الاجتهاد: يقول حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد حسيني طه (كاهاني) (ره) في مقدمة كتاب “دروس البيع” وهو تقرير البحث الخارج في الفقه الذي ألقى سماحة المرجع الديني آية الله الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله) في المسجد الأعظم بقم المقدسة
أن لشيخنا الأستاذ (دام ظله) تعاليق على منهاج الصالحين الذي هو رسالة عملية لأستاذه المحقق السيد الخوئي أعلى الله مقامه، وقد وصل عدد هذه التعاليق إلى رقم (١٢٧٦) تعليقة إما بالاحتياط أو بالفتوى وعمدتها في باب المعاملات، ومنشأ الاختلاف هو الاختلاف في المبنى رجالاً وأُصولاً وفقهاً.
وكان شيخنا الأستاذ الوحيد الخراساني (حفظه الله) من أكابر تلامذة المحقق السيد الخوئي “أعلى الله مقامه” وكان يقول في مجلس الدرس إني كنت مصاحباً للسيد الخوئي “قدس سره” مدة (۲۳) سنة.
فنشير إلى بعض تلك المباني.
أما اختلاف المباني في الرجال:
١- يرى السيد الخوئي أنّ إكثار الكليني في الكافي لا يدل على المدح ولا على الوثاقة خلافاً لشيخنا الأُستاذ فإنه جعله علامة للتوثيق.
٢ – ويقول السيد الخوئي إنّ وقوع شخص في مستثنى نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيي العمران الأشعري لا يدل على التضعيف، كما أنّ وقوعه في المستثنى منه لا يدل على التوثيق خلافاً لشيخنا الأُستاذ حيث فصل بين المستثنى فلا يدل على التضعيف، والمستثنى منه فيدل على التوثيق…
٣ – وذهب السيد الخوئي إلى وثاقة مشايخ جعفر بن قولويه بلا واسطة في كامل الزيارات (على مبناه الأخير) ووثاقة جميع أسانيد علي بن إبراهيم في التفسير ووثاقة مشايخ النجاشي بلا واسطة، خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه وافقه بالنسبة إلى كامل الزيارات والتفسير وخالفه بالنسبة إلى مشايخ النجاشي. هذا ما تلقيناه في المباحث الأصولية والفقهية؛ ولكنه عدل أخيراً إلى وثاقة مشايخ النجاشي على ما نقله الأخ الجليل الشيخ محسن الوحيد.
4- وجاء عن السيد الخوئي أن ما ذكره الشيخ الطوسي في عدة الأصول من أنه (1) سَوَّتَ الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لايروون ولا يرسلون إلا عمن (2) يوثق به فإنه مستند إلى اجماع الكشي ومتخذ منه، وليس إجماعاً مستقلاً فلا يدل على توثيق مروي عنه هؤلاء، خلافاً لشيخنا الأستاذ حيث ذهب إلى أنه إجماع على حدة فيدل على توثيق مروي عنه هؤلاء.
5- وعن السيد الخوئي أن ترضّي الصدوق لا يدل على المدح فكيف على الجلالة؟ خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب إلى أنّ الترضي في كلام الصدوق في مقابل الترحم يدل على الجلالة.
٦ – وعنه أيضاً أن شهادات العلّامة الحلي في الجرح والتعديل حدسية وذلك لوجهين،
أولاً بالقطع بذلك الحدس، فإن السلسلة قد انقطعت بعد الشيخ الطوسي
وثانياً: باستناده إلى أصالة العدالة في مواضع من رجاله، خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب إلى أن شهاداته حسية لبسط يده على الكتب الرجالية القديمة؛ ولذلك انه نقل الجرح والتعديل من رجال ابن عقدة ومن رجال العقيقي وهما ليسا بأيدينا.
وأما استناد العلّامة إلى أصالة العدالة في رجاله فهو ممنوع؛ لأنه المؤسس لملكة العدالة وما استظهر من كلماته على أصالة العدالة في غير محله.
إلا أن شيخنا الأستاذ يفصل بين توثيقاته وتضعيفاته بحمل التوثيقات على الحس دون التضعيفات.
وأما اختلاف المباني في الأصول:
فنشير إلى اختلاف بعض المباني الأصولية بين السيد الخوئي وشيخنا الأستاذ:
ا – أن السيد الخوئي يرى أنّ الوضع عبارة عن التعهد بأنه كلما قصد تفهيم معنى يبرزه بهذا اللفظ، فتكون الدلالة في الوضع دلالة تصديقية لا تصورية، وأن كل مستعمل واضع خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب إلى أنّ الوضع عبارة عن جعل اللفظ علامة لمعناه، وأما التعهد والإرادة والتصور فهي من المقارنات لا الدخيلة في المفهوم وذلك بالنص والارتكاز واللغة وأما النص: فعن علي بن فضال عن الرضا “عليه السلام”….. فقلت : وما السمة ؟ قال: العلامة (3).
وأما اللغة ففي لسان العرب: الاسم علامة، وعن القاموس الألفاظ علامة للمعاني.
٢ – أن السيد الخوئي – في المعني الحرفي – يرى أن الحروف عبارة عن إيجاد التضييق في المعاني الاسمية وقد تكون ملحوظة بلحاظ استقلالي كما إذا كان المحمول والموضوع معلومين وكانت النسبة بينهما مجهولة فيخبر عن النسبة، خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذكر أن الحروف موضوعة لواقع النسبة والتضييق من لوازمها لا نفس معناها وأنّ الحروف ملحوظة بلحاظ آلي دائماً.
3- وعن السيد الخوئي أن السبب الوحيد لمعرفة الحقيقة في الوضع غالباً هو الاطراد، فإن تصريح الواضع نادر والتبادر لا بد أن يستند إلى العلم بالوضع، إما من جهة تصريح الواضع أو من جهة الاراد، والأول نادر فهو لا محالة مستند إلى الثاني، خلافاً لشيخنا الأُستاذ فإنه خص السبب الوحيد في علامة الحقيقة بالتبادر وتنصيص الواضع ، وأما الاطراد فليس بعلامة؛ إذ يمكن أن يكون مستنداً إلى المجاز المشهور.
4- وعن السيد الخوئي أيضاً أن حقيقة الصلاة شرعاً عبارة عن الطهور والركوع والسجود مستنداً إلى صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع)(4) قال: الصلاة ثلاثة أثلاث، ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود. وعليه لا تجب الصلاة لفاقد الطهورين؛ إذ لا تشمله قاعدة الصلاة لا تسقط بحال لانتفاء الصلاة موضوعاً خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب إلى أن صحيح الحلبي معارض بصحيح زرارة عن أبي جعفر قال: «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة» فإنه يدل على كون الطهور خارجاً عن حقيقة الصلاة.
5 – وعنه أيضاً أنّ صيغة الأمر تدل على الوجوب بحكم العقل خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب إلى عدم دلالتها على الوجوب لا وضعاً ولا إطلاقاً ولا عقلاً وإنما يستفاد ذلك بالنص المعتبر كصحيحي زرارة ومحمد بن مسلم أنهما قالا: قلنا لأبي جعفر: ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي وكم هي؟
قال: إن الله عز وجل يقول إذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُ وا مِنَ الصَّلَاةِ) فصار التقصير في السفر واجباً كوجوب التمام في الحضر، قالا: قلنا: إنما قال الله عزّ وجل (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ) ولم يقل: افعلوا فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟ فإن فهم زرارة ومحمد بن مسلم يكشف عن دلالة صيغة افعل على الوجوب.
قلت لشيخنا الأستاذ ما هو المنشأ لفهمهما الوجوب؟ إذ لا بد من منشأ لذلك؟ أجابني أن المنشأ هو الإطلاق المقامي.
٦ – وجاء عن السيد الخوئي أنّ الأمر بالصلاة وغيرها من المركبات الشرعية ينحل إلى الأوامر الضمنية المولوية النفسية، وبهذا المبنى حل إشكال استحالة أخذ قصد الأمر في المأمور به في التعبدي والتوصلي.
وأيضاً ذهب في الأقل والأكثر إلى تعلق الأمر بالأقل من الاجزاء هل هو بنحو الاطلاق بالنسبة الى الجزء المشكوك أو بنحو الاشتراط فيتعارض الاستصحابان وتجري البراءة عن الاشتراط بلا معارض، خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب إلى عدم الانحلال وأنكر الأوامر الضمنية وذهب إلى استحالة أخذ قصد الأمر في متعلق الأمر وذهب إلى البراءة في الأقل والأكثر بوجه آخر.
7- وجاء عنه أيضاً أن الوصف في باب المفاهيم ليس له مفهوم اصطلاحي وهو نفي سنخ الحكم عن سائر الحصص؛ ولكن له مفهوم بمعنى نفي سنخ الحكم عن الطبيعة؛ ولذلك ذهب في المطلق والمقيد المثبتين إلى أن المطلق يحمل فيهما على المقيد؛ لأنّ الأصل في القيد هو الاحتراز فينفى به سنخ الحكم عن الطبيعة، خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه وإن وافقه في الدورات السابقة من الأصول لكنه خالفه في الدورة الأخيرة وذهب إلى أن احترازية القيد حدها نفي الحكم الشخصي لا السنخي.
8- وتبنى السيد الخوئي أن الجمع المحلى بأل كأكرم العلماء عام وضعي يدل على العموم بالوضع؛ لأنّ اللام للتعريف والتعيين من جميع الجهات ولا ينطبق إلا على العام الاستغراقي، خلافاً لشيخنا الأُستاذ فإنه ذهب إلى دلالته بالاطلاق ومقدمات الحكمة؛ لأنّ المقدار اللازم في التعريف أن يكون اللام دالاً على أصل التعيين في مقابل التزيين، أما كونه للتعيين من جميع الجهات فلا دليل عليه وتبادر العموم الوضعي ممنوع.
٩ – ويرى السيد الخوئي أن كتاب الله إنما يصدق على موارد النص الكتابي والعموم الوضعي، وأما العموم الاطلاقي في القرآن فحيث إنه ثبت بحكم العقل لا يعد من كتاب الله ولا من كلام الله، فكل خبر خالف إطلاق كتاب الله لا يصدق عليه أنه مخالف لكتاب الله ولا يشمله قوله”عليه السلام”: «ما خالف کتاب الله زخرف، لم نقله”
خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب إلى صدق كتاب الله وكلامه على مطلقات الكتاب أيضاً فإن حكم العقل بمنزلة القرينة فيوجب الظهور الاستعمالي واستناده إلى الله تعالى.
١٠ – ويرى أيضاً أن خبر الثقة حجة وإن حصل الظن بخلافه وكذلك الظواهر، خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه خص حجيتهما بما إذا لم يحصل الظن بخلافهما لعدم السيرة على ذلك ولا أقل من الشك.
١١ ـ وذهب السيد الخوئي إلى أنّ استصحاب عدم جعل الوجوب أو الحرمة يجري في موارد الشبهة البدوية ويقدم على أدلة البراءة بنحو الحكومة، خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب إلى عدم جريان الاستصحاب في الشبهات البدوية؛ إذ يلزم من جريانه حمل أخبار البراءة على النادر.
١٢- وذهب أيضاً إلى أن دليل حجية الخبر هي السيرة العقلائية والسيرة قامت على العمل بالخبر الموثوق الصدور وبالخبر الموثق وبالخبر الحسن أي ما إذا كان المخبر ممدوحاً، خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب إلى عدم حجية خبر الممدوح.
١٣ – وعن السيد الخوئي أنّ عمل المشهور لا يكون جابراً لضعف السند ولا إعراضهم موهناً للسند المعتبر، خلافاً لشيخنا الأُستاذ فإنه ذهب إلى أن عمل االمشهور ليس جابراً؛ لكن إعراضهم يكون موهناً.
١٤- ويرى أن الاجماع المحصل ليس بحجة كبروياً فضلاً عن المنقول، فإنّ الاجماع إذا لم يكن له مستند عندنا فإنه مع ذلك لا يكشف عن رأي المعصوم إذ غايته أنه يكشف عن الحجة في عصر المعصوم فكما يحتمل أن يكون الحجة عندهم رأي المعصوم يحتمل أن يكون المستند خبراً صحيح السند وصريح الدلالة، وقد خفي علينا، ولعله لو وصل إلينا لوجدنا له معارضاً، واحتمال المعارض كاف في عدم الحجية، خلافاً لشيخنا الأُستاذ فإنه ذهب إلى أن مثل هذا الاجماع لا محالة يكشف عن رأي المعصوم إذ من المجمعين الكليني والصدوق والشيخ وابن ادريس والعلامة والشهيدين وأمثالهم، ولو كان مستند في البين لوصل الينا.
١٥- ويرى أيضاً أنّ الاستصحاب حجة من باب الأمارة إلّا أنه فرش الأمارات وعرش الأصول العملية خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب إلى أنه من الأصول العملية المحرزة.
١٦ـ وقال السيد الخوئي إنّ استصحاب المجعول في الاحكام الكلية الالزامية التي لها حالة سابقة ما زال معارض باستصحاب عدم الجعل خلافاً لشيخنا الأُستاذ فإنه ذهب الى عدم المعارضة.
١٧- وقال أيضاً إنّ جريان استصحاب العدم الأزلي يجري في الذوات وعوارض الماهية ولا يختص بأوصاف الوجود، خلافاً لشيخنا الأُستاذ فإنه خصه بأوصاف الوجود كاستصحاب عدم القرشية مثلاً.
١٨- وعلمنا أن السيد الخوئي يقول إنّ مقتضى الأصل الأولي في تعارض الخبرين هو التساقط وعدم تمامية أخبار التخيير إما سنداً أو دلالة، خلافاً لشيخنا الأُستاذ فإنه ذهب إلى أنّ الأصل الأولي وإن كان هو التساقط إلا أنه قد ثبت التخيير بأخبار التخيير فيما إذا لم يكن مرجح في البين كموثقة سماعة قال: « يرجئه حتى يلقى إمامه فهو في سعة حتى يلقاه (5) .
١٩ – وأخيراً فإنّ السيد الخوئي يرى أنّ المرجح لأحد الخبرين المتعارضين يختص بموافقة الكتاب ثم مخالفة العامة مستنداً إلى رواية القطب الراوندي، خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب الى أن المرجح هي الشهرة الروائية ثم موافقة الكتاب ثم مخالفة العامة ثم مخالفة ما فيه قضاتهم أميل مستنداً إلى مقبولة عمر بن حنظلة، فإن المحقق الأردبيلي والشهيد الثاني وصاحب مفتاح الكرامة قد ادعوا الإجماع على العمل بالمقبولة، مضافاً إلى أن صفوان بن يحيى روى عن عمر بن حنظلة وهو ممن لا يروى ولا يرسل إلا عمن يوثق به على ما شهد به الشيخ الطوسي في عدة الأصول.
وأما اختلاف المباني في الفقه:
ونقتصر بتناسب موضوع التقرير بمباحث المعاملات ونشير إلى بعض اختلافات المباني بين السيد الخوئي وشيخنا الأُستاذ منضماً إلى بعض المباني في الاجتهاد والتقليد.
١ – يرى السيد الخوئي (6) أنه إذا مات المجتهد الذي قلده الصـبي قبل بلوغه جاز له البقاء على تقليده، خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب إلى جواز عمل الصبي بفتوى الميت إذا أدركه مميزاً و إن لم يقلده؛ لعموم أدلة حجية رأي المجتهد الشاملة للتقليد الابتدائي والبقائي، وإنما خرج التقليد الابتدائي عن الميت بدليل لبي (الاجماع والضرورة) والقدر المتيقن منه غير الصبي المميز المدرك.
۲ – ويرى السيد الخوئي (7) أيضاً أنه إذا قلد مجتهداً فمات فإن كان أعلم من الحي وجب البقاء على تقليده فيما إذا كان ذاكراً لما تعلمه من المسائل، خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب إلى أنه وجب عليه البقاء مطلقاً، عمل أم لم يعمل، تعلم أم لم يتعلم التزم أم لم يلتزم ، وليس المدار على عنوان التقليد إذ لم يقم دليل معتبر على اعتبار هذا العنوان، بل المدار على إداركه حياً وحجية رأيه عليه.
٣ ـ وذهب السيد الخوئي (8) إلى أنّ عدالة المرجع في التقليد واجتهاده وأعلميته تثبت بخبر الثقة، خلافاً لشيخنا الأُستاذ فإنه ذهب إلى أنها تثبت به إذا لم يكن ظن على خلافه لعدم السيرة في الفرض ولا أقل من الشك.
٤ـ وذهب السيد الخوئي أيضاً إلى أن المحرّم هو التعاون على الإثم لا الإعانة على الإثم، والتعاون من باب التفاعل يقتضي صدور الماده من الطرفين خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه وإن وافقه في منهاج الصالحين؛ ولكنه ذهب في مجلس الدرس إلى حرمة الإعانة على الاثم؛ لأن التعاون كما عن أهل اللغة عبارة عن إعانة بعضهم على بعض ، وهو صادق على الاعانة على الاثم. مضافا إلى فحوى أدلة النهي عن المنكر فإنّ الناهي عن المنكر غرضه عدم تحقق المنهي فكيف يجوز الاعانة عليه ؟
5- وجاء عن السيد الخوئي أنه ذهب إلى عدم مالكية الدولة فالمال المأخوذ من الشركة الحكومية من المجهول المالك فيحتاج الى الاستيذان من الحاكم الشرعي خلافاً لشيخنا الأُستاذ فإنه ذهب إلى مالكية الدولة.
وللمعظم له تقريب خاص في مالكية الدولة موكول إلى محله.
قلت لشيخنا الأستاذ ما الدليل على مالكية الدولة؟
أجابني بأن ما استدل به على مالكية الدولة وإن كان كل واحد بنفسه قابلاً للمناقشة إلّا أنّ الجميع يوجب الاطمينان بمالكية الدولة، والأحوط استحباباً الاستيذان من الحاكم الشرعي أو وكيله إذا كانت الشركة حكومية.
٦- وجاء عن السيد الخوئي أيضاً أنه لا بد من التمييز بين العوضين في باب البيع، فإذا كان أحد العوضين متاعاً والآخر نقداً فهو بيع، سواء كان غرضهما تحصيل الربح أو رفع الحاجة أو مختلفين، وأما إذا كان العوضان متاعاً كمبادلة كتاب بكتاب وكان الغرض لكلا المتعاملين أمراً واحداً كتحصيل الربح أو رفع الحاجة لم يكن هذا بيعاً جزماً، بل هي معاملة مستقلة تشمله قوله تعالى إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةٌ عَنْ تَرَاضٍ، خلافاً لشيخنا الأُستاذ فإنه ذهب إلى أن امتياز العوضين في البيع إنما هو بإنشاء المعوض وإنشاء العوض وإن كان غرض البايع رفع الحاجة وغرض المشتري حفظ المالية.
نعم، إذا كان المنشأ هو المبادلة من دون اختصاص أحدهما بالمعوضية والآخر بالعوضية تكون المعاملة مستقلة.
7- وعن السيد الخوئي أن قوله تعالى أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ مطلق يشمل البيع العقلائي وكذلك البيع السفهائي فيكون الاطلاق إمضائياً بالنسبة إلى البيع العقلائي، وتأسيسياً بالنسبة إلى البيع السفهائي، وإنما يبطل بيع السفيه بالنص، خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب إلى اختصاص الإطلاق بالبيع العقلائي؛ لأنّ الآية في مقام الامضاء ومع ا احتفافه بهذه القرينة المقامية لا ينعقد إطلاق بالنسبة إلى البيوع السفهائية فتبطل البيوع السفهائية أيضاً كبيع السفيه.
8- وعن السيد الخوئي أيضاً أن قوله تعالى أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ بصدد البيان فهو مطلق، بل لوشككنا في ذلك كانت اصالة البيان محكمة، خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب إلى أن سوق الآية بصدد بيان أصل التشريع فلا موضوع للاطلاق ولا لأصالة البيان، وإنما يلتزم بإطلاق الآية لأجل استدلال الامام بالآية لتصحيح بيع المضطر في النص المعتبر عن عمر بن يزيد (9).
والاستدلال يكشف عن دلالة الآية وكونها بصدد البيان لا أصل التشريع وإلا لما كان وجه للاستدلال.
٩ – وتبنى السيد الخوئي أن قوله تعالى (أَحَلَ اللهُ الْبَيْعَ) أعم من الحكم الوضعي والتكليفي لأن مادة الحل بمعنى الإطلاق والارسال (يقال بالفارسية: رهایی) وهـو جـامـع قابل للوضعي والتكليفي، وكذلك لفظ التحريم فإنه بمعنى المنع والحجر فيعم الوضعي والتكليفي، خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه أنكر إطلاق لفظ (الحل) على الحلية الوضعية في العرف واللغة والروايات، بل هو مجرد اصطلاح الفقهاء وخص الحل بالتكليفي وإن كانت حلية جميع التصرفات بحكم الاطلاق تلازم الحلية الوضعية.
١٠ – وذهب السيد الخوئي إلى أنّ من الادلة العامة على صحة البيع وغيره من المعاوضات آية التجارة عن تراض (10) لأنّ التجارة عبارة عن كل معاملة مشروطة بالقبول، خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب إلى اختصاص التجارة بالبيع والشراء (خريد وفروش) فإنه المتفاهم من العرف واللغة.
١١- وعن السيد الخوئي أن الاستثناء في قوله تعالى (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةٌ عَنْ تراض) استثناء متصل والمستثنى منه (بسبب من الاسباب) محذوف بقرينة الباء السببية في كلمة (بالباطل) أي لا تتملكوا بسبب من الأسباب فإنه باطل إلا أن يكون ذلك السبب تجارة عن تراض، خلافاً لشيخنا الأُستاذ فإنه ذهب إلى أن الاستثناء منقطع والمستثنى منه نفس (بالباطل) إذ الاتصال مستلزم للتكلف، واستثناء المنقطع أمر شائع والآية في مقام حصر أسباب المعاملة في الحق والباطل.
١٢- وجاء عن السيد الخوئي أنّ العقود في قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قد فسرت في صحيحة عبد الله بن سنان بالعهود (عن أبي عبد الله قال: (أَوْنُوا بِالْعُقُودِ) أي أوفوا بالعهود (11). فيكون أوفوا حكماً وضعياً إرشاداً إلى اللزوم في باب المعاوضات وحكماً تكليفياً أي وجوب الوفاء في العهد واليمين والقسم ، ولا محذور أن يكون إنشاء واحد تكليفياً وإرشادياً فيما إذا كان كلاهما مولوياً، وإنما يستحيل ذلك فيما إذا كان أحدهما مولوياً والآخر ارشاداً إلى حكم العقل، فلا يعقل أن يكون إنشاء واحد بداعي الانشاء مصداقاً للانشاء وبداعي الحكاية مصداقاً للخبر، خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب إلى الاستحالة حتى فيما إذا كان كلاهما مولوياً إذ لا يعقل أن يكون إنشاء واحد مصداقاً لداعيين.
۱۳- ويرى السيد الخوئي أن حديث رفع القلم عن ثلاثة (12) عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ، ضعيف سنداً بعدة مجاهيل، بل المستند في رفع القلم عن الصبي مفهوم موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله (13).
خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب إلى أنّ حديث رفع القلم عن ثلاثة تام سنداً لدعوى المفيد في الارشاد (14) بأنه روت العامة والخاصة رفع القلم عن ثلاثة ، وعن ابن ادريس المجمع عليه رفع القلم عن ثلاثة .
١٤- وجاء عن السيد الخوئي أن بيع الفضول مال الغير مقارناً للرضا النفساني غير المبرز من المالك لا يخرجه عن الفضولي، بل المخرج هو الرضا المبرز، سواء كان مقارناً أو لاحقاً، خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب تبعاً للشيخ الأعظم الانصاري إلى خروجه عن الفضولية بالرضا النفساني المقارن لقوله تعالى تِجَارَةٌ عَنْ تَرَاضٍ، وبالنص المعتبر.
١٥ – وجاء عنه أيضاً أنه ورد النص على حرمة خصوص مال المسلم ودمه لصحيحة زيد الشحام وموثقة سماعة عن أبي عبد الله في حديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فإنه لا يحل دم إمرئ مسلم ولا ماله إلّا بطيبة نفس منه ، ويلحق به الذمي، واما من لم يكن مسلماً ولا ذمياً فلا حرمة لدمه ولا ماله، فالحربي هو الكافر الذي لم يكن ذمياً أو معاهداً.
خلافا لشيخنا الأُستاذ فإنه ذهب إلى حرمة مال الغير سواء كان مسلماً أو كافراً وإنما خرج منه الكافر الحربي بالفعل لما رواه الصدوق في كمال الدين (15) بالنص المعتبر فإن ترضى الصدوق لمشايخه كاف في جلالتهم.
١٦ـ وذهب السيد الخوئي إلى أنه إذا لم يعلم أن شخصاً ذمي أو حربي فإنه لا حرمة لدمه ولا ماله؛ لأن الأصل عدم كونه ذمياً، فيندرج في الحربي فإن الحربي أمر عدمي، خلافاً لشيخنا الأُستاذ فإنه ذهب إلى حرمة ماله ودمه؛ لأنّ الحربي أمر وجودي خرج بالتخصيص فالأصل عدم كونه حربياً.
١٧- وقال السيد الخوئي إنّ فسخ ذي الخيار كاشف عن انتهاء أمد الملكية بالفسخ وليس برافع لها؛ إذ لا يعقل إنشاء ملكيته بالنسبة إلى ما بعد الفسخ؛ لأنّ الاهمال محال وإطلاق التمليك حتى بالنسبة إلى ما بعد الفسخ محال فيحدد إنشاءه التمليك إلى قوله فسخت. خلافاً لشخينا الأُستاذ فإنه ذهب إلى كون الفسخ رافعاً لا كونه كاشفاً عن انتهاء أمد الملكية بالفسخ.
۱۸- ويرى السيد الخوئي أنّ القاضي المنصوب عن الائمة لا دليل عليه إلّا مقبولة عمر بن حنظلة و وهي ضعيفة سنداً بعمر بن حنظلة، وإن كانت تامة دلالة، وإنما يثبت القاضي المنصوب من باب الأمور الحسبية التي لا بد منها فيستكشف رضى المعصوم منها، فالقدر المتيقن أن يكون القاضي المنصوب أعلم من في بلده.
خلافاً لشيخنا الأستاذ فإنه ذهب إلى تمامية المقبولة سنداً ودلالة، فالقاضي منصوب من قبل المعصومين بالدليل اللفظي(16): «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مِمَّنْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنَا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا … فإني جعلته عليكم حاكما. فلا يعتبر أن يكون أعلم من في بلده.
الهوامش
(1) العدة في أُصول الفقه ١: ١٥٤، فصل ٥ « في ذكر القرائن التي تدل على صحة أخبار الآحاد أو على بطلانها.
(۲) في الأصل: ممن.
(3) تفسير البرهان ١: ٢٤ ، ح7.
(4) الوسائل، الباب ٩ من أبواب الركوع، الحديث ١.
(5) الكافي، الباب ١ من أبواب اختلاف الحديث 7 .
(6) منهاج الصالحين ١: ١٠ ، مسألة ٥.
(7) منهاج الصالحين ١: ١٠، مسألة 7.
(8) منهاج الصالحين ۱: ۱۳، مسألة ٢٠.
(9) وسائل الشيعة ١٧ ٤٤٧ ، الباب ٤٠ من أبواب التجارة، الحديث ١.
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الرِّبْحَ عَلَى الْمُضْطَرِ حَرَامٌ وهُوَ مِنَ الرِّبَا؟ قَالَ: وَهَلْ رَأَيْتَ أَحَداً يَشْتَرِي غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً إِلَّا مِنْ ضَرُورَةِ يَا عُمَرُ قَدْ أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبَا فَارْبَحْ وَلَا تُرْبِهُ قُلْتُ: وَمَا الرِّبَا؟ قَالَ دَرَاهِمْ بِدَرَاهِمَ مِثْلَيْنِ بِمِثْلٍ.
(10) سورة النساء: الآية ٢٩.
(11) تفسير القمي ١: ١٦٠: فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ قَالَ: بِالْعُهُودِ.
(12) الوسائل الباب ٤ من أبواب المقدمات العبادات، الحديث ١١ .
(13) الوسائل: الباب ٤ من أبواب المقدمات العبادات، الحديث ١٢.
(14) الارشاد ۱: ۲۰۲ .
(15) كمال الدين وتمام النعمة ٥٢٠:٢ ، ح٤٩: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّقَّاقُ وَالْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ هِشَامِ الْمُؤَدِّبُ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَرَاقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ الْأَسَدِيُّ قَالَ: كَانَ فِيمَا وَرَدَ عَلَيَّ مِنَ الشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فِي جَوَابِ مَسَائِلِي إِلَى صَاحِبِ الزَّمَانِ * أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنَ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِندَ غُرُوبِهَا… فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
(16) وسائل الشيعة ١: ٣٤ ، ح ۲ باب ثبوت الكفر والارتداد بجحود بعض الضروريات . وسائل الشيعة ٢٧: ۱۳۷، ح ۱۱ باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث من الشيعة.
المصدر: مقدمة كتاب “دروس البيع“