خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / أخبار مميزة / فلسفة علم الأصول وماهيتها.. لماذا يجب أن ندرس أصول الفقه؟(1)/ الأستاذ إلهي الخراساني
مجتبى إلهي خراساني أصول الفقه فلسفة علم الأصول

فلسفة علم الأصول وماهيتها.. لماذا يجب أن ندرس أصول الفقه؟(1)/ الأستاذ إلهي الخراساني

خاص الاجتهاد: هل أنّ دراسة أصول الفقه تحتاج إلى دراسة أفرع علمية أخرى؟ إذا ما درسنا أصول الفقه بشكل متقن فهل نحتاج أيضا إلى تعلم “أصول التفسير” و”أصول فهم الحديث” و”أصول علم الكلام”؟ ولا سيما أنّ بعض أساتذة البحث الخارج قد قالوا أنّ من يتقن أصول الفقه، ويدرسها على الوجه الصحيح فهو سيستغني عن دراسة الأفرع التخصصية الأخرى، بالتالي من يتقن أصول الفقه إذا ما درس أفرعاً أخرى سوف يصبح متخصصاً فيها، كعلم الكلام وغيره من العلوم الدينية.

ما نقدمه هو تقرير لمباحث ورشة فلسفة علم الأصول بعنوان: فلسفة علم الأصول: الماهية، والضرورة، والبنية، التي قام الأستاذ حجة الإسلام الشيخ مجتبى إلهي خراساني؛ أستاذ البحث الخارج في حوزة مشهد العلمية وعضو الهيئة العلمية في مركز الآخوند الخراساني للدراسات العليا في مكتب التبليغ الإسلامي قبل فترة في الدورة الأولى من سلسلة ورش تعليمية وبحثية تخصصية بعنوان فلسفة علم الأصول التي عقدت بإشراف لجنة الفقه ومباني الاجتهاد لمركز الآخوند الخراساني للدراسات العليا وكذلك لجنة الفقه التطبيقي البحثية التابع لمعهد الإسلام الحضاري.

وفي ما يلي نقدم ما تفضل به الأستاذ إلهي في هذه الورشة:

اَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمیعِ الْعَلیمِ من الشَّیطانِ الرَّجیم. بِسمٍ الله الرَّحمنِ الرَّحیم. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ وَ صَلَّی اللَّهُ عَلَی سَیِّدِنا وَ نَبِیِّنَا مُحَمَّد صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ عَلَی آلِهِ الطَّاهِرِینَ وَ لَعنه اللهِ عَلَی أعدائِهِم أجمَعینِ

سنبحث في محاضرتنا ثلاث موضوعات:

الأول: “ماهية فلسفة أصول الفقه”،

والثاني: “بنية وهيكلية فلسفة أصول الفقه”،

والثالث: “ضرورة فلسفة أصول الفقه”.

ونبدأ بحثنا بمقدمات:

يقضي طلبة العلوم الدينية سنوات من عمرهم في دراسة هذه الأصول، محاولين إتقانها، وبعض مراحل هذه الدّراسة تكون صعبة أحياناً ولا سيما عندما تكون نصوص الدارسة معقدة وتفصيلية إلى حد ما، من قبيل كتاب الرسائل للشيخ الأنصاري، وكتاب الكفاية للآخوند الخراساني.

لماذا يجب علينا أن ندرس أصول الفقه؟

دائماً عندما نواجه المصاعب تبدأ أسئلتنا واستفساراتنا التعليلية، ومنها لماذا يجب على طلبة العلوم الدينية دراسة علم أصول الفقه، وهل الأصول العملية مفيدة أم لا؟

وعندما تطرح هذه الأسئلة في مباحثات ومذاكرات الطلاب عادة ما تتوسع وتتشعب؛ هل حقاً يلزمنا أن ندرس أصول الفقه حتى نتمكن من فهم الدين وأحكامه؟

فماذا كان يفعل القدماء قبل ظهور علم الأصول، مثلاً الفقهاء الذين عاشوا في القرنين الثالث والرابع أو حتى الخامس بعد الغيبة الصغرى، وفي زمان الشيخ الطوسي والذين جاؤوا من بعده؛ فهؤلاء لم يكن لديهم أصول فقه كالمعروفة حالياً، ومع ذلك هم كبار فقهاء المذهب.

الأسئلة المشابهة كثيرة، وسوف نعيد طرحها في محاضرتنا اليوم، وهي أسئلة يجب أن تُطرح من دون أيّ نوع من الرقابة الذاتية التي تؤدي عادة إلى حذف أو تجاهل بعض الأسئلة، فهي مهمة للغاية.

ونسأل هنا بدقة أكثر: هل أنّ علوم الدين ومعرفة الأحكام تحتاج إلى علم مستقل؟ فهل نحتاج إلى أصول الفقه لفهم الدين، وهو الشريعة السهلة السمحة، وهو “للناس”، وكتابه “بيان للناس”، وكلمات أهل البيت (عليهم السلام) كانت موجهة لجميع الناس، ألم يكن رواة تلك الأحاديث من عموم الناس، فكان منهم “الحذّاء”، و “القمّاط”، و “الخزّاز”، فهل درس هؤلاء أصول الفقه؟

هؤلاء كانوا أصحاب الأئمة(ع) وكانوا عارفين بالدين، بعضهم عُرفوا بالفقهاء، وبعضهم كانوا من أصحاب الإجماع، أو ليس في هذه الأمور شواهد ودلالات على عدم الحاجة لعلم جديد يفسّر المعارف الدينية؟

هناك أسئلة أخرى تطرح حول أصول الفقه:

هل أنّ دراسة أصول الفقه تحتاج إلى دراسة أفرع علمية أخرى؟ إذا ما درسنا أصول الفقه بشكل متقن فهل نحتاج أيضا إلى تعلم “أصول التفسير” و”أصول فهم الحديث” و”أصول علم الكلام”؟ ولا سيما أنّ بعض أساتذة البحث الخارج قد قالوا أنّ من يتقن أصول الفقه، ويدرسها على الوجه الصحيح فهو سيستغني عن دراسة الأفرع التخصصية الأخرى، بالتالي من يتقن أصول الفقه إذا ما درس أفرعاً أخرى سوف يصبح متخصصاً فيها، كعلم الكلام وغيره من العلوم الدينية.

السؤال الثاني: هل ما ندرسه تحت عنوان أصول الفقه هو فقط قواعد وأصول استنباط الأحكام الفقهية، أم أنّها أصول استنباط جميع المعارف الإسلامية؟ فالمعروف حالياً حول ماهية هذا العلم أنّه يقدم قواعد وأصولاً لجميع المعارف الإسلامية.

السؤال الثالث: إذا كان موضوع هذا العلم هو وضع قواعد استنباط الأحكام الشرعية؛ فلماذا يُدرَس في جميع أفرع العلوم الإسلامية (كالكلام، والفلسفة، والحديث، والتفسير)؛ فإذاً لابدّ أنّ هذا العلم متعلق بجميع المعارف الإسلامية؛ حيث يخصص الدارسون والباحثون في المراكز التعليمية والبحثية جزءاً هاماً من مناهجهم وبرامجهم التعليمية لهذا العلم.

وفيما يلي مجموعة أخرى من الأسئلة ترتبط الإجابة عنها بالإجابة عن الأسئلة السابقة.

ما هي الحدود الدقيقة لأصول الفقه؟ وما هو مجال عمل هذا العلم؟ ما هي الموضوعات التي يقع على عاتق هذا العلم بيانها؟ ما هو الضابط أو المعيار الذي على أساسه نعتبر المسألة الفلانية متعلقة بأصول الفقه أو بعلم الكلام أو بالفلسفة؟

عندما ننظر إلى أصول الفقه نرى في بدايتها قدراً كبيراً من مباحث الألفاظ، وهنا يتساءل الطالب لماذا ينبغي علينا الخوض في هذه الأبحاث طالما أنّه قد سبق لنا دراسة الصرف والنحو والبلاغة؟

فلو درسناها بإتقان فلماذا ينبغي علينا العودة لندرس مباحث الألفاظ؟ ولو درسنا المنطق جيداً فهل يلزمنا أن نعلم ما هي الدلالة اللفظية؟ وهل ينبغي علينا أن نبحث في العلاقة بين القضية الخارجية أي القضية الحقيقية الطبيعية وبين الذهن، وما هو مدلول “الأمر”؟ أليس من الأفضل هنا أن نراجع كتب اللغة والمعاجم لنعلم ما هو المدلول؟

وبعد مباحث الألفاظ تأتي المباحث العقلية، وعنوانها في أصول الفقه: الأدلة العقلية”، أو “المستقلات العقلية”، وهنا يأتي السؤال التالي:

نحن في الحوزة العلمية ندرس العلوم العقلية؛ فلو كان ينبغي لهذه العلوم أن تتناول هذه المواضيع فلماذالم يحصل ذلك، ولماذا يجب أن تُطرح هذه المسائل في أصول الفقه؟ فلو كان مكانها الأصلي هو أصول الفقه فما هي إذاً مهمة العلوم العقلية؟ لماذا ندرس تلك العلوم، وبماذا تفيدنا؟

الموضوع الوحيد في أصول الفقه الذي لا شك بانتمائه إلى هذا العلم، وعدم انتمائه إلى غيره من العلوم، هو بحث الأصول العملية.
من هنا يطرح قبل دراسة كتاب الرسائل عادة التساؤل عن العلاقة بين الأصول وسائر العلوم؟ وعن احتمال الاكتفاء بدراسة العلوم الأخرى.

لا أحد يتساءل عند دراسة الرسائل حول سبب دراستنا للعلوم الأخرى؟ لأن هذا الكتاب يطرح من البداية مباحث القطع والظن، وحجية الظن، والأمارات الظنية، إلى أن يصل إلى حالات الشك و…؛ إن هذه المطالب لا تبحث في أي كتاب آخر.
أي أن الحجج، والأمارات والأصول العملية مطالب لا تبحث كثيراً؛ على الرغم من وجود نقاط متداخلة في بحث الحجج والأمارات. عند دراسة ” الخبر الواحد” في أصول الفقه نتعلم الكثير حوله ونفس الأمر عندما نراجع كتاب ” أصول علم الدراية” أو أصول الحديث وأحكام آية الله جعفر السبحاني نجد للخبر أقساماً، وتعريف الخبر الواحد، والخبر المتواتر، ومعنى حجية الخبر.

هل علم الأصول بأكمله مفيد؟

أحياناً تتبادر شكوك جدية داخل علم الأصول، مثلاً يتساءل البعض: “هل كل ما يبحثه علم الأصول مفيد للفقه؟ هل كل ما يبحثه علم الأصول يتعلق بهذا العلم؟ ألا يحتاج علم الأصول إلى تنقيح وتنقية وتهذيب؟” إذا كانت الكثير من المسائل التي طرحناها غير مرتبطة بعلم الأصول؛ ألا يجب علينا تهذيبه؟ فنترك مثلاً مباحث الدلالة، والمباحث العقلية، مباحث الخبر للعلوم الأخرى.

كما يُتساءل أحياناً عن مباحث في علم الأصول لا ترتبط بعلوم أخرى، وهي داخل علم الأصول، ولكن يقال أنّها زائدة؛ ومثالها بعض تطبيقات الاستصحاب.
لماذا ندرس الاستصحاب الكلي؟ الاستصحاب الكلي في كافة المباحث الفقهية عادةً ما ترافقه قرائن لا تترك مجالاً للشك.

من مباحث الاستصحاب الكلي، بحث مفيد للغاية والنصوص غير كافية، ” القسم الثالث من الاستصحاب الكلي ” وهو غير جائز؛ ويقصد به “ما إذا كان الشك في بقاء الكلي مستنداً إلى احتمال وجود فرد آخر مقارنٍ لوجود الفرد المعلوم الحدوث والارتفاع، أو مقارنٍ لارتفاعه”.

يروي بعض الأصدقاء أنّ أحد أساتذة البحث الخارج في مدينة قم بدأ بتدرّيس موضوع “الحقيقة الشرعية” واستمر البحث قرابة الشهرين، وبعد ذلك بدأ الحديث حول ثمرة البحث، واستمر ذلك أسبوعاً، ظهر بعد ذلك عدم وجود أي ثمرة لهذا البحث.

مثل هذه الأحاديث تنتشر بين طلاب العلوم الدينية، والبعض يقول ربما يوجد الكثير من هذه المباحث التي لا ثمرة لها، ولكن لا نعلمها الآن؛ سنكتشف ذلك في البحث الخارج؛ ربما سيقولون في ذلك الوقت هذه المباحث لا ثمرة لها أبداً.

هذه الشكوك موجودة حول مباحث: المعنى الحرفي، والمشتق، والحقيقة الشرعية، والصحيح والأعم، وحول بعض تطبيقات الاستصحاب، وبعض تطبيقات العلم الإجمالي، وبعض قواعد التعارض أيضاً.

يقول أحد الباحثين: بالنسبة لمباحث التعارض هناك حالات ليس فيها تعارض أصلا؛ فهي خارجة تخصصاً عن محل البحث، مثلا في الحكومة والورود، وحيث يوجد تعارض ظاهري إذا ما تعمّق الفقيه في البحث والتدقيق فلن يبقى شيء من التعارض غالباً، أقصد أن قواعد التعارض التي ندرسها، تتعلق بالحالات التي يستقر فيها التعارض، ولكن إذا بحثنا بعمق واستخرجنا القرائن وعرفنا ما هي قرائن صدور الرواية؟ وهل الحكم دائم أم مؤقت؟ وهل هو تشريعي أم ولائي، وهل هو تعليمي أو استفتائي؟ إذا أجبنا عن هذه الأسئلة لن يبقى شيء من التعارض حتى نبحث مدة سنة أو سنتين مثلا عن قواعد التعارض، وكيفية تطبيقها.

أردت الاستطراد في بيان هذه الأسئلة لأقول: إنّ عدم الإجابة عنها، وترك التفكير حولها يؤدي إلى الإحساس بعدم فائدة وجدوى علم الأصول، وانصراف الكثير من الطلاب عن دراسته لعدم رغبتهم به.

الأسئلة السابقة ليست أسئلة أصولية.

علم أصول الفقه لا يجيب عن هذه الأسئلة، فليس هناك مسألة في علم الأصول تتحدث عن فائدته، أحيانا يُطرح ذلك في المقدمة، وكذلك لم تبحث العلاقة بين أصول الفقه وسائر العلوم داخل مباحث أصول الفقه.

لا يوجد لدينا في أصول الفقه باب مخصص لدراسة كيفية بحث أصول الفقه، أو التعرف على أدلة علم أصول الفقه، إننا نبحث كثيراً في أصول الفقه عن أدلة الفقه، ولكن ما هي أدلة أصول الفقه؟ أي أننا إذا أردنا إثبات مسألة أصولية فبأيّ الأدلة والمراجع يحق لنا الاستناد؟

يقول أحد الباحثين: لا يجوز في المسائل الأصولية الاستناد بأخبار الآحاد مطلقا.

نتساءل: لماذا لا يجوز الاستناد بخبر الواحد؟ الجواب هو نفس الجواب الذي أورده بعض العلماء حول أصول الأحكام عندما قالوا:

إن أصول الأحكام من حيث أنها أصول الأحكام وجزء أركان الشريعة يشك بثبوتها بالخبر الواحد؛ لأنها إن كانت جزء الركن لا تبين وتثبت بخبر واحد، لذا يلزم وجود روايات كثيرة لاستنباط الأصول.

بهذا الشكل يبطل بحث الاستصحاب من البداية، والحال أن مبحث الاستصحاب في الأزمنة الأخيرة يشكل حوالي خُمس أصول الفقه، كما تطرح في الوقت الحالي بحوث الاستصحاب في مبحث البراءة أيضا (استصحاب عدم الجعل أو… الذي يدعّم بحث البراءة). تقريبا لا يوجد بحث لا يرى فيه أثر ودور للاستصحاب.

لا يجاب عن هذه الأسئلة في أصول الفقه، عندما نبحث أصوليا بالمعنى الدقيق لكلمة البحث الأصولي؛ فإننا لا نخرج عن إطار أصول الفقه؛ نخلص لموضوع أصول الفقه؛ ونستخدم أساليب أصول الفقه، مثلا نثبت ” حجية القسم الأول من الاستصحاب الكلي، ومنجزية العلم الإجمالي لجميع الأطراف بمقدار الموافقة القطعية، ونثبت عدم حجية الشهرة والقياس.

في جميع هذه المباحث، الموضوع الذي يبحث في هذه القضايا هو موضوع أصول الفقه؛ والآن إما أن نعتبر الأدلة ضمن موضوع أصول الفقه، أو نقول مطلق العناصر المشتركة الخاصة بالاستنباط الفقهي، وعلى كل حال مواضيعها موضوع أصول الفقه ومحمولاتها أيضا جامعة لمحمولاته. وكما يقول آية الله البروجردي (رضوان الله عليه): ” موضوع علم الأصول الحجة في الفقه”، إمّا أنّه يرجع إلى نفس الحجة أو دائرة الحجة أو أسلوب الاحتجاج.

أحد الباحثين قسّم بحث الحجة إلى ثمانية أقسام، وفي حال كان جميع علم الأصول يبحث حول الحجة فيجب أن يقسّم إلى ثمانية أقسام أيضا، وقدم اقتراحا حول كيفية ترتيب علم الأصول؟ ما سبق كان من المباحث أصولية.

ماهية فلسفة العلم

لم يكن موضوع أيٍّ من الأسئلة السابقة أصول الفقه ولم يكن محمولها كذلك، فنحن لم نبحث عن حجية شيء، بل تساءلنا حول فائدة أصول الفقه، وعن موضوع هذه القضية.

أصول الفقه ليس واحداً من الأدلة، وليس عنصراً مشتركاً في الاستنباط الفقهي، محمول هذه الأسئلة الإفادة للاستنباط؛ وهذه الإفادة ليست بمعنى الحجية؛ لذا علينا فصل هذا النوع من الأسئلة عن غيره. هناك نوع من الأسئلة الأصولية يجب بحثها في علم الأصول، ونوع آخر من الأسئلة الأصولية يجب بحثه خارج علم الأصول.

في ” فلسفة العلم” يميزون بين نوعين من الأسئلة، أصطلح على تسميتهما بـ: أسئلة الدرجة الأولى، وأسئلة الدرجة الثانية.
المقصود بأسئلة الدرجة الأولى الأسئلة التي تتعلق أولاً بذلك العلم؛ أي أنها توجه إلى موضوعاته ومحمولاته، وتهتم بغاياته، وتُبحَث في إطاره؛ كحجية الاستصحاب.

والمقصود بأسئلة الدرجة الثانية لعلم من العلوم: الأسئلة التي تطرح حول العلم، وليس داخله.

الأسئلة التي نطرحها منذ البداية، أصولية، ولكنها أصولية بالمعنى الثاني. أصولية لأنها تتعلق بالأصول، ومن الدرجة الثانية لأنها تبحث حول أصول الفقه.

هناك فرق بين أن نسأل حول أصول الفقه وبين أن نسأل عن مسألة من داخل وأجزاء أصول الفقه. دراسات الدرجة الأولى دراسات تجيب عن أسئلة داخل العلم، ودراسات الدرجة الثانية دراسات تدور حول العلم.

وبمعرفة هذين النوعين من الدراسات وفصلهما عن بعضهما البعض، يمكننا تطبيقها في بقية العلوم، فنقول مثلاً الدراسات الفقهية تنقسم إلى قسمين:

دراسات تجيب عن الأسئلة التي تطرح في علم الفقه؛ وهي دراسات فقهية من الدرجة الأولى؛ كشرب الخمر حرام، الصلاة واجبة و…؛

ودراسات من الدرجة الفقهية الثانية نجيب فيها عن أسئلة حول علم الفقه من قبيل: متى تأسس علم الفقه؟ وما هي فائدته؟ وما هو موضوعه؟ ما هي فائدة علم الفقه في معرفة الأحكام واستنباط الفقه؟ ما هي العلاقة بين علم الفقه وسائر العلوم؟ القضايا الفقهية حقيقية أم اعتبارية؟ ما جنسها؟ ما هي الأساليب التي يستخدمها علم الفقه؟

دراسات الدرجة الأولى هي نفس العلم، ودراسات الدرجة الثانية وأسئلتها دراسات معرفة العلم، أقترح أن نسمّيها بدراسات “معرفة العلم”؛ فنحن في علم أصول الفقه نحاول التعرف على أمور هي غير علم الأصول، مثلا نعمل على معرفة أدلة الأصول، ومصادر الأصول، والحجج و.. لذا اسم ذلك ليس دراسات التعرف على العلم أي ليس متعلق معرفتنا نفس ذلك العلم؛ ولكن في دراسات الدرجة الثانية يكون دائماً متعلق معرفتا وعلمنا هو ذات العلم.

لقد فصّلت في هذا البحث قليلا؛ لأنه أساس فهم فلسفة الأصول، ويمنحنا القدرة على فصل وتشخيص دراسات الدرجة الأولى عن دراسات الدرجة الثانية.

أنواع دراسات معرفة العلم

المنهج الأول: عندما نتحدث عن فلسفة العلم أو دارسات معرفة العلم، علينا أن نعلم أن هناك أنواع متعددة لهذه الدراسات؛ أي أن دراسات الدرجة الثانية لا تتحقق بشكل ونظر واحد، فأنت مثلاً يمكنك التحقيق حول العلم بمنهج تاريخي فتسأل حول علم الأصول:

متى أُسس علم الأصول؟

مَن هو أول من كتب حول هذا العلم؟

ما هي مراحل تطوره؟

هل كان علم الأصول من البداية علماً مستقلاً؛ أم أنه كان مدمجاً في علم الفقه ثم انفصل عنه؟

هل أصيب علم أصول الفقه بفترات من الركود؟ هل كان دائماً بهذا النشاط؟ من هم العلماء الأصوليون الكبار؟ ما هي مؤلفاتهم في هذا العلم؟

كل هذه الأسئلة دراسات تاريخية حول أصول الفقه؛ أي أننا حللنا علم أصول الفقه وفقاً للمنهج التاريخي؛ فكانت أسئلتنا من نوع الأسئلة التاريخية.

المنهج الثاني هو المنهج الاجتماعي؛ أي أنّ الأسئلة التي تطرح حول ذلك العلم تكون من نوع الأسئلة الاجتماعية؛ فإذا أردنا أن نحلّل علم الفقه اجتماعياً نسأل ما يلي:

ما هي العلاقة بين المجتمع والفقه؟ ما هو أثر علم الفقه على المؤسسات الاجتماعية؟ بعبارة أدقّ ما هو الأثر الذي يمكن أن يتركه علم الفقه في المؤسسات الاجتماعية؟

من جهة أخرى، ما هي آثار التطورات الاجتماعية على الفقه وأصول الفقه أو ما هي الآثار التي يمكن أن تحصل؟ هل أثرت أنشطة الفقهاء والأصوليين الاجتماعية والسياسية على نظرياتهم الفقهية والأصولية؟

مثلاً لو لم يفجر الإمام الخميني ثورته فهل كانت ستبقى تلك الآراء حول مقتضيات الزمان والمكان؟ ولو أن الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) لم يناهض الماركسية، أو لم يعارض ما يسمونه الفلسفة العلمية والمدرسية؛ هل كان سيتجه نحو فهم منهجي منظم لعلم الفقه والأصول؟

هذه الأسئلة تشغل ذهن عالم الاجتماع؛ أي أنت تسأل أسئلة حول علم مثل علم الفقه أو الأصول وأسئلتك تكون من نوع أسئلة علم الاجتماع.

المنهج الثالث هو المنهج الفلسفي، وهو كما أرى النظر الكلي الشمولي المصحوب بالتحليل العقلي، تحليلاً ماهوياً طبعا؛ فيسأل صاحب هذا المنهج: ما هو علم أصول الفقه؟ العلم بمعناه الدقيق؛ أي أحد التخصصات؟ هل هو فرع علمي أو معرفي؟ أهو فرع من الإلهيات؟

هل يجب أن يعتبر علماً مستقلاً؟ ماهي المسائل التي سيبحثها؟ ماذا يفيد بحث هذا العلم؟ هذه تحليلات ماهوية؛ أي أبحاثنا ترتبط بنفس العلم؛ وليست بهويته التاريخية، ولا الاجتماعية، إنني مصرّ على عبارة “التحليل الماهوي”؛ لأنه يوجد أزمة تناقض في المنهج الفلسفي في تحليل العلوم، سنتطرق إليه لاحقاً.

عندما يقول بعض العلماء: الاتجاه الفلسفي هو الاتجاه العقلي، يُطرح السؤال التالي: ما هي مسائل فلسفة علم الأصول؟ يقولون: إحدى مسائلها هي معرفة استعمالات علم الأصول، أو معرفة أثره على المجتمع.

نقول لهم: ولكن هذه من مسائل علم الاجتماع، يجيبون: نعم، وإن كان من مسائل علم الاجتماع إلا أنه يمكن بحثه أيضا ًفي فلسفة العلم.

إذا ما أرادت فلسفة العلم البحث فقط بأسلوب فلسفي عقلي تصبح هذه الاتجاهات بلا معنى، سنبين لاحقاً لماذا وقعوا بخطأ أسلوبي عند تبيين فلسفة العلم؛ برأيي بعض النظريات يرد عليها إشكالات.
نحن نحلل ماهوياً، بالطبع التحليل الماهوي غالباً ما يحصل باستخدام القضايا التحليلية أو التركيبية.

اقترض هنا مصطلح “التحليل والتركيب” من الشهيد الصدر (في بداية الأدلة العقلية)، بالطبع هذا المصطلح ليس خاصاً به، فهو موجود أيضاً في فلسفة كانت؛ أي أننا أحياناً نسأل حول علم من العلوم: هل هو علم ضروري أم غير ضروري؟ أو هل الدور الفلاني للعلم أو الجانب الفلاني له ضروري أم مستحيل أم ممكن؟

أي إذا ما فرضنا هل هذه القضايا كائنة، أو كائنة بنحو ضروري، أو كائنة بنحو الإمكان، أو مستحيلة، هذه قضايا تركيبية وأحياناً تكون هذه القضايا تحليلية.

في القضايا التحليلية لا نقوم بإثبات شيء بل نقوم بتوضيح شيء وتفسيره، نشرح ما هي العلاقة بين علم الأصول ومسائله؟ هل العلاقة هي علاقة الكلي بأفراده أم علاقة الكلي بالجزئي، أم هي علاقة الأمر الاعتباري والانتزاعي بمنشأ انتزاعه؟

أيُّ شرح نقدمه حول علم الأصول وعلم الفقه يكون منهجنا فيه فلسفياً، لذا الحديث عن ماهية العلم يُطرح في فلسفة العلم لا في البحث الاجتماعي للعلم؛ فحاصل ونتيجة المنهج التاريخي في دراسات معرفة العلم يكون تاريخ العلم، ونتيجة المنهج الاجتماعي في دراسات معرفة العلم هو علم اجتماع العلم، ونتيجة المنهج الفلسفي هي “فلسفة العلم”.

اتضح إلى الآن معنى فلسفة العلم، وعندما نقول فلسفة علم الأصول نقصد التعرف على علم الأصول وفقاً للمنهج الفلسفي، أي بالتحليل الماهوي. بالطبع علينا أن نعلم أن مباحث فلسفة العلم في بعض الأقسام تكون أيضاً تجميعا للدراسات السابقة، أي ليس على النحو الذي يمكننا من القول بعدم وجود فلسفة العلم قبل العقدين أو الثلاثة الماضية، وبعدم وجود أي من مباحثها ثم ظهورها مع العديد من الأبحاث، لقد تمت دراسة جزء من مباحث فلسفة العلم سابقاً؛ فإذن هي أبحاث موجودة سابقا؛ حتى فلسفة علم الأصول.

 

يتبع..

 

خاص / فلسفة علم الأصول .. الفرق بين علم الأصول وفلسفة علم الأصول (2) ..الأستاذ مجتبى إلهي خراساني

 

فلسفة علم الأصول.. الأسباب التي تجعل تعلّم فلسفة أصول الفقه أمرا ضرورياً (3)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign