خاص الاجتهاد: شنت مجموعة من العلمانيين داخل الحوزة العلمية في السنوات الأخيرة حملة منظمة لتشويه صورة المرجعية الدينية في النجف ولتقديم مرجعية النجف الدينية على أنها غير ثورية وغير حكومية، وغير متورطة في السياسة وقد وصف أحد هؤلاء المرجع الديني الأعلى آية الله السيد علي السيستاني حفظه الله بقوله: “إن آية الله السيد علي السيستاني ليس مدنسًا بفكر اليسار أو الهستيريا المعادية لأمريكا والغرب، ولا يتأثر بالإسلام التكفيري لسيد قطب، ولا يرى للفقهاء شأنا حكوميًا”.
تهدف هذه التصورات عن المرجعية الدينية في النجف إلى إثارة ثنائية كاذبة بين المرجعية والولاية، وفرض نموذج المرجعية الدينية غير السياسي والعرفاني المتوافق مع النظام العالمي السائد.
تزعم الجماعة التقليدية في الحوزة أن أصحاب النظام العالمي لا يرون أي مشكلة في هذا النموذج من المرجعية الدّينية، وهم مستعدون للتعاون معه لحل مشاكل المسلمين في المنطقة. وكدليل على حسن نيتهم، أرسلوا البابا إلى النجف.
الحقيقة أن المرجعية الدّينية في النجف لعبت دوراً حاسماً في مواجهة الاحتلال الأمريكي والتطرف التكفيري وأن مرجعية النجف الدّينية لم تكن كما صورها العلمانيون داخل الحوزة. لولا مواقفها الجهادية، لظل الجنود الأمريكيون يحتلون العراق، ولما توقف تقدم التكفيريين الذين يرتكبون جرائمهم ضد الدين والعرض والمال والشيعة.
إن إعلان العزاء وإقامة مراسم التأبين للشهد القائد السيد حسن نصرالله في النجف، إلى جانب صدور الفتوى بدعم الشعبين اللبناني والفلسطيني، يمثل صفحة مشرقة في تاريخ دعم المرجعية الدّينية في النجف للقضية الفلسطينية والمقاومة الإسلامية.
تؤكد هذه الأفعال أن المرجعية الدّينية في النجف، على عكس ما يظنه التيار العلماني في الحوزة، تمتلك رؤية سياسية وتتدخل في الشؤون العامة، ولا تقبل المساومة أو التكيف مع النظام الرأسمالي العالمي. ومن المؤكد أن البابا قد نقل هذه الرسالة إلى قادة وصناع القرار الغربيين عند عودته من النجف.
ولنفترض جدلاً أن هذا الظن الباطل الذي يعتنقه التيار العلماني في الحوزة حول المرجعية الدّينية في النجف صحيح، فما هو التفسير المنطقي لوجود المرجعية الدينية في النجف على قائمة اغتيالات العدو الصهيوني؟ كيف يمكن أن يضع الكيان الاحتلال الإسرائيلي اللامشروع مرجعية دينية غير سياسية وغير متدخلة ومتوافقة مع النظام الرأسمالي العالمي على قائمة الاغتيالات؟
من الواضح أن الأفعال الإجرامية للكيان الصهيوني في استهداف المرجعية الدّينية قد كشفت زيف ادعاءات التيار العلماني حول طبيعة المرجعية. إن هذا الإدراج على قائمة الاغتيالات وهي جريمة ضد الإنسانية والدين، يمثل دليلاً قاطعاً على الدور السياسي الفاعل للمرجعية في مواجهة المشروع الصهيوني.
لقد أثبت العدو الصهيوني أن المرجعية الدينية في النجف ستظل هدفًا له، حتى لو تخلت عن دورها السياسي واعتمدت سياسة المصالحة والتسليم. وهذا يثبت أن المشروع الصهيوني لا يتسامح مع أي قوة دينية أو ثقافية يمكن أن تشكل تحديًا له.
لا شك أن المرجعية الدينية في النجف ليست مرجعية سلبيّة أو منفصلة عن الشأن العام، بل هي مرجعية فاعلة ومؤثرة تتابع الأحداث الجارية في العالم الإسلامي وتصدر الفتاوى المناسبة في الأوقات الحرجة، كما فعلت في الفتاوى الجهادية التي أصدرتها خلال الحروب الروسية الإيرانية في العصر القاجاري. إن تاريخ المرجعية يشهد على طابعها الثوري، وأنها ستظل كذلك في المستقبل.
بقلم الباحث والمحقق حجة الإسلام والمسلمين داوود مهدوي زادكان