خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه

النهي

المشهور انَّ النهي بمادّته وصيغته يدلّ على الطلب كما هو الحال في مادّة الأمر وصيغته، غايته انَّ متعلَّق الأمر هو الفعل وأمّا متعلَّق النهي فهو ترك الفعل فالأمر هو طلب الفعل والنهي معناه طلب ترك الفعل.

ومن هنا يكون الفرق بين الأمر والنهي انَّماهو من جهة المتعلَّق وإلاّ فكلاهما موضوعان لمعنىً واحد وهو الطلب والمائز بينهما هو انَّ الأمر معناه طلب ايجاد الفعل ومعنى النهي هو طلب اعدام الفعل، فحينما يقال: (لا تكذب) فإنَّ معناه طلب اعدام طبيعة الكذب.

وقد أورد على هذا المبنى بايراد معروف، حاصله: انَّ من المستحيل أن يكون متعلَّق النهي هو طلب الترك، وذلك لأنَّ التكليف منوط بالإختيار والقدرة على الإمتثال، ومن الواضح انَّ ترك الفعل والذي يعني اعدامه خارج عن قدرة المكلَّف، إذ انَّ انعدام الفعل ثابت من الأزل فلا يكون اعدامه داخلا تحت القدرة، إذ لا قدرة على التأثير في المعدوم من جهة تحصيل اعدامه – اذا صحَّ التعبير – نعم لو كان ثمّة شيء موجوداً فعلا لكان طلب اعدامه ممكناً وأمّا اعدام ماهو معدوم فهو مستحيل، وبذلك يتّضح فساد المبنى، فدعوى انَّ معنى النهي هو طلب ترك الفعل يساوق طلب اعدام المعدوم.

فعندما يكون النهي هو ترك الكذب فإنَّ هذا معناه طلب ماهو ثابت من الأزل، إذ انَّ ترك الكذب ثابت من أوّل الأمر، فحتّى لو كذب المكلَّف كذبة فإنَّ النهي لا يكون متعلقاً بترك هذه الكذبة، إذ انَّها وجدت فلا يتعلّق النهي باعدامها وانَّما يتعلَّق باعدام مالم يوجد من أفراد الكذب، وهذا هو طلب اعدام المعدوم.

وقد اجيب عن هذا الإشكال بأنَّ طلب ترك الفعل والذي هو ثابت من الأزل لا يلزم منه طلب اعدام المعدوم، إذ انَّ الطلب متعلِّق بالإستمرار في سدِّ باب الوجود على الطبيعة المنهي عنها، وهذا المقدار مقدور للمكلَّف، إذ انَّه قادر على ايجاد الطبيعة فيكون قادراً على عدم ايجادها، إذ لا يتعقّل ثبوتالقدرة على أحّد طرفي النقيض دون الآخر، فالقدرة على الشيء هو انَّ له أن يفعله وله أن لا يفعله، أمّا لو لم يكن قادراً على الترك فهو غير قادر على الفعل بل هو مقسور عليه وهو خلف الفرض.

المبنى الثاني: هو انَّ المراد من النهي عبارة عن طلب الكفِّ عن الفعل خارجاً، فيكون النهي كالأمر موضوعاً للطلب إلاّ انَّ متعلَّق النهي عبارة عن الكفِّ والذي يستبطن مؤنة زائدة وهي أعمال النفس، فمعنى (لا تكذب) هو طلب حبس النفس ومنعها عن الكذب، وهو أمر اختياري كما هو واضح.

وهذا المبنى انَّما نشأ عن التسليم بتماميّة الإشكال على المبنى الأوّل إلاّ انَّه يوجب الوقوع – كما قيل – في محذور آخر وهو انَّ اتّفاق ترك المنهي عنه دون إعمال النفس وحبسها عنه لا يكون امتثالا للنهي بعد أن كان المنهي عنه هو كفُّ النفس وحبسها والمفروض عدم تحقّق ذلك منه.

المبنى الثالث: وهو المنسوب لمشهور المحقّقين من الاصوليين، وحاصله: انَّ النهي موضوع للدلالة على الزجر والتبعيد عن متعلَّق النهي باعتبار اشتماله على مفسدة توجب الإلزام بذلك، وهذا بخلاف الأمر فإنَّه موضوع للدلالة على البعث والتحريك نحو الفعل باعتبار اشتماله على مصلحة توجب الإلزام بايجاده، وعلى هذا يكون الموضوع له النهي مبايناً لما هو موضوع له الأمر.

المبنى الرابع: وهو الذي ذهب إليه السيّد الخوئي (رحمه الله)، وحاصله: انَّ النهي عبارة عن اعتبار المكلَّف محروماً من الفعل، وذلك لاشتماله على مفسدة أوجبت حرمان المكلَّف منه، وهذا هو حقيقة النهي وأمّا صيغة النهي أو ما يساوقها فوظيفتها هو ابراز ذلك الحرمان الإعتباري، فهي موضوعة للدلالة على ابراز الحرمان الإعتباري عن الفعل.

ومن هنا يكون معنى النهي قريباً بل مساوقاً لمعنى الحرمة، غايته انَّ الحرمة قد تكون تكوينيّة كحرمان قوي لضعيف عن مساورة فعل فيكون حرمانه بمعنى منعه من ممارسة ذلك الفعل أو ان يكون الحرمان من الفعل ناشئاً عن قاهر خارجي لا يتّصل بانسان آخر فهو محروم منه بمعنى انَّه ممنوع تكويناً عن مزاولته، وقد تكون الحرمة اعتباريّة كما في النهي المولوي، إذ انَّه عبارة عن اعتبار المكلَّف محروماً عن مزاولة ذلك الفعل وان لم يكن محروماً منه تكويناً.

Slider by webdesign