خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / 5 مذكرة / إطلالة على القواعد الفقهية في فقه الإمامية .. تاريخها (2) / الشيخ محمد صالح رضي
القواعد الفقهية

إطلالة على القواعد الفقهية في فقه الإمامية .. تاريخها (2) / الشيخ محمد صالح رضي

الاجتهاد: دخلت القواعد الفقهية بعد عصر الأئمّة”علیهم السلام” مرحلة جديدة، إذ أحسّ فقهاء الشّيعة – تزامناً مع الغيبة الكبرى- بالحاجة الماسّة إلى الاجتهاد واستحصال أحكام الحوادث الجديدة غير المنصوصة، فتلقَّوا الكُلّيّات والكبريات المبثوثة في الأحاديث كملجأ ومنبع ثرّ لسدّ تلك الحاجة.

 المبحث الثّالث: تاريخ القواعد الفقهية

طوت القواعد الفقهية على مرّ تاريخ الفقه مراحل ومنحنيات متعدّدة، فمرّت في فقه الإمامية بخمس مراحل:

مرحلة الظّهور، مرحلة اتّساع التّطبيق والاستعمال، مرحلة التّدوين، مرحلة المنهج الإخباري، مرحلة التّقعيد والتّطوّر.

1ـ مرحلة الظّهور للمنهج الشّموليّ في الأحكام والفقاهة جذر في القرآن والسّنّة، إذ تلقّى المسلمون منذ صدر الإسلام بعض الآيات والأحاديث النّبويّة على أنّها جامعة ويمكن أن يكون لها مصاديق وموارد متعدّدة، كالآيات من قبيل: {مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[15]، {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[16] وغيرها.

كما أنّ من الميّزات الّتي كرّم بها الله رسوله الكريم “ص” على سائر الأنبياء”علیهم السلام” أنّه خصّه بـ (جوامع الكلم)، والّتي من بينها قواعد فقهيّة متعدّدة، مثل (الإسلام يجُبُّ ما قبله)، (الخراج بالضّمان) وغيرها.

وعلى رغم وجود هذه الكليّات في الكتاب والسّنّة، إلّا أنّها لم تحظ باهتمام الفقهاء آنذاك على رغم ابتعاد المسلمين عن عصر النّص، واتّساع رقعة الأرض الإسلاميّة، وبروز الحاجة الطّبيعيّة للاجتهاد.

في هذه الأثناء، كانت مدرسة أهل البيت”علیهم السلام” هي الّتي فتحت عبر هذه الطّريقة باباً جديداً للاستنباط والاجتهاد. وهم من وسّعوا طريقة القواعد والكليّات. وعليه، فإنّ وضع القواعد الفقهية كطريقة للاستنباط الفقهيّ أمرٌ مرهون بجهود الأئمّة”علیهم السلام”.

جاء في رواية هشام بن سالم عن الإمام الصّادق”علیه السلام”: إنّما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا[17].

أو في رواية أخرى ينقل فيها أحمد بن أبي نصر البزنطيّ عن الإمام الرّضا”علیه السلام” قوله: علينا إلقاء الأصول إليكم وعليكم التّفرّع<[18].

على هذا الأساس، ألقى الأئمة”علیهم السلام” لأصحابهم قواعد كثيرة في مجالات مختلفة فقهيّة وأصوليّة وغيرها. القياس في مقابل القواعد! في مقابل هذا المنهج الاجتهادي، كان يوجد منهج (القياس والرأي).

المسألة الّتي كانت منشأً أساسيّاً للتّضاد الفكريّ في ساحة الفقاهة هي أنّه هل أنّ حكم الحوادث اللامتناهية في العالم وحياة الإنسان يمكن أن يُحدّد ويُبيّن بواسطة آيات وروايات محدودة؟

كان اعتقاد أتباع مدرسة القياس مبنيّاً على أنّ النّصوص المحدودة لا يمكنها الإجابة على المشاكل الجديدة والواسعة باتّساع هذا العالم،ومن هنا اتّجهوا لرفع هذا النّقص نحو القياس ومصادر الاجتهاد الأخرى وجعلوها في عرض الكتاب والسّنّة.

في حين أنّ مدرسة أهل البيت”علیهم السلام” تُصِرّ إصراراً شديداً على عدم نقص الدّين الإلهيّ، وأنّ كلّ ما تحتاجه البشريّة موجودٌ في الآيات والروايات، وتَرُدُّ أيّ نوع من المصادر المزيّفة.

روي عن الإمام الصّادق”علیه السلام”: ما من شيء إلّا وفيه كتاب أو سنّة[19]. خلال تعليمهم طريقتهم الاجتهادية، علّم أهل البيت”علیهم السلام” أصحابهم وبجدارة نكاتاً فنّيّةً ترتبط بحدود القاعدة، واستخراج القاعدة من قواعد أخرى، والنّسبة بين القواعد.

2ـ مرحلة اتّساع التّطبيق والاستعمال دخلت القواعد الفقهية بعد عصر الأئمّة”علیهم السلام” مرحلة جديدة، إذ أحسّ فقهاء الشّيعة -تزامناً مع الغيبة الكبرى- بالحاجة الماسّة إلى الاجتهاد واستحصال أحكام الحوادث الجديدة غير المنصوصة، فتلقَّوا الكُلّيّات والكبريات المبثوثة في الأحاديث كملجأ ومنبع ثرّ لسدّ تلك الحاجة.

هنا نذكر لبحث وتحليل وضعيّة القواعد الفقهية في هذه العصر عدداً من المحاور الأساسيّة:

أـ التنبّه لطريقة أهل البيت كانت الطّريقة الاجتهاديّة للأئمّة”علیهم السلام” هي إلقاء الأصول والقواعد في الفقه، ثمّ تمّ نسيان هذه الطّريقة بالتّدريج بعد الغيبة الصغرى بمستوى واجه معه الاجتهاد نوعاً من التّوقّف والرّكود، وانتحى منحى الجمود والنّزعة الأخباريّة.

لم تتمكّن الكتب في هذا العصر أن تفصل نفسها عن القيد الحديديّ لنصوص الأحاديث، في هذا المنهج كانت طريقة ومسلك الكتب الفقهيّة الشّيعية هي عرض الرّوايات وتقسيمها طبق الأحاديث الفقهيّة، لكن دون استنتاج وتفريع للفروع على الأصول. يجيء كتابا (المقنع) و(الهداية) للشّيخ الصّدوق كنموذج بارز لهذا المنهج الفكريّ.

أمّا الشّيخ الطّوسيّ فقد كان بادئ الحركة الاجتهاديّة العظيمة في فقه الشّيعة حتى استطاع إحياء الطّريقة الاستنباطيّة لأئمّة الشّيعة والّتي شارفت على أن تنسى بشكل تامّ.

استعمل الشّيخ الطّوسيّ كلمة (أصل) لبيان القواعد الفقهية، كقوله: “فإذا شكّ في حجر هل هو طاهر أم لا بنى على الطّهارة لأنّها الأصل”[20].

ومن بعده كان لابن إدريس سعي حثيث لإحياء الطّريقة الاستنباطيّة لأهل البيت”علیهم السلام” في فقه الشّيعة، واستعمل مصطلح (أصول المذهب) للقواعد الفقهيّة، مثل: “والذي يقتضيه أصول مذهبنا، أنّ المشتري لا يلزمه قيمة الولد ولا عشر قيمة الجارية”[21].

ب ـ استنتاج القواعد في هذه المرحلة وبسبب الاهتمام العميق بالأحاديث،

تعامل فقهاء الشّيعة مع القواعد والقضايا الكلّيّة في بعض الحالات، كالشّيخ الصّدوق في كتابه المقنع مثلاً حيث صرف همّته في بعض الموارد لتحصيل القواعد،

فعلى سبيل المثال ما كان منه في مبحث الصّوم المستحبّ إذ استعمل طريقة الاستقراء للموارد الجزئيّة ليستنتج منها قاعدة فقهيّة فقال: “باب: الرّجل يتطوّع بالصّيام وعليه شيء من شهر رمضان.

اعلم أنّه لا يجوز أن يتطوّع الرّجل وعليه شيء من الفرض، كذلك وجدتّه في كلّ الأحاديث”[22].

كما قام الشّيخ المفيد بتأسيس بعض القواعد أيضاً، ونرى ذلك في مثل قوله: “وعلى هذا الأصل الذي شرحناه يعمل في هذا الباب الثّاني”[23].

ج ـ الدّراسات الفنّيّة للقواعد الفقهية جهات متعدّدة، واحدة من تلك الجهات هي النّكات الفنّيّة المرتبطة بحدود القاعدة، كتعارض وتنافي القاعدة مع سائر القواعد على سبيل المثال.

تم اتخاذ الخطوات الأولى في مثل هذه الأبحاث من قِبَل الشّيخ المفيد، إذ إنّه من المتكلّمين الّذين أدخلوا طرق المنهج العقليّ في المباحث الفقهيّة وروّجوها.

يقول في بيان قاعدة الإقرار: “إقرار العقلاء على أنفسهم بما يوجب حكماً في الشّريعة عليهم مقبول”[24]. نرى كيف أضاف الشّيخ المفيد قيوداً لقاعدة الإقرار.

وبدوره عمّق الشّيخ الطّوسيّ هذه الأبحاث الفنّيّة، فيقول في نطاق استعمال قاعدة القرعة مثلاً: “لأنّه لا خلاف أنّ القرعة تستعمل في ذلك ولا تستعمل في شيء من عقود البيع”[25].

أورد هذا الكلام في مقام الاستدلال على عدم كون القسمة بيعاً. كما يقول في الرّجوع إلى العرف والعادة: “وأمّا ما به يكون الإحياء ‌فلم يرد الشّرع ببيان ما يكون إحياء دون ما لا يكون غير أنّه إذا قال النّبيّ عليه وآله السّلام: من أحيا أرضاً فهي له، ولم يوجد في اللغة معنى ذلك، فالمرجع في ذلك إلى العرف والعادة، فما عرفه النّاس إحياء في العادة كان إحياء، وملكت به الموات،

كما أنّه لمّا قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، وأنّه نهى عن بيع ما لم يقبض، وأنّ القطع يجب في قيمة المجن، رجع في جميع ذلك إلى العادة”[26].

مرحلة التّدوين في هذه الحقبة اشتدّ اهتمام الفقهاء بالقواعد الفقهية بمستوىً تمهّدت فيه الأرضيّة لتأسيس علم خاصّ بها، في البدء اتّخذ التّدوين في هذا المجال عنوان الأشباه والنّظائر ثمّ أطلق عليه لاحقاً اسم القواعد،

وتوضيح ذلك، أنّ كلّ قاعدة فقهيّة تشكّل موقفاً عامّاً فوقانيّاً للمصاديق المشتركة في الحكم والجهة، ومع أنّه لاستخراج القاعدة عدّة أساليب وطرق إلّا أنّ من الطّرق المتعارفة لذلك استقراء الموارد المشابهة الّتي يمكن أن تحكي عن نوع وحدة بينها في الحكم. في البدء كانت القواعد الفقهية تدوّن بهذا الأسلوب،

أيْ جمع الموارد والمصاديق المتشابهة والمتّحدة في الحكم، فدوّنت كتبٌ على هذا الأساس تحت عنوان (الأشباه والنّظائر) والّتي يمكن عدّها كقواعد فقهيّة أو كطريقة للتّعرّف على القواعد الفقهيّة على أقلّ تقدير.

على أيّة حال فإنّ أوّل كتاب تمّ تدوينه في الفقه الشّيعي لغرض بيان القواعد الفقهية هو كتاب (نزهة النّاظر في الجمع بين الأشباه والنّظائر) كتبه نجيب الدّين يحيى بن سعيد الهذليّ الحلّيّ (690 ﻫ.ق).

ابن سعيد هذا هو ابن عم المحقّق الحلّيّ وتلميذه وأحد مشايخ العلّامة الحلّيّ، نظم كتابه في 77 فصلاً، هذا الكتاب وعلى رغم حجمه الصّغير إلّا أنّه يتّصف بجامعيّة جيّدة حيث حوى المطالب المتشابهة من الطّهارة إلى الدّيات. كتب من بعده العلّامة الحلّيّ (726ﻫ.ق) كتاب (قواعد الأحكام)، يقول ولده فخر المحقّقين في مقدّمة (إيضاح الفوائد):

“التمست منه أن يعمل لي كتاباً في الفقه جامعاً لقواعده حاوياً لفرائده مشتملاً على غوامضه ودقائقه جامعاً لأسراره وحقائقه يبنى مسائله على علم الأصوليين وعلى علم البرهان وأن يشير عند كلّ قاعدة إلى ما يلزمها من الحكم”[27].

بعد العلّامة، ألّف الشّهيد الأوّل (786ﻫ.ق) كتاب (القواعد والفوائد) والذي جاء أكثر جمعاً وعلميّة من الجهود السّابقة عليه، والّذي أوصل الحركة التّدوينيّة في هذا المجال الّتي بدأها ابن سعيد والعلّامة الحلّيّ إلى أوجها.

وأمّا العوامل الّتي ساهمت في تدوين الشّهيد الأوّل لكتابه المميّز هذا، فأمران:

1ـ العامل الأول، تعرّف الشّهيد الأوّل على القواعد الفقهيّة عبر نافذة كتب المتقدّمين وبالأخصّ عبر كتاب (قواعد الأحكام)، ومن هنا فقد وقع تحت تأثير أفكار العلّامة وفخر المحقّقين الفقهيّة، وبعد أن قام بطرح الإشكالات الفقهيّة على كتاب قواعد الأحكام بصورة خاصّة عند ابن العلّامة، فخر المحقّقين نال منه إجازة عجيبة وفريدة[28].

2ـ العامل الثّاني، خلفيّة التّواصل الواسعة الّتي امتلكها الشّهيد الأوّل مع المدارس والشّخصيات العلميّة من العامّة حتّى أنّه حصل على إجازة من أربعين شيخاً من مشايخهم، حيث كتب في إجازته لابن الخازن: “وأمّا مصنّفات العامّة ومرويّاتهم فإنّي أروي عن نحو من أربعين شيخاً من علمائهم بمكّة والمدينة ودار السّلام بغداد ومصر ودمشق وبيت المقدس ومقام الخليل إبراهيم”علیه السلام””[29]. هذا الارتباط القريب كان سبباً ليتعرّف الشّهيد بشكل جيّد على أنواع تأليفاتهم الفقهيّة والأصوليّة.

وقد انتبه إلى عدم وجود مصنّف لدى الإماميّة يحوي القواعد الفقهيّة بالطّريقة الّتي كانت عند العامّة وبالتّرتيب والتّنسيق الّذي عليه كتبهم، فعزم على أن يخرج كتاباً يستعرض ويُظهر آراء علماء الإماميّة في القواعد الّتي يطرحها العامّة في كتبهم.

كتاب (القواعد) هذا الذي دُوِّن في أواخر عمر الشّهيد المليء بالبركة يتميّز بامتيازات عدّة من أبرزها سهولة العبارة، وتلخيص مطالب الآخرين، وإبراز آراء الشّيعة وقدرتهم الاستدلاليّة.

وقد كان لهذا الكتاب تأثير بالغ في الحوزات الشّيعيّة حتّى كان كتاباً درسيّاً لسنوات طويلة، لكنّه لمّا لم تكن بعض موارده مرتّبة بالمستوى المناسب، دفع ذلك الفاضل المقداد -تلميذ الشّهيد- لينظّم قواعد الشّهيد ويحذف مكرّراته ويحرّره تحت عنوان (نضد القواعد)، وهكذا ترك منهج وطريقة (القواعد) تأثيراً بالغاً في الكتب الفقهيّة اللاحقة.

الشّهيد الثّاني (966ﻫ.ق) وفي استمرار لحركة الشّهيد الأوّل الفقهيّة، أخرج كتاب (تمهيد القواعد) والّذي جمع ونظم فيه مائة قاعدة أدبيّة ومائة قاعدة أصوليّة مع فروعها الفقهيّة المناسبة. يجدر بالذّكر أنّ اللفتة الّتي تميّز بها التّمهيد هي تفكيك وفصل القواعد عن بعضها البعض.

4ـ مرحلة المنهج الأخباريّ في القرن العاشر والحادي عشر

توسّعت النّهضة الأخباريّة في الحوزات الشّيعيّة، والّتي كان من روّادها الشّيخ محمّد أمين الاستراباديّ، الّذي خاض معركة فكريّة حادّة مع التّفكير الأصوليّ، كان يعتقد هو وأتباعه بالرّجوع إلى طريقة أهل البيت” عليهم السلام” في استنباط الأحكام الشّرعيّة، وبمنع إعمال العقل في الاستظهار من الكتاب والسّنّة، حيث كانوا يعتقدون بأنّ الأصوليين قد ابتعدوا عن طريقة أهل البيت”علیهم السلام” وهجروها واتّجهوا لما اخترعوه هم من قواعد،

حتّى المحدّث البحرانيّ (1186) وهو من الأخباريين المعتدلين عاتب -في كتابه (الحدائق الناضرة)- الفقهاء والأصوليين الشّيعة على تركهم قواعد الأئمّة”علیهم السلام” واتّجاههم نحو قواعد لا تعتمد على أساس، يقول مثلاً: “ولكنّهم- ألغوا هذه القواعد الواردة عن أئمّتهم”علیهم السلام” واتّخذوا قواعد لا أصل لها في الشّريعة”[30].

أثّرت حملتهم واعتراضاتهم على علماء الأصول، وجعلتهم يركّزون نظرهم على القواعد الفقهيّة المنقولة عن أهل البيت”علیهم السلام” ويتركون القواعد الفقهيّة المقتبسة من العامّة، لتتبلور نظرة جديدة لقواعد المعصومين”علیهم السلام” كما يقول المير عبد الفتاح المراغيّ: “وبعد فهذه عناوين الأصول المتلقّاة الّتي أمرنا أن نفرّع عليها”[31].

ففي هذه المقدّمة إشارة إلى حديث الإمام الصّادق”علیه السلام” في مورد إلقاء الأصول.

5ـ مرحلة التّقعيد والتّطوّر بدأت هذه المرحلة بظهور الشّيخ الأنصاريّ على ساحة الفقاهة، فاتّخذت القواعد الفقهيّة موقعها بعنوان كونها عنصراً استنباطيّاً، وألقى التّحوّل في مجال أصول الفقه ومجموعة من المسائل الأخرى بظلاله على النّظر العميق في القواعد الفقهيّة تجاوز الطّرح العلميّ للقواعد في هذه المرحلة أمر الاستكشاف والتّقسيم إلى تعيين الحدود والّنطاقات والنّسب بين القواعد،

وتمايز القواعد الفقهيّة والأصوليّة عن بعضها البعض، وإبراز تعريف جامع للقواعد، في حركة غير مسبوقة في عالم الفقاهة.

وفيما يلي إشارة إلى بعض هذه النّكات:

أـ الاهتمام بتاريخ القاعدة الفقهيّة عند مناقشته وتحليله للقاعدة الفقهيّة، اهتمّ الشّيخ الأنصاريّ بتاريخ القاعدة ومنشئها، فيقول مثلاً في حديثه حول قاعدة (مايضمن بصحيحه يضمن بفاسده) وعكسها: “… وهذه القاعدة أصلاً وعكساً وإن لم أجدها بهذه العبارة في كلام من تقدّم على العلّامة إلّا أنّها تظهر من كلمات الشّيخ في المبسوط [وذكر موردين]…

ولم أجد من تأمّل فيها عدا الشّهيد في المسالك…‌”[32].

ب ـ تعريف القاعدة الفقهيّة يعرّف الشّيخ الأنصاريّ القاعدة الفقهيّة بمناسبة البحث في أنّ الاستصحاب هل هو قاعدة فقهيّة أم أصوليّة، إذ يقول بأنّ القاعدة الفقهيّة مشتركة في إجرائها من قبل المجتهد والمقلّد بخلاف القاعدة الأصوليّة الّتي تختصّ بالمجتهد[33].

ج ـ النّسبة بين القاعدة الفقهيّة وبعض القواعد الأصوليّة احتلّت القواعد الفقهيّة مكانة عالية في فكر الشّيخ العلميّ حتّى أنّه كان في صدد البحث عن الرّوابط والنِّسب بينها وبين مجموعة من القواعد الأصوليّة المشابهة، فبعد طرحه لقواعد مثل (اليد) و(القرعة) و(أصالة الصّحة) وغيرها يبيّن علاقتها بالاستصحاب،

فعلى سبيل المثال، يرى الشّيخ -في باب الاستصحاب- أنّ الاستصحاب لا يتعارض مع (اليد)، بل لـ(اليد) حكومة على الاستصحاب[34].

في هذه المرحلة تمّ إعمال العناصر الأصوليّة المهمّة -الّتي يتمّ إعمالها لتبيين الرّابطة ما بين المفاهيم الأصوليّة والفقهيّة- وبدقّة عالية في القواعد الفقهيّة.

دـ القواعد الفقهيّة في الكتب الأصوليّة في هذه البرهة، وعلى رغم استقلال علم القواعد الفقهيّة، إلّا أنّه وبسبب عدم احتلاله موقعاً علميّاً مناسباً تمّ تناول القواعد بالبحث في الكتب الأصوليّة، وقد عقدت لها بحوث في الكتب الأصوليّة المعتبرة كـ(الذّريعة) و(العدّة) و(معارج الأصول) و(معالم الأصول) وغيرها، الأمر الّذي لم تكن له سابقة في الكتب الأصوليّة.

أمّا الشّيخ الأنصاريّ فقد أورد بحوثاً تفصيليّة في كتابه الرسائل بمناسبة كلامه حول عدم تعارض أصالة الصّحة مع الاستصحاب، فجاء ببحث مفصّل في أصالة الصّحة والذي أورد فيه أدلة اعتبارها أوّلاً ثمّ تعرّض إلى مسائلها المختلفة في سبعة مباحث[35].

أعقب الشيخَ أتباعُه حيث بحثوا قاعدة لا ضرر، وأصالة الصّحة، وقاعدة اليد، والقرعة، والفراغ والتّجاوز، وغيرها في كتبهم الأصوليّة.

 

الهوامش

[15] سورة الحجّ: 78.
[16] سورة المائدة: 1.
[17] محمد باقر المجلسيّ، بحار الأنوار، ج2، ص45، ح54.
[18] المصدر نفسه، ح53.
[19] محمّد بن يعقوب الكلينيّ، أصول الكافي، ج1، ص59.
[20] الشّيخ الطوسي، المبسوط، ج1، ص17.
[21] ابن إدريس الحليّ، السّرائر، ج2، ص248.
[22] الشيخ الصّدوق، المقنع، ص213.
[23] الشيخ المفيد، المقنعة، ص711.
[24] المصدر نفسه، ص726.
[25] الشّيخ الطوسيّ، الخلاف، ج3، ص63.
[26] المبسوط في فقه الإماميّة، ج‌3، ص271‌.
[27] إيضاح الفوائد في شرح مشكلات القواعد، ج‌1، ص9‌.
[28] محمّد باقر الموسويّ الخوانساريّ، روضات الجنّات، ج7، ص4.
[29] محمّد باقر المجلسيّ، بحار الأنوار، ج104، ص190.
[30] المحدّث البحرانيّ، الحدائق النّاضرة، ج8، ص134.
[31] مير عبد الفتاح المراغيّ، العناوين، ج1، ص17.
[32] كتاب المكاسب (للشّيخ الأنصاريّ، ط -الحديثة)، ج‌3، ص182‌.
[33] المصدر نفسه، فرائد الأصول، ج2، ص544 و545.
[34] المصدر نفسه، ص706.
[35] المصدر نفسه، ص708.

المصدر: مجلة رسالة القلم العدد 55

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign