خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / 55 مذكرة خاص / العنف الأسري من منظور عقلاني / د. السيد زين العابدين المقدس الغريفي
العنف الأسري

العنف الأسري من منظور عقلاني / د. السيد زين العابدين المقدس الغريفي

خاص الاجتهاد: يُعَد العنف سلوكاً سائدا داخل الأسر والمجتمعات، حيث يصدر كفعل له دواع واسباب مختلفة أو ردة فعل نتيجة لعنف مقابل.

ويتضمن شدة وقسوة وغلظة في التعاطي مع الآخر، سواء كان مادياً يعتمد على الفعل بالضرب أو الاتلاف أم معنويا كاستخدام الألفاظ بحيث يعتمد اللسان كوسيلة للتوهين والتعنيف حتى قيل: (أشد السموم فتكا سم اللسان) فهو أشد تأثيراً من حدِّ السيف أو الإهمال الذي يلحق الأذى النفسي بالشريك .

ومراتب العنف متفاوتة؛ فمنه ما يدخل في جانب الذم والقبح ، ومنه ما يبتني على مصلحة للمُعَنّف؛ ولذا فإنَّ الحكم عليه يختلف باختلاف أحواله وأسبابه، إذ لا يرى العقلاء ذم العنف مطلقاً فقد يكون محموداً في أحيان كثيرة كما لو صدر تأديبا لسلوك شائن من أجل التقويم أو عقابا على ذنب تبعا لقاعدة الثواب والعقاب الثابتة عقلا وشرعا ،

ومن أجلى مظاهر العنف المحمود وأبرزها هي السجن للجناة ومجازاتهم بشتى أنواع العقوبات بل قيام الحروب لأجل تحرير المستضعفين وفك أسرهم فإنها مع سفك الدماء وهدر الطاقات واتلاف الأموال بل وهدم الدول ، وهذا مقبول عند العقلاء والحكماء بل نجدهم يدعون إليه ، فضلاً عن إلزام الشارع الحكيم به في بعض الموارد وجعله فرضاً على كل مؤمن.

ويعتبر العنف الأسري من أكثر المصاديق انتشاراً وشيوعاً حتى شهدت في عصرنا الراهن زخماً إعلامياً يتعرض له من حيث الموضوع والحكم ، بل شُرِّعت لأجله القوانين بصرف النظر عن صحتها أو بطلانها،

وقد لقى الحديث عنه رواجا كبيراً على يد دعاة التمدن ومنظمات المجتمع المدني والنسويات وأضرابهم حتى أخذت محاربة هذا السلوك جانب الإفراط تارة بحيث يسلب حق الآباء في تربية أولادهم عبر إعطاء أفراد الأسرة الحرية المفرطة بما ينتهك كل القيم والأخلاق كما في الدول الأوربية فيما يعرف بجهاز السوسيال (الإدارة المجتمعية) في حين يفرط آخرون باستخدام العنف دون رادع شرعي أو أخلاقي بما يؤدي إلى إلحاق الأذى الجسدي والنفسي بالشخص الُمعَنَّف ، وهنا تبرز وسطية الإسلام في الدعوة إلى ضبط الأسرة بحدود وضوابط يعطى الحق لرب الأسرة في تعديل السلوك وتقويمه .

والعنف الأسري له صور عديدة أهمها :

1. تعنيف الآباء للأبناء وبالعكس.

وهي ظاهرة منتشرة في العالم حيث يبدي كثير من الآباء في تربية أبنائهم سلوكاً يتضمن عنفاً عند وجود خطأ في التصرف أو نقص في أداء الواجب أو ارتكاب فعل قبيح مخالف للعقل والعرف والدين؛ لأجل ردعه وزجره ومنعه من تكرار ذلك ، وله مراتب بعضها قبيح عقلاً ومحرم شرعاً كما لو ألحق ضرراً بالغاً بالنفس أو العقل أو الجسد وبعضها مقبول فيختلف الحال باختلاف الغرض والأسلوب .

وقد ثبت إن معاقبة الأبناء سلوك ناجع في التربية على أن لا يكون متواصلاً بل لابد أن يدعم بالرفق والاحسان والرأفة والحنان ليمزج المربي بين مبدأي الثواب والعقاب في تقويم السلوك وتحسين الأداء ، اذ إن الطفل بل حتى المراهق إذا تُرك طليقا من دون وجود رقيب يتابع مصالحه ويُقَدّر منافعه سوف يقع في تجارب ضررية كما يخفت عنده جانب الإبداع ويقع في حبائل الشيطان ليرى نفسه غرورا فوق الجميع بلحاظ إنه أدرى بمصلحته من غيره فيتمرد ويُظهر العصيان لإثبات نفسه والتمظهر بالقوة والرجولة والرشد فيهوي من حيث لا يشعر إلى مستنقع الأوهام والرذيلة وبالتالي لا يجد نفسه إلا في تيه وضياع لا يعرف كيف يخرج إلى الحياة من جديد؛

ولذا لابد من وجود مُوَجه ومرشد يُقَوّم له الاعوجاج في سلوكه ويهديه إلى جادة الصواب، وليس هناك أحرص وأصدق من الوالدين في توجيه الأولاد وبذلهما الغالي والنفيس من أجل إيجاد مستقبل زاهر ومشرق ومُشَرّف لأولادهم.

في المقابل نجد بعض الأبناء يبدون سلوكاً عنيفاً تجاه الوالدين عند نضوجهم لإثبات ذاتهم بلحاظ كونهم أعلى من أن يوجههم أحد أو كرد فعل اتجاه صورة لفعل عالق في ذاكرتهم أو نتيجة لتراكم الضغوط النفسية التي تؤدي الى خلل في تفكيرهم أو بسبب ضغوط الحياة الاقتصادية التي تؤثر على طبيعة الإنسان لدرجة حمله على الكفر فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) : [كاد الفقر أن يكون كفرا] أو غير ذلك .

ولا شك في إن جل حالات التعنيف الصادرة من الوالدين ليست نابعة من الحقد أو الغل أو العداء اتجاه الأبناء لعدم معقولية ذلك فالابن قطعة من الروح قبل الجسد وإليه ينتسب بل نجد بالوجدان رغبة الآباء في تحقيق حياة كريمة لأبنائهم تكون أفضل وأرقى مما حازوا عليه وعاشوا فيه؛ ولذا لابد أن يُعْذر الوالدان في صدور بعض حالات العنف ويبرر لهما، كما إنّ الشريعة بل العقلاء عموماً قد منحوهم حق التأديب وتقويم السلوك فيما لو رأيا مصلحة في ذلك .

في حين إنه لا يحق للابن الإساءة لأبويه أو التعريض أو التشهير بهما لأي سبب كان، كونهما أصحاب نعمة عليه في أصل وجوده ونموه وتربيته وتعليمه وبذل كل شيء لخدمته، ولا يمكن تبرير إيذائهما بأي داع ؛ ولذا نهى الله تعالى عن ذلك بنحو مطلق في قوله تعالى : [فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا] وحذّر من خطورة أن يكون الأبناء مصداقا للعقوق لما يترتب عليه من آثار عقابية دنيوية (وضعية) واخروية لا ينفع معها الندم .

2. تعنيف الزوج لزوجه وبالعكس.

وهذه من الحالات الشائعة في المجتمعات عموماً، حيث تجد صاحب القوة من الطرفين يسلك جانب العنف؛ لأجل فرض إرادته وبسط نفوذه داخل بيت الزوجية إما تعويضاً لضعف في الشخصية أو اضطراب في السلوك النفسي أو غير ذلك من الدوافع الاجتماعية والاقتصادية والبيئة التعليمية،

وله آثار نفسية وجسدية خطيرة قد تزعزع كيان الأسرة وتهدم بنيانه، بيد إن هذا لا يعني قبح العنف في كل صوره بل لابد منه في بعض الأحيان كسلوك رادع أو عقاب على أفعال مخالفة للقانون الإلهي على أن لا يتجاوز حد التأديب المقرر شرعاً وعرفاً وقانوناً.

ولذا ينبغي على العقلاء عدم الانجرار وراء الدعاوى الفضفاضة دون مراعاة للضوابط والقيم والأخلاق، وعلى مؤسسات الدولة والمجتمع المدني تشخيص الحالات ودراسة أسبابها ودوافعها بشكل عقلاني دقيق تجنباً لإيقاع الظلم على الطرفين أو أحدهما ودفعاً لمفاسد أكبر وأشد .

وتجدر الإشارة إلى إن الدين الإسلامي قد راعى جانب المرأة في كل حالاتها وتقلباتها، فأوجب احترامها وتوقيرها وحفظ حقوقها ورعاية شؤونها العامة ، وهذا ما نجده على أرض الواقع فحال المجتمع الإسلامي عموماً منذ صدر الإسلام وإلى يومنا هذا هو تعظيمها وإجلالها عبر منحها حظوة ومكانة رفيعة تجعلها مقدمة على الرجل في كثير من المجالات الحياتية العامة ، بل إنها تعيش في ظل حياة كريمة ضمن نظام أسري يحكمه رابطة الدم التي أكد عليها الدين الإسلامي ، فلا يصح التركيز على الحالات السلبية وتصديرها على كونها هي الأصل في مجتمعاتنا مع وجودها في كل البلدان الغربية والشرقية على حد سواء .

 

بقلم / الدكتور السيد زين العابدين المقدس الغريفي
أستاذ في الحوزة العلمية ـ النجف الأشرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign