خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / معجم / الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع

الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع

الظاهر من كلمات المحقّق النائيني (رحمه الله) وغيره من الأعلام انَّ مورد القاعدة هو الملازمة بين المدركات العقليّة العمليّة وبين حكم الشرع أو قل الملازمة بين المستقلاّت العقليّة بالمعنى المشهور وبين حكم الشرع، فحكم العقل بحسن شيء أو بقبح شيء هل يلزم منه عقلا حكم الشارع على طبق ما أدركه العقل أو لاْ ؟
إلاّ انَّ المستظهر من بعض كلمات صاحب الفصول (رحمه الله)المنكر للملازمة انَّ محلّ النزاع أوسع من ذلك وانَّه يشمل حالات إدراك العقل للمصالح والمفاسد، بمعنى انَّ إدراك العقل لاشتمال شيء على مصلحة أو مفسدة هل يلزم منه عقلا ثبوت الحكم الشرعي على طبق ما أدركه العقل.

إذ انَّ العقل حين يُدرك المصلحة يدرك معه الوجوب العقلي، وحنيئذ نبحث عن ثبوت الملازمة بين هذا المدرك العقلي وبين الحكم الشرعي إلاّ أن يكون مراد صاحب الفصول هو انكار الصغرى، أي انكار أهليّة العقل لإدراك المصالح والمفاسد التامّة، وهو ليس ببعيد عن كلماته (رحمه الله).

كماانَّه يمكن أن يقال انَّ هذا المورد خارج عن محلّ البحث باعتبار انَّ إدراك المصالح والمفاسد التامّة يكون منتجاً لإدراك الحكم الشرعي ابتداءً ودون الحاجة لتوسيط الملازمة، فعندما يُدرك العقل اشتمال فعل على مصلحة تامّة يكون ذلك موجباً لإدراك تعلُّق الحكم الشرعي بذلك الفعل، فالمدرك هو كبرى عليّة المصالح والمفاسد للأحكام الشرعيّة وكذلك ثبوت علّة الحكم الشرعي والتي هي المصلحة أو المفسدة التامّة وهذه هي صغرى الكبرى المذكورة وعندئذ يستحيل تخلُّف المعلول (الحكم الشرعي) عن علته التامّة المدرك وجودها بواسطة العقل، وعليه يكون هذاالمورد خارج عن محلّ البحث.

كما انَّه يمكن توجيه ماهو مستظهر من عبائر صاحب الفصول (رحمه الله) بما يتناسب مع دعوى المحقّق النائيني (رحمه الله)بأن يقال: انَّ مراد صاحب الفصول (رحمه الله)من المصلحة والمفسدة هو الحسن والقبح، وذلك بدعوى انَّ اتّصاف الفعل بالحسن ينشأ عن اشتماله على المصلحة التامّة، كما انَّ اتّصاف الفعل بالقبح ينشأ عن اشتماله على المفسدة، وبهذا يكون إدراك المصلحة والمفسدة مساوقاً لإدراك الحسن والقبح فيكونان من مدركات العقل العملي، فلا يكون مورد القاعدة بنظر صاحب الفصول (رحمه الله)أوسع ممّا أفاده المحقّق النائيني (رحمه الله)، ومبرِّراً هذا التوجيه يتّضح بملاحظة ماذكرناه في مباحث الحسن والقبح.

وكيف كان فقد ذهب مشهور الاصوليين إلى ثبوت الملازمة بين حكم العقل العملي وحكم الشرع، وفي مقابل هذه الدعوى أنكر جمع من الأعلام ثبوت الملازمة، وهناك اتّجاه ثالث وهو استحالة ثبوت الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع، ويمكن اعتبار مبنى صاحب الفصول (رحمه الله) اتّجاه رابعاً، وذلك لأنَّه وإن أنكر الملازمة الواقعيّة إلاّ انَّه ادعى ثبوت الملازمة الظاهرية، بمعنى انَّ المكلَّف يكون ملزماً بالبناء على انَّ ما أدركه بعقله هو ما يحكم به الشرع وانَّ احتمال وجود المزاحم واقعاً لا يعذر المكلَّف عقلا عن عدم البناء على الملازمة، ومن هنا لو لم يلتزم تقتضيه الملازمة واتّفق عدم وجود المزاحم واقعاً فانَّه يُعدُّ عاصياً، وهذا هو معنى الملازمة الظاهريّة بحسب ما أفاده المحقّق النائيني (رحمه الله).

ثمّ انَّ مبنى الملازمة الواقعيّة يعتمد مجموعة من المقدّمات:

المقدّمة الاولى: هي تبعيّة الأحكام لملاكات في متعلقاتها.

المقدّمة الثانية: انَّ الحسن والقبح من الصفات الواقعيّة الذاتيّة لبعض الأفعال.

المقدّمة الثالثة: انَّ العقل يُدرك ولو بنحو الموجبة الجزئيّة حسن بعض الأفعال وقبح بعضها، وهذا معناه حكمه أو إدراكه لمدح فاعل الحسن وذمّ فاعل القبيح، ولابدَّ حينئذ من مطابقة الحكم الشرعي للحكم العقلي وعدم تعقّل تخلَّف الحكم الشرعي عن ذلك.

وهنا يتصدّى المنكرون للملازمة للمناقشة في المقدّمة الثالثة، وهو انَّ إدراك العقل لحسن بعض الأفعال وقبح بعضها إذا كان المراد منه هو إدراك العقل انَّ واقع هذا الفعل هو اتّصافه بالحسن وانَّ واقع ذلك الفعل هو الاتّصاف بالقبح وانَّ إدراك العقل لذلك يلازم إدراك الشارع لذلك الواقع إن كان هذا هو المراد من المقدّمة الثالثة فهو مسلَّم إلاّ انَّ هذالا يعني جعل الشارع حكماً على طبق ما أدركه، إذ انَّ ذلك أوسع من الدعوى حيث انَّ الدعوى بحسب الفرض هو إدراك العقل لحسن هذا الفعل واقعاً وانَّ ما يدركه العقل يدركه الشرع ونحن لا نضايق في ذلك، أي انَّه لامحذور في البناء على إدراك الشرع لحسن هذا الفعل واقعاً عيناً كما هو مقتضى المدرك العقلي.

وان كان المراد من إدراك العقل للحسن واقعاً هو استكشاف العقل للحكم الشرعي فهذا خروج عن الفرض، وذلك لما ذكرناه في صدر البحث من انَّ إدراك العقل للعلّة وهي الحسن أو القبح أو المصلحة أو المفسدة التامّة إدراك للحكم الشرعي ابتداء دون الحاجة لتوسيط الملازمة، وذلك لأنَّ إدراك العلّة إدراك للمعلول ببرهان اللم، على انَّ إدراك العقل للمصلحة والمفسدة أو الحسن والقبح بهذا النحو من مدركات العقل النظري لا العملي والذي هو مورد البحث.

نعم يبقى احتمال ثالث وهو انَّ ادراك العقل لحسن بعض الأفعال وقبح بعضها معناه ادراكه لجعل العقلاء حكماً على طبق ما يقتضيه إدراك العقل من حسن الفعل أو قبحه وعندها نبحث عن الملازمة بين الجعل العقلي والجعل الشرعي، وهذا الإحتمال هو الذي يصلح أن يكون مورد القاعدة.

إلاّ انَّ الذي يرد على هذه الدعوى هو عدم وجود برهان على الملازمة، وذلك لاحتمال اكتفاء الشارع بما أدركه العقل وعدم الحاجة لأن يجعل حكماً شرعياً على طبقه.

وبتعبير آخر: انَّ الجعل العقلي يتفاوت من جهة اهتمام المولى، فقد يكون الإهتمام بمستوى لا يقتضي الإبراز وهذا ما ينتج الاكتفاء في ذلك المورد بما أدركه العقل، وقد يكون اهتمامه بذلك المدرك الواقعي شديداً بحيث يدعوه لإبراز ذلك الإهتمام، فلا ملازمة إذن بين الجعل العقلي وبين الجعلى الشرعي لاحتمال انَّ الإهتمام بذلك المدرك الواقعي لا يرقى لمستوى ابراز المولى لذلك الإهتمام إلاّ انَّه مع ذلك تكون أثار الحكم الشرعي وهو ترتب العقاب على المخالفة ثابتة في مورد الجعل العقلي وان لم نقل بالملازمة.

إلاّ انَّ الإنصاف انَّ هذا الجواب غير تام لانّنا لا نحتاج لإثبات الملازمة لأكثر من مطابقة الجعل العقلي لاهتمام المولى، وكون هذا الإهتمام لا يرقى لمستوى الإبراز لا ينفي التطابق وانَّما ينفي الإهتمام الشديد الموجب لتصدي الشارع للإبراز، فاستغناء الشارع بالجعل العقلي معناه قبوله له، ولا نطلب من الملازمة أكثر من ذلك.

وأمّا الذي ادعى استحالة ثبوت الملازمة فقد استدلَّ بلغوية الجعل الشرعي بعد الجعل العقلي.

واجيب عن ذلك بأنَّ اللغويّة غير مسلّمة، إذ انَّ الجعل الشرعي على طبق الجعل العقلي يُعبِّر عن التأييد والتأكيد.


كما يمكن أن يجاب عن هذه الدعوى بأنَّ ادعاء الملازمة معناه ثبوت ملازمة واقعيّة ذاتيّة، وهذا غير خاضع للإعتبار.

وبتعبير آخر: انَّ مدعي الملازمة يدعي انَّ ثبوت الجعل العقلي يلازم ذاتاً الجعل الشرعي، واللازم الذاتي لا يتخلَّف عن ملزومه واقعاً، ولا معنى لدعوى اللغويّة بعد أن كانت الملازمة ذاتيّة، وبعد ان لم تكن تعني أكثر من قبول الشارع للجعل العقلي والذي يفترض انَّه المطابق للواقع.

ثمّ انَّه يبقى الكلام في مورد آخر وهو المدركات العقليّة النظريّة الواقعة في سلسلة علل الأحكام والتي هي من قبيل الإستلزامات العقليّة كإدراك العقل للملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته.

ولا ريب في خروج هذا المورد عن محلّ النزاع، وذلك لأنَّ مدعي الملازمة يدعي إدراك العقل لاستلزام وجوب الشيء ووجوب مقدّمته شرعاً لا عقلا، نعم لو كان المدعى هو الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته عقلا لكان ذلك موجباً للبحث عن الملازمة بين الحكم العقلي بوجوب المقدّمة والحكم الشرعي بوجوبها إلاّ انَّ ذلك ليس هو مورد النزاع في مباحث الإستلزامات.

Slider by webdesign