خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه

الوضع

لا إشكال بين الأعلام في أنَّ ثمّة علاقة سببيّة بين اللفظ والمعنى بمقتضاها يكون خطور اللفظ في الذهن سبباً لانخطار المعنى في الذهن، وهذه السببيّة الواقعة بينهما لا يمكن أن تنشأ دون مبرِّر، ولهذا وقع البحث عمّا هو المبرِّر لهذه العلاقة السببيّة، وهنا احتمالان ثبوتيان:

الإحتمال الأوّل: انَّ المبرِّر لهذه العلاقة هي المناسبة الذاتيّة بين اللفظ والمعنى، أي انَّ دلالة اللفظ على المعنى المحسوسة بالوجدان ناشئة عن كون الفظ بذاته سبباً لوجود المعنى، فالمعنى لازم ذاتي للفظ كما انَّ الحرارة لازم ذاتي للنار، أي انَّها ناشئة عن مقام الذات للنار، ولهذا يستحيل تخلُّفها عن النار، وهكذاالكلام في المعنى بالنسبة للفظ فهو محمول خارج عن ذات اللفظ لازم له وهذا اللزوم ناشيء عن مقام الذات للفظ، وهو ما يقتضي استحالة تخلُّف انخطار المعنى عند اطلاق اللفظ.

الإحتمال الثاني: انَّ المبرِّر لهذه العلاقة هو عامل خارجي أي انَّ العلاقة ليست مقتضاة عن ذات اللفظ والمعنى بل هي ناشئة عن الجعل والإعتبار وهذا هو المعبَّر عنه بالوضع.

وهذا الإحتمال هو الذي تبنَّاه الأعلام حيث اتّفقوا على انَّ منشأ العلقة الواقعة بين اللفظ والمعنى هو الوضع إلاّ انَّهم اختلفوا فيما هي حقيقة هذا الوضع .

فقد ذكر السيّد الصدر (رحمه الله)انَّه يمكن تقسيم الإتجاهات في تفسير حقيقة الوضع إلى اتّجاهين:
الإتّجاه الأوّل: يفسّر العلاقة بين اللّفظ والمعنى على أساس انَّها ملازمة واقعيّة تكوينيّة بين طبيعي اللفظ والمعنى الموضوع له اللفظ، فهي نظير الملازمات الواقعيّة التكوينيّة الثابتة بين شيئين أو أشياء، كالملازمة بين زوجيّة العدد والإنقسام إلى متساويين، فإنَّ هذه الملازمة ثابتة في نفس والواقع، وهكذا الحال في العلاقة بين اللفظ والمعنى، غايته انَّ الملازمة الذاتيّة التكوينيّة ثابتة من الأزل، وأمّا الملازمة بين اللفظ والمعنى فإنَّها وان كانت واقعيّة تكوينيّة إلاّ انَّها ناشئة عن الجعل والإعتبار، وهذالا يعني انَّ الجعل والإعتبار هو المقوّم للملازمة بل بمعنى انَّه علّة لإحداث الملازمة وبعد انحداث الملازمة بواسطة الجعل تصبح ملازمة واقعيّة تكوينيّة، فنشوؤها عن الجعل والإعتبار لا يضرُّ بواقعيّتها.

وقد أورد على هذا الإتّجاه بأن افتراض نشوء الملازمة عن الجعل والإعتبار يساوق عدم كون الملازمة واقعيّة، إذ انَّ الملازمة الواقعيّة لا تنشأ إلاّ عن سببيّة ذاتيّة حقيقيّة والفرض انَّ الجعل والإعتبار ليس كذلك، وحينئذ لايكون مسبّبة واقعياً حقيقياً.

وبتعبير آخر: انَّ الامور الواقعيّة غير قابلة للجعل والإعتبار إذ انَّها لا تنشأ إلاّ عن أسباب حقيقيّة، بمعنى انَّ السببيّة تنشأ عن مقام الذات للسبب، فإذا لم تكن سبيّة الإعتبار ذاتيّة فمن غير المعقول أن يكون مسبّبها واقعياً لعدم التسانخ بين السبب والمسبّب.

الإتّجاه الثاني: انَّ العلاقة بين اللفظ والمعنى تنشأ عن عمليّة معيّنة يمارسها الواضع تنحدث عنها سببيَّة بين اللفظ والمعنى، هذه العمليّة عبارة عن اعتبار صفة خاصّة للفظ – كاعتباره علامة أو وجوداً تنزيليّاً للمعنى – هذه الصفة المعتبرة للفظ ينشأ عنها انخطار المعنى عند اطلاق اللفظ.

وهذا الإتّجاه هو السائد بين الأعلام إلاّ أنَّهم مع ذلك اختلفوا في حقيقة هذه العمليّة التي يترتّب عليها علاقة السببيّة فالمشهور ذهبوا إلى انّها عمليّة اعتبارية مع اختلافهم فيما هو المعتبر، وأمّا السيّد الخوئي (رحمه الله)فذهب إلى انَّها عبارة عن التعهُّد، وقد أوضحنا المراد من نظريّة الاعتبار ونظريّة التعهُّد تحت عنوانيهما.

Slider by webdesign