خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / 5 مذكرة / الإسلام والنظام السياسي.. الفكر السياسي السني/ الشيخ الدكتور أحمد واعظي
الفكر السياسي السني

الإسلام والنظام السياسي.. الفكر السياسي السني/ الشيخ الدكتور أحمد واعظي

الاجتهاد: إن استناد النظام السياسي لأهل السنة إلى الحوادث والوقائع التي حصلت بعد وفاة رسول الله (ص)، بدل النصوص الدينية، أوقع علماء أهل السنة في بيانهم للنظام السياسي الإسلامي في حالة من اللاإنسجام، ذلك أن الحوادث السياسية في تلك الحقبة من الزمن لم تكن تسير على وضع طبيعي واحد ومتشابه، وهذا التنوع في الأحداث أدّى إلى تشتت الآراء أيضاً، ولتوضيح الأمر نذكر أنموذجاً واحداً فقط، وهو كيفية تعيين الخليفة.

لو غضضنا النظر عن بعض الميول السياسية لمجموعة من الحداثيين والمثقفين المسلمين العرب، في القرن الأخير، فإن الفكر السياسي السني على مر التاريخ كان مبنياً على الاعتراف بنظام الخلافة، فمنذ زمن الماوردي(١) – الذي يعد أوّل عالم سني المذهب يدون كتاباً مستقلاً في الفقه السياسي الإسلامي – وحتى اليوم تمحورت كافة الآثار المكتوبة في مجال الفكر السياسي لأهل السنة حول نظرية الخلافة.

أما ما قبل الماوردي فقد آلت كافة المباحث السياسية لأهل السنة إلى علم الكلام؛ حيث لا نشاهدها إلا هناك، ففي الكتب الكلامية كلام مختصر، تحت عنوان “كلام في الإمامة”، يختصّ ببحث هذا الموضوع، لكن الماوردي بكتابته أول كتاب مستقل بعنوان “الأحكام السلطانية” سجل أول أثر مكتوب لأهل السنة في مجال الفقه السياسي الإسلامي.

إن الفقه السياسي والفلسفة السياسية لأهل السنة متأثران بعمل الصحابة في صدر الإسلام قبل أن يتأثرا بالنصوص الدينية، فوفق تصوّر أهل السنة ليست هناك نصوص صريحة وتعاليم واضحة في الكتاب الكريم والسنة النبوية عن كيفية نصب الخليفة والشروط التي يلزم توافرها فيه، وبالتالي فقد ترك هذا الأمر لاجتهاد الأمة، وما حصل بعد وفاة النبي (ص) في مجال السياسة وإدارة المجتمع وكيفية انتخاب الخليفة ودائرة صلاحياته إنما انبثقت حجيته واعتباره من اجتهاد الصحابة وأنصار رسول الله (ص)، ومن ثم أصبح فعل الصحابة وعملهم مقبولاً ومبرّراً شرعاً.

إن استناد النظام السياسي لأهل السنة إلى الحوادث والوقائع التي حصلت بعد وفاة رسول الله (ص)، بدل النصوص الدينية، أوقع علماء أهل السنة في بيانهم للنظام السياسي الإسلامي في حالة من اللاإنسجام، ذلك أن الحوادث السياسية في تلك الحقبة من الزمن لم تكن تسير على وضع طبيعي واحد ومتشابه، وهذا التنوع في الأحداث أدّى إلى تشتت الآراء أيضاً، ولتوضيح الأمر نذكر أنموذجاً واحداً فقط، وهو كيفية تعيين الخليفة.

يرى بعضهم أن المرجع في تعيين الخليفة هم أهل الحل والعقد الذين يمثلون النخب والخبراء في المجتمع الإسلامي، ومن وجهة نظر هؤلاء لا تحقق لإمامة أي خليفة وخلافته من دون رضا أهل الحل والعقد.

ويضيف بعضهم الآخر – من أمثال الماوردي – إلى هذا الطريق نصب الخليفة السابق للاحق، ويرون ذلك من حقوق الإمامة والخلافة السابقة، وهم – وفقاً لذلك – يذهبون إلى أن نصب الخليفة الجديد من جانب الخليفة الأسبق يعدّ واحداً من أسباب مشروعية الحكومة الجديدة من دون حاجة لرضا أهل الحل والعقد، و مستند الماوردي في ادعائه هذا هو الطريقة التي تمّ فيها انتخاب الخليفة الثاني عمر بن الخطاب للخلافة.

يقول الماوردي: “والإمامة تنعقد من وجهين: أحدهما باختيار أهل الحل والعقد، والثاني بعهد الإمام من قبل، فأما انعقادها باختيار أهل الحل والعقد فلا تنعقد إلا بجمهور أهل الحل والعقد (وهناك اختلاف بين العلماء في ذلك)…، ويجوز للإمام أن يعهد إلى إمام بعده، ولا يحتاج إلى شهادة أهل الحل والعقد، وذلكم لأن أبابكر عهد إلى عمر…”(٢).

لكن معاوية لم يصل إلى السلطة عن أيّ من هذين الطريقين، فلم يحظ معاوية ببيعة أهل الحل والعقد، كما لم تكن لديه أية بيعة أو عهد من الخليفة السابق، والأمر الوحيد الذي اعتمد عليه معاوية في کسبه السلطة السياسية هو القوة العسكرية والحرب ضدّ الخلفاء الحقيقيين كالإمام علي (ع) والإمام الحسن (ع).

وكذلك الحال في خلافة عثمان – وهو الخليفة الثالث – إذ لم تكن متناسبةً والطريقين اللذين ذكرهما الماوردي؛ ذلك أنه انتخب الزعامة المسلمين عن طريق شوری مؤلفة من ستة أشخاص تم تعيينهم من قبل عمر بن الخطاب بشكل يكون توافق ثلاثة منهم كافياً، وهذا ما لا يمكننا اعتباره بيعةً أو إجماعاً من أهل الحل والعقد.

وهذا الاختلاف في وجهات النظر – والذي تعود بذوره إلى تنوع الأحداث السياسية بعد وفاة النبي (ص) – وضع الفكر السياسي السنّي أمام أزمة مشروعية، ذلك أن أموراً متعددة كانت أساساً لمشروعية الولاية السياسية للخلفاء في القرن الهجري الأول من قبيل الإجماع، وبيعة أهل الحل والعقد، والنصب من جانب الخليفة السابق، والشورى المنصوبة من قبله، والتسلط الناشئ من غلبة القوة العسكرية، والقبول بكافة هذه الأمور المختلفة – والمتباينة أحياناً – في عرض بعضها البعض كعناوين لمشروعية الولاية السياسية يفتقد الانسجام والتناغم، بل لا يمكن من الناحية النظرية والتحليلية اعتبار هذه الأمور كافة أساساً للمشروعية.

الفقه السياسي في فكر الإمام الخامنئي “دام ظله” / تحميل الكتاب

“الخلافة”، من الناحية اللغوية، مصدر “خلف”، وتعني النيابة والقيام مقام الغير، أما معناها الاصطلاحي لدى أهل السنة فهو النيابة عن صاحب الشرع في حراسة أمر الدين والتدبير في الأمور السياسية والدنيوية،

ووجه تسمية هذا المنصب بالخلافة إنما هو من ناحية عدّ الخليفة قائماً مقام النبي (ص) على الأمة، وفي هذه التسمية لا تدخل النيابة عن الله تعالى تحت النظر والقراءة، بالرغم من اعتبار بعضهم سلطة الخليفة وقدرته مستمدتين من السلطة الإلهية، ليكون خليفة المسلمين ظل الله وخليفته، بيد أن وجهة النظر هذه جرى رفضها من جانب أكثرية علماء أهل السنة(٣).

والحقيقة أن كلمة الخليفة، في صدر الإسلام، كانت تستعمل معناها اللغوي، ولم تكن لتترتب على هذه الكلمة أية منزلة أو مقام خاص، فالخليفة هو الشخص الذي أخذ بزمام الزعامة التي كانت للنبي (ص) بعد وفاته، كما أن الخليفة الثاني هو ذاك الذي وصل إلى السلطة عقب الخليفة الأول للنبي، أي أنه خليفة خليفة رسول الله (ص).

سأل أعرابي أبا بكر: “أنت خليفة رسول الله (ص)؟ قال: لا، قال: فما أنت؟ قال: أنا الخالفة بعده(٤)، وقد سمّى الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب نفسه أيضاً بخليفة خليفة رسول الله (ص)، ما يرشد إلى أن كلمة الخليفة، في بدء استعمالها، كانت فاقداً لأي مدلول معنوي خاص، كما أنها لم تكن تدلّ على أي منزلة خاصة من قبيل التمتّع بمجموعة من الخصائص والميزات المعنوية للنبي (ص)، فكيف بدلالتها على الوصول إلى مقام الخلافة الإلهية، بيد أنه وبمرور الزمان تحول التقديس والتكريم المعنوي لهذا المنصب إلى أساس لتثبيت الحكومات والدول، وصار خليفة رسول الله (ص) يحظى بالشؤون المعنوية لرسول الله (ص).

إن مسألة الخلافة، وشروط الخليفة، وكيفية تعيينه لدى أهل السنة تعدّ جميعها مباحث فقهية كسائر بحوث الفقه، ولم تكن لتحظى بأية أهمية مميزة و خاصة، ومن ثم فالطرح الواسع لهذه المسألة في الكتب الكلامية السنية كان تعبيراً انفعالياً ومنبثقاً عن التأكيد والإصرار الشيعي الخاص على مسألة الإمامة والخلافة.

وأنموذجاً على ذلك ما يذكره الغزالي في باب شأن الإمامة حين يقول: “النظر في الإمامة ليس من المهمات، وليس أيضاً من فن المعقولات، بل من الفقهيات”(٥).

ومع أن مسألة الإمامة والحكومة، لدى أهل السنة، لم تكن من المسائل الكلامية المرتبطة بالإيمان والاعتقاد بيد أنهم أقاموا الأدلة العقلية والنقلية على الوجوب الشرعي الثابت على الأمة الإسلامية في تعيين الخليفة وتمتعها بوجوده إماماً ووالياً سياسيّاً(٦)، كما أن براهين ضرورة الإمامة – التي تعبر في الواقع عن المستند العقلي والشرعي لأهل السنة على تبرير نظام الخلافة – متنوعةً ومختلفةً أيضاً، وسوف نشير إلى بعضها هنا.

فقد عدّ بعضهم الشريعة الإسلامية مشتملةً على جوانب غير قابلة للإجراء من دون نظام الإمامة والخلافة، ومثالاً على ذلك، يمكن الإشارة إلى استدلال عبد القاهر البغدادي: “وقد وردت في الشريعة أحكام لا يتولاها إلا إمام أو حاكم من قبله، كإقامة الحدود على الأحرار مع اختلافهم في إقامة السادة الحدود على المماليك، و كتزويج من لا ولي لها في قول أكثر الأمة، وإقامة الجماعات والأعياد في قول أهل العراق “(٧).

أما الفريق الآخر كالغزالي فيستدل على ضرورة وجود نظام الإمامة والخلافة بشكل مختلف، إنه يرى أن نظام أمر الدين من زمرة مقاصد الشارع، كما أنه مرتبط ومرتهن بنظام أمر دنيا الناس، ومن ثم يستدل بأن نظام أمر الدنيا لا يحصل إلا بوجود إمام يكون محلاً للطاعة، ويقيم الغزالي شاهداً تجريبياً على مدّعاه الأخير، وهو الأوقات المليئة بالفتن، حيث يختل انتظام أمر دنيا الناس فيها بسبب موت السلاطين والقادة (الإمام المطاع)، وتصبح أموالهم وأمنهم عرضةً للغارة والاستهداف (٨).

وهذا التحليل – وعلى خلاف الاستدلال ذي النوع الأول – لم يتوسّل فيه بالدين ومحتواه لإثبات ضرورة نصب الإمام، وإنما جرى الانطلاق من فكرة اجتناب الهرج والمرج والحذر منهما، الأمر الذي يبرر نظام الأمة المستهدف لدى علماء أهل السنة.
ويتمسك فريق ثالث بالإجماع لإثبات ضرورة الخلافة والإمامة، ومستند هذا الإجماع عنده فعل مسلمي صدر الإسلام زمن الخلفاء الراشدين، حيث أشادوا نظامهم السياسي على أساس الخلافة.

والجدير ذكره هنا هو أنّ بعض الباحثين، من أمثال علي عبد الرازق، لا يرى مثل هذا الاستدلال وافياً بالمقصود، لكنه لا يناقش في الوقت نفسه في أصل وجود هذا الإجماع وحجيته بشكل كلّي وعام، ذلك أنه لا تصريح في النصوص الدينية (القرآن والكلام النبوي) بلزوم وجود نظام الخلافة، كما أن عمل المسلمين في صدر الإسلام لم يكن ذا طابع ديني، وبالتالي فلم يكن كاشفاً عن دلیل شرعي على ضرورة إقامة هذا النظام(٩).

ويتوسل فريق رابع لتبرير نظام الخلافة بإقامة الشعائر الدينية، ورعاية مصالح الناس حيث يرونهما متوقفين على وجود نظام الخلافة(١٠).

إن ما تقدم حتى الآن يسلّط الضوء على بعض ما ذكر بوصفه أدلة على ضرورة نظام الخلافة والإمامة (بالمفهوم السني)، ولابد من الالتفات إلى حصول الخلط والتداخل في بعض هذه الأدلة بين تعين نظام خاص هو نظام الخلافة وبين إثبات ضرورة وجود الدولة أو حتى ضرورة وجود الدولة الدينية، فما يمكن البعض هذه الأدلة أن يثبته إنما هو الأمران الأخيران، لكنه غير قادر أبداً على بلورة دليل على إثبات نوع خاص من الحكومة، أي نظام الخلافة.

 

الهوامش

(1) علی بن محمد بن حبيب، أبو الحسن الماوردي (364 – 450 هـ ق). من أعيان فقهاء الشافعية. لديه، بالإضافة إلى تدوینه کتاب الأحكام السلطانية، كتب أخرى نظير: الحاوي، تفسير القرأن الكريم، وكذلك النكت والعيون.
(2) الأحكام السلطانية: 6 و 10، أبو الحسن الماوردي، مكتب الإعلام الإسلامي، 1406 هـ ق.
(3) تاريخ العلامة ابن خلدون 1، الفصل 26، عبد الرحمن بن خلدون.
(4) النهاية 1: 315، ابن أثیر، “خَلَفَ”.
(5) الاقتصاد في الاعتقاد: 95، أبو حامد الغزالي، القاهرة 1327.
(6) لقد نسب القول بوجوب الإمامة إلى جمهور المتكلمين والفقهاء الأشاعرة والشيعة والخوارج وأكثر المعتزلة. فيما نسب الخلاف إلى عدة قليلة من القدرية من أمثال أبو بكر الأصم وهشام الفوطي، ومدعى الأصم هو أنه لو تخلت الناس عن ظلم بعضها بعضاً وأصبحوا صالحين فليس هناك أية حاجة لوجود الإمام والخليفة، راجع أصول الدين: 270، عبد القاهر البغدادي، اسطنبول، 1928م.
(7) أصول الدين: 271، عبد القاهر البغدادي.
(8) الاقتصاد في الاعتقاد: 96.
(9) الاسلام و نظام الحكم: 22.
(10) م. ن: 33.

 

المصدر: كتاب: الدولة الدينية تأملات في الفكر السياسي الإسلامي الص 181 – بقلم: الدكتور أحمد واعظي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign