خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / التصنيف الموضوعي / الإسلام والبيئة
الإسلام والبيئة..

الإسلام والبيئة

يتميّز مفهوم البيئة في الإسلام بشموليته، فهي تضم كل مخلوقات الله من إنس وجان والبحار والأنهار والجبال والنباتات والحيوانات والحشرات، وإنّ هذه المخلوقات سخّرها الله سبحانه وتعالى للإنسان. ويتميّز مفهوم البيئة في الإسلام بوحدة الكون من حيث النشأة، والتفاعل بين عناصر الكون.

موقع الاجتهاد: لقد اهتم الدين الإسلامي بالبيئة بمفهومها الواسع ومواردها المختلفة الحية وغير الحية، وأظهر أسس التعامل معها بحيث يمكن حمايتها والحفاظ عليها.

أوّلاً – مفهوم البيئة في الإسلام:

إنّ مفهوم البيئة في الإسلام هو مفهوم شامل، فهي تعني الأرض والسماء والجبال وما فيها من مخلوقات وعلاقات ومؤثرات وظواهر مختلفة بما فيها الإنسان وما يحيط به من دوافع وعواطف وغرائز.
ويتميّز مفهوم البيئة في الإسلام بشموليته، فهي تضم كل مخلوقات الله من إنس وجان والبحار والأنهار والجبال والنباتات والحيوانات والحشرات، وإنّ هذه المخلوقات سخّرها الله سبحانه وتعالى للإنسان.الإسلام والبيئة..
قال الله تعالى في كتابه العزيز: (هُوَ الذي أنزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً لَكُم مِنهُ شَرَابٌ ومِنهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرعَ والزَّيتُونَ والنَّخِيلَ والأعنابَ ومِن كُلِّ الثَّمَراتِ إنّ في ذلكَ لآيَةً لِقومٍ يَتَفَكَّرونَ * وسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ والنَّهارَ والشَّمسَ والقَمَرَ والنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأمرِهِ إنّ في ذلكَ لآياتٍ لِقَومٍ يَعقِلونَ * وما ذَرَأَ لَكُم في الأرضِ مُختلِفاً ألوانُهُ إنّ في ذلكَ لآيَةً لِقَومٍ يَذَّكَّرونَ * وهوَ الذي سَخَّرَ البَحرَ لِتَأكُلُوا مِنهُ لَحماً طَرِيّاً وتَستَخرِجوا مِنهُ حِليَةً تَلبَسُونَهَا وتَرَى الفُلكَ مَواخِرَ فِيهِ ولِتَبتَغُوا مِن فَضلِهِ ولَعَلَّكُم تَشكُرُونَ * وألقَى في الأرضِ رَوَاسِيَ أن تَمِيدَ بِكُم وأنهاراً وسُبُلاً لَعَلّكُم تَهتَدُونَ * وعَلامَاتٍ وبِالنَّجمِ هُم يَهتَدُونَ) (النحل/ 10-16).
ويتميّز مفهوم البيئة في الإسلام بوحدة الكون من حيث النشأة، والتفاعل بين عناصر الكون، قال الله تعالى: (خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ ثُمّ جَعَلَ مِنهَا زَوجَهَا وأنزَلَ لَكُم مِنَ الأنعامِ ثَمانِيَةَ أزوَاجٍ يَخلُقُكُم في بُطُونِ أُمَّهاتِكُم خَلقاً مِن بَعدِ خَلقٍ في ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُم اللهُ رَبُّكُم لَهُ المُلكُ لا إلهَ إلا هُوَ فأنَّى تُصرَفُونَ) (الزمر/ 6).
وعن دورة الماء في الكون، يقول تعالى: (ألَم تَرَ أنّ اللهَ أنزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ في الأرضِ ثُمّ يُخرِجُ بِهِ زَرعاً مُختلِفاً ألوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصفَرّاً ثُمّ يَجعَلُهُ حُطاماً إنّ في ذلكَ لَذِكرى لأُولِي الألبابِ) (الزمر/ 21).

إنّ الإرتباط قوي بين مختلف مكونات الكون، يقول الله تعالى: (إنّ الله فالِقُ الحَبِّ والنَّوَى يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ ومُخرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فأنّى تُؤفِكُونَ * فالِقُ الإصباحِ وجَعَلَ اللَّيلَ سَكَناً والشَّمسَ والقَمَرَ حُسبانا ذلكَ تَقدِيرُ العَزِيزِ العَلِيم * وهوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومُ لِتَهتَدوا بِها في ظُلُماتِ البَرِّ والبَحرِ قَد فَصَّلنَا الآياتِ لِقَومٍ يَعلَمُون * وهوَ الذي أَنشَأَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ فَمُستَقَرٌ ومُستَودَعٌ قَد فَصَّلنا الآياتِ لِقَومٍ يَفقَهُونَ * وهوَ الذي أنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فأخرَجنا بِهِ نَبَاتِ كُلِّ شيءٍ فَأخرَجنا مِنهُ خَضِراً نُخرِجُ مِنهُ حَبّاً مُتراكِباً ومِنَ النَّخلِ مِن طَلعِها قِنوَانٌ دانِيَةٌ وجَنّاتٍ مِن أعنَابٍ والزَّيتُونَ والرُّمَّانَ مُشتَبِهاً وغَيرَ مُتَشابِهٍ انظُرُوا إلى ثَمَرِهِ إذا أثمَرَ ويَنْعِهِ إنّ في ذلِكُم لآياتٍ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ*) (الأنعام/ 95-99).

ثانياً – الأركان الرئيسية التي ترتكز عليها الأخلاقية البيئية للإسلام:

أ) التوحيد: إنّ الإسلام يقر بوحدانية الله عزّوجل، والتوحيد هو مصدر الفكر والفعل الإنساني، وبذلك يصبح التوحيد المبدأ الهادي في الدين والأخلاق والسلوك الإجتماعي. كما يعد مفهوم الصالح العام في الإسلام مدلولاً هاماً لمفهوم التوحيد. والإيمان بالله هو إيمان بالرقابة الدائمة على الإنسان وعلى تصرفاته، وهذه الرقابة تحفز الإلتزام والمسؤولية.

ب) الخلافة: قال الله في كتابه العزيز: (وهوَ الذي جَعَلَكُم خَلائِفَ الأرضِ وَرَفَعَ بَعضَكُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجاتٍ لِيَبلُوَكُم في ما آتاكُم إنّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقابِ وإنّهُ لَغَفُورٌ رَحِيم) (الأنعام/ 165).
والغاية من الإستخلاف هو الإختبار، قال رسول الله (ص): “إنّ الدنيا حلوة خضرة، وإنّ الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعلمون، فاتقوا الله”. فالإنسان وصي ومسؤول عن رعاية مخلوقات الله، وإذا كان يستطيع استخدام هذه الأمانة لمنفعته، إلا أنّه لا يملك السيادة المطلقة، وسيدفع الإنسان الثمن في الدنيا والآخرة في حال أساء استخدام الأمانة.

إنّ الإسلام يهتم بالبيئة بمفهومها الشامل ويتجاوز كل الحدود الدينية والقومية والجغرافية. وإنّ البيئة والأخلاق البيئية موجودة في صميم النظرة الأخلاقية في القرآن الكريم تجاه العالم، وهذا ما تهدف إليه التربية البيئية المعاصرة.

ج) الحياة الآخرة: قال الله تعالى: (وابتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيا وأحسِن كَما أحسَنَ اللهُ إليكَ وَلا تَبغِ الفَسادَ في الأرضِ إنّ اللهَ لا يُحِبُّ المُفسِدِينَ) (القصص/ 77).
وإنّ الإيمان بالآخرة أحد أركان الإيمان، وهذا له اثر في علاقة الإنسان بالبيئة، وتفكيره في الوجود ككل، والإسلام يدعو إلى التمتُّع بها والإستنفاع بما فيها، ولكن دون إفسادها.
وإنّ الإلتزام بتحقيق استخلاف شرط للنجاة من العذاب في الآخرة، قال تعالى: (قُل إنّما أنا بَشَرٌ مِثلُكُم يُوحَى إليَّ أنّما إلهُكُم إلهٌ واحِدٌ فَمَن كانَ يَرجُو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشرِكْ بِعِبادَةَ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف/ 110).
إنّ مبدأ العقاب والثواب موجود في الإسلام، وهذا دافع قوي للإنسان لينطلق في عمله من مبدأ الحلال والحرام والعدل والإصلاح، والحياة الأخرى لا تعد هي المحدد والموجه لطبيعة الحياة على الأرض فحسب، بل إنّ الحياة الأخرى تعطي معنى للحياة الدنيا، قال الله تعالى: (أفَحَسِبتُم أنّما خَلَقناكُم عَبَثاً وأنّكُم إلَينا لا تُرجَعُون) (المؤمنون/ 115).

ثالثاً – الموجهات الإسلامية للبيئة:

أ) تنمية الوعي بالبيئة المحيطة بالإنسان: قال الله تعالى: (وسَخَّرَ لَكُم ما في السَّموَاتِ وما في الأرضِ جَمِيعاً مِنهُ إنّ في ذلكَ لآياتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ) (الجاثية/ 13).
ويعد الإسلام التفكُّر في مخلوقات الله بمنزلة عبادة، والإنسان مكلّف بأن يقرأ سماتها.

ب) تكوين فهم صحيح للبيئة: إنّ علاقة الإنسان بالطبيعة هي علاقة انسجام، وليس علاقة القوي بالضعيف، وإنّ القرآن الكريم صور الطبيعة بشكل محبب للإنسان، وهناك آيات قرآنية كثيرة توضِّح ذلك، قال الله تعالى: (وهوَ الذي أرسَلَ الرِّياحَ بُشرا بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ وأنزَلنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُورا) (الفرقان/ 48).
ويقول الله تعالى: (رَبُّكُمُ الذي يُزجِي لَكُمُ الفُلكَ في البَحرِ لِتَبتَغُوا مِن فَضلِهِ إنّهُ كانَ بِكُم رَحِيماً) (الإسراء/ 66).

ج) الدعوة إلى ضرورة الحفاظ على التوازن البيئي: لقد دعا الإسلام إلى ضرورة الحفاظ على التوازن البيئي من خلال ما جاء في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ومحاربة الإسلام للفساد والإفساد، فإخلال التوازن البيئي هو صورة من صور الفساد والإفساد.
لقد وضّح الإسلام أنّ الحرام هو كل ما من شأنه أن يدمِّر الإنسان وبيئته، وأنّ الحلال كل ما هو نافع للإنسان والبيئة، وإنّ الحفاظ على البيئة واجب، قال الله تعالى في كتابه العزيز: (وإلى عَادٍ أخاهُم هُوداً قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللهَ ما لَكُم مِن إلهٍ غَيرُهُ أفَلا تَتّقُونَ) (الأعراف/ 56).

د) تنمية الخلق البيئي: إنّ من المفاهيم الأساسية في الإسلام الحلال، والحرام، والإعتدال، والإستحسان وغير ذلك. وتعد الشريعة نظاماً يسهم بالفضيلة والهدف في النهاية هو الخير وحماية الكائنات الحيّة حاضراً ومستقبلاً.

هـ) المحافظة على العناصر الطبيعية الأساسية وحمايتها: لقد سخّر الله المخلوقات لبعضها بعض، ولخدمة الإنسان. وضّح القرآن الكريم أنّ كل كائن في هذا العالم سواء نعلمه أم لا له وظيفتان: وظيفة اجتماعية لخدمة الإنسان، ووظيفة دينية كونه آية على قدرة صانعة وإتقانه وحكمته.
وقد دعا الإسلام للمحافظة على الطاقة وترشيد استهلاكها، وهناك حديث شريف يدل على ذلك، قال جابر بن زيد: سمعت جابر بن عبدالله يقول: قال رسول الله (ص): “أغلقوا الباب، وأوكؤوا (أي اثبتوا) السقاء (الإناء)، وغطوا الإناء، وأطفئوا المصباح، فإنّ الشيطان لا يفتح غلقاً، ولا يحل وكاءً، ولا يكشف إناءً، وإنّ الفويسق (الفأر الصغير) تضرم على أهل البيت ناراً تحرق بيوتهم”.
كما دعا الإسلام للمحافظة على الطعام وعدم إهداره والإسراف فيه، عن جابر (رض) أنّ رسول الله (ص) قال: “وإذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى، وليأكلها ولا يدعها للشيطان، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه، فإنّه لا يدري في أي طعامه البركة” رواه مسلم.
وعن جابر (رض) أيضاً، أنّ رسول الله (ص) أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: “إنّكم لا تدرون في أي طعام البركة”.
ودعا الإسلام إلى المحافظة على صحّة أفراد المجتمع واتّباع إجراءات الحجر الصحّي، عن أسامة (رض) عن النبي (ص) قال: “إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها، فلا تخرجوا منها” متفق عليه.
ودعا أيضاً إلى محاربة الفقر والدعوة إلى العمل وزراعة الأرض وعدم إجهادها.

و) محاربة الفقر والدعوة إلى العمل: يعد الفقر أحد المشكلات العالمية التي تهدِّد الإنسان والبيئة، وعدد الفقراء في العالم في تزايد مستمر، كما يزيد عدد مَنْ هم دون مستوى خط الفقر عن 5,1 مليار إنسان معظمهم في قارتي إفريقيا وآسيا. ويلجأ هؤلاء الفقراء إلى القضاء على الغطاء النباتي من قطع للغابات والشجيرات والنباتات المختلفة من أجل الحصول على الوقود للإستخدامات المنزلية المختلفة، وذلك لعدم توافر الوقود الرخيص وضعف قوتهم الشرائية.
كما أنّ الفقر مشكلة اجتماعية خطيرة تؤدِّي إلى مشكلات أخرى كثيرة صحية ونفسية وثقافية وعلمية. لذلك دعا الإسلام للعمل والكد من أجل التخلص من الفقر.
يقول رسول الله (ص): “طلب الكسب فريضة على كل مسلم”.
ويقول (ص): “كاد الفقر أن يكون كفراً”.
وقال الإمام علي (ع): “لو كان الفقر رجلاً لقطعت رأسه بسيفي هذا”.
والفقر فتنة عظيمة، حيث استعاذ رسول الله (ص)، وقال: “إنِّي أعوذ بك من الفقر، والقلة والذلة، وأعوذ بك أن أظلم أو أظلم” رواه أبو داود والنسائي.
ويؤدِّي الفقر إلى انعدام الأمن والخلافات والإقتتال، وخاصة في ظل انعدام العدل والتكافل الإجتماعي.
لقد صاغ الإمام علي (ع) فلسفة الفقر في الإسلام بقوله: “ما جاع فقير إلا بما منعه غني”، وقال أيضاً: “ما رأيت نعمة موفورة إلا إلى جانبها حق مضيع”.
ويعود الفقر لأسباب كثيرة، منها الكسل وعدم السعي للعمل والإسراف والتبذير، أو إلى أسباب اجتماعية كسوء توزيع الثروة في المجتمع وسوء استغلال الموارد الطبيعية والحروب والظلم والقهر، أو لأسباب طبيعية كالكوارث كالفيضانات والزلازل والبراكين والأوبئة وغيرها.
ويترك الفقر في نفس الفرد والأُمّة آثاراً خطيرة، كالخضوع وإذلال النفس والفتنة في الدين والخلق، وقيل: “لولا أنّ الله تعالى أذلّ ابن آدم بثلاث ما طأطأ رأسه لشيء: الفقر والمرض والموت”.
وروى ابن المعتمد: “الفقراء موتى إلا مَنْ أغناه الله بعزّ القناعة”.
وقال لقمان الحكيم يعظ ابنه: “يا بُني، استغن بالكسب الحلال فإنّه ما افتقر أحد إلا اصابته ثلاث خصال: رقة في دينه، وضعف في عقله، ووهاء في مروءته، وأعظم من هذا استخفاف الناس به”.
كما أنّ للفقر آثاراً على الأُمم والدول، فالدول الفقيرة ستكون تابعة للدول الغنية اقتصادياً وسياسياً ومعرضة للغزو الفكري والثقافي، وانتشار الفواحش والجرائم، والتخلُّف الحضاري والتقني.
وعلاج الفقر في الإسلام كان شاملاً، فلم ينظر الإسلام للفقر كمشكلة قائمة بذاتها، بل ربطها بغيرها من أُمور الحياة، كما أنّ الإسلام لم يكتف بإعطاء الوصايا والنصائح الأخلاقية، بل فاجأ العالم للمرّة الأولى في الحياة البشرية بضرورة تأدية فريضة الزكاة للفقراء والمحتاجين، فقرّر بالتشريع حق الفقراء في أموال الأغنياء حقاً محدداً، كما حدد الإسلام بالتشريع وسائل حماية هذا الحق، بحيث يصل إلى أصحابه، وناط تلك الحماية بالدولة التي ترهب المسيئين، وتأخذ على أيدي الظالمين.

الإسلام والبيئة
رابعاً – دور الإسلام في الحفاظ على البيئة:

للوازع الديني والشرع الدور الكبير في حماية البيئة وتحسينها ووقاية الناس من الأمراض وتأمين الغذاء من مصادره.
وإنّ الله سبحانه وتعالى لم يخلق شيئاً عبثاً، بل لكل شيء منفعة، إذ أثبتت الأبحاث الكثير من المنافع لأشياء كثيرة كنّا نعدها من قبل ضارّة أو بلا نفع.. وإذا كان الإنسان يجهل المنفعة الآن، فربّما يعرفها فيما بعد، وسر الإيجاد والخلق والحكمة منه، قال الله تعالى: (وسَخَّرَ لَكُم ما في السَّمواتِ وَما في الأرضِ جَمِيعاً مِنهُ إنّ في ذلكَ لآياتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ) (الجاثية/ 13).
وقال الله تعالى: (هوَ الذي خَلَقَ لَكُم ما في الأرضِ جَمِيعاً ثُمّ استَوَى إلى السَّماءِ فَسَوّاهُنَّ سَبعَ سَمواتٍ وهوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ) (البقرة/ 29).
فعلينا نحن البشر أن نتعاون جميعاً للحفاظ على نظافة البيئة وحمايتها من كل ما يتهددها من أخطار ومن جميع أنواع التلوث في البر والبحر والجو.
وفي حال تلوث مياه البحار، فإنّ الأحياء البحرية والأسماك سوف تنقص أو تنفق. وفي حال تلوث الجو واليابسة، فإنّ النباتات والحيوانات والإنسان كلّها سوف تتعرّض للخطر.
قال الله تعالى في كتابه العزيز: (وهوَ الذي سَخَّرَ البَحرَ لِتَأكُلُوا مِنهُ لَحماً طَرِيّاً وتَستَخرِجُوا مِنهُ حِليَةً تَلبَسُونَهَا وتَرَى الفُلكَ مَوَاخِرَ فِيهِ ولِتَبتَغُوا مِن فَضلِهِ ولَعَلَّكُم تَشكُرُونَ) (النحل/ 14).
للعقائد أهميّة كبيرة في تغيير حياة الإنسان إلا أنّ أقوى العقائد هي العقيدة الدينية لأنّها ترتبط بالحياة الدنيا والحياة الآخرة، وهي تؤثر في حياة الشعوب والأفراد من مختلف النواحي الفكرية والتشريعية والدينية والحياة التطبيقية.
ويمكن أن نضرب مثالاً عن الصين كيف تمكّنت بالأسلوب العقائدي من التخلُّص من البلهارسيا التي تقتل الملايين في الدول النامية وتخلصت من الذبابات والمخدرات.

وأهم الشروط الواجب توافرها لنجاح الأسلوب العقائدي التالي:
1- أن يؤمن الإنسان بالعقيدة المتأصلة في النفس.
2- ضرورة وجود قيادة عقائدية مؤمنة بهذه العقيدة.
3- تعاون جميع أجهزة الدولة للقيام بحملة منظمة ومشتركة لحماية البيئة، ويمكن أن يكون لوزارة الإعلام ووزارة التربية دور كبير في غرس قيم التربية البيئية ومفاهيمها والتأثير على السلوك البيئي لمختلف أفراد الشعب من مختلف الأعمار والشرائح بدءاً من الحضانة مروراً بالمرحلة الجامعية. كذلك يمكن أن تساهم وزارة الأوقاف في هذا الموضوع وذلك عن طريق ربط العقيدة الدينية بالبيئة، وإيضاح أنّ الله سبحانه وتعالى سخّر لنا الكثير من مخلوقاته، ولكنه جعل الإنسان مستخلفاً في الأرض، وعليه استعمال موارد البيئة بصورة رشيدة ودون تعريضها للفساد، فمن حق الأجيال القادمة الإنتفاع والإستمتاع بها.

ويمكن ذكر أهم القواعد التشريعية الإسلامية التي يمكن أن تبنى عليها جميع الإجراءات والتدابير اللازمة لحماية البيئة والمحافظة عليها، وهي كالتالي:
– إنّ الحفاظ على البيئة سليمة معافاة واجب ديني على كل فرد، كما أنّها واجب اجتماعي عام يقوم به كل مسؤول في مؤسسته.
– من الضروري التوعية الدينية الإسلامية لضمان حماية البيئة.
– يجب أن تشمل التوعية الدينية الإسلامية جميع أفراد المجتمع على مختلف مستوياتهم من خلال الدعوة إلى عدم التبذير في استهلاك الموارد الطبيعية، وعدم تعطيل الموارد وإتلافها بدون وجه مشروع، وحماية البيئة من التلوّث.
– إنّ العناصر البيئية هي ملك بين أفراد الجماعة المسلمة ومن حق كل فرد الإنتفاع منها بقدر حاجته دون الإضرار بحقّ الآخرين، وتقدر الحاجة هنا بقدرها كمّاً وكيفاً.
– من واجب الحاكم درء المفاسد لتحقيق المصالح العامّة للمجتمع.
– مصلحة الجماعة والأُمّة فوق مصلحة الفرد، وذلك من باب دفع الضرر الأشد بالضرر الأضعف، والقاعدة الفقهية تقول: “إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمها ضرراً بارتكاب أخفهما”. إنّ المصالح الحقيقية الضرورية تقدم على المصالح الحاجية أو التحسينية أو المحتملة. إنّ بعض التصرفات تحقق بعض المصالح ولكنها تجلب مفاسد اشد أو مفاسح مماثلة، والقاعدة تقول: “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”.
– للدولة الحق في إجراء جميع ما تراه مناسباً لمنع الضرر أو تقليله قبل حدوثه على قاعدة “لا ضرار ولا ضرار” أو سد الذرائع المؤدية إلى الفساد.
فللدولة الحق في منع الناس من إحداث المفاسد وضرر الآخرين أو تعطيل حق الآخرين بالإنتفاع بعنصر من عناصر البيئة الأساسية كتلويث المياه أو الهواء. ومن حق الدولة إرغام الأفراد والشركات بإزالة الأضرار الناتجة عن مشاريعهم. وللدولة الحق أيضاً في إيقاف بعض المشروعات التي لها أضرار أكثر من المنافع.
وللدولة الحق في إرغام الأفراد والمؤسسات على دفع تكاليف إزالة الاضرار الناتجة عن الإستعمالات غير المشروعة والمخالفة للشروط والتي ليس فيها شروط ترخيص، ودفع تعويضات مناسبة عن الأضرار التي يحدثونها في البيئة الطبيعية.
وللدولة الحق في سن القوانين والتشريعات اللازمة لحماية البيئة، واتخاذ إجراءات وقائية وعلاجية. فمن حق كل مواطن العيش في بيئة نظيفة.
إنّ حماية البيئة مسؤولية كل إنسان، فهو مسؤول أمام الله عن نفسه وعن أسرته ومجتمعه.
يقول رسول الله (ص): “كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته”، وقال (ص) أيضاً: “النظافة شطر الإيمان”، وقال (ص): “حق على كل مسلم أن يغتسل كل سبعة أيام يوماً يغسل فيه رأسه وجسده”، “إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك”، “مَنْ كان له شعر فليكرمه”، “أوكئوا قربكم واذكروا اسم الله وغطوا أنيتكم واذكروا اسم الله”، “غطوا الإناء وأوكئوا السقاء، فإنّ في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء وليس عليه وكاء إلا ونزل فيه من ذلك الوباء.
وقال رسول الله (ص): “إذا ولغ كلب في إناء أحدكم، فليغسله سبع مرّات إحداهنّ بالتراب”.
ويمكن القول الوقاية خير من العلاج، وإنّ حماية البيئة أصبحت قضية عالمية تهم كل البشر، فالتلوث البيئي لا يعرف الحدود، وبالتالي إنّ تدهور البيئة سينعكس على جميع البشر، علماً أنّ الإنسان هو الذي سبَّب الأضرار في بيئته التي يعيش فيها وإذا أراد العيش في بيئة نظيفة، فعليه أن يُطبِّق المثل القائل: “الوقاية خير من العلاج”.

المصدر: كتاب البيئة من منظور إسلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign