خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / خاص بالموقع / 22 تقرير خبري خاص / خاص / المجالات المشتركة بين أصول الفقه والفلسفة التحليلية ..(2) فروع الفلسفة التحليلية وتاريخها
محمود-مروايد

خاص / المجالات المشتركة بين أصول الفقه والفلسفة التحليلية ..(2) فروع الفلسفة التحليلية وتاريخها

خاص الاجتهاد: اللافت أكثر أن كثيرا من الموضوعات الكلامية والإلهية الأخرى قد بُحثت وحُققت في الفلسفة التحليلية، ومنها موضوعات: صفات الباري تعالى، النسبة بين الذات والصفات. / التصور المغلوط الآخر الرائج في إيران تجاه هذه الفلسفة _وهو تصور يدعو للاستغراب والعجب_ هو الاعتقاد بعدم اهتمام الفلسفة التحليلية بالميتافيزيقا، وهذا ما سمعته مراراً من أساتذة جامعة طهران، ولكنّه اعتقاد خاطئ تماماً.

ما سبق كان تلخيصا لأهم مقومات وخصائص الفلسفة التحليلية. وإذن أينما دخلت في موضوع أو مجال أو مسألة بناء على هذا النهج ينتج لدينا فرع في الفلسفة التحليلية؛ فمثلا إذا ما تناولنا موضوع المعرفة وفقا لهذا المنهج الفلسفي سوف ينتج لدينا علم معرفة خاص، وكذا لو تعاملنا مع مسائل الذهن والأخلاق فسوف يكون لدينا فلسفة الذهن وفلسفة الأخلاق، وإذا ما تعاملنا مع المسائل الكلية للوجود سوف ينتج علم الميتافيزيقا (ما بعد الطبيعة)، وعلى هذا الأساس تنشأ أقسام وأنواع الفلسفة التحليلية.

القسم الثاني: بيان أفرع الفلسفة التحليلية

أما أهم أفرع هذه الفلسفة فهي فلسفات: الذهن، واللغة، والميتافيزيقا، والمعرفة، والأخلاق، والدين، وهي أهم ما ظهر في القرن العشرين من فلسفات وفق النزعة التحليلية.

وبالتأكيد كما أن أسلوب ونهج الفلسفة التحليلية كان موجودا في السابق فأصل هذه الموضوعات كان كذلك، وفقط تطور وتوسع أكثر في القرن العشرين.

ويمكنكم أن تضيفوا إليها الفلسفات التالية: العلم، والفن، والاقتصاد، والتي تعتبر فلسفات أكثر جزئية.

سوف أتحدث أكثر حول أفرع الفلسفة التحليلية عند الحديث حول مجالات المقارنة والموضوعات المشتركة بينها وبين أصول الفقه، ولكن لا بأس بأن أشير هنا إلى فرعين من أفرعها لن أشير إليهما عند الحديث حول المشتركات.

أحدهما الميتافيزيقا التحليلية: من اللافت أنّ الميتافيزيقا التحليلية قد تطورت واتسعت في الفلسفة التحليلية، وإنّ كثيرا من المسائل التي نبحثها في الفلسفة التقليدية كالوجود والعدم والعلية والعرض والجوهر والضرورة والزمان والمكان قد بُحثت بشكل واسع وعميق للغاية في الفلسفة التحليلية.

وثانيهما فلسفة الدين: وهي في الواقع تبحث في موضوع “الإلهيات بالمعنى الأخص القديمة”، والتي تناولها الفلاسفة التحليليون بمزيد من البحث والتحقيق في مختلف جوانبها.

واليوم تنوعت آراء الفلاسفة التحليليين وتكثرت في هذا الفرع الفلسفي؛ فمنهم الملحد ومنهم المؤمن، وكلاهما ولاسيما المؤمنون توسعوا في هذا المجال، وقدموا براهين جديدة في القرن العشرين على وجود الباري تعالى لم يكن لها ذكر أو أثر في الماضي، وبعض هذه البراهين معقّد للغاية بحيث يحتاج فهم بعض مقدماتها إلى أشهر من القراءة والمطالعة؛

فمثلا قدم الفيلسوف “كورت غودل” _المعروف بأنه ثاني أكبر عالم منطق في التاريخ والأعصار، ومكتشف “مبرهنتي عدم الاكتمال”_ قدم برهانا على إثبات وجود الخالق وفيه يستخدم أكثر أنواع المنطق تعقيدا، ومنها براهين الاحتمالات المعقدة التي راجت في الفلسفة التحليلية المعاصرة.

ما أريد قوله أنّه الفلسفة التحليلية لا تحمل أبدا صبغة معادية ومناهض للدين؛ بل نرى فيها تطورا وتوسعا في المسائل والنظريات التي تعتبر جزءا من الإلهيات بالمعنى الأخص.

واللافت أكثر أن كثيرا من الموضوعات الكلامية والإلهية الأخرى قد بُحثت وحُققت في الفلسفة التحليلية، ومنها موضوعات: صفات الباري تعالى، النسبة بين الذات والصفات، وهل أنّ الصفات هي عين الذات أم لا، علم الباري تعالى واختيار الإنسان وهل يوجد تناف بينهما أم لا، وهل أنّ الاختيار ينافي القدرة أم لا، وما هي النسبة بين قدرة الباري تعالى وبين الطبيعة، وماهي النسبة بين الدين والأخلاق وبين العلم والدين؟

هي جميعا مسائل وضعت تحت مجهر البحث والدراسة في الفلسفة التحليلية، وذلك باستخدام أدوات منطقية جديدة للغاية؛ حتى أننا نجد دراسات حول الدعاء، وهل يمكن أن يكون الدعاء مؤثراً، وما هو محمل وتفسير ذلك فسلفياً، وكذا فيما يتعلق بموضوع الخلود وهل هو ممكن أم لا،

أي أنهم يدرسون هذه الموضوعات الكلامية بصبغة فلسفية بمقدار أكبر من المتصور والمعروف عنهم في المجتمع العلمي الإيراني، وأحياناً يشار إليها بمصطلح (Analytic Theology) أي الإلهيات التحليلية، وهي من الجوانب الملفتة للانتباه في هذه الفلسفة.

وسوف أشير إلى مزيد من أفرع الفلسفة التحليلية عند الوصول إلى بحث المقارنة والمجالات المشتركة بينها وبين علم أصول الفقه.

القسم الثالث: تاريخ الفلسفة التحليلية ومراحل نشوء وتطور ها

هناك اختلاف كبير في مسألة تقسيم مراحل تكون وتطور الفلسفة التحليلية، ولكن جرت العادة على تقسيمها إلى خمس مراحل أساس:

المرحلة الأولى: مرحلة المؤسسين، وتسمى أحيانا بالمرحلة الأفلاطونية، وهي مرحلة آراء: فريجه، راسل، مور، فيتغنشتاين، وهم مؤسسو الفلسفة التحليلية والبعض يضيف فيتغينشتاين.
المرحلة الثانية: مرحلة المنطق الذري.
المرحلة الثالثة: مرحلة المنطق التجريبي.
المرحلة الرابعة: مرحلة فيتغنشتاين المتأخر.
المرحلة الخامسة: مرحلة التكثّر، والتي راجت منذ العقد السادس في القرن العشرين، ومازالت مستمرة إلى يومنا هذا.

وهنا لا يسعنا المجال للتعرض لمقومات وخصائص كل واحدة من هذه المراحل الخمسة، وأشير هنا إلى نقطتين فقط لأجل مزيد من الإيضاح.

– يمكن القول أنّه في المراحل الأربعة الأولى _أي قبل مرحلة التكثر_ تفوقت فلسفة اللغة على سائر أفرع الفلسفة التحليلية وشكلت النزعة الغالبة فيها، وقد اعتقد البعض في عدد من تلك المراحل أنّه يمكن حلّ جميع المسائل أو أكثرها أو تحليلها بالاعتماد على فلسفة اللغة، وقد راج هذا الاعتقاد أكثر عند أصحاب التجربة المنطقية؛

فقد كانوا يقولون: إن لم تكن الجملة الخبرية تحليلية وتجريبية فهي لن تكون ذات معنى، وعليه تكون جميع المسائل والمجادلات الميتافزيقية التقليدية فارغة وليس لها فائدة أو معنى، وعليه لن يبقى هناك مسألة تحتاج للحل، وعليه إذا ما كان لديك نظرية خاصة في باب فلسفة اللغة والمعنى يمكنك أن تسلب الموضوع من كثير من المسائل الفلسفية الرائجة فتصبح بلا معنى، وكأنّ فلسفة اللغة تهدف عبر هذا الطريق والمنهج إلى إيجاد حلول لبقية عالم الفلسفة.

وكذا الأمر في آراء فيتغنشتاين المتأخر، ففي فلسفته المتأخرة ذهب للقول بأنّ المسائل المتعارفة والتقليدية هي نتيجة الاستخدام غير الصحيح للغة، فأنت إذا ما استخدمت اللغة بشكل صحيح لن يكون هناك أي مسألة مبهمة، ولذلك تواجه هنا انحلالاً للمسائل الفلسفية التقليدية.

ولكن بعد فيتغنشتاين المتأخر أي منذ عقد الستينات فقدت فلسفة اللغة تفوّقها السابق، ولذلك نُطلق على المرحلة الخامسة من تاريخ الفلسفة التحليلية اسم مرحلة التكثر، ويرجع هذا التكثر إلى أمرين:

الأول عدم تقدم أو تفوق أي فرع من فروع الفلسفة التحليلية على غيره من الفروع، وذلك لعدم تفوق أي مدرسة على غيرها من المدارس، ولكن في المراحل السابقة كان هناك نوع من التقدم والتفوق،

لذلك لم تجد بعض الأفرع والمسائل مجالاً كافياً للبحث والدراسة؛ ومنها مسائل الميتافيزيقا وفلسفة الأخلاق، وفلسفة الدين، لأنها كانت تنعت ويحكم عليها بأنها غير ذات معنى، ولكن باتت هذه المسائل محلا للبحث والدراسة بقوة منذ ستينات القرن الفائت.

القسم الرابع: بعض حالات سوء الفهم والتصورات الخاطئة الموجودة في إيران تجاه الفلسفة التحليلية

وبناء على جميع ما ذكرناه أودّ أن استعرض للإخوة بعض حالات سوء الفهم والتصورات الخاطئة الموجودة في إيران تجاه الفلسفة التحليلية والموقف منها:

أولا: يجب التفكيك والفصل بين عدد من المصطلحات، والانتباه إلى أنّها ليست شيئاً واحداً، وهي: الفلسفة التحليلية، فلسفة اللغة، الفلسفة اللغوية، كما يمكن إضافة: علم اللغة، هذه الأمور الأربعة متمايزة ومختلفة عن بعضها البعض.

الفلسفة التحليلية نزعة فكرية قوامها الأسلوب والمنهج، وفلسفة اللغة فرع من أفرع الفلسفة التحليلية التي تمتلك أفرعاً أخرى متعددة، أمّا الفلسفة اللغوية فهي النظرية التي تُنسب عادة إلى أتباع فيتغنشتاين المتأخر؛ فهي إذاً مدرسة فلسفية، وليست فلسفة مستقلة أو حتى فرعاً مستقلاً من فلسفة ما، أمّا علم اللغة فهو صنف مستقل من صنوف العلوم.

ثانياً: التصور المغلوط الآخر الرائج في إيران تجاه هذه الفلسفة _وهو تصور يدعو للاستغراب والعجب_ هو الاعتقاد بعدم اهتمام الفلسفة التحليلية بالميتافيزيقا، وهذا ما سمعته مراراً من أساتذة جامعة طهران، ولكنّه اعتقاد خاطئ تماماً؛ نعم لو طالعنا تاريخ هذه الفلسفة قبل عقد الستينات من القرن المنصرم نلحظ عدم اهتمام بالميتافيزيقا في بعض مراحلها،

ولكن منذ ذلك العقد وإلى اليوم يعد هذا الموضوع العلمي أحد أهم مسائل هذه الفلسفة وأكثرها أصالة، ويثير الانتباه هنا الكمّ الهائل من المقالات والدراسات والكتب التي صُنّفت في الميتافيزيقا في الفلسفة التحليلية.

ثالثاً: والنظرة المغلوطة الثالثة الرائجة في إيران تجاه الفلسفة التحليلية تتمثل في التصور أنّ فسلفة العلم تحظى بأهمية فائقة في هذه الفلسفة؛ نعم هي مهمة بلا شك؛ ولكن ليس بالمقدار المتصور في إيران، ربما يوجد لدينا اليوم في إيران في مرحلتي الدكتوراه والماجستير أربعة أو خمسة أقسام تحت مسمى “فلسفة العلم”، ولكن في الحقيقة هذا الفرع من الفلسفة التحليلية يعتبر واحداً من أفرعها غير المهمة كثيراً،

واعتقد أنّ مردّ إيلاء هذه الأهمية الكبيرة لفلسفة العلم في إيران هو أنّ الأساتذة الذين درسوا هذه الفلسفة وتبنوها في بلادنا كانوا متخصصين في فلسفة العلم، وكان لهم دراسات كثيرة فيها، وعليه تصوّر البعض أنّ فلسفة العلم فرع مهم جداً في الفلسفة التحليلية.

رابعاً: النظرة المغلوطة الرابعة الرائجة في إيران _حتى بين أساتذة الجامعات_ هي التصور بأنّ فيتغنشتاين هو خاتم الفلاسفة التحليليين، ولم يتفوق عليه أحد من أتباع هذه المدرسة، ولم يزيدوا على ما قاله، في حين أنّ الواقع ليس كذلك على الإطلاق؛ فنحن نرى الكثير من المقالات والدراسات حول هذا الفيلسوف في إيران، وهي تفوق ما كتب عن غيره، وليس الأمر كذلك في الغرب،

واليوم لا يوجد أتباع لفيتغنشتاين بذلك الشكل والمعنى، نعم بعض آرائه ما زالت حيّة ومطروحة إلى اليوم، ولكن في ظلّ عمل فلاسفة تحليليين آخرين، ومكانة كل من راسل وفريجه وكريبك في الفلسفة التحليلية هي أكبر من مكانة وأهمية فيتغنشتاين، ولكن في إيران لم يلاق هؤلاء الاهتمام الذين يستحقونه.

كما أنه راج في إيران مصطلح الفلسفة المضافة وهو ليس بالمصطلح الجيّد، أنا لا أريد أن أقول هل يحسن استخدام هذا المصطلح أم لا، ولكن على الأقل حينما نستخدمه يجب أن ننتبه إلى معناه والمقصود منه؛ فهو غير دقيق من عدّة أوجه:

عندما نتحدث حول هذا المصطلح يجب أن نعلم أنّ الفلسفة مضافة إلى أمور من المقرر أنها كانت قد تُرجمت من قبل، وطبعا هي موجودة في تراثنا الفلسفي، ولكن نحن لا نرى لها معادلا في النصوص الإنجليزية، وربما تكون الكلمة الأقرب له هي عبارة (philosophies of)، وإذا ما بحثتم عن هذ الكلمة في جوجل ستلاحظون أنّ النتائج قليلة للغاية،

لذلك يبدو أنّ هذه الكلمة هي عبارة عن مصطلح أبدعه الإيرانيون، وليس مترجما عن نصوص الغربيين، في الحقيقة أنا لم أقرأ دراسات من يقولون بوجود الفلسفة المضافة بشكل كامل، ولكن يبدو أنّه يوجد تصور بأنّه يوجد لدينا فلسفة مطلقة وفلسفة مضافة، فما هي الفلسفة المضافة؟ هل هي فلسفة الذهن واللغة وهذه الأمور؟

وما هي الفلسفة المطلقة؟

لا أعلم ما هو مرادهم من الفلسفة المضافة، وإذا كان يقصدون بالفلسفة المطلقة الميتافيزيقيا فهذه أيضا تعتبر فلسفة مضافة، فما هو الوجه في جعل فلسفة ما مضافة وغيرها غير مضاف، لا يوجد وضوح في المعيار هنا، ففلسفة اللغة كفلسفة الوجود، بل ربما يمكن القول أنّ فلسفة اللغة لها الأولوية منطقيا، فإذن لماذا ننعت أحدهما بأنها مضافة والثانية بأنها مطلقة؟

ثالثا عند استخدام مصطلح الإضافة والفلسفة المضافة كأنّه يقصد منهما الإضافة اللفظية، وإذا كان الأمر كذلك فماذا يجب علينا أن نعتبر علم المعرفة؟ فهل هي فلسفة مضافة؟

لأنّ علم المعرفة يعني فلسفة المعرفة، إذاً وفقا لهذا المنهج تكون جميع الفلسفات مضافة، فالميتافيزيقيا مثلا هي فلسفة الوجود، لذلك في الحقيقة لم أدرك سبب جعل هذا المصطلح، وما هو معياره، وعليه من الأفضل أن نستخدم المصطلحات الرائجة والمتعارفة، بأن نقول هناك فلسفة تحليلية ويتفرع عنها عدد من الفلسفات؛ نعم يوجد نوع من التقسيم وهو تقسيم مهم، وهو أنّ بعض أفرع الفلسفة التحليلية يطلق عليه اصطلاحا أنّه ينتمي إلى المرتبة الثانية أو أنّه من الدرجة الثانية، وبعضها الآخر ينتمي إلى المرتبة الأولى، ونقصد بالمرتبة الأولى تلك الأفرع الفلسفية التي تبحث موضوعا واقعيا،

فمثلا الميتافيزيقا تبحث أمرا واقعيا، وهناك أفرع فلسفية تبحث في أمور ومسائل ليست واقعية أو خارجية، بل هي من مسائل المعرفة البشرية، من قبيل فلسفة العلوم التجريبية؛ فنسميها فلسفات المرتبة الثانية أو الدرجة الثانية، ومنها فلسفة علم الاقتصاد مثلا، أمّا فلسفة الحقائق الاقتصادية فهي فلسفة من الدرجة الأولى، وهذا تصنيف هام، ولكن لا علاقة له بتقسيم الفلسفة إلى مضافة وغير مضافة.

