أحد المواضيع التي كان للفقهاء على مرّ التاريخ تفسير ونظرة فقهية مختلفة حولها هي « حادثة عاشوراء ». لطالما أثارت الدراسة الفقهية لحادثة عاشوراء أسئلة، من بينها: هل كربلاء حركة فقهية أم عابرة للفقه؟ وثورة عاشوراء تحت أي باب من أبواب الفقه تمت دراستها أو يجب أن تُدرس؟ محاربة الظلم تُدرس في باب الجهاد أم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؟ هل يجوز للإمام مبايعة الحاكم الجائر أم لا؟ ما الذي قاله فقهاء الشيعة حول هذا الأمر وما هي آراؤهم؟
خاص الاجتهاد: تحدث حجة الاسلام الشيخ الدكتور محمد سروش محلاتي ، الباحث في الفقه السياسي وأستاذ البحث الخارج في الفقه والأصول في حوزة قم العلمية، ومؤلف كتاب « فقاهت در عاشوراء » حول نظرة الفقه إلى ثورة عاشوراء. وفيما يلي نص الحوار:
*كان هناك على مرّ التاريخ مقاربات وقراءات مختلفة لحادثة كربلاء، لكن إذا أردنا دراسة حركة الامام الحسين(ع) وحادثة كربلاء من الناحية الفقهية، فهل حادثة كربلاء حركة فقهية أم عابرة للفقه؟ إذا كانت عاشوراء مسألة فقهية، بمعنى أنه يمكن دراستها وفقاً للفقه، فهي بطبيعة الحال قابلة للتأسّي من قبل الشيعة، ويمكن استخدامها كمصدر للفقه. في أي حالات فقهية تم استخدام عاشوراء؟
رأى فقهاء الشيعة في القرون الأولى أنّ حركة الامام الحسين(ع) قابلة للتحليل الفقهي. ربما كان أحد أقدم الآراء حول هذا الأمر صادر عن الشيخ المفيد، ومن ثم السيد المرتضى وبعد ذلك الشيخ الطوسي (رحمهم الله). اعتبر هؤلاء الأعلام أن ما قام به الإمام الحسين(ع) مطابق لقواعد الفقه العام. بالطبع، من أجل تحليلهم قاموا بالتشكيك بعلم الإمام(ع) بما تؤول إليه الحادثة، و بنوا تحليلهم على هذه المقدمة. وفي جواب الشيخ المفيد على هذا السؤال بأنه لماذا ذهب الإمام إلى الكوفة مع علمه بتخلّف أهلها عنه، قال: لا يوجد دليل على علم الإمام. (المسائل العکبريه ص ۶۹)، كما أنّ السيد مرتضى له نفس الرأي في كتاب تنزيه الأنبياء، بأنّ ما حدث مثل مواجهة أهالي الكوفة للإمام لم يكن في حسبانه: «ولم يکن في حسابه أن القوم يغدر بعضهم»
بالطبع في الفترات التالية لم يقبل الكثير من الفقهاء تلك المقدمة، لكن وفقاً لهذه المقدمة، فإنّ عمله له ما يبرره تماماً، فقد تحرك الإمام معتمداً على دعوة أهل الكوفة من أجل إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو من أجل الحصول على السلطة، وعلى كل مكلف هيئت له أرضية ناجحة للنهي عن المنكر فعليه أن يفعل هكذا. لكن لا يمكن لهذا التحليل مع العلم بالأحداث التي وقعت في الكوفة، تقديم مبرر وتبيين إطار فقهي له.
*إذا كانت عاشوراء حركةٌ يمكن تقييمها واستنتاجها على شكل مسألة في الفقه، فتحت أيّ مبحث من المباحث الفقهية التالية يمكن أن تندرج؛ الجهاد؟ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؟ أم محاربة الظلم؟
ترتبط عاشوراء بمواضيع مختلفة من الفقه. بالطبع إن عنوان محاربة الظلم ليس عنواناً مستقلاً عن النهي عن المنكر، ولكنّ عمل الإمام يمكن أن يُدرج تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خاصة من هذه الزاوية وهي لماذا أقدم الإمام على النهي عن المنكر الذي هو نوع من المخاطرة، أو ليس شرط هذه الفريضة أن لا يتعرض الآمر بالمعروف لخطر أو ضرر؟ ولكنّ الكثير من الفقهاء قد طرحوا موضوع عاشوراء تحت بحث الجهادية في كتاب الجهاد، ولماذا لم يقبل الإمام، السلام والمصالحة في الحرب والمواجهة، وهو ما أجاب عليه العلّامة الحلّي في الفقه، وهو أنّ كل شخص يكون في موقع الإمام الحسين(ع) سيكون أمامه طريقين، ويكون له الحق في الإختيار، يمكنه أن يصالح العدو ويمكن أن يقاوم ويستشهد. على أساس هذا الرأي يمكن طرح عمل الإمام في الإطار العام للقواعد الفقهية. ومن بين الفقهاء نرى أن الشهيد الثاني له هذا الرأي.
كما طرح المحقق الكركي هذا الموضوع في نفس كتاب الجهاد، ولكنّ رأيه مختلف عن رأي العلّامة الحلي. كذلك يقدّم الحلي تحليلاً وهو أنّه على الرغم من معرفة الإمام بنتيجة الحرب، ولكن يجب عليه المقاومة بحسب المصلحة، مثلاً كان الإمام يعلم أنّ يزيد لن يلتزم باتفاق المصالحة، أو الصلح معه يضر بمعتقدات الناس، و ربما لم يكن هناك إمكانية للسلام في تلك الظروف. ومع ذلك، وعلى الرغم أنّ نظرية المحقق الكركي ترافقها الاحتمالات والتكهنات، لكن طرح هذه الإحتمالات كانت لتبيين الثورة الحسينية وفقًا للقواعد الفقهية.
يعتقد الكثيرون أنّ أحد أهداف الامام الحسين(ع) في رفض البيعة للحاكم الظالم، هو محاربة الظلم وبسبب هذا الرفض وقعت حادثة كربلاء؛ فهل محاربة الظلم هي من فروع الجهاد أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وهل كان الإمام الحسين(ع) يعتقد في هذا المجال بالجهاد أم بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؟
قضية رفض البيعة غير قضية محاربة الظلم. عندما يدّعي الخلافة شخصٌ جائر وغير لائق، فكل مسلم مكلّف بالإمتنتاع عن قبول دعوته وتأييده. رفض البيعة واجب سلبي وهذا الواجب لا يختص بالامام الحسين(ع)، ولكن إذا كان شخصٌ في ظروف مليئة بالخطر، وتسبب عدم مبايعته بقتله، فإن مبايعته للجائر في مثل هذه الظروف جائزة، وهي أحد مصاديق التقية. ولكنّ الإمام الحسين(ع) لم يكن مستعداً لقبول بيعته. يقول الفقهاء أنّ التقيّة حرام في بعض الحالات، مثلاً التقيّة التي تضرّ بأساس الدين والتي تمنح الشرعية و القوة للرجل الظالم لكي يستأصل أحكام الإسلام غير جائزة. هذا الإستثناء عن جواز التقية منصوص «و کُلُّ شَيءٍ يعْمَلُ اَلْمُؤْمِنُ بَينَهُمْ لِمَکَانِ اَلتَّقِيهِ مِمَّا لاَ يؤَدِّي إِلَى اَلْفَسَادِ فِي اَلدِّينِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ» ،
أشارالامام الخميني(ره) في رسالته حول التقية إلى هذا الموضوع، و قال آية الله الخوئي تحت عنوان التقية الحرام أنها التقية التي تسبب اضمحلال الدين و من ثم اعتبر هذا الحكم و هذه القاعدة منطبقة على عاشوراء: «و لعله من هنا أقدم الحسين (ع) و أصحابه لقتال يزيد بن معاويه، و عرضوا أنفسهم للشهاده وترکوا التقيه»
* وهل في الأساس يجوز للإمام مبايعة الحكّام الظالمين الذين استولوا على السلطة و الخلافة أم أنه لا يجوز له ذلك؟
بيعة الحاكم الجائر لها ثلاث مراحل، المرحلة الأولى هي الحكم الأولي لها؛ يعني البيعة للجائر حرام للإمام وغير الإمام. المرحلة الثانية هي الحكم الثانوي بمقتضى التقية وهو أنّ البيعة جائزة في شروط التقية و الاضطرار. المرحلة الثالثة توقف الحكم الثانوي، بحيث أنّ البيعة لها مفاسد كبيرة حتى في الشروط الاضطرارية. في هذه المرحلة لا تجوز البيعة حتى لو كان ثمنها خسارة الحياة. بالطبع هذه المراحل الثلاثة هي أحكام كلية شرعية، على الرغم من أنّ الإمام عليه السلام وبسبب مكانته الخاصة في هذاية الأمة، وللمحافظة على كيان الدين، لديه شروط خاصة في اختيار كل واحدة من هذه المراحل، لأنّ التقية أحياناً تكون جائزة للأفراد العاديين ولكنها غير جائزة لمن هو في موقع الإمامة. على أي حال، فإن حكم البيعة الجائزة تابع للشروط و المصالح وليس هو نفسه دائماً.
* كيف يمكننا الاستفادة من ثورة السيد الشهداء في المجتمع اليوم، وما هي نسبة تعميم هذه الثورة إلى عصور أخرى؟
من المؤكد أنّ انتفاضة الامام الحسين(ع) قابلة للتعميم، ولكن معنى التعميم هو أنه ينبغي تعميم هذا النمط على «ظروف مماثلة»، برأيي أنّ كل إمام من الأئمة(ع) في موقع أبي عبدالله(ع)، لكان قام بنفس ما قام به الإمام الحسين(ع)، ولكن للأسف فإن البعض اليوم يعتبرون التعميم بمعنى التعميم في «جميع الظروف»، يعني في موقع الامام الحسن(ع) أيضاً يجب أن يفعل مثل عمل الإمام الحسين(ع)! هؤلاء الأشخاص الجاهلون لا يستطيعون درك علاقة موضع الامام الحسين (ع) مع تلك الظروف الخاصة، و يظنون أنّ هذا الحكم واحد لجميع الحالات.
وللتعميم العادل يجب أن نحصل في البداية على المكونات الأساسية لثورة الإمام(ع)، مثلاً هل واجه الإمام الحاكم الجائر حيث قال أنه يريد أن يقرأ على الإسلام السلام «وَ عَلَى الاِسْلامِ، ألسَّلامُ إِذْ قَدْ بُلِيتِ الاُمَّهُ بِراع مِثْلَ يزِيدَ» على أساس هذه المكونات لا يمكن تعميم هذه المكونات لمواجهة أي حاكم جائر و منحرف. المكون الآخر أنّ جميع الطرق في كربلاء كانت مغلقة في وجه الإمام(ع)، فلم يسمحوا له أن يعود إلى المدينة، أو أن يذهب إلى منطقة أخرى، حتى عبيد الله لم يكن مستعداً أن يسمح للامام الحسين(ع) بالذهاب نحو الشام، حتى لم يكن هناك إمكانية للمصالحة. وكما عبّر الشهيد مطهري فإن العدو كان مستعداً للمصالحة مع الامام الحسن المجتبى(ع)، و لكن مع الإمام الحسين(ع) لم يكن يريد سوى «التسليم، ولذلك كانت «هَيهَاتَ مِنَّا الذِّلَّه» مقاومة مقابل الاستسلام، وليس مقاومة مقابل المصالحة.
أنا شخصياً أعتقد بالتأسّي بثورة الامام الحسين(ع) وأعتبر أن التأسي به لازم، ولكنني أعتقد أنّ التكرار الصوري لشعارات كربلاء ليس تأسّياً واتّباعاً للإمام عليه السلام.
*هل يوجد بين فقهائنا من يعتبر أن ثورة الامام(ع) کانت خارج نطاق الفقه؟
نعم. دخل هذا التوجه في فقهنا منذ العصر القاجاري وخاصة عن صاحب الجواهر. و من بعده انتشر وتوسّع في المجتمع الشيعي على يد الشيخ جعفر الشوشتري، و بسبب نفوذ الشيخ جعفر في القرن الأخير، فإن هذا الرأي كان هو السائد تقريباً.
كرر المرحوم الشوشتري نفس كلام صاحب الجواهر في كتبه المختلفة مثل الخصائص الحسينية وفوائد المشاهد، و خلاصة ذلك أن الإمام الحسين(ع) كان له تكليف خاص يختلف عن تكليف عامة المسلمين. حتى المرحوم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، الذي كان من الناحية الإجتماعية و السياسية فقيهاً متنوراً و واعياً، عندما واجه هذا السؤال وهو لماذا قام الامام (ع) في ليلة عاشوراء بتحرير أصحابه وسمح لهم أن يتركوا كربلاء، أجاب بأنّ حركة كربلاء أبعد من القواعد الشرعية والمتطلبات المدنية، وهي عبارة عن حركة استثنائية بالكامل.
في الأعوام الأخيرة صدر كتاب عن مكتب آية الله بهجت باسم «الرحمة الواسعة» وهذا الكتاب مجموعة بيانات ذلك المرحوم حول سيد الشهداء. وهناك أيضاً يقول في البداية: وهل يمكن للإنسان أن يجهّز نفسه للإنتحار؟ وهل هو مختار في قتل نفسه؟ و من ثم يتطرق إلى قصة كربلاء وأصحاب الامام الحسين(ع) و يقول: «وفي النهاية ماذا نقول؟ ولا يمكن للرسالة أن تحيط بهم، فهم أنفسهم يعلمون و مسؤولون عن عملهم وأحوالهم »
هذه الجملة الأخيرة إشارة إلى هذه النقطة وهي أنّ الإقدام على الشهادة عمل أبعد من الرسائل الفقهية، وفقيه اليوم لا يمكن أن يمتلك جواباً عن عملهم.
تمت ترجمة الحوار في موقع الاجتهاد الذي أجراه ونشره موقع شفقنا باللغة الفارسية.
.