خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / معجم / الاستصحاب

الاستصحاب

الظاهر انّه لم يرد عنوان الاستصحاب في شيء من ألسنة الروايات التي استدل بها على حجية الاستصحاب ، وانّما نشأ هذا العنوان عن التناسب بين ما تعطيه كلمة الاستصحاب بحسب مدلولها اللغوي وبين ما تقتضيه أدلته.

فالاستصحاب بحسب مدلوله اللغوي معناه اتخاذ شيء مصاحبا ومرافقا وملازما وهو في مقابل مجانية الشيء ومفارقته ، وهذا المعنى يتناسب مع ما يقتضيه الاستصحاب بحسب المصطلح الاصولي ، حيث يقتضي الالتزام بالمتيقن في مرحلة الشك ، فالمتيقن مستصحب وملتزم به وغير مجانب ـ بصيغة المفعول ـ في مرحلة الشك.

وكيف كان فالتعريفات المذكورة للاستصحاب تحوم في حمى واحد ، ولذلك ذكر صاحب الكفاية رحمه‌الله انّ تعريفات الاستصحاب تشير الى معنى واحد ، إلا انّ السيد الخوئي رحمه‌الله لم يقبل بهذه الدعوى وأفاد انّ الاستصحاب لا ينبغي ان يكون له تعريف واحد بل لا بدّ وان يختلف باختلاف المبنى فيما هو المجعول في الاستصحاب ، فلو كان المجعول في الاستصحاب هو الطريقية المحضة فهذا يقتضي ان يكون نحوا من الأمارات ، وحينئذ لا بدّ من تعريفه بما يتناسب مع كونه أمارة ، ولو كان المجعول في الاستصحاب هو الوظيفة العملية فهذا يقتضي ان يكون الاستصحاب أصلا عمليا ، وعندئذ لا بدّ من تعريفه بما يتناسب مع كونه أصلا عمليا.

ومن هنا نشأ الاختلاف في تعريف الاستصحاب ، فهو بناء على كونه أمارة يناسبه ان يعرّف بهذا التعريف الذي نقله الشيخ الانصاري رحمه‌الله عن بعض العلماء من انّ الاستصحاب هو « كون الحكم متيقنا في الآن السابق مشكوكا في الآن اللاحق ».
ومنشأ تناسبه لأمارية الاستصحاب هو انّ اليقين السابق بالحكم كاشف ظني عقلائي عن بقاء الحكم في مرحلة الشك ، فهو تعريف له بمنشإ كاشفيته وهو اليقين السابق بالحكم ، وواضح ان الاستصحاب إذا كان كاشفا عن بقاء الحكم في مرحلة الشك فهو أمارة.

وأما بناء على كون الاستصحاب أصلا عمليا ـ كما هو المعروف ـ فيناسبه التعريف الذي ذكره الشيخ الانصاري رحمه‌الله وقال انه أسدّ التعريفات وأخصرها وهو « إبقاء ما كان » وشرحه الشيخ صاحب الكفاية رحمه‌الله بأنّه الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شك في بقائه » ، وتناسب هذا التعريف مع كون الاستصحاب أصلا عمليا واضح ، وذلك لأنّ الأصل العملي حكم ظاهري مقرّر على المكلّف في ظرف الشك في الحكم الواقعي ، فقول الشيخ الأنصاري رحمه‌الله بأن الاستصحاب « إبقاء ما كان » معناه حكم الشارع ببقاء المتيقن على حاله في ظرف الشك ، وهو تعبير آخر عن جعل الشارع الحكم الظاهري على المكلّف ، غايته انّ موضوع هذا الحكم الظاهري هو اليقين السابق والشك اللاحق ، فاليقين والشك المتواردان على متعلّق واحد هو المنقح لموضوع الحكم الظاهري وهو الاستصحاب أو قل لزوم البناء على البقاء.

ثم لا بأس بشرح ما أفاده صاحب الكفاية رحمه‌الله في تعريفه للاستصحاب ، فقوله « هو الحكم ببقاء » معناه انّ الشارع جعل حكما ظاهريا على المكلّف هو لزوم البناء على البقاء ولزوم ترتيب آثار البقاء والتعامل مع المتيقن السابق وكأنّه لا زال متيقنا ، فكما انّه لو كان متيقنا فعلا يقتضي بعض الآثار من تنجيز أو تعذير فكذلك الحال فيما لو كان متيقنا سابقا ومشكوكا لاحقا.

ثم انّ الاستصحاب لا يختص بلزوم البناء على بقاء الحكم المتيقن سابقا بل يشمل حالة الشك في الموضوع ذي الحكم إذا كان لذلك الموضوع حالة سابقة متيقنة ، وهذا هو معنى قوله « ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم » فإنّ المقصود من الحكم هو مثل الوجوب أو الحرمة أو الطهارة والمقصود من الموضوع ذي الحكم هو كل موضوع يترتب على تنقّحه أثر شرعي مثل الكرّ والخمر وعدم زوال الحمرة المشرقية وهكذا ، فإنّ الحكم ببقاء السائل الخمري على الخمرية يترتب عليه أثر شرعي وهو حرمة شربه.
ثم انّ السيد الخوئي رحمه‌الله قال : إنّ الصحيح في تعريف الاستصحاب ـ بناء على كونه اصلا عمليا هو « حكم الشارع ببقاء اليقين في ظرف الشك من حيث الجري العملي ».

والظاهر انّ الفرق بين هذا التعريف وبين تعريف الشيخ الانصاري وصاحب الكفاية رحمه‌الله ليست جوهريا ، نعم هو الأنسب بروايات الاستصحاب كما أفاد السيد الخوئي رحمه‌الله ، وذلك لأنّ صحاح زرارة الثلاث أفادت النهي عن نقض اليقين بالشك ، وهذا يقتضي تعريفه بلزوم البناء على بقاء اليقين في حالات الشك ، إذ هو المنهي عن نقضه وليس المتيقن والذي هو متعلّق اليقين ، غايته انّ الحكم ببقاء المتيقن هو لازم الحكم بلزوم البناء على بقاء اليقين ، إذ ان الحكم ببقاء اليقين ينتج الحكم ببقاء المتيقن ، إذ من غير المعقول ان يبقى اليقين دون متعلّقه « المتيقن » ، وذلك لأن اليقين من العناوين ذات الإضافة فلا يمكن وجود يقين دون ان يكون له متيقن.

وعلى أيّ حال فقد ذكر الشيخ الانصاري رحمه‌الله انّ للاستصحاب أقساما ناشئة عن لحاظات ثلاثة :

الأول : هو التقسيم بلحاظ المستصحب وهو المتيقن الذي حكم الشارع بلزوم البناء على بقائه في ظرف الشك كالوجوب الذي كان متيقنا ونشك فعلا في بقائه ، وكالسائل الخمري الذي كان متيقنا ونشك فعلا في بقائه على صفة الخمرية ، فالوجوب في المثال الاول والسائل الخمري في المثال الثاني يعبّر عن كلّ واحد منهما بالمستصحب.

ونحن إذا لاحظنا المستصحب نجده على أقسام ، فالاستصحاب بلحاظ ما ينقسم عليه المستصحب ينقسم على نفس تلك الأقسام.

فنقول تارة يكون المستصحب أمرا وجوديا مثل الوجوب والحياة ، وتارة يكون أمرا عدميا مثل عدم الحكم وعدم الرطوبة وعدم الحاجب وعدم الحدث.

والأمر الوجودي تارة يكون حكما شرعيا كالوجوب والطهارة ، وتارة يكون من الامور الخارجية مثل الرطوبة والعصير العنبي. والحكم الشرعي تارة يكون حكما تكليفيا مثل الحرمة وتارة يكون حكما وضعيا مثل الطهارة والزوجية والملكية ، والحكم الشرعي أيضا قد يكون كليا مثل الحرمة الثابتة للخمر وقد يكون جزئيا مثل شخص وجوب النفقة على زوجة زيد الثابت على عهدة زيد نفسه.

الثاني : التقسيم بلحاظ دليل المستصحب أو قل بلحاظ منشأ اليقين ، إذ قد يكون اليقين في حينه ناشئا عن المدرك العقلي كما لو حدث اليقين بوجوب شيء بواسطة ادراك العقل اشتماله على المصلحة التامة الغير المزاحمة ، وقد يكون اليقين بالمستصحب ناشئا عن الإجماع ، كما قد يكون ناشئا عن الدليل اللفظي من الكتاب أو السنة ، وقد يكون منشؤه المشاهدة كما لو شاهد المكلّف النجاسة وهي تسقط في الإناء ، وقد يكون ناشئا عن مناشئ اخرى.

الثالث : التقسيم بلحاظ السبب الموجب للشك في البقاء ، إذ قد يكون الشك في البقاء ناشئا من اشتباه الامور الخارجية كالشك في الرطوبة الحادثة من حيث كونها منيا أو مذيا أو الشك في انّ الدم الخارج هل هو من دم العذرة أو من دم الحيض والشبهة في المقام موضوعية والتي مآلها دائما الى الشك في الحكم الجزئي أو قل الشك في بلوغ الحكم مرحلة الفعلية فحينما يقع الشك في حدوث حدث الحيض بسبب الشك في انّ الدم الخارج هل هو دم حيض أو دم عذرة فإنّ الشك هنا شك في فعلية الطهارة الحدثية فهو شك في الحكم الجزئي ، ولاتّضاح ذلك راجع الشبهة الموضوعية والشبهة الحكمية.

وقد ينشأ الشك في البقاء عن الشك في حدود الحكم الشرعي الكلي كالشك في بقاء الحرمة للعصير العنبي بعد زوال ثلثيه بالشمس وكالشك في حرمة النبيذ بعد ذهاب سورته بالماء ، وهنا تكون الشبهة حكمية باعتبار انّ متعلق الشك هو الحكم الشرعي الكلّي أو قل انّ متعلّق الشك هو حدود الجعل الشرعي ، راجع الشبهة الحكمية.

وقد يكون الشك في البقاء ناشئا عن الشك في استعداد المستصحب للبقاء الى مدة معينة ، وهذا هو المعبّر عنه بالشك في المقتضي ، وقد يكون الشك في بقاء المستصحب ناشئا عن احتمال طروء الرافع ، وهذا هو المعبّر عنه بالشك في الرافع.
والاول مثل الشك في بقاء نهار شهر رمضان باعتبار الشك في قابليته للبقاء الى هذه الساعة ، والثاني مثل الشك في بقاء الزوجية لاحتمال زوالها بسبب الطلاق.

كما انّ الشك في البقاء قد يكون شكا منطقيا بمعنى ان طرفي الثبوت والانتفاء متساوية في النفس ، وقد يكون بمعنى ترجّح طرف الثبوت أو طرف الانتفاء في النفس وقد يكون بمعنى الاحتمال.

هذه هي تمام الاقسام التي ذكرها الشيخ الانصاري رحمه‌الله ، وبعضها وقع محلا للنزاع من حيث مشموليتها لأدلة الحجية للاستصحاب وبعضها ادعي الاتفاق على شمول أدلة الاستصحاب لها ، كما انّ بعضها ادعي الإجماع على عدم شمول أدلة الاستصحاب لها وسوف نشير الى بعض هذه الاقسام في سياق استعراض عناوينها « إن شاء الله تعالى »

Slider by webdesign