خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
السيد ياسين

الإسلام السياسي والبحث عن الحداثة الضائعة

“الإسلام السياسي هو فهم للإسلام كدين شامل متكامل يحتوى على ما يصلح البناء عليه لإقامة مجتمع إسلامي متميز بهويته الإسلامية, حيث تطبق المعايير العقيدية والدينية على كل مناحي الحياة”

موقع الاجتهاد: لو حاولنا التعمق في فهم الجذور الفكرية لتيارات الإسلام السياسي على اختلافها لاكتشفنا أنها جميعاً قامت على أساس رفض الحداثة الغربية من ناحية، وصياغة هوية إسلامية متخيلة من ناحية أخرى، وأخيراً محاولة ابتداع «حداثة إسلامية» تختلف في توجهاتها عن الحداثة الغربية.               بقلمالسيد يسين *

1- الرفض الإسلامي للحداثة الغربية

إذا رجعنا إلى كتاب المؤرخ المغربي المعروف عبدالله العروي البالغ الأهمية وعنوانه «الأيديولوجية العربية المعاصرة» لوجدنا أنه بأصالة فكرية منقطعة النظير حاول أن يصوغ مجموعة أنماط مثالية Ideal Types (وهو المصطلح الذي صكه ماكس فيبر العالم الاجتماعي الشهير) تبرز الفروق بين الاستجابات العربية المختلفة للحداثة الغربية.

وقد قرر أن هناك ثلاث استجابات رئيسية. الأولى أطلق عليها «وعي الشيخ» ويقصد به الشيخ محمد عبده. والثانية أطلق عليها «وعي الليبرالي» ويقصد به الدكتور أحمد لطفي السيد زعيم الفكر الليبرالي في التراث الفكري العربي الحديث، والثالثة أطلق عليها «وعي داعية التقنية» ويقصد به المفكر الماركسي المصري سلامة موسى. لقد حاول الشيخ محمد عبده- باعتباره مفكراً مجدداً- أن يثبت أنه ليس هناك تناقض بين الإسلام والحداثة الغربية التي تقوم أساساً على العلم والتكنولوجيا. ولذلك ألف كتاباً مهماً بعنوان «الإسلام والعلم» قرر فيه أن الإسلام يمثل نموذجاً حضارياً متكاملاً يمكن أن يكون أساس النهضة العربية المرتقبة.

أما أحمد لطفي السيد فقد كان قاطعاً في رفضه للتراث العربي التقليدي لأنه دعا إلى القطيعة الكاملة معه وتبنى النموذج الأوروبي في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة. وأخيراً نجد سلامة موسى – بحكم خلفيته الماركسية -يركز على أهمية التصنيع والتكنولوجيا، بل إنه بالغ في الدعوة إلى القطيعة الكاملة مع تراث المجتمعات الزراعية والذي يتسم بالركود.

كانت هذه هي المعركة الأولى بين جيل المنورين العرب وتحدي الحداثة الغربية. ونعرف من التاريخ العربي الفعلي أن دعوة محمد عبده لم تلق استجابة في حين أن دعوة أحمد لطفي السيد نجحت في إقامة نظم سياسية ليبرالية في عديد من البلاد العربية قامت على أساس التعددية الحزبية في إطار صيغة الديموقراطية الغربية، في حين أن دعوة سلامة موسى لم تجد تطبيقاً لها إلا بعد ثورة 23 تموز (يوليو) في مصر لأن مشروع الضباط الأحرار بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر قامت على أساس التصنيع والتكنولوجيا في إطار السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية لإشباع الحاجات الأساسية للجماهير. إلا أنه يمكن القول إن الصدام الحقيقي في المجتمع العربي بين دعاة التيار الإسلامي السياسي وبين الحداثة الغربية بدأ بعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1928 وإنشاء الشيخ حسن البنا جماعة «الإخوان المسلمين».
فقد رفضت جماعة «الإخوان المسلمين» كل مفردات الحداثة الغربية، فهي أولاً رفضت الديموقراطية الغربية كنظام سياسي لأن الشورى – في نظرها- هي عمود النظام السياسي الإسلامي بغض النظر عن الخلافات الشهيرة حول هل الشورى ملزمة أم معلمة؟
وجماعة «الإخوان» – وتبعتها في ذلك باقي الجماعات الدينية الإسلامية معتدلة كانت أم متطرفة – رفضت الحداثة الغربية الفكرية والتي كان شعارها «أن العقل وليس النص الديني هو محك الحكم على الأشياء». وهي من ناحية أخرى رفضت الحداثة الغربية الثقافية التي أسست لحقوق الفرد السياسية والاقتصادية والثقافية والتي بنيت على أساس حريته في انتهاج السلوك الاجتماعي الذي يرضاه ما دام في إطار الدستور والقانون. وذلك لأنها رأت أنه ينبغي – عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- تقييد حرية الفرد الاجتماعية من خلال استخدام دعاوى «الحسبة» لمعالجة المخالفين، وقد تصل المسألة إلى تكوين هيئات رسمية تقوم بوظيفة الردع لسلوك المواطنين في المجال العام.

2- صياغة هوية إسلامية متخيلة

غير أن جماعات الإسلام السياسي على اختلافها لم تكتف بمجرد رفض الحداثة الغربية بكل مفرداتها ولكنها تقدمت أبعد من ذلك لأنها صاغت لنفسها «هوية» إسلامية زعمت أنها قابلة للتحقق مع أنها في الواقع «هوية متخيلة» ليس لها وجود إلا في أذهان أصحابها. وهذه الهوية المتخيلة تقوم على عدة أسس أهمها رفض الديموقراطية الغربية واعتماد الشورى كنظام سياسي – وإن كانت جماعات الإسلام السياسي عدلت عن هذا الموقف سعياً للوصول إلى عضوية المجالس البرلمانية المنتخبة بل إن بعضها مثل جماعة «الإخوان المسلمين» كونت حزباً سياسياً هو حزب «الحرية والعدالة» واستطاعت بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) دخول الانتخابات وحصولها على الأكثرية هي وحزب «النور» السلفي. بل إنها –أبعد من ذلك- نجحت في إنجاح مرشح هذا الحزب الدكتور محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية. والأساس الثاني للهوية الإسلامية المتخيلة يتمثل في مكون معرفي أطلقوا عليه «أسلمة المعرفة» بمعنى الاستحواذ على المعرفة الغربية في العلوم الاجتماعية وأسلمتها بمعنى إعطاء خلاصات لهذه المعرفة لكاتب إسلامي حتى يصبغها بصبغة إسلامية.
والأساس الثالث هو رفض النظرية الاقتصادية الغربية بزعم أنها تقوم على الربا المحرم، وتأسيس ما أطلقوا عليه «الاقتصاد الإسلامي» وهو في الواقع خدعة كبرى لأن البنوك الإسلامية لها تعاملات اقتصادية كثيفة مع البنوك الرأسمالية الربوية. والأساس الرابع والأخير يقوم على «ذهنية التحريم» لو استخدمنا عنوان الكتاب الشهير للفيلسوف السوري صادق جلال العظم وهي التي أطلق عليها في عهد الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي «أسلمة المجتمع» بمعنى فرض قيود صارمة على السلوك الاجتماعي للمواطنين. غير أن التطور الفكري الأبرز في مجال الصراع بين تيار الإسلام السياسي والحداثة ظهر مؤخراً حين أصدر الفيلسوف المغربي المعروف طه عبدالرحمن كتابه الهام وعنوانه «روح الحداثة: المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية» والذي صدرت طبعته الثانية عن المركز الثقافي العربي عام 2009.

3- البحث عن نظرة إسلامية للحداثة

كتاب الدكتور طه عبدالرحمن أستاذ الفلسفة والمنطق في الجامعات المغربية يمثل محاولة فلسفية متعمقة لصياغة نظرة متكاملة عن «الحداثة الإسلامية» كما يطلق عليها. ومؤلف الكتاب معروف بمؤلفاته الرصينة في موضوعات فلسفية متعددة. والكتاب يتضمن مقدمة مهمة تتضمن حديثاً عن «المدخل النظري العام: روح الحداثة وحق الإبداع» وهي تحدد خصائص روح الحداثة ويتحدث عن كيف يمكن الانتقال من الحداثة المقلدة إلى الحداثة المبدعة. والكتاب بعد ذلك ينقسم إلى ثلاثة أبواب رئيسية يضم كل منها فصولاً متعددة.

الباب الأول عنوانه «التطبيق الإسلامي لمبدأ الرشد الحداثي، والباب الثالث والأخير عنوانه التطبيق الإسلامي لمبدأ الشمول الحداثي. محاولة طه عبدالرحمن فلسفية متعمقة تستحق أن نخضعها للتحليل النقدي لكي نعرف هل تنجح هذه المحاولة في إنقاذ تيار الإسلام السياسي من المأزق التاريخي الذي وقع فيه والذي يتمثل في رفضه المبدئي للحداثة الغربية، وتحوله أخيراً إلى فكر تفكيري يتسم بالتوحش الذي يمثله تنظيم «داعش»؟

* كاتب وباحث إجتماع مصري ولد في 30 أكتوبر سنة 1919 في محافظة الإسكندرية. خريج كلية الحقوق جامعة الإسكندرية.

المصدر: الحياة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign