خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / 5 مذكرة / الخليفة: العلامة الفضلي شخصية استثنائية لا يطويها النسيان حتى بعد خمسة قرون
العلامة-الفضلي

الخليفة: العلامة الفضلي شخصية استثنائية لا يطويها النسيان حتى بعد خمسة قرون

الاجتهاد: قاد حركة تجددية فكرية تحديثية في نظام ومناهج الدراسات الدينية، عمل طوال حياته على الوحدة بين المذاهب الإسلامية فكان من الشخصيات المؤثرة، له الكثير من المؤلفات وقد ترجم له العديد من الكتب والأبحاث وتميز بأنه جمع ما بين الدراسة الحوزوية والدراسة الأكاديمية وحصل على لقب “الدكتور” إلى جانب لقب “العلامة”

حصل على ثقة الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر (رض) والذي قال عنه: “أنت من آمال الحوزة ومفاخرها”، وكان وكيلًا لأغلب المراجع وأبرزهم السيد أبو القاسم الخوئي (رض) والسيد علي الخامنئي (دام ظله)…

إنه العلامة الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي (رض) الذي نحيي ذكرى رحيله الخامسة.. حول حركته الفكرية التجددية كان لنا هذا الحوار مع سماحة السيد الباحث حسن الخليفة:

خصائص شخصية العلامة الفضلي:

بداية يحدثنا سماحة السيد حسن الخليفة عن اللقاء الأول الذي جمعه بالعلامة الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي فيبدأ حديثه بالقول: “العلامة الفضلي رحمه الله عالم متعدد الآفاق، موسوعي في علمه، أبوي في تربيته، إنسان بكل ما يمكن تتجلى به الانسانية في أرقى معانيها؛ لذلك يصعب تحديد أولية الزمن في نشأة العلاقة به واللقاء،

فمنذ طفولتي كنت أقترب منه ويشملني بعطفه وحنانه وأبوته المفعمة بالحب والعطاء والعواطف الجياشة التي تزرع في الطفل البهجة، تلك البهجة التي يغذيها دائمًا بلمساته التربوية الإبداعية التي تؤثر ويبقى تأثيرها في النفس والروح والقلب والعقل والذاكرة تكبر مع الوعي فنكبر معها ويزداد اللقاء عمقًا مع تنامي الإدراكات التي ستأخذ مساراتها تجاه العلم والفكر والأدب والثقافة مع تنامي التعلق بتلك العوالم ونحن نزداد اقترابًا من عالم شيخنا العلامة الفضلي أعلى الله مقامه،

أما ذلك اللقاء الأول بمعنى أوليته النوعية فكان حينما زارني في غرفتي وأنا في بداية سن البلوغ لكي يطلع على النواة الأولى لمكتبتي الشخصية التي لم تكن حينها تحوي أكثر من مئة كتاب تتوزع بين الشعر والفقه والتاريخ والأدب والنقد والفلسفة فاستعذب عندي كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعه –

فأهديته له وقبل الهدية مانحًا إياي شهادة شفوية عفوية بقوله: أنت من أسرة علمية وسيرتك سيرة أهل العلم ولا بد أن تتفرغ لهذا التوجه…، ففرحت جدًّا وازداد فرحي حين أرسل لي بعد أيام شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك كي أواصل طريقي في الدراسة

وهكذا توالت إهداءاته لي من كتبه الجديدة التي يؤلفها أو من مجموعة كتب يختارها لي فيرسلها أو يعطيني إياها يدًا بيد لدى اللقاء…، فكان لذلك اللقاء النوعي مع العلامة الفضلي عند مكتبتي المتواضعة وعلى إيقاع طبقات الأطباء – له أثر كبير علي في شق طريق العلم واللغة والأدب…”.

تميز العلامة الفضلي بخصائص شخصية مميزة منذ صغره وكان مورد إعجاب الكثيرين لقوة ذكائه ومثابرته في طلب العلم وتفوقه الواضح على أقرانه، وله احترام خاص ومكانة مرموقة خصوصًا بين العلماء والمثقفين، عن خصائص هذه الشخصية العظيمة يذكر السيد الخليفة:

“من خصائص شخصيته :

– الحكمة والمسؤولية: فقد كان دائمًا يستحضر (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) متأملًا بحكمة الخلق، باللاعبثية التي يستعد لها بمسؤولية عالية جدًّا، تتجلى في إبداعاته قراءة وكتابة وتدريسًا وتربية

فهو مثلًا إذا أراد أن يؤلف كتابًا يختار موضوعًا يحتاجه القارئ المستهدف ولا يهدر وقت القارئ بالزوائد والفضول، إنه يقدر وقت القارئ، ويعد هدره بما لا فائدة فيه ضربًا من العبث الذي سيسأل الإنسان عنه يوم الحساب؛ لذلك اتسمت مؤلفاته بالتكثيف النافع الأمر الذي يفسر نجاحها في شتى الحقول التي ألف فيها، إنه مسؤول وحكيم في استجابته لتلك المسؤولية.

-التفاني والإخلاص مع تواضع: إن تفاني العلامة الفضلي في إنجاز مشروعه العلمي بإخلاص لله صادق هو سر الطاقة الخلاقية في ذلك التفاني العجيب الذي جعله يترك أكثر من سبعين كتابًا في شتى المجالات والحقول العلمية والمعرفية الأمر الذي كرسه عالـمًا موسوعيًّا قلمًا يجود بمثله الزمان…، ولأنه كذلك حقًا – هو متواضع صدقًا إلى حد نكران الذات؛ لأنه لا يريد فيما كتب وأنتج وألف ألا رضا الله سبحانه وتعالى.

سبعون سفرًا خطها ومضى / محرابه الكلمات والجمل / فكأنما الدنيا له خلقت / صحفا ليملأها ويرتحل”.

قام العلامة الفضلي (رض) بحركة تجديدية ولكن السؤال الذي يطرح هل أن هذه الحركة قامت بنسق بعض المبادئ الإسلامية كما يتصور ويفهم البعض معنى التجديد، يجيب عن هذا السؤال سماحة السيد حسن الخليفة فيقول:

“التجديد في الحركة العلمية عند العلامة الفضلي يستند على رؤيا واضحة جدًّا يترجمها في منهج يستجيب مع الأصالة استجابته لإشباع روح العصر ومتطلباته، لذلك نجد تجديده متوازنًا في قدرته على اصطناع جسر تعبره الأصالة إلى المعاصرة لتعيد تجديد ذاتها من دون خسرانها أصالة تلك الذات، وتلك هي معادلة صعبة لا يدركها كل من يستهويه التجديد…

ولعل تجديد المناهج الدراسية من أجلى تجليات التجديد عند العلامة الفضلي؛ تلي ذلك الأبحاث والدراسات فالحراك الشفوي في الندوات والمحاضرات..”..

وقد استطاع عبر هذه الحركة الفكرية بأن يواجه المد الغربي بأفكاره المادية واللادينية ويرى السيد الخليفة بأن:

“المادية واللادينية ليسا مقصورين على الغرب، هما في الشرق والغرب، وكانت مواجهة العلامة الفضلي لتلك الأفكار من خلال تفكيك خطاباتها وحل ما فيها من شبهات لتحرير الإنسان من أسرها…، وهو يمتلك التأصيل الفلسفي في أطروحاته والعرض العصري الذي لا يبتعد عن الاستفادة من المناهج الحديثة في التفكير التي تلتقي ومباني الدين في معالجة تلك الاشكالات وكل ذلك بهدوء العالم الواثق بقوة منطقه وقدرته على الإقناع.”

هذه القدرة التجديدية عند العلامة الفضلي اعتمد فيها على خطاب ديني جذب القريب والبعيد سيما فئة الشباب: “وهذا ما يوضح خصائص خطابه الديني الذي اجتذب الشباب إلى أصالة الفكر الإسلامي الذي يدهشنا حين يأخذ فكر الشباب في رحلة معرفية يجوب بها الأفكار المتنوعة بتضاداتها وتناقضاتها ليطلع الشباب على العقل البشري وهو يفكر في ما يعرض له من أسئلة الوجود والعالم ليجعل الشاب يفكر من دون أن يرغمه على شيء ولكن يفتح له آفاق الفكر ويزوده بالمنهج العلمي المنطقي الناضج ثم يجعله يكتشف بنفسه خلل الأفكار التي يمكن أن تنطلي على من لا يمتلك هكذا منهج يسبر أعماق الروح الدينية في عطاءات الفكر الإسلامي الأصيل، إنه حقًّا مفكر في طرحه الذي يتسم بالحيوية والأصالة وروح العصر.”.

مؤلفاته ومقارباته للعلاقة بين العلم والدين:

الكثير يتحدث ويضع نظريات تعتبر بأن الدين يتعارض مع العلم وبأن الدين يسيطر على العلم بما يتناسب مع مبادئه إلا أن العلامة الفضلي إلى حد ما زواج بينهما وقدم رؤية واضحة حول هذه القضية، وهذا ما يذكره السيد حسن الخليفة:

“هو لا يزاوج بين العلم والدين وإنما يقنعنا بوجود الدين في منطقة العلم، ولكن بعد أن يعرف العلم، ومن قبله العقل، ومن قبلهما الدين، فالذي يقرأ (أصول البحث) سيقف على منهجية العلامة الفضلي في إعادة تعريف القضايا وتقسيمها لوضعها في سياقها الذي ينبغي أن تكون فيه،

وهكذا فعل في (خلاصة علم الكلام) حين كتب مدخلًا في (المصطلحات) يسبقه (إضاءات منهجية) لمدارس التفكير الكلامي؛ وذلك لكي يأخذ التفكير إلى منطقة العلم حتى لو كان في أعقد القضايا الدينية المتصلة بالميتافيزيقيا ومباحث اللطف والمبدأ والمعاد مما قد لا تقترب من العلمية في بعض الأطروحات التقليدية كونها تستسلم لمنهج أحادي التفكير كالمنهج الفلسفي البرهاني مثلًا لتجعل منه طريقًا واحدًا للإجابة عن أسئلة الدنيا على الدين،

بينما نجد أستاذنا العلامة الفضلي يخرق مسارًا ما ليجيب عن سؤال حول موضوع وقعت في سياقه إلا أنها مما يجاب عنه في منطقة تفكير أخرى وهذا ما جعله في منآى عن الشطح وفي دائرة العلم والتفكير المؤسس على رؤيا للدين ونظريته في المعرفة التي لا يعارضها العلم إذا انكشف على أبعادها بل سيضيف إليه معطيات تزيد في زخم التفكير الذي لم يكن ليطمح إليه العلم قبل السير في مسارات الدين.”

لسماحة الشيخ الفضلي الكثير من المؤلفات التي عالجت نزاهة القرآن من التحريف وكان لهذا الأثر البالغ في النفوس: “عالج شيخنا العلامة الفضلي قضية صيانة القرآن الكريم عن التحريف في مؤلفاته ومحاضراته ومن تلك المؤلفات (تاريخ التشريع الإسلامي) في بحث توثيقي يتعلق بمصادر التشريع وعلى رأسها القرآن الكريم الذي ثبت بالتواتر،

مضافًا إلى مسارات البحث الكلامي بما يتعلق بالإعجاز والتحدي، غير بعيد عن الفكر البلاغي الذي كثيرًا ما يشير إليه في دروسه لنا وفي محاضراته…، ولا ننسى كتابه (القراءات القرآنية) الذي تناول فيه هذه الموضوعة من جهة علم القراءات القرآنية…؛

مما أكسب الموضوعة صفة البحث التكاملي تاريخًا وقراءات (المنهج الخارجي) وكلامًا وبلاغة (المنهج الداخلي) وبالمنهجين الداخلي والخارجي استطاع شيخنا العلامة الفضلي رحمه الله الوصول بالمتلقي إلى قناعة علمية تامة في موثوقية النص القرآني وصيانته عن التحريف.”

إلى جانب كل هذا تحدث سماحته عن التربية الدينية وركز عليها لما لها من تأثير بالغ على صناعة الإنسان الرسالي المؤمن رغم كل التحديات والعوائق والمغريات التي تحيط بالفرد كان تركيزه ينصب بشكل كبير على التربية الدينية:

“التربية الدينية في فكر شيخنا العلامة الفضلي تتخذ مسارًا رؤيويًّا وهو الذي يتعلق بالعلاقة بين الغيب والشهادة في حياة الإنسان على الأساس من استشعار فعالية الربوبية من الله الخالق سبحانه وتعالى الأمر الذي يربط بين الإيمان النظري والسلوك العملي، بين العقيدة والنظام، بين الفكر والفقه،

مما يعطي للعقل حركته في حياة النص الذي لا يتباعد عنه الوجدان في مسيرة الإنسان مما يقيه من الوقوع في سحر الغلو أو في أسر التطرف فكلاهما غلو، كان في (انخفاض أو ارتفاع) كما يصطلح شيخنا العلامة الفضلي وفي ذلك تربية دينية على التوازن والاعتدال بعيدًا عن التطرف بشكليه أو الغلو بشكليه ارتفاعًا وانخفاضًا،

ذلك هو المسار الرؤيوي للتربية عند العلامة الفضلي وهي مما يحتاج إلى دراسة لاكتشافها وهي تعتمل في نتاجاته المنهجية والفكرية على حد سواء، أما المسار الآخر فهو في أسلوبه الذي يجعل من معطيات الدين وتعاليمه حالة تربوية تعيش مع الإنسان وتكبر معه في أطواره الذهنية من عمر إلى آخر ومن البساطة إلى العمق”.

بعد مرور خمس سنوات على رحيله لا يزال فكره مشعًا في وجدان كل من عرفه وقرأ عنه وتتلمذ على يديه وهذا ما يؤكده سماحة السيد حسن الخليفة:

“في إحدى الجلسات العلمية مع أستاذنا العلامة الفضلي قلت له إنك شخصية علمية تمتلك طاقة الخلود – وكانت الأجواء تستدعي الجرأة مني في إطلاق هذه الفكرة أمام أستاذنا العلامة الفضلي، بعد التمهيد لها كي لا تخدش تواضعه ونكرانه الذات،

وكان بيننا حديث ذو شجون، وما كل ما يعلم يقال، إلا أن الذي تقوله الكلمات أن شيخنا العلامة الفضلي شخصية استثنائية تملأ العقل والروح والفكر والوجدان ومثل تلك الشخصيات لا يطويها النسيان حتى بعد خمسة قرون وأكثر لا خمس سنوات مرت وهي في كل لحظاتها تؤكد كم نحن بحاجة إلى وجود فكر العلامة الفضلي بيننا كما كنا نحتاجه من قبل وكما سنحتاجه غدًا وبعد غد…”

ويرى بأنه المهم أن تطلع الأجيال الناشئة على شخصية العلامة الفضلي رحمه الله لتعزيز الثقافة الإسلامية: “دراسة شخصية من طراز شخصية العلامة الفضلي الموسوعية الأصيلة دراسة من جهات متعددة تتعدد بتعدد ما ترك من نتاج عميق الأصول كثيف الفروع،

هو شخصية عملاقة حضارية معطاءة مؤثرة وهي مع ذلك كله شخصية هادئة متزنة مرنة، تحتاج الأجيال أن يطرح لها العلامة الفضلي نموذجًا يقتدى به، فلا بد من تسمية جامعة، مدرسة، مكتبة عامة، جائزة علمية باسم العلامة الفضلي ففي ذلك تكريم له ولفكره وترغيب الشباب الاقتداء به وبعطاءاته العلمية المتنوعة،

أنا شخصيًّا عملت على تأسيس (مركز العلامة الفضلي الدراسات الجامعية والجوامعية) بغية التواصل مع عطاءات شيخنا العلامة الفضلي الذي لو ترجم نتاجه لصنع له الغرب قبل الشرق أعظم تمثال لموسوعي في عصرنا الذي يندر وجود الموسوعيين فيه،

ولعملوا على نشر فكره النيّر الذي يقدر الإنسان ويتواصل معه طارحًا الدين خطابًا إيجابيًا للجمع لا للطرح، وللحياة والعطاء والسعادة والحق والخير والجمال، وهذا ما يحتاج إلى فريق عمل متعدد الاختصاصات لترجمة دراسات العلامة الفضلي وكتبه التي فيها من العالمية ما في قلبه من حب وما في عقله من قوة فكر تجتذب كل منصف من بني الإنسان…!!؟”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign