خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / 5 مذكرة / شرعية الذبح الآلي عند المذاهب الإسلامية .. الدكتورة حميدة الأعرجي
شرعية الذبح الآلي

شرعية الذبح الآلي عند المذاهب الإسلامية .. الدكتورة حميدة الأعرجي

 الاجتهاد: تباينت آراء فقهاء المذاهب الإسلامية في شرعية الذبح الآلي من حيث كونه واجدًا لشروط التذكية المنصوص عليها أم لا، فمنهم من ذهب إلى حِلِّية ذبيحته مطلقًا، ومنهم مَن فصّل في الحكم.. وفيما يأتي الوقوف على رأي فقهاء الإمامية المعاصرين، وفقهاء المذاهب الإسلامية الأخرى.

1- رأي فقهاء الإمامية

فيما تقدّم ذكر صورتين للذبح الآلي، الأولى: أن يذبح الحيوان آليًا وهو بكامل وعيه، والثانية: أن يذبح بعد تعريضه لمؤثرات خارجية من شأنها أن تفقده الوعي وتشل حركته، كالصعق أو التخدير.. ولكل من الصورتين رأي عند الفقهاء، يمكن إجمالها بالآتي:

– حكم الصورة الأولى: أفتى بعض الفقهاء المعاصرين بصحة الذبح الآلي، وحِلِّية أكل ذبيحته إذا روعي فيه شرائط الذبح المعتبرة، أو المنصوص عليها، من حيث كون المتصدي للذبح -أو مشغّل الآلة- مسلمًا، ويذكر اسم الله تعالى على الذبيحة -أو الذبائح-، ويستقبل بها القبلة، وأنَّ آلة الذبح من حديد، وتقطع الأوداج الأربعة[1].

ولكن هناك من الفقهاء مّن أثار بعض الإشكالات التي من شأنها أن توهم بعدم حِلَّية الذبيحة المذكّاة آليًا؛ لعدم تحقق الشرائط الشرعية المعتبرة فيها. وفيما يأتي ذكر لأهم هذه الإشكالات، مع أجوبة المجوّزين للذبح الآلي عنها([2]):

أ‌- انتساب الذبح للآلة، لا للإنسان: وهو مخالف لما نصّت عليه آية تحريم الأطعمة، في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ…([3])، إذ نسب التذكية في (ذَكَّيْتُمْ) إلى مباشرة الإنسان لها. إضافة إلى أنَّ الروايات قد دلّت على أنّ التذكية لا تصدق بفعل غير الإنسان، كما لو أزهق الحيوان روحه من قبل نفسه، أو بفعل حيوان آخر ولو بقطع مذبحه وأوداجه ما لم يدركه الإنسان فيذكيه. منها: عن الإمام الصادق  قال: «لا تأكل منن فريسة السبع ولا الموقوذة ولا المتردّية إلاّ أن تدركها حية فتذكّيها»[4].

وجوابه: إنَّ التذكية المذكورة في الآية الكريمة، عبارة عن نفس الفعل الخارجي مع الشرائط الخاصة الوارد على المحل القابل، لا أنها مستندة إلى المكلَّف. إذ لا شبهة في أنها فعل المكلَّف، سواء أكانت عبارة عن المسبب، أو نفس الأفعال الخاصة، غاية الأمر على الأول تكون فعله التسبيبي، وعلى الثاني تكون فعله المباشري. ويؤيده جملة من النصوص التي رتبت الحلية على نفس الأفعال، كما في خبر زيد الشحام عن الإمام الصادق(ع): «…إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به»[5]، أضف إلى ذلك أنه ورد في جملة من النصوص أنَّ ذكاة الجنين ذكاة أمّه[6]، ولو كانت التذكية اسمًا للمسبب؛ لما صح هذا الإطلاق[7]. إذ «يكفي في إنتساب فعل أو نتيجته إلى الفاعل المختار أن لا يتخلل بين عمله وبين حصول تلك النتيجة إرادة أخرى، بحيث‏ يكون حصول تلك النتيجة بفعله قهريًّا وترتبه عليه طبيعيًّا، وإنْ تأخّر عنه زمانًا أو كان بينه وبين تلك النتيجة وسائط تكوينية. ومن هنا لا يستشكل أحد في صدق القتل وانتسابه إلى الإنسان إذا ما قتل شخصًا آخر بالآلة»[8].

ب- إنَّ الذبيحة لا تكون مستقبلة للقبلة؛ لعدم كون منحرها وبطنها إليها. وقد نصّت الروايات، وأجمع الفقهاء -كما في الجواهر وغيره من الكتب- على مراعاة هذا الشرط، إلّا في حالة النسيان أو الجهل بالحكم، أو الخطأ في جهة القبلة، أو عدم التمكن من الحيوان؛ لاستعصائه، أو لتردِّيه …

وأجابه السيد الروحاني: بأنَّ مقتضى إطلاق النصوص كفاية الاستقبال بالذبيحة بأي نحو كان في الحِلِّية، ولا تعتبر فيه كيفية خاصة، فلو أوقف الحيوان إلى القبلة بأن كان رأسه إليها -كهيئة الإنسان في حال الركوع والسجود، والإبل في حال النحر إذا كانت قائمة- يصدق أنه مستقبل للقبلة[9]. بل يكون الاستقبال محفوظًا أيضًا، إذا كان الذبح بشكل عمودي كما في ذبح الدجاجة بالماكينة وهي معلّقة من رجليها على رأي السيد محمود الهاشمي[10]. أضف إلى هذا فإنَّ السيد الهاشمي لم يعتبر الاستقبال في حِلِّية الذبيحة، بعد أن أطال البحث في هذا الشرط، وخلص إلى أنَّ مقتضى الدليل الاجتهادي.. حصول التذكية بغيره، إذا تحققت‏ سائر الشرائط المعتبرة؛ لما دلّت عليه عمومات التذكية في الكتاب الكريم والروايات، كما ذهب إلى إمكانية التخلّص من مشكلة الاستقبال بجعل من لا يرى وجوب الاستقبال عليها من سائر المذاهب الإسلامية، فتكون الذبيحة محللة؛ إذ لا شك في حِلِّية ذبيحتهم عند الإمامية[11].

تعقيب: يبدو في ما قاله السيد الهاشمي نظر.. إذ الظاهر من فتاوى الفقهاء أنَّ حِلِّية ذبائح المذاهب الأخرى من حيث اعتقادهم بالإسلام، لا أنهاا تحلُّ وإن أخلّ الذابح بالشرائط المعتبرة عند الإمامية مع حصول القطع بذلك الخلل بالنسبة للمكلَّف. ولا أدل على اعتبار حيثية المعتقد من أنَّ الكتابي –أو غيره من الكفار- لو جاء بجميع ما يعتبره الإمامية من شرائط في التذكية لما حلّت ذبيحته.

ج‌- عدم تحقّق التسمية من الذابح؛ إمّا لحصول الفاصل بين ذبح الحيوان وفري أوداجه الأربعة وبين زمان تشغيل الماكينة، أو ربط الحيوان بها من قبل الإنسان المستخدم لها أولًا، وإمّا أنه يسمّي تسمية واحدة للذبائح المتعددة ثانيًا.

وجواب الأول: أنه يمكن تلافي حصول الفاصل الزمني بين التسمية والذبح، بـ[12]:

1– افتراض تكرار الذابح -وهو المحرِّك للآلة أو الذي يربط الحيوانات بها للذبح- للتسمية إلى زمان حصول الذبح بها. وذهب السيد علي السيستاني إلى تكرار التسمية ما دام الجهاز مشتغلًا بالذبح، أما مع الشك في حلية الذبيحة من جهة الشك في وقوع التسمية، فإنها تعتبر طاهرة ويحلّ أكلها[13].

2– أنَّ الفاصل الزماني إذا كان قصيرًا بحيث ‏يُعَد عرفًا بحكم المتصل بزمان الذبح، شمله إطلاق ذكر اسم الله في قوله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ…[14]، وكذا إطلاق الروايات.

3- إنَّ زمان‏ الذبح بكل شيء يكون بحسبه، فإذا كان الذبح باليد فزمانه مثلًا زمان وضع السكين على مذبح الحيوان للفري، وأما إذا كان بالآلة فزمانه زمان تشغيلها وتوجيهها على الحيوان بحيث‏ يتحقق الذبح ويترتب عليه قهرًا. وهذا نظير التسمية في الصيد، حيث ‏يتحقق عنوان الصيد من حين رمي السهم أو إرسال الكلب، ولهذا يجب التسمية عنده، وإن كانت إصابة الحيوان الذي يُراد صيده بالسهم أو بالكلب المعلَّم متأخرًا زمانًا.

أما جواب الثاني: ففيه تفصيل، فإنْ كان الذبح تدريجيا –أي حيوان بعد آخر- لم يكفِ تسمية واحدة؛ لأنه حين ذبح الثاني لم يُسمِّ، والتسمية الأولى منفصلة عن هذا الذبح، في حين أنَّ الأمر يوجب التسمية عند الذبح. وإنْ كان الذبح دفعيًا –أي تذبح الحيوانات جميعًا مرة واحدة- كفت التسمية الواحدة لجميعها؛ ودليله مقتضى إطلاق الآيات القرآنية هو الاكتفاء في الحل بذكر اسم الله على الذبيحة، وفي الفرض يصدق أنه ذكر اسم الله على الذبائح، كما أنَّ الفقهاء قد أفتوا بأنه إذا أرسل الصائد كلبًا معلَّمًا أو رمى سهمًا وذكر اسم الله فصاد الكلب صيدًا آخر أو أصاب السهم حيوانًا آخر حلَّا معًا، مع أنَّ المفروض أنه لم يُسمِّ إلّا واحدة، وهذا العنوان يصدق في المقام[15].

د‌- إبانة -قطع- رأس الذبيحة عمدًا، وقد نُهي عنه، والنهي يعني حرمة الذبيحة.

وجوابه: هناك اختلاف بين الفقهاء في إفادة النهي للحرمة، إذ ذهب بعضهم إلى عدم إبانة الرأس قبل أن تبرد الذبيحة، وذهب آخرون إلى حرمة الإبانة وعدم محرّميتها للذبيحة. أما المشهور بين الفقهاء فهو الكراهة، وهي الأظهر عند السيد الروحاني، ودليله على جواز الإبانة إطلاق الأدلة، سواء القرآنية أو الحديثية([16]).

هـ – تذبح الذبيحة من القفا، وهو مستلزم لإبانة الرأس الموجِب للحرمة، كما أنَّ مشهور الفقهاء يشترط استقرار الحياة في الحيوان بعد قطع الرقبةة وقبل قطع الحلقوم، أي أنه يمكن لمثله أنْ يعيش اليوم والأيام، فلو كانت الحياة غير مستقرة فيه فهو بمنزلة الميتة ولا يحِلّ بالذباحة[17]،

وأجابه السيد الروحاني: «ولكن: الحق تبعًا لأكثر القدماء والمتأخرين عدم اعتبار استقرار الحياة، بل عن الشيخ يحيى بن سعيد، إنَّ اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب، بل المعتبر أصل الحياة المستكشفة بالحركة بعد الذبح ولو كانت جزئية يسيرة، أو خروج الدم المعتدل»[18]، وقد استدل في عدم اعتبار استقرار الحياة بالاستثناء بـ (إلّا) في قوله تعالى …إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ…[19] من النطيحة(*)، والمتردية(**)، وما أكل السبع.. وفي صحيح زرارة عن الإمام الباقر  قال: «كُلْ كُلَّ شيء من الحيوان غير الخنزير والنطيحة والمتردية وما أكل السبع، وهو قول الله (إلّا ما ذكيتم) فإن أدركت شيئًا منها وعينهه تطرف، أو قائمة تركض، أو ذَنَب يمصع، فقد أدركت ذكاته فكُلْه…»[20] وصحيح الحلبي عن الإمام الصادق(ع) «…إذا تحرك الذَنَب أو الطرف أو الإذن فهو ذكي»[21] …إضافة إلى كثير من النصوص التي استدل بها، ومنها خلص إلى القول بـ «عدم اعتبار استقرار الحياة، بل المعتبر أصل الحياة، وعليه فالذبح من القفا لا إشكال فيه، إن كان الحيوان حيًّا قبل أن يفري الأوداج ومات بعد تمامية الفري»[22].

تعقيب: يبدو لي أنَّ رأي السيد بحاجة إلى وقفة؛ لأنَّه ثبت في علم الطب أنَّ قطع النخاع الشــــوكي يحدث صدمة عصبية في الحيوان، ومنها تحدث الوفاة بسرعة، «وهو ما يحدث في حالة الشـــنق عند فصل الرأس عن الجسم، بتعليق ثقل الأخير على الوصلة بين الفقرة العنقية الأولى والجمجمة، وهي بالفصل أسرع طريقة للموت»[23]. وعلى فرض بقاء الحيوان حيًّا للحظات فإنَّ قطع النخاع يتسبب في حدوث الشلل التام ومن ثم لا يخرج الدم بشكل متعارف -وهو المعتبر شرعًا-؛ لأنه سيظل حبيسًا بين العضلات والأحشاء ولا يجد ما يضغط عليه للخروج منها.

حكم الصورة الثانية:

الحكم في هذه الصورة مبني على رأي أهل الاختصاص –من أطباء، وأطباء بيطريين…وغيرهم- وفيه وجهان[24]:

الوجه الأول: إذا ثبت عندهم أنَّ الصعق الكهربائي أو استنشاق غاز ثاني أوكسيد الكربون، أو أي طريقة أخرى تؤدي إلى موت بعض الحيوانات، فحينئذذ يحصل علم إجمالي بموت بعضها قبل إجراء التذكية لها، وبهذا لا يمكن الحكم بحلّ أي ذبيحة من هذه الحيوانات؛ لأنَّ الشبهة محصورة فيها.. وكذا إذا كانت الذبائح المعلّقة على الشريط الدوّار ليست كلّها على نسق واحد من ناحية الطول، وحينئذ فقد تضرب الآلة الحادّة موضع الذبح وقد تضرب الرأس نفسه أو الصدر، وبه لا تكون كل الحيوانات مذكّاة؛ لحصول علم إجمالي بقتل بعضه بما ليس ذبحاً شرعياً، ومن هنا لا يمكن الحكم بحِلِّ هذه الطريقة إلاّ إذا تم التأكّد من أنّ الحيوان الذي صُعق بالكهرباء لم يمت، وأن الآلة الحادة قد ذبحته في موضع التذكية.

الوجه الثاني: إذا ثبت عندهم أنَّ الصعق والتخدير يؤديان إلى فقدان الحيوان لوعيه فقط، وأنه سيعود إليه بعد مدّة معينة، فيكفي في هذه الحالة إجراء التذكية على الحيوان لحِلِّيته، ويكفي خروج الدم المتعارف في أمثال هذه الحيوانات المدوّخة وإنْ كان زمن النزف فيه أطول من الوقت المعتاد بدون التدويخ. وأمّا إذا شُكَّ في حياة الحيوان بعد التدويخ، فيكفي للحكم بالحياة حركته بعد التذكية (كحركة الذَنَب والاُذن)؛ وذلك للروايات الصحيحة: منها صحيحتي زرارة والحلبي المتقدمتي الذكر[25]. وعلى هذا فمن الطبيعي حرمة الحيوان المشكوك حياته إذا اُجريت عليه التذكية ولم يتحرك منه شيء.

تعقيب: الاستدلال بهاتين الروايتين فيه تأمّل، إذ لسان حالهما إعطاء الحكم في الحيوان مشكوك الحياة بسبب طبيعي، كأن يكون مصاب بمرض، أوو نطحه حيوان آخر، أو تردّى، أو أكله السبع…إلخ وأدركه الإنسان، فله أن يذكّيه ويأكله؛ لئلّا يذهب لحمه وماليّته هدرًا، لا أنَّ الإنسان نفسه هو الذي يتعمّد إلى جعل الحيوان بحالة تشبه هذه الحالات وهو في غنًى عنها!.

2- رأي فقهاء المذاهب الإسلامية الأخرى

سأذكر أهم آرائهم في الوقت المعاصر، المتمثل بمجمع الفقه الإسلامي، وداري الإفتاء (المصرية، والسعودية).

أ‌- مجمع الفقه الإسلامي.

قرر (مجلس مجمع الفقه الإسلامي) المنعقد في دورة مؤتمره العاشر بجدّة -السعودية- خلال الفترة (28/6–3/7/1997م)، وبعد اطلاعه على البحوث المقدمة إلى المجمع في موضوع الذبائح، واستماعه للمناقشات التي دارت بمشاركة الفقهاء والأطباء وخبراء الأغذية، ما يأتي[26]:

– حكم الذبح الآلي:

الأصل أن تتم التذكية في الدواجن وغيرها بيد المذكّي، ولا بأس باستخدام الآلات الميكانيكية في تذكية الدواجن ما دامت شروط التذكية الشرعية قد توافرت، وتجزئ التسمية على كل مجموعة يتواصل ذبحها، فإن انقطعت أعيدت التسمية.

أن يكون المذكّي بالغًا أو مميزًا، مسلمًا أو كتابيًا.

 أن يكون الذبح بآلة حادة تقطع وتفري بحدِّها، سواء كانت من الحديد أم من غيره مما ينهر الدم.

أن يذكر المذكّي اسم الله تعالى عند التذكية. ولا يكتفي باستعمال آلة تسجيل لذكر التسمية، إلّا أنَّ من ترك التسمية ناسيًا فذبيحته حلال.

حكم الذبح بعد الصعق الكهربائي:

 الأصل في التذكية الشرعية أن تكون بدون تدويخ للحيوان، لأنَّ طريقة الذبح الإسلامية بشروطها وآدابها هي الأمثل، رحمة بالحيوان وإحسانًا لذبحته وتقليلًا من معاناته، ويطلب من الجهات القائمة بالذبح أن تطور وسائل ذبحها بالنسبة للحيوانات الكبيرة الحجم، بحيث تحقق هذا الأصل في الذبح على الوجه الأكمل.

والحيوانات التي تذكّى بعد التدويخ فذكاتها شرعية، ويحِلّ أكلها إذا توافرت الشروط الفنية التي يتأكد بها عدم موت الذبيحة قبل تذكيتها، وقد حددها الخبراء بـ : (أن يتم تطبيق القطبين الكهربائيين على الصدغين أو في الاتجاه الجبهي-القذالي (القفوي)، وأن يتراوح الفولطاج ما بين (100-400 فولط)، وأن تتراوح شدة التيار ما بين (750-1 أمبير) بالنسبة للغنم، وما بين (2-2,5 أمبير) بالنسبة للبقر. وأن يجري تطبيق التيار الكهربائي في مدة تتراوح ما بين (3-6 ثوان).

 لا يجوز تدويخ الحيوان المراد تذكيته باستعمال المسدس ذي الإبرة الواقذة أو بالبلطة أو بالمطرقة، ولا بالنفخ على الطريقة الإنجليزية.

 لا يجوز تدويخ الدواجن بالصدمة الكهربائية، لما ثبت بالتجربة من إفضاء ذلك إلى موت نسبة غير قليلة منها قبل التذكية.

 لا يحرم ما ذكّي من الحيوانات بعد تدويخه باستعمال مزيج ثاني أكسيد الكربون مع الهواء أو الأوكسجين أو باستعمال المسدس ذي الرأس الكروي بصورة لا تؤدي إلى موته قبل تذكيته.

ب‌- دار الإفتاء المصرية

– حكم الذبح الآلي:

أفتوا بصحة الذبح الآلي إذا تطابق مع شروط التذكية عندهم، من حيث كون الذابح –مشغل الماكينة- مسلمًا أو كتابيًا، ويذكر التسمية أثناء التشغيل أو أنها تُذكر من خلال جهاز التسجيل -ولا بأس إنْ لم تذكر أصلًا على رأي المذهب الشافعي- ، كما اشترطوا أن يكون الذبح بحدِّ الآلة لا بشيء آخر.. والفتوى هي: «إذا كانت آلة الذبح تقتل بحدِّها لا بأي طريقة أخرى، وكان من يقوم بتشغيلها مسلمًا أو كتابيًّا، وكان المذبوح مأكول اللحم –فإن أكله حينئذٍ حلال… والتسمية عليه عند ذبحه –بعد ذلك كله– سُنَّةٌ لا يضر تركها كما هو مذهب الشافعية ورواية عند الحنابلة»[27].

– حكم الذبح بعد الصعق الكهربائي:

أناطوا الحكم في هذه الصورة بأهل الاختصاص أيضًا، واشترطوا في صحته استقرار الحياة في الحيوان بعد الصعق أو التخدير، والفتوى هي: «إذا ثبت طبيًّا وعلميًّا أنَّ استخدام طريقة ما للسيطرة على الحيوان قبل ذبحه يترتب عليها خروج الحيوان من الحياة المستقرة إلى موت أو إلى حركة مذبوح لا يتحرك بالإرادة -مما يتعارض مع شروط الذبح المقررة في الفقه الإسلامي– فإن هذه الطريقة لا تجوز شرعًا، أما إذا اقتصرت آثارها على إضعاف المقاومة أو تخفيف الألم فقط -وبحيث لو ترك دون ذبح لعاد إلى حياته الطبيعية– فإنه يجوز استخدام هذه الطريقة للسيطرة على الحيوان قبل ذبحه في هذه الحالة؛ لأنه لا يتعارض مع القواعد الشرعية في ذبح الحيوان»[28].

ولمزيد من التوضيح أنقل استفتاء آخر، جاء فيه:

«اطلعنا على الطلب المقيد برقم 1401 لسنة 2005م، المتضمن ما يأتي: … قامت شركتنا بالاتصال بمعظم الشركات الأجنبية المتخصصة في إنشاء المجازر الآلية وأفادت جميعها بالآتي:

أنه من المعروف في جميع المجازر الآلية أن الدجاجة عند تعليقها في السير العلوي تمهيدا لذبحها فإنها تُعَلق من رجليها، ورأسها إلى أسفل وبالتالي فإنها تتحرك بصفة مستمرة خاصة أجنحتها ورأسها. أن نظام الذبح الأوتوماتيكي عبارة عن عدد 2 ماكينة: الأولى تقوم بتهدئة الدجاجة قبل دخولها إلى الماكينة الثانية وهي الذبح الآلي، وهذه التهدئة تتم عن طريق مرور تيار كهربائي في حوض به ماء، ثم دخول الدجاجة أوتوماتيكيًّا إلى هذا الحوض لمدة ثوان، مما يؤدي إلى شل حركتها تمامًا الرأس والأجنحة، وليس خنقها أو موتها؛ وذلك تمهيدًا لدخولها إلى ماكينة الذبح الآلي المركب عليها سكاكين حادة للغاية تقوم بذبح الدواجن آليًّا دون فصل الرأس.

سيتم تركيب جهاز تسجيل على ماكينة الذبح الآلي مسجّل عليه “باسم الله – الله أكبر” عدة مرات. والمرجو من سيادتكم التكرم بالإفادة عن حكم الشريعة الإسلامية فيما سبق ذكره، وهل هذا الذبح بهذه الطريقة مطابق للشريعة؟

الـجـــواب: فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد

الذي جرى عليه جمهور الفقهاء أنَّ كل ما أنهر الدم وأفرى الأوداج فهو آلة للذبح –ما عدا الظفر والسن… وعليه وفي واقعة السؤال: فإذا كان الحال كما ورد بالسؤال وأن الدجاج سوف يذبح بطريقة آلية في مرحلتين: الأولى: الغرض منها إضعاف مقاومة الحيوان؛ ليسهل التحكم فيه والسيطرة عليه ولا تؤدي إلى موته، بمعنى أنه لو تُرِكَ بعد مروره بالتيار الكهربائي دون ذبح عاد إلى حياته الطبيعية جاز استخدام هذه الطريقة وحل أكل هذا الحيوان بعد ذبحه ذبحًا شرعيًّا. أما إذا كان مرور الدجاج بالتيار الكهربائي يؤثر على حياة الحيوان بحيث لو تُرِكَ بعد التخدير دون ذبح فإنه يفقد حياته فإن الذبح حينئذٍ يكون قد ورد على ميتة، فلا يحل أكلها في الإسلام. وبناءً عليه: إذا تأكد أهل الاختصاص أن مرور الحيوان بماء به تيار كهربائي -كما وُصِفَ بالسؤال- لا يؤثر على حياة الحيوان أو خروج الدم منه، ثم إنه يذبح بالمرحلة الثانية الموصوفة بالسؤال، فيكون الذبح حلالا ولا غبار عليه. والله سبحانه وتعالى أعلم«[29].

ج‌- دار الإفتاء السعودية

أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بانَّ «الذبح بالآلات التي تقطع ما شرع قطعه من الحيوانات المأكولة اللحم على الطريقة الشرعية لا يختلف عن الذبح بالسكين، فإذا قصد الذبح من حرّك الآلة بأي وسيلة، وذكر أسم الله وحده، حين ذاك أكلت ذبيحته إذا كان مسلماً أو يهودياً أو نصرانياً، لأن كل ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فهو حلال أكله، إلّا السن والظفر»[30]..

وأجاب الشيخ ابن باز عن استفتاء يُسأل فيه عن حلّيِة أكل ذبائح النصارى في الزمن الحاضر، مع العلم بتعدد طرائق الذبح لديهم كاستخدام الماكينات والمواد المخدرة في عملية الذبح، فأجاب: «يجوز أكل ذبائحهم ما لم يعلم أنها ذبحت بغير الوجه الشرعي، لأن الأصل حلها كذبيحة المسلم لقول الله تعالى: “وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم”»[31].

وعقّب على فتوى الشيخ يوسف القرضاوي[32] التي يقول فيها: «اللحوم المستوردة من عند أهل الكتاب كالدجاج ولحوم البقر المحفوظ مما قد تكون تذكيته بالصعق الكهربائي ونحوه حِلٌّ لنا ما داموا يعتبرون هذا حلالاً مذكّى…»، أنَّ هذه الفتوى فيها تفصيل مع العلم بأن الكتاب والسنة قد دلّا على حل ذبيحة أهل الكتاب، وعلى تحريم ذبائح غيرهم من الكفار، وأما ما ذُبِح على غير الوجه الشرعي، كالحيوان الذي علمنا أنه مات بالصعق أو بالخنق ونحوهما، فهو يعتبر من الموقوذة أو المنخنقة حسب الواقع سواء كان ذلك من عمل أهل الكتاب أو عمل المسلمين، أما كون اليهود أو النصارى يستجيزون المقتولة بالخنق أو الصعق فليس ذلك يجيز لنا أكلهما كما لو استجازه بعض المسلمين، وإنما الاعتبار بما أحلَّه الشرع المطهر أو حرّمه، وكون الآية الكريمة قد أجملت طعامهم لا يجوز أنْ يؤخذ من ذلك حِلُّ ما نصّت الآية الأخرى على تحريمه من المنخنقة والموقوذة ونحوهما، بل يجب حمل المجمل على المبين كما هي القاعدة الشرعية المقررة في الأصول[33]. ولا ريب انّ رأيه يوافق رأي مشهور الفقهاء.

الهوامش

[1]- ظ: الگلپايگاني/إرشاد السائل، ص130، الروحاني/المسائل المستحدثة، ص138 ،

[2]- ظ: الروحاني/المسائل المستحدثة، ص139 ، محمود الهاشمي/الذبح بالمكائن الحديثة، بحث منشور في مجلة فقه أهل البيت (ع)، ع1، 1417هـ-1995م، ط3 ،ص30-75.

[3]- المائدة/3.

[4]- الشيخ الكليني/الكافي، 6/235.

[5] – م. ن. ، 6/228.

[6]- ظ: م. ن. ، 6/234.

[7]- الروحاني/المسائل المستحدثة، ص131-132.

[8]- محمود الهاشمي/الذبح بالمكائن الحديثة، ص31.

[9]- الروحاني/المسائل المستحدثة، ص139، ظ: الخوئي/منهاج الصالحين، 2/335.

[10]- محمود الهاشمي/الذبح بالمكائن الحديثة، ص62.

[11]- ظ: م. ن.

[12]- م. ن. ص33.

[13]- محمد حسين علي الصغير/فقه الحضارة في ضوء فتاوى سماحة السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)، دار المؤرخ العربي-بيروت، ص162.

[14]- الأنعام/118.

[15]- ظ: الگلپايگاني/إرشاد السائل، ص130، الروحاني/المسائل المستحدثة، ص134.

[16]- ظ: المسائل المستحدثة، ص136.

[17]-ظ: الشيخ الطوسي/المبسوط، 1/390 ، المحقق الحلي/شرائع الإسلام، 4/741 ، الجواهري/جواهر الكلام،36/141 ، الخوئي/منهاج الصالحين، 2/339 … وغيرهم.

[18]- المسائل المستحدثة، ص137 .

[19]- المائدة/3.

*- وهي التي تنتطحها بهيمة فتموت

**- وهي التي تتردى من سطح أو تسقط في بئر أو هوّة فتموت

[20]- الشيخ الطوسي/تهذيب الأحكام، 9/58.

[21]- الشيخ الكليني/الكافي، 6/233.

[22]- الروحاني/المسائل المستحدثة، ص138 . علمًا أنَّ رأيه في كتابه (منهاج الصالحين)، أن لا يترك الاحتياط في هذه المسألة، ظ: 2/372.

[23]- محمد فؤاد البرازي/الذبح الإسلامي ومزاياه، ص7.

[24]- حسن الجواهري/بحوث في الفقه المعاصر، 2/246-247.

[25]- ظ: الشيخ الكليني/الكافي، 6/233 ، الشيخ الطوسي/تهذيب الأحكام، 9/58.

[26]- مجلة مجمع الفقه الإسلامي/قرارات وتوصيات المجمع، قرار رقم: 94 (3/10) بشأن الذبائح، ع 10، ص228-229.

[27]- دار الإفتاء المصرية/حكم الذبح بالصعق الكهربائي، إجابة أ.د. علي جمعة محمد عن الاستفتاء (المقيد برقم 1521 لسنة 2005م) المقدم إلى الدار، منشور على www.dar-alifta.org .

[28]- المصدر السابق.

[29]- دار الإفتاء المصرية/الذبح عن طريق الماكينة، www.dar-alifta.org .

[30]- عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وآخرون/فتاوى إسلامية، تحقيق: محمد بن عبد العزيز المسند، 3/555، كتاب الكتروني منشور على الموقع www.ahlalhdeeth.com،.

[31]- م. ن. ، 3/556.

[32]- نشرت في جريدة (المسلمون)، ع 14 في 21/ 8/ 1405هـ..

[33]- المصدر السابق ،3/558.

قسم من مقالة بعنوان: التذكية بالطرائق الحديثة.. دراسة فقهية مقارنة للدكتورة حميدة صبار كاظم الأعرجي في صحيفة المثقف

 

الذبح الآلي

الذبح الآلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign