خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / 5 مذكرة / المدارس الدينية الشيعية.. باحث غربي يدرس تأريخ الحوزة العلمية ونظامها التعليمي
الحوزات العلمية الشيعية

المدارس الدينية الشيعية.. باحث غربي يدرس تأريخ الحوزة العلمية ونظامها التعليمي

الاجتهاد: صدر العدد الجديد من مجلة الواحة (Oasis) (2) الصادر في 2020/07/14، والمعنون بـ”تعلم الإسلام: أثار التهديد الجهادي اهتمامًا متجددّاً بمحتوى التعليم الديني. كيف وأين يتشكّل المسلمون؟ وقد تضمن مقالة للكاتب أليساندرو کانسیان (Alessandro Cancian)(3) جاءت تحت عنوان: «المدارس الدينية الشيعية في الماضي والحاضر». وقد قسم الباحث دراسته إلى أربعة عناوين أساسية، وهي: الشيعة ونقل المعرفة؛ من مدرسة القرون الوسطى إلى الحوزة المعاصرة؛ النظام التعليمي للحوزة العلمية؛ الحوزة العلمية اليوم.

يرى الباحث أن المعرفة في الشيعة يتم نقلها بشكل رئيسي من خلال الحوزة العلمية. وقد تركزت هذه المؤسسة على العلاقة الشخصيّة بين المعلّم والتلميذ، ومن ثم تحوّلت، على مدى عشرة قرون من الوجود، بشكلٍ كبيرٍ؛ لتصبح مركز تدريب عالي التخصص. إذا بقيت النجف في العراق قطبًا أساسيًا للدراسات الدينيّة، وإذا استفادت قم في إيران من الموارد التي أتاحتها الجمهورية الإسلامية، فإنّ التعليم الشيعي اليوم يبدو أنّه موجّهٌ نحو تدويل محدّد.

وفي تعريف الحوزة يقول الباحث: في العالم الديني للإسلام الشيعي، يشير تعبير “الحوزة العلميّة” اليوم إلى كلّ من المؤسسة المسؤولة عن تنظيم وإدارة المراكز التعليمية الدينية، وتُترجم أحيانًا بمصطلح “مدرسة اللاهوت” أو “الكلية اللاهوتية”، بالقياس إلى العالم الكاثوليكي، إلّا أن هذا التعبير ليس صحيحًا تمامًا: من ناحية، لا يمكن مقارنة الكهنوت المسيحي بالسلطة التعليميّة التي تُعلِّم العلماء أساسًا، ومن ناحية أخرى، تركز المؤسستان بشكلٍ مختلف على الموضوعين الرئيسيين لتدريسهما، وهما على التوالي اللاهوت والفقه.

ويضيف الباحث في الصدد نفسه إلى أنّ ترجمة “المدرسة القرآنية”، التي تشير بشكلٍ خاص في وسائل الإعلام الغربية إلى مؤسسات التكوين الديني في العالم الإسلامي، وبالتالي أيضًا، إلى الشيعة، تبدو غير ملائمة؛ لأنه إذا كان صحيحًا أن المدارس القرآنية، المكرّسة في المقام الأول للمعرفة الأساسية وتحفيظ القرآن، موجودة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فلا بُدّ من اعتبار المدرسة كمؤسسة للتعليم العالي توفّر مجموعة متنوعة من الموضوعات، وتشكّل العلوم القرآنية جزءا منها.

وهذا صحيح بشكل خاص في حالة المدرسة الشيعية، حيث تحتلّ المجموعة التقليدية للأقوال الموثوقة – الحديث والرويات – موقعًا مهمّاً مثل الكتاب، إن لم يكن في بعض الأحيان أكثر.

الشيعة ونقل المعرفة

تميل المصادر الشيعيّة المعاصرة، مع استثناءات قليلة، إلى تتبّع فكرة الحوزة في أصول الإسلام، بطريقة مغلوطة تاريخيًا، والتي، على العكس من ذلك، قد تحوّلت بمرور الوقت لتصبح مؤسسة حقيقية للتعليم العالي المتخصّص والمتنوع للغاية.

ومع ذلك، إذا كان التأكيد المتكرّر في المصادر السابقة على أن “الحوزة الأولى كانت المسجد النبوي بالمدينة المنورة”، يبدو سطحيّا إلى حد ما من وجهة نظر تاريخية، فهذا لا يمنع حقيقة أن نموذج نقل المعرفة الذي يمثله محمد (والأئمة الاثني عشر للمذهب الشيعي) يبقى مثالًا نموذجيًّا خلال تاریخ تطوّر المدرسة.

وبهذا المعنى، فإن المدرسة شخصيّة: أي إنها تتضمّن النقل المباشر من المعلّم إلى التلميذ؛ لتشكيل سلسلة كاملة قدر الإمكان من «إجازاة نقل» العلوم الدينية المختلفة. بما في ذلك في الحوزة العلمية المعاصرة: على الرّغم من أن المستويات التمهيدية تميل إلى أن تكون مؤسسية وتخضع لرقابة رسمية وبيروقراطية من قبل المعهد (امتحانات أو شهادات)، تظل المستويات العليا تركز على التدريس وعملية التدريس الفردي من قبل عالم مجتهد.

إن حجر الزاوية في عقيدة الشيعة الإثني عشرية، هو الوجود المستمر للإمام، الذي يعيّنه الله مباشرة، ويتم اختياره من سلالة النبي محمد من خلال صهره وابن عمه علي بن أبي طالب وابنته فاطمة: هو شخصية ليس لديها التوجيه الرسمي للمجتمع فحسب، بل هي أيضا مستودع المعرفة بالواقع النهائي لكل المخلوقات… مثل الإمام الثاني عشر والأخير، الذي تزعم العقيدة الشيعية أنه دخل في “الغيبة” في العام 883م، ويُعتبر على قيد الحياة ومقدّر له العودة “في آخر الزمان”. في الشيعة، يقوم نقل المعرفة على حضور الإمام الغائب، الذي يضمن الوعد المنصوص عليه في الحديث: «العلماء ورثة الأنبياء».

ولذلك فإن المعرفة المنقولة في الحوزة هي معرفة مقدسة بقدر ما يضمنها الإمام. وبالتالي، فإن العلماء، أثناء تصرفهم في سياق موجّه رسميّا نحو اکتساب معرفة قانونية دقيقة للغاية، يتم استثمارهم في الوقت نفسه مع سلطة دينية مقدسة : هدف الفقيه هو أن يصبح “عالمًا إلهيًّا” (العالم الرباني).

يجب أيضا أن يؤخذ في الاعتبار أن الوظيفة الباطنية الأساسية للإمام في التشيع لا تنفصل عن الطبيعة المزدوجة للمعرفة الدينية: فلكل معرفة جانبٌ ظاهريٌ، وجانب باطني. ويترتب على ذلك أنه حتى العلم الخارجي والشكلي والظاهري مثل الفقه، وهو الموضوع الرئيسي للدراسات في الحوزة، يؤثر في التحول الروحي للمؤمن، وبالتالي له جانب باطني.

إن تأويل المصادر القانونية يتغلغل في نقل المعرفة ليس فقط في الأمور التي تبدو أكثر وضوحًا فيها، مثل التفسير القرآني، ولكن على جميع المستويات. إن مجموعة أقوال الأئمة، وهي من أهم مصادر الفقه، هي احتياطي لا ينضب من التعاليم الباطنية والعقيدة الروحية.

من مدرسة القرون الوسطى إلى الحوزة المعاصرة

تحت هذا العنوان يتعرض الباحث إلى تطور الحوزة العلمية؛ حيث إن نموذج نقل المعرفة عند الشيعة يتم توفيره بشكل أساسي من خلال الأساليب التقليدية المنسوبة إلى الأئمة، الذين جسّدوا – طالما كانوا فاعلين ويمكن بلوغهم – السلطة النهائية في المسائل القانونية، أي يمكن للمؤمن الوصول إلى الإمام في ذلك الوقت.

أما بعد غيبة الإمام الثاني عشر، نشأ السؤال حول المعايير القانونية وتحديدها؛ إذ واجهت الجماعة ظروفًا جديدةً لم تكن موجودة حتى نهاية القرن التاسع الميلادي. وعليه، تشكّلت طبقة من الفقهاء اللاهوتيين حول الإمامين محمد الباقر وجعفر الصادق (القرن الثامن میلادي)، ومن المدينة المنورة، أشرق العلم في المراكز التي تعيش فيها الطوائف الشيعية الرئيسية، بما في ذلك قم في بلاد فارس وبغداد والكوفة والحلة في العراق.

تشير المصادر إلى أنه مع بدء التخصّص في المدرسة في مؤسسة حقيقية، مع المساحات والمباني المخصصة لها، بما في ذلك سكن الطلاب، لا تختلف نسختها الشيعية عن تلك التي تنتشر عند الأغلبية السنّيّة.

يُعتقد تقليديّاً أن المدرسة الشيعية الأولى بالمعنى الدقيق للكلمة هي تلك التي أسسها في النجف الفقيه العظيم ورجل الدين الشيخ الطوسي (ت 1067): كان يعمل، وليس من قبيل المصادفة، في السياق العالمي للخلافة العباسية في الوقت الذي كانت فيه تحت وصاية سلالة بوية الشيعية، والتي سجلت تحولا عقلانيا في الفقه واللاهوت الشيعيين.

وفي هذا الوقت كُتبت معظم الرسائل القانونية الكلاسيكية للشيعة، وتوطّدت العقيدة الشيعية حول تكوين طبقة منظمة من فقهاء اللاهوت، والتي كانت تميل بطبيعة الحال إلى الاحتراف.

وفي وقت لاحق، وقبل تثبيت السلالة الصفوية في بلاد فارس في بداية القرن السادس عشر ميلادي، أصبح القطبان الرئيسيان للفقه الشيعي – وبالتالي مراكز تعليمية مهمة – الحلة في العراق وجبل عامل في لبنان اليوم.

سيقوم هذان القطبان، مع مدارس البحرين، بتشكيل الخزّان الأساسي للفقهاء، الذين سيدعوهم الحكام الصفويون عندما يحتاجون إلى إضفاء الشرعية الدينية والأساس القانوني لحكمهم.

مع تشيع بلاد فارس بسبب الحكم الصفوي، تحولت العديد من المدن الإيرانية خلال معظم القرن السابع عشر إلى مراکز مهمة لإنتاج المعرفة الشيعية ونقلها ونشرها، وأصبحت تنافس المدن العراقية المقدسة.

وهكذا فإن الطبيعة «المرنة والشاملة والشخصية» لأسلوب التدريس الشيعي -الخصائص التي لا تزال تحتفظ بها حتى اليوم- ضمنت إعادة إنتاج المعرفة ونقلها في بلاد فارس.

خلال هذه الفترة، كانت مدن أصفهان، عاصمة المملكة، ومدينة مشهد، مکان الحج (الزيارة) بسبب وجود مرقد علي الرضا{عليه السلام}، الإمام الثامن للشيعة، المدينة التي روّج لها الحكام الصفويون بشكل رئيسي كمركز للحج الشيعي في بلاد فارس، على وجه الخصوص؛ ليكون بمثابة ثقل مواز للحج الشرعي إلى مكة والمدينة، اللتين كانتا تحت سيطرة المنافسين العثمانیین.

وبقيت هيبة النجف وكربلاء في العراق على حالها حتى عندما تغيرت التوازنات في المنطقة لأسباب سياسية، مثل الغزو الأفغاني لبلاد فارس وسقوط الصفويين في بداية القرن الثامن عشر، مع الفوضى التي أعقبت ذلك والتي أدت إلى هجرة فكرية من إيران إلى العراق.

وفي القرن التاسع عشر عادت قم إلى الريادة الفكرية، بعد أن أعاد الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي إحياء الدرس الديني هناك، وارتفع عدد الطلاب و قرر العديد من العلماء البارزين الانتقال إلى هناك. ونمت مرکزية قم في العالم الشيعي بشكل أكثر قوة خلال القرن العشرين؛ لسببين رئيسيين: وجود وقيادة أهم سلطة دينية اثني عشرية في ذلك الوقت، وهو آية الله السيد حسين البروجردي، من عام 1945 إلى عام 1961، والدور الذي لعبته ثورة 1979: زعيمها الكاريزمي روح الله الخميني، الذي كان طالبا في قم.

وقد تم التأكيد على هذه المركزية بشكل أكبر بعد الثورة، عندما جعلت جمهورية إيران الإسلامية قم بطريقة ما العاصمة الفكرية الدينية للدولة.

النظام التعليمي للحوزة العلمية

في قلب المثل الأعلى التربوي للحوزة تكمن العلاقة الشخصيّة بين المعلم والطالب. وأدى هذا المفهوم إلى ولادة معدّل معيّن من الإبداع والتمايز بين الأنماط والحرّية، لكن المؤسسات التعليمية للشيعة الإثني عشرية تشترك في بعض السمات التعليمية العامة التي تشكّل تتويجًا لتقليد يعود إلى أكثر من عشرة قرون.

الطلاب، في معظم الحالات، يتقاضون راتباً وإقامة من مرجع التقليد المسؤول عن مدرسة واحدة. على الرغم من التبعية التي يشكلها الراتب، والتي تربط بطريقة معينة الطالب بالمدرسة، فإن هذا الأخير حرّ في اختيار معلّميه والمعهد الذي يريد الدراسة فيه.

ومع ذلك، يمكن القول إن البيروقراطية المتزايدة لنظام الحوزة جعلت هذه الحرية نظريّة إلى حد ما. ومن ثم يقوم الباحث بتفصيل المراحل الدراسية في الحوزة وطريقة التدريس والمواد التي تقدّم للطالب خلال كلّ مرحلة (المقدمات والسطوح والبحث الخارج).

الحوزة العلمية اليوم

يرى الباحث أن التعليم الديني الشيعي اليوم يتجه نحو التدويل المقرّر، ومنظمة تتّجه بشكل متزايدٍ نحو الاندماج مع العالم الأكاديمي. إذا بقي النّجف قطبا أساسيا للدراسات الدينية الشيعية، فإن الموارد التي أتاحتها جمهورية إيران الإسلامية، التي تحتل كوادرها المدرّبة في قم أدوارا رئيسية في هياكل الدولة، تلعب دورًا مركزياً بلا شك في تعزيز النظام بأكمله وتطويره.

اليوم، في إيران، تتمركز إدارة نظام التدريب الديني في جميع أنحاء البلاد، وتحت سيطرة منظمة تسمى “مركز إدارة الحوزات الدينية”، ومقرها مدينة قم. من خلال مكاتب عدة، تتعامل مع أمور تتراوح من تعريف البرامج إلى اختيار الطلاب والبحث والنشر وتنظيم العلاقات مع الجمهور ومع المؤسسات الأخرى، إلى الأسئلة الأخلاقية والروحية، وصولا إلى نشر الثقافة الدينية والعلاقات الدولية.

لا شك في أن النظام التقليدي يستمر في جانبه غير الرسمي، ولكن الاتجاه الذي بدأه التعليم هو زيادة التوحيد القياسي حول هیکل يوفّر عشرة مستويات.

الثلاثة الأولى تشمل مقدمات النظام التقليدي، وتشمل الأدب العربي والمنطق والعقيدة والأخلاق والتفسير وتاريخ أصول الإسلام من السنة الرابعة إلى العاشرة، والتي تتوافق مع المستويات الأربعة من النظام التقليدي، كل مستوى وكل عام دراسي يتوافق معه، مكرّس لتعميق نصّ قانونيّ معيّن، مع زيادة التعقيد والصعوبة؛ وبعد الانتهاء من المستويات العشرة، من المتوقع المشاركة على مستوى البحث الخارج لمدة أربع سنوات، مع كتابة أطروحة.

أيضا في إيران، وفي قم على وجه الخصوص، هناك سلسلة كاملة من المعاهد التابعة اللحوزة والتي تهتم بنشر المعرفة.

أما الدعوة إلى تدويل الحوزة المعاصرة، فيتجلى في اتفاقيات التعاون بين العديد من المعاهد مع جامعات العالم الإسلامي والعالم الغربي، وتأسيس حوزة حقيقية خلال العقود الماضية في البلدان غیر الإسلامية، مثل برنامج الدراسات الدينية الذي تقدمه حوزة المعهد الإسلامي بلندن، ومعهد المهدي في برمنغهام، ومدرسة أهل البيت الإسلامية التي تخدم في منطقة شيكاغو وأميركا الشمالية بشكل عام.

 

الهوامش

(1) https://www.oasiscenter.eu/fr/passe-et-present-des-ecoles-religieuses-chiites
(2) مجلة نصف سنوية تصدر منذ سنة 2005، تكمن مهمّتها في تعزيز المعرفة المتبادلة واللقاء بين المسيحيين والمسلمين، مع إيلاء اهتمام خاص لواقع الأقليات المسيحية في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، وتصدر في إيطاليا.

(3) أليساندرو کانسیان باحث أول مشارك في وحدة الدراسات القرآنية في معهد الدراسات الإسماعيلية بلندن. حصل على الدكتوراه من جامعة سيينا في الأنثروبولوجيا ، مع التركيز على الأنثروبولوجيا الثقافية للمجتمعات الإسلامية وأنثروبولوجيا الدين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign