خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه

النسبة

المراد من مفهوم النسبة هو الربط بين الشيئين أو بتعبير آخر النسبة بالحمل الاولي هي مفهوم يُعبِّر عن العلاقة والإضافة بين شيئين، وهي من المعاني الإسميّة الإستقلاليّة القابلة للحضور في الذهن استقلالا والقابلة لأنْ تُحمل عليها مفاهيم اخرى، ولأنْ تُحمل على مفاهيم اخرى فيقال مثلا: (النسبة مفهوم اسمي)، كما يقال: (الفوقيّة والتحتيَّة من المفاهيم النسبيّة) .

إلاّ انَّها بالحمل الشايع ليست كذلك، بمعنى انَّ واقع النسبة ليس من المفاهيم الإسميّة الإستقلاليّة، فلا يكون حضورها في الذهن إلاّ في اطار طرفيها، والنسبة بهذا المعنى هو المعبَّر عنه في الفلسفة بالوجود الرابط كما سيأتي توضيحه في محلِّه ان شاء الله تعالى.

ولكي يتّضح المراد من واقع النسبة نذكر هذه التنبيهات التي أفادها السيّد الصدر (رحمه الله).

التنبيه الأوّل: أنَّ ما ينتزعه الذهن عند ملاحظة وجودين خارجيين بينهما نحو ارتباط هو نوعان من المفاهيم:

الأوّل: هو ما يكون حضوره في الذهن لغرض الحكم عليه، وواضح انَّ هذا الغرض يتحقّق بتصوُّر مفهوم ذلك الشيء أي استحضاره في الذهن بنحو الحمل الأولي ليكون معبّراً عمّا في الخارج وتكتسب مصاديقه الخارجيّة ما ثبت له من حكم.

الثاني: هو ما يحضر في الذهن بواقعه وحقيقته وتمام خصائصه، وانَّه لا يتحقّق الغرض من حضوره إلاّ بهذا النحو من الحضور.

والنوع الأوّل من المفاهيم هو المعبَّر عنها بالمعاني الإسميّة والتي هي مستقلّة في ذاتها، وأمّا النوع الثاني فهو المعبَّر عنه بواقع النسبة وبالنسبة بالحمل الشايع الصناعي، بمعنى انَّ ما يحضر في الذهن عند ملاحظة الخارج هو واقع الربط والعلقة بين المفهومين، فالنسبة المنتزعة عن الخارج عند ملاحظة وجودين خارجيين بينهما نحو ارتباط هو حقيقة النسبة لا مفهومها التصوري والذي هو ليس نسبة واقعاً.

ولكي يتّضح هذا التنبيه نذكر هذا المثال: لو شاهدنا في الخارج طيراً على شجرة، فإنَّ ما ينتزعه الذهن من هذه الملاحظة هو نوعين من المفاهيم، النوع الاوّل هو مفهوم الطير ومفهوم الشجرة، وهذا النوع من المفاهيم يكون الغرض من حضوره في الذهن هو جعل الحكم عليه، ولهذا يكفي أن يكون حضوره في الذهن هو الحضور المفهومي التصوري، أي يكون الحاضر في الذهن هو صورة ذلك الموجود الخارجي، فلا غرض من حضور واقع الموجود الخارجي بخصائصه التكوينيّة، إذ الحكم على الشيء لغرض ثبوت الحكم لمصاديقه الخارجيّة يكفي فيه تصوّر مفهوم ذلك الشيء.

والنوع الثاني من المفاهيم التي ينتزعها الذهن عند ملاحظة الطير على الشجرة هو نحو الربط الواقع بين الطير والشجرة، وهذا لا يكون حضوره في الذهن إلاّ بواقعة وحقيقته، ولا يتحقّق المقصود منه لو كان الحاضر هو مفهومه التصوري، إذ انَّ الغرض من حضوره في الذهن هو ايجاد الربط بين مفهومي الطير والشجرة، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بحضور الربط حقيقة، وأمّا الربط بالحمل الأوّلي فهو مفهوم تصوري استقلالي لا يصلح لايجاد الربط والعلقة بين المفهومين لأنَّة ليس ربطاً حقيقيّاً بالحمل الشايع كما هو واضح.

وبما ذكرناه يتّضح انَّ النوع الثاني من المفاهيم المنتزعة عن ملاحظة موجودين بينهما نحو ارتباط هو سنح مفهوم تعلُّقي واقعه الربط بين مفهومين، فلا يكون بينه وبين الربط الخارجي أيّ فرق، فالربط الذهني المنتزع عن الخارج والربط الواقع في الخارج هو واقع الربط وحقيقته، غايته انَّ الربط الخارجي يكون ربطاً بين وجودين، أمّا الربط الذهني فيكون بين مفهومين ..

وبهذا يتقرّر انَّ الذي يوقع الربط بين المفهومين انَّما هو النسبة بالحمل الشايع، وأمّا مفهوم النسبة فلا يمكن أن يربط بين مفهومين، لأنَّه ليس نسبة حقيقة وواقعاً، والمفروض انَّ الإرتباط بين المفهومين لا يكون إلاّ بالنسبة الحقيقة الواجدة لخصائص النسبة التكوينيّة والتي هي ايجاد العلقة والربط بين المفاهيم.

التنبيه الثاني: انَّ المقوِّم الذاتي للنسبة بالحمل الشايع هو شخص المفهومين المرتبطين بواقع النسبة، ولهذا لا يكون ثمّة جامع ذاتي بين النسب الحقيقية، فالنسبة الواقعة بين شخص هذين المفهومين مغاير للنسبة الواقعة بين شخص مفهومين آخرين.

مثلا: لو كانت هناك ثلاث نسب، الاُولى هي نسبة الطير إلى الشجرة في الخارج، والثانية هي نسبة الطير إلى الشجرة في ذهن المتكلّم، والثالثة هي نسبة الطير إلى الشجرة في ذهن السامع، فهذه النسب الثلاث متباينة، لأنَّ مقوِّم النسبة الاولى هو شخص الطير والشجرة الخارجيين، ومقوِّم النسبة الثانية هو شخص مفهوم الطير والشجرة في ذهن المتكلِّم، ومقوِّم النسبة الثالثة هو شخص الطير والشجرة في ذهن السامع، وعليه لا يكون ثمّة جامع ذاتي بين النسب الثلاث وذلك:
أولا: لأنَّ مفهوم النسبة وإن كان جامعاً بين النسب الثلاث إلاّ انَّه ليس جامعاً ذاتياً، لأنَّه لا يتوفّر على واقع النسبة وحقيقتها، إذ انَّ مفهوم النسبة ليس نسبة بالحمل الشايع.

وثانياً: انَّ الجامع الذاتي معناه الجامع المشترك بين الأفراد الواجد للمقوّمات الذاتيّة لهذه الأفراد، فحينما نريد انتزاع جامع ذاتي لزيد وخالد وعمرو فإنَّنا نجرِّد هذه الأفراد عن خصوصيّاتها العرضيّة ويتحصّل عندنا بعد إلغاء هذه الخصوصيّات جامع ذاتي بين هذه الأفراد واجد للمقوّمات الذاتيّة لها وهذا الجامع هو الإنسانيّة.

أمّا لو أردنا انتزاع جامع ذاتي للنسب المذكورة فإنَّه من غير الممكن التحفّظ على المقوِّم الذاتي لهذه النسب بعد إلغاء خصوصيّة كلّ فرد، إذ انَّ خصوصيّة كلّ فرد هي المقوّم الذاتي للنسبة فلا ينحفظ بعد الغائه المقوّم الذاتي لتلك النسبة، وعليه لا يمكن ان نتحصّل من مجموع النسب على جامع ذاتي مشترك بين هذه النسبة، وذلك لما ذكرناه من انَّ المقوّم الذاتي للنسبة بين الطير والشجرة في الخارج انَّما هو شخص الطير والشجرة وانَّ المقوّم الذاتي للنسبة بين الطير والشجرة في ذهن المتكلّم انّما هو شخصهما في ذهن المتكلّم وهكذا في النسبة الثالثة، فلو كان البناء هو حذف المشخّصات لكلّ نسبة لكان معنى ذلك هو حذف المقوّم الذاتي لكلّ نسبة، وعندئذ يستحيل تحصيل جامع ذاتي لهذه النسب.

التنبيه الثالث: انّه يتّضح ممّا تقدّم انَّ النسبة بالحمل الشايع ليس لها وراء وجودها تقرّر ماهوي، وهذا بخلاف المفهوم الإسمي فإنَّ له تقرّر ماهوي بقطع النظر عن وجوده، ومن هنا عبَّر الفلاسفة عن وجود النسبة بالوجود الرابط وعن وجود المفهوم الإسمي بالوجود المحمولي.

وبيان ذلك: انَّ للمفاهيم الإسميّة تقرر ماهوي قبل حمل الوجود عليها، بمعنى انَّ الذهن عندما ينتزع مفهوم الطير فإنَّه يمكن أن يحلل هذا المفهوم إلى ماهيّة ووجود ويشكل بذلك قضيّة موضوعها الماهيّة وهي الطير ومحمولها الوجود، وبهذا يكون لمفهوم الطير تقرّر ماهوي بقطع النظر عن حمل الوجود عليه، وهذا هو معنى انَّ المفاهيم الإسميّة متقرّرة ذاتاً وبنحو مستقلّ عن الوجود وانَّ حضورها في الذهن وتصوّرها ليس منوطاً بثبوت الوجود لها، ولهذا فنحن نتصوّر المفاهيم الإسميّة ومالها من جنس وفصل بقطع النظر عن حمل الوجود عليها.

وأمّا النسبة بالحمل الشايع فباعتبارها متقوّمة ذاتاً بشخص الوجود الثابت لطرفيها فإنَّ ذلك يقتضي عدم تقررها بقطع النظر عن وجودها، فإنَّ المصحّح لتقرّر الماهيات والمفاهيم الاسميّة بغضّ النظر عن وجودها هو انَّ مقوّمها الذاتي والذي هو فصلها وجنسها ليس هو الوجود فافتراض عدم وجودها لا يساوق انتفاء مقوّمها الذاتي، ولهذا تكون الماهيّة متعقّلة ومدركة رغم عدم ثبوت الوجود لها.

وأمّا النسبة فليست كذلك لأنَّ مقوّمها الذاتي لا ينحفظ إلاّ في اطار شخص الوجود لطرفيها، ولهذا لا نسبة مع عدم ثبوت الوجود لشخص طرفيها، فما لم يكن ثمّة وجود شخصي للطير والشجرة في الذهن فإنَّ ذلك معناه عدم وجود نسبة رابطة بين هذين الطرفين.

وبهذا يتّضح معنى انَّ النسبة ليس لها تقرّر ماهوي بقطع النظر عن وجود طرفيها.

التنبيه الرابع: انَّ المفاهيم الإسميّة تارة تلاحظ باعتبارها موجودة في الذهن وهذا هو لحاظها بالحمل الشايع، وحينئذ يكون المفهوم الإسمي مفهوماً جزئيّاً وتكون نسبته إلى ما يسانخه في الخارج نسبة المماثل لمماثله، وأمّا إذا لوحظت المفاهيم الإسميّة بقطع النظر عن وجودها في الذهن، بمعنى انَّ الملحوظ في الذهن هو صورة المفهوم بالحمل الأولي ه فإنَّه يكون مفهوماً كليّاً وتكون نسبته إلى منطبقه في الخارج نسبة الكلِّي إلى مصاديقه.

وأمّا النسبة فإنَّها لا تكون كذلك في اللحاظين، أمّا اللحاظ الأوّل وهو ملاحظتها باعتبارها موجودة في الذهن فإنَّها وان كانت جزئيّة كما هو واقعها دائماً إلاّ انَّ نسبتها إلى النسبة الخارجيّة هي نسبة المباين لمباينه، وذلك لأنَّ النسبة الموجودة في الذهن متقوّمة بشخص الوجود الثابت لطرفيها الذهنيين، وأمّا النسبة الخارجيّة فهي متقوّمة بشخص الوجود لطرفيها الخارجيين.

وأمّا اللحاظ الثاني وهو ملاحظة النسبة بقطع النظر عن وجودها في الذهن فإنّها حينئذ لا يكون لها تقرّر ماهوي لما ذكرناه من انَّ تقرّرها متقوّم بشخص الوجود لطرفيها، وقد افترضنا قطع النظر عنه، وحينئذ لا معنى للبحث عن انطباقها على مافي الخارج وانَّه من انطباق الكلِّى على مصاديقه، إذ انَّ الكلِّي لابدَّ وأن يكون له تقرُّر ماهوي بقطع النظر عن وجوده في حين انَّ تقرُّر النسبة غير معقول بقطع النظر عن وجود طرفيها.

وأمّا ما نلاحظه بالوجدان من حكاية النسبة الذهنيّة عن النسبة الخارجيّة فهو بسبب طرفيها، إذ المفترض انَّهما من المفاهيم الإسميّة التي يمكن ملاحظتها باللحاظ التصوري، فيصلحان حينئذ للحكاية عمَّا في الخارج، فتكون حكاية النسبة الذهنيّة عن النسبة الخارجيّة انَّما هو بتبع حكاية الطرفين الذهنيين عن الطرفين الخارجيين.

وبالتأمّل في هذه التنبيهات الأربعة يتّضح المراد من معنى النسبة.

Slider by webdesign