلك: قوله تعالى: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء)( )، فإنَّ هذه الآية الشريفة تقتضي جواز نكاح النساء، فلو قام الدليل القطعي على انَّ هنداً ليست من النساء وانَّما هي خنثى فإنَّ هذا الدليل يكون نافياً لموضوع الدليل الأوّل حقيقة، وانتفاء موضوع الدليل الأوّل بنحو الحقيقة لا يكون إلاّ بالتخصُّص، وذلك لأنَّ سنخ الموضوع المأخوذ في الدليل الاوّل لا يتعقّل انتفاؤه حقيقة بواسطة التعبُّد كما هو واضح، إذ ضابطة ما يمكن ارتفاعه حقيقة بواسطة التعبُّد هو ما يمكن ثبوته حقيقة بواسطة التعبُّد .

ومن الواضح انَّ اثبات انَّ هذا الإنسان من النساء لا يمكن ان يثبت بواسطة التعبُّد، فحتّى لو أخبر الشارع انَّه من النساء فإنَّه محض اخبار، فهو من الوسائل التي يُتعرَّف بها على ثبوت الموضوع أو انتفاؤه واقعاً، ولهذا حتى لو ثبت انَّ هذه خنثى بواسطة اخبار الشارع فإنَّ انتفاء موضوع الدليل الأوّل يكون بالتخصّص أيضاً.

نعم يمكن أن ينفي الشارع موضوعاً من سنخ هذه الموضوعات التي لا يتعقّل نفيها حقيقة بواسطة التعبُّد إلاّ انَّ هذا النفي لن يكون حقيقيّاً بل هو نفي تنزيلي، وهذا هو المعبَّر عنه بالحكومة، ومثاله ان يعتبر الشارع انَّ هذه المرأة ليست من النساء، وبهذا ينتفي موضوع الدليل الأوّل، فلا يكون نكاحها جائزاً.

وأمّا مثال الورود فهو مالو قال المولى: (يحرم الإسناد بغير حجَّة) ثمّ قام الدليل على انَّ خبر الثقة حجَّة، فإنَّ هذا الدليل الثاني يكون نافياً لموضوع الدليل الأوّل حقيقة، ولهذا لايكون الإسناد إلى الشارع اعتماداً على خبر الثقة حراماً لانتفاء موضوع الحرمة وهو عدم الحجّة حقيقة، غايته انَّ انتفاء موضوع الحرمة كان بواسطة التعبُّد الشرعي.

وتلاحظون انَّ انتفاء هذا النحو من الموضوعات حقيقة مما يُتعقّل تحقّقه بواسطة التعبُّد الشرعي، إذ انَّ الحجّة والتي هي المنجِّزيّة والمعذريّة من الموضوعات التي للشارع بما هو شارع خلقها وايجادها بنحو الحقيقة، أي انَّ جعل الشارع الحجيّة لشيء يصيره حجّة حقيقة، ولهذا يكون الدليل الثاني وارداً على الدليل الأوّل ونافياً لموضوعه حقيقة غايته انَّ ذلك تمّ بواسطة التعبُّد الشرعي.

وبهذا القيد اتّضح انَّ اسناد شيء للشارع بواسطة القطع ليس من الورود، وذلك لأنَّه وان كان الموضوع من سنخ العناوين القابلة للنفي والإثبات الحقيقي بواسطة التعبُّد الشرعي إلاّ انَّ انتفاء موضوع الدليل الأوّل في الفرض المذكور لم يتمّ بواسطة التعبُّد وانَّما تمّ بواسطة القطع.

وبما ذكرناه يتّضح انَّ الورود لا يكون إلاّ في حالة يكون الموضوع فيها من سنخ العناوين القابلة للنفي والإثبات الحقيقي بواسطة التعبُّد الشرعي على أن يكون انتفاء موضوع الدليل الأوّل تمّ بواسطة التعبُّد الشرعي، إذ قد لا يتّفق ذلك.

فمثلا: لو قام الدليل على وجوب التصدّق على الفقير، ثمّ قام دليل آخر على انَّ الفقير هو الذي لا يملك قوت يومه فإنَّ هذا الدليل يكون وارداً على الدليل الأوّل، وذلك لأنَّ عنوان الفقير من الموضوعات التي يمكن نفيها واثباتها بواسطة التعبُّد الشرعي، وبذلك ينتفي موضوع الدليل الأوّل حقيقة عن الشخص الذي يملك قوت يومه وإن لم يكن مالكاً لقوت سنته ولذلك لا يجب التصدُّق عليه.

إلاّ انَّه قد لا ينتفي موضوع الدليل الأوّل بواسطة التعبُّد كما لو لم يتصدّ الشارع لتحديد معنى الفقير واتّكل في ذلك على العرف واتّفق ان كان معنى الفقير بنظر العرف هو من لا يملك قوت يومه، فإنَّ هذا الفهم العرفي لمعنى الفقير يكون نافياً لموضوع الدليل الأوّل، بمعنى انَّه ناف لموضوعيّة الذي يملك قوت يومه – وإن لم يكن مالكاً لقوت سنته – للدليل الأوّل وبذلك لا يجب التصدّق عليه إلاّ انَّ هذا الإنتفاء لا يكون من الورود، إذ لم يثبت الإنتفاء بواسطة التعبُّد وان كان الموضوع المنتفي من سنخ الموضوعات القابلة للنفي والإثبات الحقيقي بواسطة التعبُّد الشرعي.

وبهذا يتحدّد المراد من الورود وانَّه ليس بين الدليل الوارد والدليل المورود تعارض، إذ انَّ التعارض – كما اتّضح في محلِّه – يعني التنافي بين مدلولي الدليلين، وهذا يعني تكاذب الدليلين في مرحلة الجعل، فأحدها ينفي واقعيّة مدلول الدليل الآخر، وأمّا المقام فليس من هذا القبيل، إذ لا تنافي أصلا بين الدليل الوارد والدليل المورود في مرحلة الجعل، والتنافي بينهما انَّما هو في مرحلة المجعول، فأحدهما ينفي فعليّة الحكم للآخر بواسطة نفي موضوعه والذي يكون تحقّقه ووجوده هو مناط بلوغ الحكم مرحلة الفعليّة – كما أوضحنا ذلك مراراً – ولهذا لا يكون تقدُّم الدليل الوارد على الدليل المورود محتاجاً لأكثر من تصوُّر المطلب.

Slider by webdesign