خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / معجم / الأصل العملي

الأصل العملي

الأصل العملي هو الدليل الذي تتحدّد به الوظيفة العملية المقرّرة للمكلف عند الشك في الحكم الواقعي وعدم وجدان الدليل المحرز الأعم من القطعي والظني المعتبر.

فلا يكون المطلوب من الأصل العملي الكشف عن الحكم الشرعي الواقعي بل ان دوره يتمحض في تحديد الوظيفة العملية للمكلّف عند فقدان الدليل المحرز أو ما ينتج نتيجة الفقدان كاجمال الدليل أو ابتلاؤه بالمعارض ، وهذا ما يعني انّ مرجعية الاصل العملي انّما تكون بعد استفراغ الوسع في البحث عن الادلة المحرزة. فإن عثر على ما يصلح للكشف عن الحكم الشرعي الواقعي فهو المعتمد والاّ فالمرجع هو الاصل العملي ، فموضوع الاصل العملي الذي يترتب على تنقّحه جريانه هو فقدان الدليل الكاشف عن الحكم الواقعي.

ثم انّ الاصول العملية برمّتها أحكام شرعية ظاهرية أو محددة للاحكام الشرعية الظاهرية بنحو قطعي ، بمعنى انّ الوظيفة المقرّرة بواسطة الاصل العملي وظيفة قطعية ، وذلك لقيام الدليل القطعي حجيتها ومثبتيتها للحكم الظاهري ، ومن هنا يصحّ اسناد البراءة مثلا الى الشارع ـ فيقال البراءة حكم ظاهري شرعي ـ ويكون ذلك الاسناد عن علم.

وما ذكرناه بتمامه هو ما عليه الإمامية « أعزّهم الله » في العصر الحاضر وهو كذلك على امتداد تاريخ الفقه الإمامي ، غايته انّ تبلور هذه الصياغة لم يكن بهذا الشكل إلاّ انّ ما عليه العمل في مقام استنباط الحكم الشرعي من أدلته هو ما عليه العمل فعلا ، فهم يبدءون بالبحث عن الأدلة القطعية ثم الأدلة الظنيّة المعتبرة والتي قام الدليل القطعي على حجيتها ودليليتها ومع عدم العثور على نحو من أحدهما يلجئون الى الأصل العملي ، والتي هي وسيلة علمية أيضا ـ لقيام الدليل القطعي على دليليتها ـ غايته انّها تحدد الحكم الشرعي الظاهري بخلاف الأدلة المحرزة فإنّها تكشف عن الحكم الشرعي الواقعي.

وهذا يتضح بالتأمل السريع في منهجيتهم المتبعة في مقام استنباط الأحكام الشرعية ، وبهذا يمتاز الفقه الإمامي عن الفقه السنّي حيث انّهم يلجئون عند فقدان الدليل القطعي أو الذي قام الدليل القطعي على حجيته ـ كالسنة الثابتة بخبر الثقة ـ الى الظنون والاعتبارات الذوقية مثل الاستحسان وقياس مستنبط العلة حيث يعولون في استنباطها على التخمين والحدس كما لا يخفى على كل من لاحظ منهجيتهم في الاستنباط.

ومن المناسب تقرير ما أفاده السيد الصدر رحمه‌الله في مقام استعراض المراحل التاريخية التي مرّ بها الأصل العملي الى ان بلغ هذه المرحلة التي هو عليها فعلا.

وستلاحظون انّ الاصل العملي في تمام مراحله التاريخية ظل محتفظا بركنيه الأساسيين :

الاول : انّه وسيلة علميّة تتحدد بواسطته الوظيفة العملية المقرّرة على المكلّف من قبل الشارع.

الثاني : انّ موقعه في المنهجية المتبعة في استنباط الحكم الشرعي موقع المرجع والملجأ عند فقدان الدليل الكاشف عن الحكم الواقعي أو ما ينتج نتيجة الفقدان كاجمال الدليل او ابتلاؤه بالمعارض.

فالسيد المرتضى علم الهدي والشيخ ابن ادريس الحلّي رحمهما الله أفادا بأنّ المصادر المعتمدة عندنا في الاستنباط للحكم الشرعي هي الأدلة المنتجة للعلم فحسب ، فلا يصح التعويل على الظنون والاعتبارات الذوقية المؤطرة بالقياس والاستحسان ، وهذه الأدلة العلمية هي الكتاب المجيد والسنة الشريفة والإجماع المحصّل والعقل المنتج للقطع.

ثم طبقا الدليل العقلي على مثل البراءة والمقصود منها البراءة العقلية المعبّر عنها عندهم بالبراءة الأصلية ، فهم يدرجون الاصل العملي في اطار الدليل العقلي. ثم لمّا تطوّر البحث الاصولي عند الإمامية أرجعوا البراءة العقلية الى الاستصحاب ، ويقصدون من الاستصحاب الذي ترجع اليه البراءة العقلية هو استصحاب حال العقل ، بمعنى استصحاب ما يدركه العقل من براءة ذمة المكلّف عن التكليف الواقعي غير المعلوم ، واستدلّوا على البراءة العقلية بقاعدة قبح التكليف بما لا يطاق ، إذ انّ التكليف بغير المعلوم تكليف بما هو خارج عن القدرة فهو قبيح عقلا ، وهذا ما ينتج براءة الذمة عن التكليف غير المعلوم ، وهذا هو المستظهر من عبائر المحقق الحلّي رحمه‌الله. « ولمزيد من التوضيح راجع استصحاب حال العقل ».

ثم في مرحلة متأخرة عن هذه المرحلة استدلّ على البراءة ـ كما في المعتبر للمحقق الحلّي والدروس للشهيد الاول رحمهما الله ـ بقاعدة « انّ عدم الدليل دليل العدم » وذلك انّ الفقيه إذا استفرغ الوسع في بحثه عن الأدلة المحرزة للحكم الشرعي فلم يجد فيها ما يثبت أو ينفي الحكم الشرعي المعين فهذا ما ينقح عدم الدليل وهو دليل العدم.

والمراد من أنّه دليل العدم هو انّه دليل على عدم مسئولية المكلّف عن التكليف الواقعي الثابت في نفس الأمر وهو معنى آخر للبراءة العقلية والتي هي حكم ظاهري مجعول في ظرف الجهل بالحكم الواقعي ، وليس المراد من دليل العدم هو عدم وجود حكم شرعي في الواقع ، إذ انّ ذلك مناف لما عليه الإمامية قاطبة من البناء على انّه ما من واقعة إلاّ ولها حكم واقعي يصيبه المجتهد أو يخطأه.

وكيف كان فهذا التعبير يوضح انّ البراءة عندهم من الأدلة العقلية القطعيّة إلاّ انّ موضوعها الذي يترتّب عليه جريانها هو عدم وجدان الدليل المحرز للحكم الواقعي.

ثم في مرحلة متأخرة عن المرحلة الآنفة الذكر صنفت البراءة وكذلك الاستصحاب في الامارات الظنية التي قام الدليل القطعي على حجيتها ، وتميز في هذه المرحلة الاستصحاب عن البراءة ، وهذا ما يتضح بملاحظة عبائر صاحب المعالم رحمه‌الله حيث صرّح بأنّ أصالة البراءة من الأدلة الظنية ، ومقصوده التي قام الدليل القطعي على حجيتها.

ثمّ انّ المرحلة التي تلت صاحب المعالم والشيخ البهائي رحمهما الله تبلور فيها الاصل العملي بشكل أكثر مما عليه قبل هذه المرحلة وان الاصل العملي لا يعدو عن كونه وظيفة عملية. ولعلّ أول من تنبّه لذلك ـ كما أفاد الشيخ الانصاري رحمه‌الله ـ هو صاحب شرح الوافية وهو السيد جمال الدين رحمه‌الله.

ثم انّ مفهوم الاصل العملي أخذ في التبلور بشكل أدق وشبه متكامل في عصر الشيخ الوحيد البهبهاني رحمه‌الله حيث بلغ علم الاصول عموما في عصره مستوى ناضجا جدا ، وكان من رواد مدرسة الوحيد البهبهاني رحمه‌الله صاحب الحاشية الكبرى على المعالم الشيخ محمد تقي رحمه‌الله ، وقد ساهم هذا العالم الجليل في تنضيج المفهوم من الأصل العملي. ثم بلغ الاصل العملي غايته في الدقة على يد الشيخ الانصاري رحمه‌الله.

والبحث عن أقسام الاصل العملي أوضحناه تحت عنوان « الاصول العملية ».

Slider by webdesign