القسم الخامس: العلاقة بين الفلسفة التحليلية وبين التراث الفكري والعقلي

هذا بحث واسع للغاية، ومن أسباب ذلك أنّه ليس لدينا نظام موحّد بحده الأدنى للفلسفة القارية، ففي الفلسفة التحليلية يمكن على الأقل أن نجمع فلاسفتها في المنهج العام، ولكن لا يمكن فعل ذلك في الفلسفة القارية، فنلجأ هنا إلى التعريف السلبي؛ فكلّ ما لا يتصف بذلك الأسلوب والمنهج المميز للفلسفة التحليلية فهو ينتمي إلى الفلسفة القارية.

وأنا أقصد هنا بالتراث العقلي الإسلامي ما يشمل الفلسفة والكلام وأصول الفقه، والعرفان النظري، أي كلّ ما يشتمل على العقل والاستدلال والبحث العلمي، وأنا أعتقد _وربما يشاطرني الإخوة اعتقادي بناء على ما سمعوه اليوم أو سابقاً حول الفلسفة التحليلية_ بأنّه يوجد أوجه شبه وتقارب كثيرة بين تراثنا العقلي وبين أصل الفلسفة التحليلية ومنهجها،

وهنا لن أتطرق إلى التفاصيل والآراء؛ وإنما أصل المنهج وأسلوب العمل، وهذا التقارب لم يأت بمحض الصدفة، وإنما كان له مسببات منها:

الجذور التاريخية المشتركة لكلّ من تراثنا الفكري العقلي والفلسفة التحليلية؛

فكلاهما يُنسبان من حيث الأصل إلى الفلسفة اليونانية؛ إذ أنّ جزءاً هاماً من تراثنا الفكري متأثر بالفلسفة اليونانية، والفلاسفة اليونانيون يعلنون صراحة أنّهم تلامذة سقراط، أي أنّ الفلاسفة التحليليين يمثّلون بحق امتداداً منطقياً للأفكار التي كانت رائجة في اليونان في قوالب الاستدلال والمنطق، فهذه اشتراكات منطقية وتاريخية ومنهجية واضحة.

ونحن في تراثنا الفكري والعقلي في الفلسفة والكلام وأصول الفقه نسعى وراء الاستدلال العقلي والتحليل، والفلاسفة التحليليون يقومون بذات العمل؛ فإذن هذا النوع من التشابه والتقارب يغدو طبيعيا للغاية،

وبناءً على وجود هذا النوع من الاشتراك يمكن القول بوجود أرضية واسعة وبكر وخصبة للدراسات المقارنة، ولتبادل الفائدة في جميع النواحي بين تراثنا وبين الفلسفة التحليلية،

وللأسف جرت في إيران الكثير من الدراسات المقارنة الضعيفة والسطحية فباتت كلمة “دراسات مقارنة” مبتذلة اليوم، ولكن إذا ما قمنا بدراسات جدّية وعميقة فالنتائج والأثار سوف تكون قيّمة جداً.

وأعتقد بوجود دراسات وأفكار مناسبة لكلا الفريقين، وربما يوجد في تراثنا الفكري مواضيع تثير اهتمام الغربيين، وبالتأكيد مثل هذه الأمور موجودة، كما يوجد الكثير من الجوانب والأمور في الفلسفة التحليلية وفي منهجها يمكنها أن تساهم في إغناء وتوسعة وتطور تراثنا الفكري وفي دراساتنا الفلسفية الحالية؛ سواء في الفلسفة أو أصول الفقه أو الكلام.

أنا دائماً أدعو الأعزاء من طلبة العلوم الدينية لأن يطالعوا عدداً من كتب المداخل والمقدمات (introduction) في الفلسفة التحليلية، وهكذا سوف يدركون ما أقوله،

نحن للأسف لم نعمل بشكل جيد في هذا الإطار، هناك طريق طويل هنا يجب قطعه، وهذه الدراسات والأعمال المقارنة لا تقتصر على أصول الفقه، وربما يكون هناك مجال أكثر للعمل في الكلام والفلسفة،

وقد تكون آثاره أكثر هناك، لأنّها علوم أكثر تأسيساً وتنظيما وبنيوية، وطبعا يمكن القيام بهذا العمل في أصول الفقه في مجالات متعددة.

 

يتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign