خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / 5 مذكرة / نبذة تاريخية عن دليل المصلحة في الأحكام الشرعية
دليل المصلحة

نبذة تاريخية عن دليل المصلحة في الأحكام الشرعية

الاجتهاد: إذا تتبّعنا تاريخ اللجوء إلى المصلحة لاستنباط الحكم الشرعي سنجد إنّ هذه المسألة ترقى إلى عهد الصحابة، حيث تمثّلت في تدوين القرآن وجمع المصاحف وترتيبه على إحدى لهجات قريش وحرق المصاحف الأخرى التي كانت تتضمّن اللهجات الأخرى، وكل ذلك تمّ بالاستناد إلى دليل المصلحة.

ألحّت ظروف الفتوحات الإسلامية واتّساع رقعة الدولة الإسلامية التي ضمّت خليطاً من العرب والعجم وسائر الملل والأمم الأخرى، وقد كان لكل منها شرعة ونهج في الحياة، ألحّت علی الخليفة الثاني أن يعمل بدليل المصلحة طيلة فترة خلافته،

ويعتبر بذلك أول من فتح هذا الباب على مصراعيه، وكانت سياسة الدولة آنذاك تقتضي العمل في ظل هذه القاعدة، واستنباط أحکام جديدة مسايرة للتحوّلات والتطوّرات المتلاحقة في أرجاء الدولة الإسلامية الشاسعة، وذلك كلّه كان في سبيل صيانة بیضة الإسلام من حوادث الزمان.

يقول السيوطي في تاريخ الخلفاء:

لقد قام الخليفة الثاني بكثير من الأعمال غير المعهودة من قبل مستنداً إلى دليل المصلحة، من جملتها اعتماده التاريخ الهجري، وتأسيسه لبيت المال، وإنشائه الدواوين في الدولة الإسلامية، بالإضافة إلى كونه أول حاكم إسلامي يستخدم قوّات الحراسة الليلية المسمّاة بالعسس ونشر المحسبة أو المحتسبة وهم أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان قد امتنع عن توزيع الأراضي المفتوحة على مجاهدي الإسلام خلافاً لمشورة الصحابة، بل فرض الخراج عليها(۱)،

كما كان أول من أسقط سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة، معتبراً إياها إتاوة للعدو، وكان يقول: لقد كان يعطيكم رسول الله والإسلام يومئذ ضعيف، وأما الآن فقد أعز الله الإسلام فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.

وكان أول من بني السجون في الإسلام وضرب الدرهم والدينار، وغير ذلك الكثير من الأعمال التي قامت على دليل المصلحة.

فإدارة البلاد وحكم الناس والسیاسة كلّها أمور تقوم على المصالح، فلماذا لا تكون إذن حجّة، يقول ابن عقيل أحد فقهاء اهل السنّة: السياسة كل فعل يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول “صلى الله عليه وآله وسلم” ولا نزل به وحي(۲).

قامت الحكومات الإسلامية بأعمال كثيرة من خلال توظيفها لدليل المصالح العامة، وقد جاء شرح تلك الأعمال في كتب التاريخ المختلفة، من جملتها مسالة التترّس: لنفترض مثلاً أن الكفار تترّسوا بجماعة من أسارى المسلمين: فلو كففنا عنهم لصدمونا وغلبوا على دار الإسلام، وقتلوا كافة المسلمين وبضمنهم الأسارى أيضاً، ولو رمينا الترس لقتلنا مسلمين أبرياء لا ذنب لهم. وهنا الضرورة والمصلحة تقتضي رمي الترس والحملة على الكفار، حتى وإن كان في ذلك قتل الأسارى من المسلمين .

مثال آخر وهو جباية الضرائب من المسلمين، وهي ضرورة تقتضيها المصالح في البلاد الإسلامية.

وطالما أدّى المسلمون ما وجب عليهم من حقوق الزكاة والخُمس لإدارة الدولة الإسلامية فليس من حقّ الدولة التصرّف في أموالهم، ولكن أحياناً تقتضي المصالح العامة أن تجبي الدولة، مضافاً إلى الحقوق الواجبة المذكورة في القوانين، مبالغ أخرى كضرائب ومكوس وغير ذلك، وكل ذلك على قاعدة المصلحة وليس شيئاً آخر.

يرى جماعة من كبار الفقهاء أنّ شارب الخمر في عصر الرسول الكريم كان يعزّر لعدم تشریع حدّ شرب الخمر آنذاك، وكان ذلك التعزير بحسب الزمان والمكان والمصلحة وشأن الشارب ومقامه،

وقد جاء في الروايات أنّه كان يؤتى بشارب الخمر المدان، ويضرب باليد أو بسعفة نخل وأحياناً بالثوب أو بالنعلين أو بالألواح الخشبية والعظم أو بالحجر. وفي رواية أخرى أن الرسول الكريم “صلى الله عليه وآله وسلم” أمر بضرب شارب الخمر بسعفتين حوالي 40 ضربة،

وروي عن ابن عباس أنّه “صلى الله عليه وآله وسلم” لم يشرّع حدّاً معيّناً لشارب الخمر، وفي عهد الخليفة عمر اقتضت المصلحة أن يكون الحد 40 جلدة، لكنّ الخليفة زادها إلى 80 جلدة، وذلك بعد أن شاور الإمام علي عليه السلام والصحابة، حيث قارنها الإمام بحدّ القذف والافتراء، فأشار بهذا المقدار وذلك بقوله: من شرب سَكِرَ، ومن سَكِرَ هذی ومن هذى افترى، قال الله تعالى في حدّ المفتري: الذين یرمون … إلخ.

كما أنّ مسالة المشورة التي أوصى بها الإسلام، لا تعني سوى العمل بدليل المصلحة، هذا بالإضافة إلى العديد من الحالات التي لم ينزل نصّ وحُكم بها بالاستناد إلى دليل المصلحة.

الهوامش

(1) وعندما اعترض عليه الصحابة بأنه يعرض عن سنّة رسول الله (ص) في عدم تقسيم الأراضي المفتوحة على الفاتحين، أجابهم برد یشمّ عن استدلال ومصلحة: بأن الفتوحات واسعة فلا يمكن مقارنتها بفتوحات صدر الإسلام، وأضاف: لا أقسّم تلك الأراضي على المجاهدين لأمرين، الأول لأنهم لا خبرة لهم بأمور الزراعة، وسیحيلون خضرة الأراضي إلى یباب وخراب، الثاني عندما توزّع هذه الأراضي الشاسعة على المجاهدين والفاتحين سيصبحون من الأشراف، وينعم عيشهم وسیفتنون بالدنيا وملذّاتها. حينها لن يستطيعوا النهوض بأعباء الجهاد ضد الكفار، وفي هذا خطر عظيم على مستقبل الإسلام والمسلمین.
(2) «علم أصول الفقه»، الخلّاف، الطبعة التاسعة، ص ۸۶.

المصدر: كتاب الفقه والاجتهاد .. عناصر التجديد والتأصيل والمعاصرة، ج 1 ،الصفحة 411 .  الدكتور علي رضا فيض.

تحميل الكتاب

الفقه والاجتهاد .. عناصر التجديد والتأصيل والمعاصرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign