إذا تعذّرت الحقيقة فأقرب المجازات أولى

الأصل في الكلام الحقيقة، لكن إذا تعذّر حمل الكلام على الحقيقة، يجب حمله على معناه المجازي؛ لأنّ المجاز فرع الحقيقة, طبقاً لقاعدة: (إذا تعذّرت الحقيقة يصار إلى المجاز)، وإذا تعيّن المصير إلى المجاز بعد تعذّر حمل الكلام على الحقيقة، وكان المعنى المجازي متعدّداً، لا بدّ عقلاً من الأخذ بأقرب المجازات إلى الحقيقة، وهذا هو معنى ومفاد قاعدة: (إذا تعذّرت الحقيقة فأقرب المجازات أولى).

مثال ذلك: الأحاديث المصدّرة بـ  النافية للجنس, مثل: قولة  صلي الله عليه واله : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب , وقوله صلي الله عليه واله: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، وقوله صلي الله عليه واله: لا صلاة إلا بطهور, وقوله صلي الله عليه واله: لا نكاح إلا بوليّ , وقوله صلي الله عليه واله: لا صيام لمن لم يبيّت الصيام, وقوله صلي الله عليه واله: لا يمين لولد مع والده ولا لزوجة مع زوجها ولا لمملوك مع سيّده . وغير ذلك من الأحاديث الظاهرة في نفي الماهية, وحيث إنّ نفي الحقيقة -أي الماهية- غير مراد قطعاً؛ لتحقّق تلك الاُمور خارجاً, فلا بدّ من الانتقال إلى المعنى المجازي طبقاً لقاعدة: (إذا تعذّرت الحقيقة يصار إلى المجاز).

لكن مع تعدّد المعنى المجازي لا بدّ من تعيين أحدها حتّى يحمل اللفظ عليه, ويجب اختيار أقربها إلى المعنى الحقيقي طبقاً لقاعدة: (إذا تعذّرت الحقيقة فأقرب المجاز أولى), وفي المقام إذا دار الأمر بين الحمل على المجاز, وهو نفي الصحّة أو الكمال ونحوهما, أو إهمال الكلام بالمرّة؛ لكون ظاهره غير مرادٍ عقلاً, فلا بدّ من حمله على المجاز، لكنّ المجاز هنا يحتمل وجوهاً عدّة مثل نفي الصحّة والفساد أو نفي الثواب أو الكراهية أو نفي الكمال، وذكروا أنّ نفي الصحّة أقرب المجازات إلى الحقيقة من غيرها من المعاني المجازية؛ لكون نفي الصحّة نفي لجميع الآثار, بخلاف نفي الكمال أو الحمل على الكراهية, فإنّه لا ينفي إلا بعض الآثار, ونفي جميع الآثار أقرب إلى المعنى الحقيقي, وهو نفي الحقيقة.

(البحر المحيط 2: 232، تمهيد القواعد: 96, أنيس المجتهدين 1: 66)