خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / معجم / الأمر بين الأمرين

الأمر بين الأمرين

اختلف المتكلّمون في واقع الأفعال الصادرة عن الإنسان ، فذهب الأشاعرة منهم الى انّ الواقع هو صدورها عن الله جلّ وعلا استقلالا وانّ الإنسان مجبر عليها ، فلا فرق بين حركة الدم الجارية في عروقه وبين حركة يده الواقعة على انسان آخر والموجبة لقتله. فتمام ما يصدر عن الإنسان هو فعل الله تعالى دون ان تكون للإنسان أيّ مشيئة في ذلك.

وبهذه النظرية سلبت عن الله جلّ وعلا صفة العدالة ، فهو يعذب ويعاقب الإنسان على فعل لم يصدر عنه.

وفي مقابل هذه النظرية ذهبت المعتزلة الى انّ الأفعال الصادرة عن الإنسان واقعة تحت تأثيره بنحو الاستقلال دون ان يكون للمشيئة الإلهية أيّ تأثير في صدورها عنه ، فليس ثمة من دور لله جلّ وعلا سوى افاضة الوجود على الإنسان ، فمتى ما افيض الوجود عليه استغنى عن الله جلّ وعلا.

وبتعبير آخر يتناسب مع التفويض الفلسفي : انّ الله جلّ وعلا خلق العقل الأول وفوّض اليه الأمر ، فكلّ ما هو علة في عالم الإمكان فهو مستقل في تأثيره عن المفيض الاول ، فالنار مستقلة في تأثيرها للإحراق كما انّ النور مستقل في تأثيره للإنارة ، وهكذا الإنسان فإنّه مستقل في تأثيره للأفعال الصادرة عنه.

ومن هنا قالوا : لو افترض انعدام الله ـ تعالى عما يقولون علوا كبيرا ـ لما أدى ذلك الى اختلال عالم الوجود ، إذ انّ الله جلّ وعلا لم يكن سوى علة الايجاد والمفيض للعلة الاولى ، وأما البقاء والتأثير في عالم الممكنات فهو مستقل عنه.

ومن هنا عبّر عن هذا الفرقة بالمفوضة ، فهي وان أرادت بهذا المذهب التفصّي عن محذور سلب العدل عن الله سبحانه وتعالى إلاّ انها وقعت في محذور آخر لا يقلّ شأنا عن المحذور الاول حيث سلبت عن الله جلّ وعلا سلطنته المطلقة عن مملكته.

وفي مقابل هاتين النظريتين ذهب الامامية ـ رفع الله شأنهم ـ الى نظرية الأمر بين الأمرين ، وهي مستفادة من أئمتهم المعصومين عليهم‌السلام ، وهي برزخ بين النظريتين ، ومعها يتحفّظ على الإيمان بعدالة الله جلّ وعلا وعلى سلطنته المطلقة.
وحاصل هذه النظرية على ما أفاده السيد الخوئي رحمه‌الله ان صدور الفعل عن العباد منوط بأمرين :

الأمر الاول : ان يكون العبد واجدا للحياة والعلم والقدرة والإرادة وما الى ذلك ، وكلّ ذلك مفاض من قبل الله جلّ وعلا ، وهذه الإفاضة لا تختص بالإحداث والايجاد فحسب ، بل هي فيض بعد فيض ، فالفقر الذاتي للإنسان ـ ولسائر الممكنات ـ يستوجب احتياجه الى مفيض الوجود جلّ وعلا حدوثا واستمرارا.

وبتعبير آخر : انّ وجود الإنسان بالنسبة لوجود الله جلّ وعلا وجود ربطي تعلّقي ، أي انّ وجوده عين الربط وعين التعلّق لا أنهما شيئان متغايران بينهما نسبة ربطية بل انّ الوجود الممكن هو عين الربط وصرف التعلّق والتدلّي واذا صحّ التعبير فوجوده امتداد للوجود الواجب « جلّ ثناؤه » ، ومن هنا لا تتعقل الاستقلالية في وجوده بعد ان كان الربط والتعلّق هو واقعه وذاته.

وهذا هو معنى الفقر الذاتي للممكنات ، فإفاضة الوجود عليها لا يسلب عنها صفة الفقر بعد ان كان الفقر هو ذاتها ، ومن هنا لو انقطع عنها الفيض لانقطعت عنها كلّ الكمالات مثل الحياة والقدرة أو قل « لم تكن شيئا مذكورا ».

الأمر الثاني : الذي يناط به صدور الفعل عن العبد هو إعماله لقدرته المفاضة عليه من قبل الله جلّ وعلا ، وهو المعبّر عنه بالاختيار.

وهذه الأهلية والتي هي اعمال القدرة لم تكن لو لا انّ الله تعالى أعطاها للإنسان. ومن هنا صح اسناد الأفعال الصادرة عن الإنسان الى الله تعالى باعتباره المفيض للحياة والعلم والقدرة والأهلية لإعمال القدرة ، كما يصح اسنادها للإنسان لانها صدرت عن إرادته واختياره.

وهذا هو الأمر بين الأمرين فلا هو استقلال محض عن مفيض الوجود جلّ وعلا ولا أن أفعال العباد صادرة عن الله ابتداء دون أن يكون لإرادتهم واختيارهم أيّ دخل في صدورها كما ذهبت لذلك الأشاعرة.

ويمكن تقريب نظرية الأمر بين الأمرين بهذا المثال الذي ذكره السيد الخوئي رحمه‌الله : وهو انّه لو كان هناك مولى له عبد مشلول الحركة تماما ، واتّفق ان كان للسيد وسيلة يتمكن بها من دبّ الحركة الإرادية في جسد عبده ، وكانت هذه الوسيلة خاضعة لإرادة السيد ، بمعنى انّه متى ما أراد ان يبعث الحركة الإرادية في جسد عبده فعل ومتى ما أراد اعادته الى حالة الشلل تمكن من ذلك ، كما لو كانت الوسيلة من قبيل التيار الكهربائي ويكون التحكّم في بعثه وقطعه بيد السيد.

فعندئذ لو وضع الجهاز الكهربائي وضغط على زرّه الذي بيده فإنّ العبد حينئذ يصبح قادرا على الحركة الإرادية ، بمعنى انّ التيار الكهربائي يؤهله للحركة لا انه يلجئه على الحركة فإنه يمكن للعبد ان لا يتحرك وان كانت له أهلية التحرك الإرادي.

فلو قام العبد بعد بعث التيار في جسده بقتل شخص أو مساعدة يتيم وكان ذلك بمرأى من السيد المتحكم في التيار الكهربائي فإنّ الفعل الذي صدر عن العبد يمكن نسبته الى العبد باعتبار انّه صدر عن إرادته واختياره وكان له ان لا يفعل ذلك ، إذ انّ الحركة المنبعثة له بواسطة التيار كانت من سنخ الحركات الإرادية. كما يمكن نسبته الى السيد لأنّه الباعث للحركة وكان ملتفتا الى ما يصدر عن العبد من أفعال وكان بإمكانه ان يقطع عنه الحركة بواسطة قطع التيار إلاّ انّه لم يفعل ذلك ، لانه شاء ان يكون العبد مختارا فيما يصدر عنه من أفعال.

وبهذا المثال اتّضح المراد من الأمر بين الأمرين ، فلا العبد مستقل في فعله ولا هو مجبر عليه ، وهذا هو المطابق للبراهين العقلية القطعية وكذلك النصوص الشرعية.

Slider by webdesign