خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / الدولة المدنية في ظلال مقاصد الشريعة (1) / الدكتور سعد الدين العثماني
الدولة المدنية
الدكتور سعد الدين العثماني

الدولة المدنية في ظلال مقاصد الشريعة (1) / الدكتور سعد الدين العثماني

الاجتهاد: في سياق النقاش الدائر اليوم في المجتمعات المسلمة توضع “الدولة المدنية” في مقابل “الدينية”. وتكون الدولة دينية بواحد على الأقل من ثلاثة أمور هي: – كون الحاكمين يعبرون في قراراتهم عن إرادة إلهية مقدسة، أو اعتبارهم معصومين، لا يخضعون للمحاسبة والمراجعة والعزل إن اقتضى الحال. – كون شرعيتهم تستند إلى حق ديني مقدس، لا إلى الاختيار الطوعي الحر للمواطنين – كونها منحازة دينيا، ولا تضمن حقوق مختلف أتباع الديانات من شعبها ولا تساوي بينهم في الحقوق.

موقع الاجتهاد: يؤكد الدكتور سعد الدين العثماني أن “الدولة المدنيّة هي الأكثر انسجاما مع المراد الشرعي في الإسلام”، فما هي الدولة المدنية؟ وما علاقة الدين بالدولة؟ ووفق أي رؤية يمكن خلالها التمييز بين الديني والدنيوي من جهة، والديني والسياسي من جهة ثانية؟ وهل تتوافق أسس الدولة المدنية مع المنظور السياسي الإسلامي؟ وما هي مستندات ذلك في النصوص الإسلامية وفي الفكر السياسي الإسلامي عبر القرون؟ وما هو المطلق والنسبي في الفكر الإسلامي المرتبط بالمجال السياسي؟ أسئلة سيقارب المقاصدي العثماني في حلقات كتاب لم ينشر بعد.

1 – ما الدولة المدنية؟

يحتاج موضوع طبيعة الدولة من منظور إسلامي إلى بحث مستمر سعيا لتمثل المراد الشرعي نظرا وعملا. فقد أدت العديد من المؤثرات إلى غموض النظرة وتشوش الرؤية وبروز تناقضات عديدة في فكر المسلمين حول الموضوع، وبقي العقل المسلم المعاصر على العموم عاجزا عن الخروج من اختلالاتها.

وعلى الرغم من كثرة الدراسات وغناها في هذا المجال إلا أن العديد من جوانبها المنهجية والمعرفية لا تزال في حاجة إلى المزيد من الجهود من أجل التأسيس الواعي لرؤية متوازنة، وبالتالي التأسيس لممارسة سياسية تنطلق من قاعدة شرعية إسلامية صلبة، وتمتاح من مبادئها ومقاصدها، وتستجيب في الوقت نفسه لتحديات التحديث والنهضة في العالم المعاصر.

ونريد في هذه السلسلة أن نسهم في إعادة صياغة “الفكر الإسلامي” المتعلق بالدولة وشؤونها، وأن نؤكد على أن مقاصد “الشريعة الإسلامية” تقتضي كون النموذج الأوفق هو الدولة المدنية، مع اعتبار فكرة التمييز بين الديني والدنيوي، وبين الديني والسياسي حجر الزاوية في هذه الرؤية. وسنحاول في كل ذلك البحث عن نقطة التوازن بين مقتضيات الشرع ومعطيات الفكر السياسي الحديث ومتطلبات الواقع.

وفي سبيل ذلك نبدأ بتعريف للدولة المدنية، ثم نقسم حلقات هذه السلسلة إلى محاور ثلاث، يقارب المحور الأول ثنائية المجالين الديني والدنيوي في الإسلام، ويفصل المحور الثاني في التمييز بين الديني والسياسي وتأثيرات ذلك على مقاربة الممارسة السياسية من منظور إسلامي، قبل أن ننتهي إلى محور علاقة الدين بالدولة، وكون الدولة المدنية هي الأكثر انسجاما مع المراد الشرعي في الإسلام. ثم نختم بنظرة عن القيم والمقاصد الحاكمة في المجال السياسي من منظور إسلامي.

في البداية نشير إلى أن الدولة تعرف بأنها “التجسيد القانوني لأمة ذات سيادة”. وهي تنشأ حقوقيا عندما تجتمع ثلاثة عناصر هي: الإقليم والشعب والسلطة السياسية.

أما لفظ “المدنية” فيستعمل في الأصل مقابل “البداوة”، ويحمل في اللغة معاني سُكنى المدن، والأخذ بأسباب الحضارة، واتساع العمران، والاجتماع. ويستعمل لفظ “المدنية” في الاصطلاح الحديث بمعان عدة. فهو يوضع مقابل “العسكرية”. فيقال الزي المدني مقابل الزي العسكري. فالدولة المدنية هي نقيض الدولة العسكرية.

ويستعمل مقابل “الدينية”، فيقولون الزواج المدني مقابل الزواج الديني.

ويستعمل مقابل “الدكتارتورية” التي لا يضبطها قانون. فلا توصف الدولة أنها مدنية عندما تكون مستبدة تحكم بقوة السلاح والأمن والجيش.

وفي سياق النقاش الدائر اليوم في المجتمعات المسلمة توضع “الدولة المدنية” في مقابل “الدينية”. وتكون الدولة دينية بواحد على الأقل من ثلاثة أمور هي:

– كون الحاكمين يعبرون في قراراتهم عن إرادة إلهية مقدسة، أو اعتبارهم معصومين، لا يخضعون للمحاسبة والمراجعة والعزل إن اقتضى الحال،

– كون شرعيتهم تستند إلى حق ديني مقدس، لا إلى الاختيار الطوعي الحر للمواطنين

– كونها منحازة دينيا، ولا تضمن حقوق مختلف أتباع الديانات من شعبها ولا تساوي بينهم في الحقوق.

والدولة المدنية – على العكس من ذلك – هي التي تنتفي فيها هذه الأمور الثلاثة. فشرعية الحكام بشرية، تستند إلى الاختيار الطوعي الحر للمواطنين، وهم ليسوا فوق النقد والمحاسبة، وإن اقتضى الحال المعاقبة، والحقوق والواجبات فيها تقوم على المواطنة، والدولة تضمن لأتباع مختلف الديانات حقوقهم.

ومن هنا يمكن أن نحدد سمات الدولة المدنية بأنها:

1 – تمثل إرادة المجتمع وتنبع من توافق أعضائه.

2 – هي دولة قانون، تسهر فيه السلطة على تطبيقه وعلى حفظ حقوق كل الأطراف، وتمنعهم من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم، أو يثأر لنفسه إذا ما انتهك أحد حقوقه، كل ذلك بإشراف هيئة قضائية. ومن ثم فإنها تجعل من القانون أداة فوق الأفراد جميعا.

3 – تنطلق من نظام مدنى من العلاقات يقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة فى الحقوق والواجبات، والثقة فى عمليات التعاقد والتبادل المختلفة، بعيدا عن العنف والفوضى واضطراب العلاقات.

4 – تقوم على المواطنة. فتعريف الفرد الذى يعيش على أرض هذه الدولة لا يكون بمهنته أو بدينه أو بلونه أو بعرقه أو بسلطته، وإنما يُعرف تعريفا قانونيا اجتماعيا بأنه مواطن، أى أنه عضو فى المجتمع له حقوق وعليه واجبات. وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين.

5 – الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، وهو ما يمنع من أن تؤخذ الدولة غصبا من قبل فرد أو مجموعة أو طائفة. كما أن الديمقراطية هى وسيلة الدولة المدنية لتحقيق الصالح العام للمجتمع في إطار توافق مجتمعي، وهي أفضل وسيلة للحكم العقلانى الرشيد ولضمان الانتقال السلمي للسلطة وفق إرادة المجتمع.

فهل هذه الأسس متوافقة مع المنظور السياسي الإسلامي؟ وما هي مستندات ذلك في النصوص الإسلامية وفي الفكر السياسي الإسلامي عبر القرون؟ وما علاقتها بما طرحناه من التمييز بين المجالين الديني والسياسي في الإسلام؟ وما هو المطلق والنسبي في الفكر الإسلامي المرتبط بالمجال السياسي؟ هذا ما سنحاول مقاربته في الحلقات المقبلة بإذن الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign