إذا تعارض واجبان قدّم آكدهما

والمراد بالتعارض هنا ليس هو التعارض في الاصطلاح بل هو التزاحم, وعرّف التزاحم بأنّه صدور حكمين من الشارع وتدافعهما في مقام الامتثال اتّفاقاً؛ إمّا لعدم قدرة المكلّف على الجمع بينهما, أو لقيام الدليل من الخارج على عدم إرادة الجمع بينهما.

ومفاد هذه القاعدة أنّه عند تزاحم الواجبين وعدم إمكان الجمع بينهما في مقام الامتثال, يقدّم آكدهما وأهمّهما عند الشارع في فرض عدم إمكان الجمع بينهما. وملاك الأهمّية عدّة أمور:

الأوّل: ما إذا كان أحد الواجبين كفائيّاً والآخر عينيّاً, فإنّ الواجب العيني مقدّم وأهم في نظر الشارع من الواجب الكفائي, ومثّل له بمن كان عليه دين حال لا يجوز له الخروج إلى الجهاد – إذا كان كفائيّاً – إلا بإذن الدائن.

الثاني: يقدّم ما لا بدل له على ما له بدل, فإنّ ما لا بدل له أولى بالتقديم ممّا له بدل؛ لإمكان الجمع بينهما مع تقديم ما لا بدل له, بخلاف ما لو قدّم ما له بدل فإنّه مفوّت للجمع بينهما, كما إذا دار الأمر في استعمال الماء بين إنقاذ النفس المحترمة التي يخاف أن يؤدّي بها الظمأ إلى الهلاك وبين الغسل أو الوضوء به, فإنّ الإنقاذ مقدّم على الوضوء أو الغسل؛ لأنّ الإنقاذ ليس له بدل, والوضوء والغسل لهما بدل وهو التيمّم.

الثالث: تقديم الواجب الموسّع على الواجب المضيّق؛ لأنّه بتقديم امتثال المضيّق يمكن امتثال الموسّع, بخلاف تقديم الموسّع فإنّه مفوّت لامتثال الواجب المضيّق, كما لو تزاحم الأمر بالصلاة وكانت في أول وقتها مع الأمر بإزالة النجاسة عن المسجد, فإنّ الأمر بإزالة النجاسة فوري بخلاف الأمر بالصلاة فإنّه موسّع, فتكون الإزالة مقدّمة على الصلاة.

الرابع: تقديم الواجب المعيّن على الواجب المخيّر عند تزاحمهما, كتقديم الوفاء بالنذر على الكفّارة.

الخامس: تقديم الواجب المشروط بالقدرة العقليّة على المشروط بالقدرة الشرعيّة؛ لأنّ القدرة العقليّة شرائطها أضيق من شرائط القدرة الشرعيّة, فيقدّم الأمر بالوفاء بالدين على الأمر بالحج؛ لأنّ الحج مشروط بالقدرة الشرعية, بخلاف أداء الدين فإنّه مشروط بالمكنة والقدرة العقليّة.

السادس: تقديم ما كان حقّاً لغيره على ما كان حقّاً لنفسه، فلو دار الأمر بالنسبة إلى الزوجة بين قضاء الصوم مع اتّساع الوقت أو الذهاب إلى الحج الندبي وبين حقّ الزوج قدّم حقّ الزوج على ما ذكر.

السابع: تقديم الواجب الذي يعدّ أهم في نظر الشارع من غيره, فلو دار الأمر بين حفظ النفس أو العرض وبين واجب آخر, فإنّ حفظ النفس والعرض أهم في نظر الشارع من غيره.

(القواعد والفوائد 1: 189, القواعد العامة في الفقه المقارن: 135, المنثور في القواعد 1: 207, اُصول الفقه للمظفر 3 – 4: 220)