الاجتهاد موقع فقهي
مفاد هذه القاعدة أنّه إذا اجتمعت مباشرة وتسبيب في فعلٍ, كالقتل أو الإتلاف, فإنّ الفعل ينتسب إلى المباسر ويضاف إليه, وتترتّب عليه مسؤوليّة ما ارتكبه بالمباشرة من قتل أو إتلاف للأموال.
ومورد القاعدة هو ما إذا اجتمع فاعلان أدّى فعلهما إلى القتل أو التلف تختلف مرتبتهما, فأحدهما مباشر له, والآخر سبِّب له, فإنّه مع اجتماعهما يقدّم المباشر وتترتّب عليه أحكام المسؤولية الجنائية أو التقصيرية المترتّبة على هذا الفعل. نعم, لو كان هناك فاعل واحد يوصف فعله تارة بأنّه سبب واُخرى بأنّه مباشر, فلا فرق بين المباشرة والتسبيب في ترتيب أحكام المسؤولية على فعله.
ومثال القاعدة: هو ما لو حفر أحدٌ بئراً, وجاء آخر وألقى فيه ثالثاً، فإنّ القصاص إنّما يكون على المباشر لا المسبِّب، أي على المُلقي لا الحافر.
وضابط المباشرة: كلّ فعل ينقطع به حكم السبب ويقع في آخر سلسلة العلل التي أوجدت الفعل, فإنّ الفعل لا يحصل إلا باجتماع مجموعة أسباب وعلل بعضها بعيد وبعضها قريب, وفي العادة السبب القريب يأخذ حكم المباشرة ويقطع الأسباب الاُخرى التي ساهمت في حدوث الفعل, فالذي يدفع شخصاً يقع في حفرة عميقة يؤدّي إلى موته يوصف فعله هذا بأنّه مباشر, ويقطع به حكم السبب وهو عمل الحفرة.
وضابط التسبيب: كلّ فعل يكوّن حدوث الفعل لكنه يُعترض بإرادة اُخرى وفعل فاعل آخر توجب حدوث الفعل, فحافر البئر يعدُّ سبباً في حدوث القتل إذا اعترضته إرادة اُخرى وهو فعل الملقِي, أمّا لو لم يكن هناك فاعل آخر ووقع المجني عليه في البئر نتيجة ظلام ونحو ذلك, فحافر البئر هو المباشر للقتل.
أمّا السبب إذا كان أقلّ تأثيراً من المباشر فإنّ شراكته في الجريمة لا تخلو من عقوبة, لكنّها أخفّ من العقوبة المقدّرة المترتّبة على المباشر؛ لأنّ مسؤوليته أقلّ من مسؤولية المباشر, ويحقّ للحاكم أن يعزّره بما يراه وبحسب نوع الجناية التي تسبَّب بها, طبقاً للقاعدة الفقهيّة التي حدّدت التعزير لكلّ جناية لم يكن لها مقدّر في الشريعة, وقد ورد أنّ المتسبِّب بالقتل يحكم عليه بالحبس إلى أن يموت, كما ورد في الرواية عن النبيّ صلي الله عليه: يقتل القاتل ويصبر الصابر , والصبر في اللغة الحبس, أي يحبس الحابس.
وتقديم المباشر على السبب هو الغالب, وإلا فقد يكون السبب أقوى من المباشر, وقد يعتدلان في التأثير, فإذا كان السبب أقوى- كما لو كان المباشر مغروراً أو جاهلاً بالموضوع أو مكرهاً- فالمسؤوليّة تترتّب على السبب, كذلك لو اعتدلا في التأثير يتحمّل كلاهما المسؤولية.
(المنثور في القواعد 1: 55، مسالك الأفهام 15: 83 ، الأشباه والنظائر للسيوطي: 162، كشف اللثام 11: 252، جواهر الكلام 37: 54، الرسائل الفقهيّة لنجم آبادي: 559, تحرير المجلّة 1: 201، الفرائد البهية: 184, الذخيرة للقرافي 12: 283، القواعد لابن رجب: 285، 287, المغني 9: 330, التشريع الجنائي الإسلامي 1: 457 و2: 44)
