خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / معجم / الشكّ في المكلَّف به

الشكّ في المكلَّف به

المراد من الشك في المكلَّف به والذي هو مجرى لأصالة الإشتغال العقلي هو الشك في امتثال التكليف، وبه يُعرف المائز اجمالا بين الشك في التكليف والذي هو مجرى لأصالة البراءة والشك في المكلَّف به، إذ انَّ الشك في التكليف – كما قلنا – يكون من جهتين إمّا أن يكون شكاً في أصل الجعل وامَّا أن يكون شكاً في تحقق الفعليّة للحكم بسبب الشك في تحقق موضوعه خارجاً، وكلا الجهتين تؤولان إلى الشك في التكليف كما أوضحنا ذلك.

وأمّا الشك في المكلَّف به فليس كذلك إذ هو شك في الإمتثال، وهذا ما يحتاج إلى بيان فنقول: انَّ الشك في الإمتثال على أنحاء:

النحو الأوّل: أن يكون الشك من جهة صدور متعلَّق التكليف بعد احراز أصل الجعل للتكليف وبعد احراز تحقّق موضوعه خارجاً.

ومثاله: العلم بجعل الشارع الوجوب لصلاة الظهر والعلم بدخول الوقت والذي هو موضوع الوجوب إلاّ انَّ الشك وقع من جهة صدور متعلَّق الوجوب والذي هو الصلاة، بمعنى انَّ المكلَّف شك في انَّه هل جاء بالصلاة وبالتالي يكون قد امتثل الوجوب أو انَّه لم يأتِ بالصلاة فلم يقع الإمتثال منه، فالشك هنا في المكلَّف به، أي في متعلَّق الوجوب (الصلاة) من حيث امتثال الأمر به أو عدم امتثاله.

النحو الثاني: أن يكون الشك في فصل المتعلَّق من جهة تردده بين أمرين أو أكثر مع العلم بجنسه والفراغ عن ثبوت أصل الجعل للتكليف بجنسه وفصله.

وبيان ذلك: انَّ المكلّف قد يعلم بثبوت الوجوب للصلاة في يوم الجمعة، وهذا معناه العلم بالجعل للتكليف من جهة جنسه وهو الإلزام وفصله وهو الوجوب.

ومعناه أيضاً العلم بمتعلَّق التكليف ولكن من جهة جنسه والتي هي الصلاة، فالصلاة هي متعلَّق التكليف إلاّ انَّها جنس، بمعنى انها تصدق على حقائق متعدّدة مثل الجمعة والظهر والآيات، وهذه الحقائق فصول الصلاة، وهي مورد الشك في الفرض، فالمكلَّف وان كان عالماً بجنس المتعلَّق للتكليف، وهي الصلاة إلاّ انَّ الشك من جهة فصلها، وهل هي صلاة الظهر في المثال أو صلاة الجمعة، فالشك في متعلَّق التكليف نشأ عن التردد فيما هو فصله فهو إذن شك في المكلَّف به، ومن هنا يكون الفرض مجرى لأصالة الإشتغال، وذلك بعد تنقيح انَّ الشك في المكلَّف به.

وأمّا تصوير انَّ الشك في هذا الفرض شك في الإمتثال فلأنَّ المكلَّف لو اقتصر في الإمتثال على صلاة الظهر لما أحرز الفراغ عن عهدة التكليف المعلوم ولظلَّ شاكاً في الإمتثال، وبذلك يتّضح انَّ دوران المتعلَّق بين المتباينين – والذي هو علم اجمالي – مجرى لأصالة الإشتغال.

النحو الثالث: أن يكون الشك والتردد من جهة جنس المتعلَّق مع احراز أصل الجعل للتكليف جنساً وفصلا.

وبيانه: انَّ المكلَّف قد يُحرز ثبوت الوجوب إلاّ انَّه مردد بين وجوب قضاء صلاة الآيات أو وجوب الغسل، فهنا يكون المكلَّف عالماً بجنس التكليف وهو الإلزام وعالماً بفصله وهو الوجوب، والشك انّما هو من جهة المتعلَّق، إذ انَّ متعلَّق الوجوب المعلوم مردد بين قضاء صلاة الآيات الفائتة أو الغسل، فهنا يكون الشك في المتعلَّق من جهة جنسه، إذ انَّ الصلاة جنس والغسل جنس آخر كما هو واضح.

والشك في جنس متعلَّق التكليف معناه الشك في المكلَّف به، ومن هنا كان مجرى لأصالة الإشتغال.

وأمّا انَّه شكّ في الإمتثال فلعين ماذكرناه في النحو الثاني.

وهذا الفرض من فروض دوران الأمر بين المتباينين أيضاً والذي هو علم اجمالي، إذ انَّ المكلَّف يعلم اجمالا بالوجوب ويشك في جنس متعلّقه وهو الصلاة أو الغسل.

النحو الرابع: أن يكون الشك والتردّد من جهة فصل التكليف مع احراز أصل الجعل لجنس التكليف والعلم بمتعلَّق التكليف جنساً وفصلا.

وبيان ذلك: انَّه قد يعلم المكلَّف بجنس الإلزام لصلاة الجمعة إلاّ انَّه يشك في فصل هذا الإلزام وهل هو الوجوب أو الحرمة، فجنس التكليف معلوم وهو الإلزام كما انَّ متعلَّق التكليف معلوم أيضاً بجنسه وهو الصلاة وفصله وهو الجمعة إلاّ انَّ الشك من جهة فصل التكليف وهل هو الوجوب أو هو الحرمة.

والشك في هذا الفرض شك في المكلَّف به والذي هو المتعلَّق رغم العلم بجنسه وفصله، وذلك لأنَّ مآل الشك في فصل التكليف ودورانه بين الوجوب والحرمة هو الشك في انَّ متعلَّق التكليف هل هو فعل صلاة الجمعة أو تركها، فلو كان فصل التكليف واقعاً هو الوجوب لكان متعلَّق التكليف هو الفعل، ولو كان فصل التكليف هو الحرمة لكان متعلَّق التكليف هو ترك الفعل، ومن هنا كان مآل الشك في فصل التكليف إلى الشك في متعلَّق التكليف، أي في المكلَّف به إلاّ انَّ جهة الشك والتردّد ليس هو جنس المتعلَّق أو فصله كما في الفرض الثاني والثالث بل من جهة انَّ المطلوب لزوماً هل هو الفعل أو الترك.

وأمّا تصوير انَّ الشك في هذا الفرض شك في الإمتثال فلأنَّ المكلَّف لو جاء بصلاة الجمعة لما أحرز الإمتثال لاحتمال انَّ المطلوب واقعاً هو الترك وهكذا الكلام لو ترك صلاة الجمعة.

وبهذا يتّضح انَّ دوران الأمر بين المحذورين إذا كان منشاؤه الشكّ في فصل التكليف يكون من موارد الشك في المكلَّف به، والمانع في المقام عن جريان أصالة الإشتغال انَّما هو عدم القدرة على الموافقة القطعيّة.

النحو الخامس: أن يقع الشك في فصل التكليف مع العلم بأصل الجعل لجنس التكليف كالفرض السابق إلاّ انَّه في هذا الفرض يكون فصل المتعلَّق مشكوكاً.

وبيان ذلك: انَّ قد يعلم المكلَّف بجعل جامع التكليف الإلزامي أي بجنس التكليف، كأن يعلم بأصل جعل الإلزام إلاّ انَّه متردّد في انَّ الإلزام هل هو بنحو الوجوب أو الحرمة، وهذا هو معنى الشك في فصل التكليف، ويُفترض أيضاً العلم بجنس متعلَّق التكليف وهو الصلاة مثلا إلاّ انَّ فصل المتعلَّق مشكوكاً وهل هو صلاة الآيات أو صلاة الضحى.

ففي هذا الفرض نعلم بأمرين، وهما جنس التكليف والذي هو الإلزام وجنس متعلَّق التكليف والذي هو الصلاة، ونشك في أمرين، وهما فصل التكليف وهل هو الوجوب أو الحرمة وفصل المتعلَّق وهل هو الآيات أو الضحى ؟
فالنتيجة هي انَّ المكلَّف يعلم بتوجّه تكليف إلزامي إليه متعلِّق بالصلاة إلاّ انَّه متردد من جهة انَّ التكليف الإلزامي هل هو وجوب صلاة الآيات أو حرمة صلاة الضحى، ومآل الشك هنا إلى الشك في متعلَّق التكليف من جهة انَّ المطلوب على المكلَّف هل هو فعل صلاة الآيات أو هو ترك صلاة الضحى وهو شك في المكلَّف به.

وأمّا تصوير انَّ هذا الشكّ شكّ في في الإمتثال فلأنَّه لو جاء المكلَّف بصلاة الآيات ولم يترك صلاة الضحى لكان ذلك موجباً للشك في امتثال التكليف المعلوم وهو الإلزام، إذ لعلَّ المطلوب هو ترك صلاة الضحى، ولو ترك صلاة الضحى ولم يأتِ بصلاة الآيات لكان ذلك موجباً للشك في امتثال جامع التكليف وهو الإلزام، إذ لعلَّ المطلوب واقعاً هو فعل صلاة الآيات.

ومن هنا يكون المكلَّف ملزماً بالإمتثال القطعي أي الموافقة القطعيّة، وذلك بفعل صلاة الآيات وترك صلاة الضحى.

النحو السادس: نفس الفرض الخامس إلاّ انَّه في هذا الفرض يكون متعلَّق التكليف مشكوكاً جنساً وفصلا .

وبيان ذلك: انَّه لو علم المكلَّف بجامع التكليف الإلزامي إلاّ انَّه شك في فصله، وهل هو الوجوب أو الحرمة، كما انَّه تردد في متعلَّق التكليف وهل هو الصوم أو الغيبة، ومآل الشك هنا إلى الشك في متعلَّق التكليف من جهة انَّ المطلوب لزوماً هل هو فعل الصوم أو ترك الغيبة، وهو شك في المكلَّف به .

وتصوير انَّ الشك في هذا الفرض شك في الإمتثال يتّضح ممّا تقدّم.

ثمّ انَّ هذه الأنحاء الستّة التي ذكرناها لا غموض من جهة انَّ الشك في موردها يرجع إلى الشك في المكلَّف به، وانَّما الغموض في حالات كون الشك في المكلَّف به ناشئاً عن الشك في متعلَّق المتعلَّق والذي هو موضوع التكليف، وقبل بيان ذلك ننبِّه على ما نبَّه عليه المحقّق النائيني (رحمه الله)بعد بيانه الأنحاء الستّة التي أوضحناها، وهو انَّ الشك في جنس التكليف ليس من أقسام الشك في المكلَّف به بأيِّ فرض فرضته، وذلك لأنَّ معنى الشك في جنس التكليف هو الشكّ في التكليف الإلزامي أو غير الإلزامي، وهذا يؤول إلى التردد بين الوجوب وعدم الحرمة أو إلى التردّد بين الحرمة وعدم الوجوب أو إلى التردّد بين الوجوب والحرمة والإباحة أو الكراهة أو الإستحباب، وتمام هذه الأقسام يكون الشك فيها شكاً في جعل التكليف الإلزامي وهو مجرى لأصالة البراءة بلا ريب.

ثمّ انَّ البحث يقع عن الشك في المكلَّف به لو كان ناشئاً عن الشكّ في متعلَّق المتعلَّق وهو الموضوع الخارجي للتكليف، فإنَّ تميُّزه عن الشك بنحو الشبهة الموضوعيّة والذي هو مجرى لأصالة البراءة يحتاج إلى شيء من التأمّل، وذلك لأنَّ الشك بنحو الشبهة الموضوعيّة ينشأ أيضاً عن الشك في متعلَّق المتعلَّق.

واجمال الفرق بين الشك بنحو الشبهة الموضوعيّة والشك في المكلَّف به عندما يكون ناشئاً عن الشك في الموضوع الخارجي للحكم (متعلَّق المتعلَّق) هو انَّ الشكّ إذا كان يؤول إلى الشكّ في فعليَّة الحكم، فالشبهة موضوعيّة والأصل الجاري في موردها هو البراءة، وأمّا إذا لم يرجع الشك في الموضوع إلى الشك في فعليَّة الحكم فالشكّ حينئذ يكون شكاً في المكلَّف به.

وبيان ذلك يتّضح من استعراض فروض الشك في الموضوع:
الفرض الاول: أن يقع الشك في تحقّق الموضوع للحكم خارجاً، وفي هذا الفرض يؤول الشك في الموضوع إلى الشك في تحقّق الفعليَّة للحكم، وذلك لأنَّ تحقّق الفعليّة للحكم منوط بتحقّق موضوعه خارجاً فمع الشك في وجود الموضوع وتحقّقه خارجاً يكون مآل الشك إلى الشك في بلوغ الحكم – المعلوم جعله – مرحلة الفعليَّة.

ومثاله: الشك في حلول شهر رمضان المبارك، فإنَّ هذا الشك يؤول إلى الشك في فعليَّة التكليف بوجوب الصوم، إذ انَّ الفعليَّة لوجوب الصوم منوطة بتحقّق موضوع الوجوب خارجاً وهو حلول شهر رمضان، فإذا وقع الشك في حلوله فإنَّ ذلك يعني وقوع الشك في تحقّق الفعليَّة لوجوب الصوم .

وبرجوع الشك في الموضوع إلى الشك في الفعليّة يتعيَّن كون الشبهة في هذا الفرض موضوعيّة، ومن هنا يكون الأصل الجاري في المقام هو البراءة.

الفرض الثاني: أن يكون تحقّق الموضوع خارجاً محرزاً إلاّ انَّ الشكّ والتردّد من جهة تعيينه، كما لو كان الموضوع مردّداً بين طرفين أو أكثر.

ومثاله: وجوب الصلاة على الميّت المسلم، فلو علم المكلَّف بموت المسلم والذي هو موضوع الوجوب إلاّ انَّ الميّت المسلم تردّد بين اثنين أحدهما مسلم والآخر غير مسلم، فهنا لا شك من جهة تحقّق موضوع الوجوب خارجاً وانَّما الشك من جهة تردّد الموضوع بين طرفين، ولذلك لا يكون الشك في الموضوع راجعاً إلى الشك في فعليّة الوجوب، إذ انَّ الفعليّة في الفرض المذكور محرزة التحقّق، والشك انَّما هو في الإمتثال لو صلَّى على أحد الميتين دون الآخر، ومن هنا كان الأصل الجاري في الفرض المذكور هو الإشتغال العقلي والمقتضي للصلاة على كلا الميتين.

وتصوير انَّ هذا الشك شك في المكلَّف به هو انَّ مآل الشك في الفرض المذكور إلى الشك فيما هو المطلوب واقعاً، وهل المطلوب هو فعل الصلاة على هذا الميت أو ذاك.

ثمّ انَّ هذا الفرض لا يختلف الحال فيه بين أن يكون المعلوم بالإجمال هو الوجوب أو الحرمة، كما لو علمنا بحرمة شرب النجس، فالنجس هو موضوع الحرمة، واتّفق انّ علمنا بتحقّق النجاسة في أحد الإنائين، فالعلم بتحقّق الموضوع محرز، ومن هنا لا يؤول الشك في الموضوع إلى الشك في فعليَّة الحرمة بل انَّ فعليَّة الحرمة محرزة بعد احراز تحقّق موضوع الحكم وواضح انَّ الفعليَّة ليست منوطة بتشخيص الموضوع بل يكفي في تحققها احراز تحقّق الموضوع خارجاً وان كان مردّداً بين طرفين أو أكثر، ومن هنا كان الأصل الجاري هو الإشتغال المقتضي لترك كلا الإنائين.

ثمّ انَّ هذين القسمين ينقسمان إلى قسمين، إذ قد تكون الأطراف التي يتردّد الموضوع بينهما محصورة وقد تكون غير محصورة، وسقوط أصالة الإشتغال في حالات عدم انحصار الأطراف – على المبنى المشهور – انَّما هو لمانع مذكور في محلِّه.

الفرض الثالث: ان يعلم بتحقّق الموضوع خارجاً في بعض الأفراد ويقع الشك في تحقّقه في أفراد اخرى، ولهذا الفرض صورتان:
الصورة الاُولى: أن يكون الحكم شمولياً، أي انَّه منحلٌ إلى أحكام بعدد أفراد الطبيعة (الموضوع) المجعول عليها الحكم المعبَّر عنها بالطبيعة السارية المقتضية لانحلال الحكم على أفرادها.

ومثال ذلك: (لا تشرب الخمر) و (أكرم العلماء)، فإنَّ الإطلاق في المثالين شمولي ويقتضي انحلال الحكم إلى أحكام بعدد أفراد الطبيعة المجعول عليها الحكم، فلو أحرزنا انَّ هذا السائل وذلك السائل والسائل الثالث خمر، وأحرزنا انَّ زيداً وخالداً وبكراً علماء فلا ريب في ثبوت الحرمة للأفراد الثلاثة وثبوت الوجوب للعلماء الثلاثة، ولو اتّفق ان وقع الشك في خصوص الفرد الرابع من السائل وهل هو خمر أو لا، واتّفق ان وقع الشك في عمرو وهل هو من العلماء أولا، فهل يؤول هذا الشك إلى الشك في الفعليّة أو إلى الشك في المكلَّف به ؟
والجواب: انَّه لا إشكال في انَّ مآل الشك في المثال الاول إلى الشك في الفعليّة، وذلك لأنَّ الشك في خمريّة السائل الرابع معناه الشك في تحقّق موضوع الحرمة في ضمن هذا السائل، ومعنى ذلك هو الشك في فعليّة الحرمة لهذا السائل.

وبتعبير آخر: انَّ الشك في خمريّة هذا السائل يساوق الشك في التكليف الزائد، وذلك لما ذكرناه من انَّ ثبوت الحرمة ينحلُّ إلى حرمات بعدد أفراد طبيعة الخمر، فلو أحرزنا خمريّة ثلاثة أفراد من السائل، فهذا معناه احراز فعليّة ثلاث حرمات ولو شككنا في خمرية السائل الرابع فإنَّ معنى ذلك هو الشك في تحقّق حرمة رابعة بإزاء الفرد المشكوك الخمريّة، فهو إذن شك في تكليف زائد على التكاليف الثلاثة، ولهذا يكون الأصل الجاري هو البراءة .

وبهذا يتّضح انّ الحكم إذا كان مجعولا على الطبيعة السارية أي بنحو الإطلاق الشمولي، ووقع الشك في فرديّة فرد للطبيعة فإنَّ مآل الشك في الفرديّة إلى الشك في التكاليف الزائد أو قل إلى الشك في فعليّة الحكم بالنسبة للفرد المشكوك من غير فرق بين أن تكون هناك أفراد نحرز مصداقيتها للطبيعة أو لم تكن.

الصورة الثانية: أن يكون ثبوت الحكم للطبيعة (الموضوع) بدلياً، أي أن يكون الحكم متعلِّقاً بالطبيعة بنحو صرف الوجود، وصرف الوجود يتحقّق بايجاد فرد من أفراد الطبيعة، فالمكلَّف في سعة من جهة اختيار أيِّ واحد من أفراد الطبيعة على نحو البدل .

وحينئذ إذا وقع الشك في مصداقيّة فرد للطبيعة فإنَّه لا يكون كالشك في الصورة الاولى، وذلك لأنَّ الشك في هذه الصورة لا يساوق الشك في التكليف الزائد.

ومثال ذلك: مالو قال المولى: (أكرم عالماً) وكنا نحرز انَّ زيداً عالم إلاّ انَّنا نشك في عالميّة عمرو، فإنَّ الشك في عالميّة عمرو لا يساوق الشك في التكليف الزائد، لأنَّ المفترض انَّ التكليف واحد ولا ينحلُّ إلى تكاليف بعدد أفراد الطبيعة بعد ان كان تعلُّق الحكم بالطبيعة بنحو صرف الوجود، والإطلاق انَّما هو من جهة سعة البدائل التي يمكن للمكلَّف الامتثال بواسطة واحد منها، فحينما نشك في فردية فرد فإنَّ هذا الشك يساوق الشك في امكان امتثال الامر بالطبيعة بواسطة هذا الفرد المشكوك في مصداقيته للطبيعة، وحينئذ لو اقتصر المكلَّف على هذا الفرد في مقام امتثال الأمر بالطبيعة لظلَّ شاكاً في امتثال التكليف المعلوم.

ومن هنا فالأصل الجاري في المقام هو الاشتغال العقلي، بمعنى عدم صحّة الإكتفاء – بهذا المشكوك – في مقام الامتثال ولزوم امتثال التكليف بواسطة الإتيان بفرد يُحرز انَّه من أفراد الطبيعة .

ثمّ لا يخفى عليك انَّ جريان أصالة الإشتغال في الفرد المشكوك انَّما هو باعتبار افتراض وجود فرد آخر نحرز مصداقيته للطبيعة المأمور بها بنحو صرف الوجود، أما لو لم يكن سوى هذا الفرد المشكوك مصداقيته للطبيعة فإنَّ الأصل الجاري في هذا الفرد هو البراءة، وذلك لأنَّ الشك في مصداقيته للطبيعة معناه الشك في تحقّق موضوع الحكم، وهو يساوق الشك في تحقق الفعليّة والتي هي مجرى لأصالة البراءة.

وهذا بخلاف الفرض السابق والذي افترضنا فيه احراز وجود موضوع الحكم في ضمن الفرد الأول وهو زيد في المثال، غايته انّنا شككنا في مصداقيّة فرد آخر للطبيعة، ففي مثل هذا الفرض لا شك من جهة تحقّق الفعليّة للحكم وانَّ وجوب اكرام العالم فعلي وانَّما الشك من جهة صحّه امتثال الوجوب باكرام العالم في ضمن الفرد الآخر وهو عمرو، ومن هنا كان الأصل الجاري هو أصالة الإشتغال.

وبهذا يتّضح انَّ التكليف إذا كان متعلِّقاً بالطبيعة بنحو صرف الوجود وكنّا نحرز تحقّق الفعليّة للتكليف بسبب العلم بتحقّق موضوعه في ضمن فرد من الأفراد فإنَّ الأصل الجاري في الأفراد الاُخرى المشكوك مصداقيتها للطبيعة هو أصالة الإشتغال .

ونكتفي بهذا المقدار، إذ انَّه كاف في اعطاء صورة شبه تفصيليّة عن معنى الشك في المكلَّف به.

Slider by webdesign