خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / معجم / المصالح المرسلة

المصالح المرسلة

اختلف علماء السنّة في تعريف الاستصلاح والمصالح المرسلة كما اختلفوا في حجّيّته وأنّه مِن مصادر التشريع أو لا، والظاهر أنّ منشأ الاختلاف في التعريف هو الاختلاف في مقدار ما تثبت له الحجّيّة عند مَن يقول بحجّيّة المصالح المرسلة في الجملة ونحن هنا سنوضّح المهمّ مِن هذه التعريفات مبتدئين بأوسعها نطاقاً:

الأوّل: هو الإفتاء والتشريع وفق ما يقتضيه جلب المنفعة أو دفع المفسدة إذا لم يكن ثمّة نصّ خاصّ أو إجماع ينفيه أو يثبته.

الثاني: هو الإفتاء والتشريع وفق ما يقتضيه النفع العامّ أو دفع المفسدة العامّة إذا لم يكن ثمّة نصّ خاصّ أو عامّ أو إجماع ينفيه أو يثبته على أنْ يكون جلب النفع أو دفع المفسدة مِن سنخ ما تقتضيه الضرورة الحياتيّة للناس.

الثالث: هو الإفتاء والتشريع وفق ما تقتضيه مقاصد الشريعة والتي تنتهي إلى أُصول خمسة، هي حفظ النفوس والأموال والأعراض والعقول والأديان، فكلُّ ما يُنتج التحفُّظ على واحد مِن هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة يلزم التحفُّظ عليها، وكلّ ما يُنتج فوات واحد مِن هذه الأصول الخمسة فهو مفسدة يلزم اجتنابها.

ورغم أنَّ هذا التعريف هو أضيق دائرة مِن التعريفين الأوّليين إلا أنّ العلماء مِمَّن تبنَّى هذا التعريف اختلفوا مِن جهة اعتبار وجود قاعدة أو عموم يمكن إرجاع الفتوى إليه وعدم اعتبار ذلك، فبعضهم أفاد بأنَّه لا يصحُّ الإفتاء بما تقتضيه الأصول الخمسة إلا مع وجود قاعدة أو عموم يمكن الاستناد إليه في ذلك، والبعض الآخر لم يجد لذلك ضرورة وأفاد بأنَّه يكفي لصحَّة الإفتاء إدراك العقل لاقتضاء الفعل أو الترك للتحفُّظ على الأصول الخمسة، وبما بيَّنَّاه تتضّح مجموعة مِن الأمور:

الأمر الأول: إنَّ المقصود مِن المصلحة المقتضية للإفتاء هو الأعمّ مِن جلب المنفعة أو دفع المفسدة، فعنوان الاستصلاح أو المصلحة المرسلة أطلق وأريد مِنه الأعمّ منهما.

الأمر الثاني: إنَّ المصلحة المقصودة مِن العنوان تختلف سعةً وضيقاً بحسب اختلاف التعريفات المذكورة وأنَّ منشأ الاختلاف مِن هذه الجهة هو الاختلاف في مقدار يُصحِّح الإفتاء والتشريع.

فالمصلحة في التعريف الأوّل مِن السعة بحيث لا تختصّ بالمصالح العامّة بل تشمل المصالح الشخصيّة، ولو لم يكن ذلك مقصوداً فإنَّ المصلحة في التعريف الأوّل تبقى أوسع دائرة مِن التعريفين الآخرين، وذلك لأنَّها لم تقيَّد بما تقتضيه الضرورة الحياتيّة للناس كما هو كذلك في التعريف الثاني.

وأمّا المصلحة في التعريف الثاني فهي وإنْ كانت أضيق دائرة مِن التعريف الأوّل إلاَّ أنَّها تشمل مطلق المصالح العامّة الضروريّة حتّى وإنْ لم تكن متَّصلة بالأصول الخمسة ولم يكن تفويتها مقتضياً لفوات التحفُّظ عليها أو على واحد منها.

وأمّا المصلحة في التعريف الثالث فتتَّحد بما يؤول إلى التحفُّظ على مقاصد الشريعة، والمصحِّح لإطلاق عنوان المصلحة على ذلك هو أنَّ مقاصد الشريعة تنتهي جميعاً إلى ما يعود بالنفع على الإنسان.

الأمر الثالث: إنَّ المقصود مِن عنوان الإرسال هو عدم وجود النصّ أو الإجماع المقتضي للزوم اعتماده في مقام الإفتاء، فوجود النصّ بمثابة القيد المانع للمجتهد عن أنْ يفتي بخلاف ما يقتضيه النصّ، فإذا لم يكن ثمّة نصّ فهو (المجتهد) مُرسَل ومُطلَقُ العنان مِن جهته.

فله أنْ يسترسل ويجيل ذهنه ليقف على مقتضيات المدرك العقلي أو الاعتبارات الأخرى.

والتعريفات الثلاثة تتَّفق جميعاً مِن جهة أنَّ منشأ التعبير بالإرسال هو عدم وجود النصّ أو الإجماع، نعم هي تختلف مِن جهة أنَّ النصَّ المعتبر عدمه في تحقُّق الإرسال هل هو النصّ الخاصّ كما هو مقتضى التعريف الأوّل والثالث على أحد القولين أو الأعمّ مِنه ومِن العام كما هو مقتضى التعريف الثاني.

ويحتمل أنَّ المراد مِن عنوان (المرسلة) هو العامَّة، فالمصلحة المرسلة هي المصلحة العامَّة في مقابل المصلحة الشخصيَّة، فالمصحِّح للإفتاء هو المصلحة العامَّة دون المصلحة الشخصيَّة.

الأمر الرابع: إنَّ التعريفين الأوّل والثاني لم يتمّ التصدِّي فيهما لبيان الوسيلة المعتمدة لتحديد المصلحة فهل هو العقل أو الذوق أو اعتبارات أخرى، وإذا كان هو العقل فهل هو القطعي أو هو الأعمُّ مِنه ومِن الظنِّيّ.

وأمّا التعريف الثالث فهو بناءً على القول الأوّل يعتمد النصوص والقواعد العامَّة وسيلة لتحديد المصلحة وإنْ كان قد أهمل بيان وسيلة الوصول إلى تلك القواعد والنصوص العامَّة، نعم لا يبعد أنَّها عين الوسائل الاجتهاديّة المعتمدة عندهم والتي هي مِن قَبيل قياس التمثيل والسبر والتقسيم وتنقيح المناط القطعىّ والظنِّيّ وتحقيق المناط وتخريج المناط وسدُّ الذرائع وفتحها.

وأمَّا القول الثاني مِن التعريف الثالث فاعتمد العقل وسيلة لاكتشاف المصلحة المقتضية للإفتاء والظاهر أنَّه الأعمّ مِن القطعي والظنِّيّ.

وخلاصة ما يمكن أنْ يلاحظ على اعتماد الاستصلاح وسيلة للإفتاء هي ما يلي:
أوّلاً: إنَّ الاستصلاح بناءً على التعريف الأوّل ينتهي في بعض الحالات إلى الاجتهاد في مقابل النصّ، وذلك لأنَّه يصحِّح الإفتاء وفق المصلحة المرسلة بمجرَّد عدم وجود النصّ الخاصّ، وهذا يعني أنَّ المجتهد لو اعتمد هذا التعريف ساغ له إهمال النصوص العامَّة والإفتاء وفق المصلحة المنظورة عنده.

وهو مِن الاجتهاد في مقابل النصّ، لأنَّ المقصود مِن النصّ المانع عن الإفتاء في مقابله هو الأعمّ مِن النصّ الخاصّ والعامّ.

ثانياً: إنَّ الاستصلاح بناءً على التعريف الأوّل أهمل بيان الوسيلة المعتمدة للوصول لتحديد المصلحة وليس مِن وسيلة يمكن اعتمادها بعد عدم وجود النصّ الخاصّ وإهمال النصّ العامّ سوى الاستحسان والذوق أو العقل.

أمّا الاستحسان والعقل الظنِّيّ فهما ساقطان عن الحجيَّة كما ثبت ذلك في محلِّه.

وأمَّا العقل القطعىّ فهو وإنْ كان حجَّةً لحجّيَّة القطع إلاّ أنَّه غير متاح غالباً إذ أنَّ العقل بمجرّد أنْ يلتفت إلى احتمال وجود خصوصيّة في الشي يمكن أنْ تكون قد خفيت عليه فإنَّه لا يحصل له القطع.

فإدراك جميع أوجه المصالح والمفاسد في الأشياء أمر لا يكاد يحصل للإنسان، فمنتهى ما يتحصّل عليه الإنسان هو إدراك بعض المصالح وهو ما ينتج عنده الترجيح للفعل أو الترك، أمّا الجزم بأنَّ ذلك هو المطابق للرؤية الشرعيّة فهذا لا يتّفق إلاّ للقطَّاع خصوصاً مع الالتفات إلى احتمال أنْ تكون عند المولى بعض الخصوصيّات المانعة مِن الحكم بالوجوب أو الحرمة.

وبذلك يكون الإفتاء بوجوب ما فيه جلب للمصلحة أو الإفتاء بحرمة ما ينتج المفسدة المنظورة مِن التشريع القبيح والذي يعني نسبة شي للدين مع عدم إحراز أنَّه مِنه.

وهذا الإشكال يمكن إيراده على التعريف الثاني للاستصلاح كما يمكن إيراده على القول الثاني مِن التعريف الثالث للاستصلاح.

نعَم يمكن معالجة عدم وجود النصّ الخاصّ والعامّ لو اتّفق – وهي نادرة – بتصدِّي الحاكم الشرعي وذلك مِن خلال جعل الأحكام الولائيّة وهي ليست أحكاماً شرعيّة أوليّة أو ثانويّة حتّى تكون مِن قبيل التشريع المحرَّم بل هي مساحة أعطيت للحاكم الشرعي لغرض معالجة بعض الأمور على أساس الظروف والمقتضيات.

ثالثاً: إنَّ الاستصلاح بناءً على القول الأوّل مِن التعريف الثالث إمَّا أنْ يكون مِن قبيل تطبيق القاعدة والعمومات على مواردها، وهو أمر مقبول إلا أنَّ ذلك ليس مِن الاستصلاح بل هو مِن الاستظهار والذي قام الدليل القطعي على حجّيّته، إذ هو يعني اعتماد الوسائل العرفيّة عند أهل المحاورة لغرض فهم النصّ، ونتيجة ذلك هي اعتماد الكتاب والسنّة في مقام الإفتاء.

وإمّا أنْ يكون الاستصلاح بمعنى الاجتهاد بواسطة القياس والتمثيل أو تنقيح المناط أو تحقيق المناط أو تخريجه، وحينئذ لا معنى لاستحداث مصطلح جديد، وبذلك لا بدَّ وأنْ يتركّز النظر في حجّيّة هذه الوسائل وقد ثبت عندنا عدم حجيَّة القياس وتنقيح المناط الظنّي وكذلك تحقيق المناط أو تخريجه.

وإمّا أنْ يكون الاستصلاح بناءً على هذا التعريف مصحِّحاً لاعتماد المجتهد الوسائل غير العرفيّة لفهم العمومات، وذلك مِن الاجتهاد بالرأي، والذي ينتج تدخُّل العناصر الذاتيّة في فهم النصّ، وقد أثبت الإماميّة عدم حجيّة التفسير بالرأي.

هذا ما يمكن بيانه في المقام ولعلّنا نستوفي البحث في مقامات أخرى.

Slider by webdesign