خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / معجم / الحكم الوضعي

الحكم الوضعي

قلنا انَّ الحكم الشرعي اعتبار مولوي يتناسب مع ما يقتضيه الملاك في نفس الأمر والواقع، وانَّه ينقسم إلى حكم تكليفي وحكم وضعي، أمّا الحكم التكليفي فهو ما يتّصل بأفعال المكلّفين مباشرة وابتداء على وجه الإقتضاء أو التخيير.

ومنه يتّضح المراد من الحكم الوضعي، فكلّ حكم لا يتّصل بأفعال المكلّفين ابتداء فهو حكم وضعي، إذن فالحكم الوضعي لا يختلف عن الحكم التكليفي من جهة انَّه اعتبار شرعي يتناسب مع ما يقتضيه الملاك في نفس الأمر والواقع وانَّما يختلف عنه من جهة عدم اتّصاله بأفعال المكلّفين ابتداء على وجه الإقتضاء أو التخيير.

فكلّ اعتبار شرعي ليس من سنخ الأحكام التكليفيّة فهو حكم وضعي، وذلك من قبيل الصحّه والفساد والجزئيّة والشرطيّة والزوجيّة والملكيّة والطهارة.

وهذا المقدار لا إشكال فيه وإنَّما الإشكال من جهة انَّ الحكم الوضعي مجعول بنحو الإستقلال كما هو الحال في جعل الوجوب والحرمة أو انَّه منتزع من الحكم التكليفي أو انَّ الصحيح هو التفصيل، أي انَّ بعض الأحكام الوضعيّة مجعول استقلالا وبعضها منتزع عن الأحكام التكليفيّة.

وهناك مبنىً آخر تبنّاه صاحب الكفاية (رحمه الله).

ونكتفي في المقام بتصوير المباني الأربعة:

المبنى الاوّل: ولعلّه المبنى المشهور كما يظهر من عبائر الشيخ الأنصاري (رحمه الله)، وحاصله: انَّ المشرع لاحظ حكماً لا يتّصل بفعل المكلَّف بنحو الإقتضاء أو التخيير وقدَّر لهذا الحكم موضوعاً ثمّ جعل ذلك الحكم وبنحو الإستقلال على موضوعه المقدَّر، فلم يكن ذلك الحكم منتزعاً عن حكم تكليفي.

فلو كانت جميع الأحكام الوضعيّة مجعولة بهذا النحو من الجعل لكان ذلك مصحّحاً لدعوى انَّ الأحكام الوضعيّة كالأحكام التكليفيّة من جهة انَّ جعلها تم بواسطة الشارع ابتداء واستقلالا، بمعنى انَّ الشارع لاحظ الحكم الوضعي وما يترتّب عليه من آثار ثمّ جعله ابتداء على موضوعه المقدّر الوجود كما هو الشأن في جعل الأحكام التكليفيّة على موضوعاتها المقدّرة الوجود.

فالزوجيَّة مثلا من المعتبرات الشرعيّة الوضعيّة التي تمّ جعلها بواسطة الشارع استقلالا، بمعنى انَّ الشارع جعل الزوجيّة عند اتّفاق تحقّق موضوعها خارجاً، فهي وان كانت مستلزمة شرعاً لمجموعة من الآثار والأحكام التكليفيّة إلاّ انَّ الملحوظ أولا وبالذات هو الزوجيّة، والإعتبار انَّما انصبَّ عليها ابتداءً، وترتب الآثار والأحكام التكليفيّة عليها انَّما هو من باب ترتب الأحكام على موضوعاتها، فالزوجيّة بعد جعلها واعتبارها تصبح موضوعاً لمجموعة من الآثار والأحكام، فالزوجيّة إذن ليست بمعنى وجوب التمكين على الزوجة ووجوب النفقة على الزوج بل انَّ الزوجيّة تعني جعل العلقة الخاصة من قبل الشارع استقلالا عندما يتّفق تحقّق موضوعها خارجاً.

ووجوب التمكين مثلا انّما هو من آثار الزوجيّة المجعولة ابتداءً.

وهكذا الكلام في الملكيّة مثلا فإنَّها ليست بمعنى جواز التصرُّف في المال وحرمة تصرُّف الغير دون إذن المالك، بل انَّ الملكيّة تعني جعل العلقة الخاصّة بين المالك والمملوك والمعبَّر عنها بالسلطنة.

فهذه السلطنة مجعولة ابتداء من قبل الشارع متى ما اتّفق تحقّق موضوعها خارجاً، وجواز تصرُّف المالك في ملكه وحرمة تصرُّف غير المالك بغير إذنه انَّما هي من آثار السلطنة المجعولة شرعاً بنحو الإستقلال.

وبهذا تتّضح الدعوى في سائر الاحكام الوضعيّة.

المبنى الثاني: وهو انَّ الأحكام الوضعيّة منتزعة عن الأحكام التكليفيّة، وحاصل المراد منه هو انَّ الأحكام الوضعيّة مجعولة تبعاً لجعل الأحكام التكليفيّة، فاعتبارها من الأحكام الشرعيّة انَّما هو لأجل انَّ منشأ انتزاعها هو الأحكام التكليفيّة والتي هي أحكام شرعيّة.

وقد تنقح في محلِّه انَّ الامور الإنتزاعيّة قد يكون منشأ انتزاعها اموراً خارجيّة، وقد يكون المنشأ لانتزاعها اموراً اعتباريّة – وقد أوضحنا ذلك تحت عنوان (الإعتبار) – والدعوى انَّ الأحكام الوضعيّة من الامور الإنتزاعيّة وانّ منشأ انتزاعها امور اعتباريّة والتي هي الجعولات الشرعية أي الأحكام التكليفيّة، فليس ثمّة شيء مجعول من قبل الشارع بنحو الإستقلال سوى الأحكام التكليفيّة، أمّا الأحكام الوضعيّة فهي مجعولة تبعاً لجعل منشأ انتزاعها وهو الأحكام التكليفيّة.

ومعنى انَّها منتزعة هو انَّه ليس لها ما بإزاء في عالم الإعتبار والذي هو وعاء المعتبرات، فوجودها الإعتباري متمحّض في منشأ انتزاعها والتي هي الاحكام التكليفيّة.

فالزوجيّة مثلا ليس لها ما بإزاء في عالم الإعتبار وانَّما هي حكم وضعي منتزع عن مجموعة من الأحكام التكليفيّة، مثل جواز الاستمتاع ووجوب النفقة، فالمعتبر أولا وبالذات هو جواز الإستمتاع ووجوب النفقة، وأمّا الزوجيّة فهي عنوان منتزع عن هذين الحكمين، وليس لها ما بإزاء في عالم الإعتبار، فهي كعنوان الأكبر المنتزع من ملاحظة الشمس بالإضافة للقمر واللذين هما من الوجودات الخارجيّة المتأصّلة، فالأكبريّة ليس لها ما بإزاء في الخارج – والذي هو وعاء الوجودات المتأصّلة – وكذلك الزوجيّة ليس لها ما بإزاء في عالم الإعتبار والذي هو وعاء المعتبرات الشرعيّة.

المبنى الثالث: والذي هو التفصيل بين الأحكام الوضعيّة، فبعضها من قبيل الامور الإنتزاعيّة والبعض الآخر مجعول بنحو الإستقلال، فالزوجيّة والملكيّة مثلا من سنخ الأحكام الوضعيّة المجعولة بنحو الإستقلال بالتقريب المذكور في المبنى الاول.

وأمّا الشرطيّة والمانعيّة مثلا فهما من سنخ الأحكام الوضعيّة المنتزعة عن الأحكام التكليفيّة.

وتقريب ذلك: انَّ الشارع إذا اعتبر شيئاً في موضوع التكليف أو اعتبر عدم شيء في موضوع التكليف فإنَّ العقل ينتزع عن الإعتبار الاوّل الشرطيّة، أي انَّ فعليّة التكليف منوطة بتوفّر الموضوع على ذلك الشيء، كما ينتزع العقل عن الثاني المانعيّة أي انَّ فعليّة التكليف منتفية إذا كان موضوعه مشتملا على ما اُعتبر عدمه في موضوعه، فلو قال المولى (إذا بلغ الإنسان وجبت عليه الصلاة) فإنَّ العقل ينتزع عن ذلك شرطيّة البلوغ، ولو قال: (ليس على الحائض صلاة) فإنَّ العقل ينتزع عن ذلك مانعيّة حدث الحيث لفعليّة التكليف بالصلاة.

كما انَّ الشرطيّة والمانعيّة قد تنتزعان عن المكلَّف به والذي هو متعلّق التكليف، فحينما يعتبر الشارع وجود شيء في متعلَّق التكليف فإنَّ العقل ينتزع عن ذلك شرطيّة وجود ذلك الشيء في متعلَّق التكليف كما انَّه لو اعتبر عدم شيء في متعلَّق التكليف فإنَّه ينتزع عن ذلك مانعيّة وجود ذلك الشيء في متعلّق التكليف.

فحينما يقول المولى: (صلِّ عن طهارة) انتُزع عن ذلك شرطيّة الطهارة في الصلاة والتي هي متعلَّق الأمر بالصلاة، ولو قال: (لا تصلِّ فيما لا يؤكل لحمه) انتُزع عن ذلك مانعيّة اللباس – المتّخذ من غير مأكول اللحم – لمتعلَّق التكليف.

المبنى الرابع: وهو التفصيل الذي ذكره صاحب الكفاية (رحمه الله)، وحاصله: انَّ الأحكام الوضعيّة على ثلاثة أقسام:
القسم الأوّل: ما لا تنالها يد الجعل لا استقلالا ولا تبعاً.

القسم الثاني: ما لا يمكن جعلها إلاّ بواسطة جعل منشأ انتزاعها.

القسم الثالث: ما يمكن جعلها استقلالا كما يمكن جعلها بواسطة جعل منشأ انتزاعها.

أمّا القسم الثاني والقسم الثالث فقد اتّضح المراد منهما ممّا تقدّم، وأمّا القسم الاوّل وهو الحكم الوضعي الذي يستحيل جعله واعتباره مطلقاً – أي سواء كان بنحو الجعل الإستقلالي أو التبعي – فهو كالسببيَّة والشرطيَّة والمانعيَّة والرافعيَّة، فإنَّ مثل هذه الأحكام منتزعة عن الخصوصيّة التكوينيّة الذاتيّة الناشئة عن مقام ذات السبب أو الشرط أو المانع.

فهذه الخصوصيّة هي الموجبة واقعاً للربط بين السبب مثلا ومسبّبه، ولولا هذه الخصوصيّة لأثَّر كلّ شيء في كلّ شيء، وهو ما لا يمكن الإلتزام به لوضوح فساده، فكما انَّ تأثير النار للحرارة ناشئ عن الخصوصيّة الذاتيّة القائمة بذات النار وانَّه يستحيل جعل هذه الخصوصيّة واعتبارها، إذ انَّ اعتبار نفس الخصوصيّة الواقعيّة يكون من تحصيل الحاصل، واعتبار غيرها لا يوجب انقلاب الواقع عمّا هو عليه وإلاّ لأثّر كلّ شيء في كلِّ شيء بواسطة الإعتبار.

وهذا ما يُعبِّر عن انَّ سببيّة دلوك الشمس مثلا لوجوب الصلاة ومانعيّة الحيض عن وجوب الصلاة ممّا لا يمكن جعله واعتباره، بل انَّ سببيّة دلوك الشمس لوجوب الصلاة ناشي عن الخصوصيّة التكوينيّة القائمة بذات الدلوك، فالربط بينهما واقعي ناشي عن مقام ذات السبب وإلاّ لزم تحصيل الحاصل أو انقلاب الشيء عمّا هو عليه واقعاً وهذا ما يقتضي امكان ان يؤثّر كلّ شيء في كلّ شيء.

وهكذا الكلام في مانعيّة الحيض لوجوب الصلاة، فإنَّ هذه المانعيّة منتزعة عن مقام الذات للحيض، فكما انَّ ذات الرطوبة مانع عن تأثير النار للإحراق فكذلك يكون الحيض مانعاً عن تأثير الدلوك مثلا لوجوب الصلاة.

وبهذا البيان تتّضح استحالة الجعل الإستقلالي لمثل السببيّة والمانعيّة، وأمّا استحالة الجعل التبعي فلأنَّ الجعل التبعي – كما أفاد الشيخ الأنصاري (رحمه الله)عبارة عن انتزاع السببيّة – مثلا – من التكليف الذي اُخذ في موضوعه أمر من الاُمور، وهذا ما يقتضي تأخّر السببيّة عن التكليف تأخر الامر الإنتزاعي عن منشأ انتزاعه، فلو كان التكليف هو منشأ انتزاع السببيّة فإنَّ هذا معناه تأخر سبب التكليف عن التكليف وهو مستحيل لاستحالة تأخّر السبب عن مسبّبه، وهذا بخلاف مالو قلنا انَّ السببيّة منتزعة عن سبب التكليف والذي هو السبب الواقعي المقتضي بذاته التأثير للتكليف فإنَّ محذور تأخّر ماهو متقدّم واقعاً لا يأتي، إذ انَّ السببيّة – بناء على هذه الدعوى – يكون منشأ انتزاعها هو السبب الذي هو متقدّم واقعاً.

وبهذا البيان تتّضح استحالة جعل مثل السببيّة سواء بنحو الجعل الإستقلالي أو بنحو الجعل التبعي.

وقد أجاب السيّد الخوئي (رحمه الله) عن دعوى صاحب الكفاية (رحمه الله) بأنَّه خلط بين الجعل والمجعول، وانَّ مثل سببيّة الدلوك لوجوب الصلاة انّما هي سببيّة في مرحلة المجعول، أي انَّ الدلوك سبب لفعليّة التكليف لا أنّه سبب لأصل جعله والذي يرتبط بالمصالح والمفاسد الواقعيّة.

وبيان ذلك خارج عن الغرض.

Slider by webdesign