خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / 44 حوار خاص / سويدان: الحوزة الشيعية تنبض بالحياة والتجدد / هناك أناس يريدون أن يبقوا في الماضي (2)
حسان-سويدان

سويدان: الحوزة الشيعية تنبض بالحياة والتجدد / هناك أناس يريدون أن يبقوا في الماضي (2)

خاص الاجتهاد: سماحة الشيخ سويدان أنتم مع التجديد ولكن التجديد الذي له جزور حوزوية فقهية من المتخصصين الذين قد ترعرعت عظامهم في الحوزة العلمية.

هذا التجديد موجود خلفاً عن سلف، موجود في الحوزة، هذا التجديد الذي تقولون هل يقود الحياة؟ هل يستطيع أن يجيب متطلبات الأسئلة الجديدة؟ كإشكالية للمجددين قلتم أن هؤلاء عظامهم طریّة، هؤلاء الدكاترة درسوا في الحوزة قلیلاً.

ولكن المجددین لا ینحصرون بالأمثلة التي مثّلتم بها. هناك من المجددین من ترعرعت عنده درجات إجتهاد في الحوزة، والحال ان الحوزة العلمیة ترفضهم؟ حتى في درجات المراجع، كان مرجعاً و له مقلدون، أفتی بفتوى، خلع من المرجعية! موجود هنا عندكم في لبنان.

الآن صار هجمة على بعض السادة الموجودین فی إیران لبعض المقاطع من بحوثه الخارج. أساساً أحد الأشياء التي حفّزت وحرّكت بعض الفقهاء للتجديد، عدم اجابة الاجتهاد المألوف لمتطلبات العصر. ولیس المراد بالتجدید، التجديد الذي قلتم به، أي مثل التجدید في فتوی نجاسة ماء البئر من العلامة الحلي وباقی الامثلة. بل مثل التجديد فی الجزور و التجديد فی المسائل و… .

یقولون ان الاجتهاد الفقهي لا يستطيع أن يجيب لمتطلبات العصر. الدنيا تمشي بسرعة النور ونحن نمشي بسرعة السلحفاة. لا نجيب للاسألة. فقط ساکتون و ننظر. نأخذ بأصالة الأحتياط و أصالة البراءة وبباقي أصول العملية. كيف تستطیعون أن تأتوا بالنظام الإقتصادي؟ كيف تستطیعون أن تأتوا بنظام إجتماعي و النظام سياسي؟

الجواب: الشيخ حسان سويدان: اولاً، دعني أعترف في البداية أن حركة التجديد الفقهي في مدرستنا كانت تمارس بشكل خجول، يعني أنا أوافق على إشكالياتكم أو الإشكالية التي تمثلونها في الحوار وأعتقد وأعترف أيضاً أنه بعد تأسيس الدولة الإسلامية في إيران عشنا تحدّي كبير، إذ انفتحت علينا الأبواب من الباب الواسع كما يقال، صرنا مطالبين بأن ندير البنوك بأسلوب حديث وبفقهنا القديم، وصرنا مضطرين أن ندير المستشفيات بأسلوب الحديث بفقهنا القديم، فعشنا تحدي كبير.

تسألني: هل الحوزة واكبت هذه التجربة في الدولة بدرجة موازية لحاجاتها؟ أنا أعترف وأجيبك أنه لا تزال المواكبة والإستجابة خجولة، يعني مازالت حوزتنا إلى الآن لم تقدم البرامج الكافية والشافية في المسائل الطبية ولا في المسائل الإقتصادية ولا في البنوك، ولا في أحكام السجون إلى ما هنالك.

يعنى الآن نصف المساجين في الجمهورية الإسلامية لعلهم يسجنون لأجل تأخير الشيك، مع أنه ليس من موارد الحبس في الفقه الشيعي ولا في الفقه الإسلامي مثلا، والمشكلة الأساسية هي مشكلة الحوزة التي لم تواكب، لكن ما البديل على هذا؟

عدم مواکبة الحوزة للمتطلبات لا یوجب الرجوع الی التجدید العشوائي:

أنا أقول هل البديل تجديد ضمن الأصول والمناهج أم تجديد إنفلاشي و تجديد عشوائي؟ إذا كنا واقعا نريد أن نبقى على إلتزامنا الديني وعقيدتنا الدينية وفقهنا الديني، لا محالة علينا أن نجدد من ضمن هذه الأصول إذا خرجنا على هذه الأصول وإستخرجنا أصول جئنا بها من عندنا، ونطقنا عن الهوى أو ما نستحسنه أو إلى آخره، وخرجنا على الأصول قد يكون الفتاوى التجديدية أعظم وأكثر وأحسن في المواكبة. لكن هل هذه (أقول على مستوى الإنتساب) الفتاوى أستطيع أن أنسبها إلى الله و إلى رسوله و إلى أئمتهم عليهم السلام؟

الحوزة الشیعیة تنبض بالحیاة والتجدد:

ثانیا أنا أتحفظ على إشكالكم أن الحوزة كذلك. أنا لا أقبل أن الحوزة الشيعية كذلك، الحوزة الشيعية تنبض بالحياة والتجدد. غاية الأمر يوجد أناس يريدون أن يبقوا في الماضي، يوجد أناس يقال لهم أصوليون وهم يتعاملون أكثر من الإخباريين، هم إخباريون في طريقة تفكيرهم و طريقة إستدلالهم و إستنباطهم. أنا أقبل هذا المعنى، لكن في نفس الوقت نحن لا نستطيع أن نقول بأن حوزتنا كلها كذلك. هذا جانب. تسألني: أن الحوزة الآن إنتفضت أنتفاضة كاملة؟ أقول لا . لكن هي في حركة الإنتفاضة إن شاء الله، بشكل واضح.

أنا أمثل لكم أمثلة أخرى: قبل تأسيس الدولة الإسلامية، الشهيد محمد باقر الصدر من هو؟ واحد من فقهاء هذه الحوزة، لا درس في إكسفورد و لا درس في غيرها، بل درس في مساجد و حسینيات النجف الاشرف. أين درس عندما ألف إقتصادنا وعندما ألف فلسفتنا و عندما ألف الأصول المنطقية للإستقراء و عندما نظّر للخطوط العريضة للإقتصاد الإسلامي و كذا هذه الكتيبات المعروفة “الإسلام يقود الحياة”، هذا من مدرسة الفقهاء.

تقول لي: كم يوجد واحد عندنا مثل محمد باقر الصدر؟

أقول: صار الكلام الان في الأرقام ولم يكن في المباني الفكرية، و في قم أيضا كذلك عندك أشخاص. تقول لي: فلان يفتي بكذا و فلان يفتي بكذا . أقول: إذا أفتى الفلان طبقا للأصول، يعني الكتاب والسنة، أهلا و سهلا به و بفتواه، سواءً وافقت فتواه أو خالفتها، نحن نؤمن بتنوع الاجتهاد و تعدد الاجتهاد ومشروعية الاجتهاد.

أما اذا جاء فلان، أفتى بفتوى معينة لا أساس لها في هذه الأصول [فلا تقبل منه]. نعم، إذا جئنا وبحثنا في الاصول التي كنا نتحدث عنها في بداية الحوار، كتاباً وسنةً، وجدنا أنّ القرآن الكريم يقول بالتعدد في الزوجات والروايات الكثيرة تقول بالتعدد، إذا جئنا وسألنا فلاناً على أي اساس تُفتي بعدم جواز التعدد، بماذا يجيب؟ هل توجد آية تؤيد فتواه أو توجد روایة؟ يقول: المرأة تتأذّى، المرأة تُظلَم.هي لغيرتها تتأذّى. يعني إمرأة هذا العصر تتأذّى و إمرأة عاشت قبل قرون لم تكن تتأذّى إذا تزوج عليها زوجها؟!

فأنا أقول: نحن نؤمن و نقبل بتنوع الاجتهادات ضمن الضوابط. إذا خرجنا على الضوابط لم يبقى شيء. أنا قبل مدة سمعت، بعض المتجدّدين و من اهل العمائم، يقول الآن لائحة حقوق الإنسان ولائحة حقوق الحيوان و اللائحة التي أقرّتها الأمم المتحدة، نحن نفتي بها. لماذا؟ لأن العصر تغيّر و تبدّل! أهكذا يكون الاجتهاد و التجديد؟ إذا هكذا التجدید فانا لله وانا الیه راجعون. ترامب یتحکم بقرارات الامم المتحدة و نحن نفتي على أساس قرارات الأمم المتحدة؟! هذا ليس تجديد، بل هذا تعفيش و هذا تصديح و هذا تجهيل. نحن لدينا أصولنا التي على اساسها لائحة حقوق الإنسان .

تقول لي انتاج التجديد المنضبط أقل من إنتاج ذلک التجديد؟

أقول نعم لأن هذا التجديد يقود الحياة. الآن الإمام الخميني قاد الحياة في الجمهورية الإسلامية أم لا؟ أسس دولة إسلامية طويلة عريضة ولديها مؤسسات، تعاني من بعض المشاكل، أنا لا أنكر. اتحسب أن دول العظمى التي صار لها مئة وخمسون سنة أو مئتان سنة تحكم، ما عندها مشكلات؟ بل دائماً عندها مشكلات، و دائماً تحصل على حلول للمشاكلها. المشكلات دائمة. لأن التطور دائم. والتطور ليس حكرًا على الشرق أم الغرب، و أن ليس للإنسان إلا ما سعى.

 وظیفة الفقهاء تبیین الضوابط الشرعیة والدینیة لهذه الحیاة فقط

نحن وظيفتنا كفقهاء ليس أن نحكم الحياة من جميع جوانبها، الحياة من جميع جوانبها تحتاج إلى كل عناصر البشرية لكي تحكمها.

نحن في مدرسة الفقاهة نبيّن الضوابط الشرعية والدينية لهذه الحياة فقط.

يوجد شيء إسمه علم الاقتصاد، علم الاجتماع، علم الإدارة، علم الطب، علم الهندسة، علم العمران، علم التخطيط المدني و …

هذه العلوم لا تُطلب أساساً من الدين. البحث في العلوم لا يُطلب من الدين. هذا نتاج للبشر، سواء كانوا متدينين أم كانوا غير متدينين. التطوير في أنظمة الحسابات وفي أنظمة المقاييس وفي أنظمة التعاملات التجارية وفي أنظمة الإتصالات وفي أنظمة الطب وفي المخبريات وفي الفيروسات، هذا نتاج بشري يخضع لطاقة البشر؛ النوابغ، أصحاب النظريات وأهل العلم، المجتهدون في هذه العلوم، قد يكونون متدينين وقد لا يكونون، وقد يكونون مسلمين وقد لا يكونون، وهذا طريق البشرية كله. لم يأتي الدين في يوم من الأيام لكي يلغي جهود البشر أو عقول البشر. على العكس جاء الدين ليناغم هذه العقول.

الاسلام له نظام مذهبی ولیس له نظام علمی:

الإسلام يملك في هذه الأمور كلها ما تسمي بالمذاهب، لديه مذهب إقتصادي و لديه مذهب عمراني و لديه مذهب هندسي. أقصد بهذا، أن الإسلام لديه تعاليم و ضوابط للممارسة العملیة الإقتصادية، و لا دخل للإسلام بکيفیة الحساب، تحسب بالحاسوب أو تحسب بحاسبة الخشبية القديمة.

الإسلام معك إلى التطور. بالعكس الإسلام لديه مذهب في إستثارة دفائن العقول و يقول إمشوا في مناكبها و إعتبروا بالسابقين واستثيروا دفائنها و اعمروها، إلى آخره. لكن الإسلام يعطی الضوابط الاقتصادية. يقول الناس مسلطون على أموالهم. يقول مثلاً لا فائدة من دون جهد و لا فائدة من دون مخاطرة بالمال، فاذن الفائدة الربوية ممنوعة. ومثلا يقول لك الإسلام شارک، إستحصل على أموال جديدة، استربح. يقول بالملکیّة الفردية.

له نظام مذهبي و لیس له نظام علمي. ليس دين في العالم يأتيك بعلم الإقتصاد أو علم كذا أو علم كذا. ليس عمل الدين هذا. الدين جاء لتهذيب النفوس و الاتجاهات و إعطاء برامج حياتية التي تضبط سلوكيات الإنسان و هو يمارس العملية الاقتصادية، وتضبط سلوكيات الإنسان وهو طبيب، وتضبط سلوكيات الإنسان وهو معلم، وتضبط إلى آخره.

يعطي إطار فقط؟

الشيخ سويدان: بل يتدخل في تفاصيل الإطار من وجهة نظره ولیس من وجهة نظر العلمية، يعني الإسلام يُبين لك بالتفاصيل، لنفترض الآن مثلا فی العلاقة بين الجنسين يدخل حتى في التفاصيل، أليس كذلك؟ سواء كانوا في وزارة الاقتصاد يعملون معاً، أو في المستشفى يعملون معاً أو إلى آخره. لكن يتدخل في التفاصيل التي تعني مذهبه، المذهب الذي يعتمد على الدين. ولذلك في الاقتصاد فيه الضوابط. أما يقول لك اليوم إتّجر بالرز، و غدا إتّجر بالزعفران، لیس شغل الدين هذه؟ الناس تحتاج هذا، يقول اتّجر بهذا، تحتاج ذاك، يقول اتجروا بذاك، تحتاج إلى شيء ثالث، يقول اتجر بشيء ثالث.

کون امثال إستحباب التجارة بالحبوب تعبدیاً محل تأمل

صحيح أن الاسلام ركّز على بعض أنواع التجارات لحاجة البشر إليها مثلاً إستحباب التجارة بالحبوب، هذه ايضاً تحتاج إلى بحث. هل واقعاً هذه الأحكام التي قالها الإسلام تعبّد؟ مثل إستحباب التجارة بالحبوب أم أن الناس في ذلک الوقت کانوا يحتاجون إلی الحبوب أكثر من غيرها، فكان يحث النبي صلى الله عليه وآله على هذا بحيث الآن لو كان الأمر موجوداً لحثّ مثلاً على التجارة بالخبز، لانّ في ذاك الوقت ما كان تجارة الخبز، كانوا يخبزون في بيوتهم. إذاً كان البناء على الحاجات الإنسانية.

نحن نظلم إذا حمّلنا على الإسلام وكذلك كل الأديان العلوم الإنسانية

نحن نظلم إذا حمّلنا على الإسلام وكذلك كل الأديان العلوم الإنسانية. الناس يقومون بالعلوم الانسانية. الإسلام يعطي الإتجاهات و خطوط عريضة فقط. أرجو أن لا يفهم كلامي خطأ، أن الإسلام فقط دين و سلوكيات واخلاقيات و وقفت القضية، کلّا! الإسلام أساسه السلوكيات والأخلاقيات. لا بالمعنى السائد عن السلوكيات و الأخلاقيات. الإسلام عندما يدخل إلى الاقتصاد يقول: أريدك في سلوك الاقتصادي هكذا: لا تكن جشعاً، ورثت مالا من ابیک، لا يحقك لك أن تقرضه للناس وتعيش على أظهر الناس من دون ممارسة أي عملية الانتاجية من قبلك. لا انت تجهد و لا مالك يُخاطر فيه بين الربح والخسارة، تأخذ فائدة مقطوعة.

هذا ضوابط سلوكية خلقية، لكن تتدخل في العملية الاقتصادية. ماذا تنتج؟ تنتج أنها تقضى على الركود الاقتصادي مثلاً، لها تأثيرات على ممارسة العملية الاقتصادية. تستشکل بأن القرآن الكريم ليس فيه كيفية تحويل الأملاك فی البنوک الحديثة؟

أقول: قطعاً لن تجده، بل حتى لو نزل القرآن في عصرنا هذا لن تجد هذه الطريقة فيه. لماذا؟ ليس لأنه قبل ألف و أربعة مئة سنة نزل، التجديد العشوائي یرکّز على قضايا معاصرة يقول لك مثلا: کیف يتحدث القرآن عن النظم الاقتصادیة في ذاك الزمان ولا يتحدث في النظم الاقتصادية في زماننا؟ أقول: القرآن لا يتحدث عن النظم الاقتصادية، لا في ذاك الزمان و لا في زمانك. الجهود البشرية تركها لك أيها البشر. أمرك القرآن أن تستفير دفائن عقلك و أن تحيی الأرض و أن تمشي في مناكبها و أن تتبادل بين الشعوب و القبائل، أمرك بهذه الأمور، لكن الإسلام لم يأتي ليقول لك صك على الذهب أو صك على الورق.

من يتصور أن الدين يُأخذ منه كل قوانين و ضوابط العلوم خاطئ و مخطئ

الا يقلل نظريتكم من دور الإسلام و القرآن في العلوم الحديث في أي مجال؟ الا يقلل دور الدين الى دور الرقیب و المفتشّ؟ الرقیب دائماً منفعل؟ الغیر یخطط و یعمل و اذا أخطا الاسلام یحذره؟

الشيخ سويدان: أن هناك خطأ أساسي بنيَويّ في النظر إلى الدين. من يتصور أن الدين يُأخذ منه كل قوانين العلوم و ضوابط العلوم هذا خاطئ ومخطئ. أنا أعرف أن بعض المتدينين غلوّاً و عتوّاً يدّعون أن كل شيء يمكن أن يأخذ من الدين، حتى هذه التحويلات في البنوک!

أقول: الدين أساساً ما نزل لهذا و لا أريد به هذا، الدين جاء لينظم حياة الإنسان ضمن إطار سلوكي سليم. أنا أعكس القضية، عندما تدخّل الدين لنقد وتفريع وتقريع بعض الضوابط الاقتصادية المعمول بها في العالم، إنما تدخّل لأجل الحفاظ على هذه المنظومة السلوكية و الخلوقية.

يعني عندما حرم الربا لأن الربا كان شائعاً وتدخّل فيه، و الا في الأساس، الدين لا يتدخل في هذه الأمور. نعم الضوابط السلوكية للدين ليست الضوابط السلوكية بمعنى علم الأخلاق الموجود الآن، هي ضوابط سلوكية منبسطة، يعني علم الفقه يدخل ضمن علم الأخلاق بهذا المعنى. هذا الأمر الأول،

الأمر الثاني أنا أخالف كثيراً من الناس في نظرتهم لفقه المعاملات، أنا أعتقد أن ديننا لم يأت مؤسساً في فقه المعاملات، بل ديننا جاء ممضياً لما عليه الناس في فقه المعاملات. غاية ما هنالك، أن هناك أُطر معينة في المعاملات بين الناس، الذين لا ينظمون حياتهم على قاعدة العبودية لله سبحانه وتعالى، وعلى قاعدة أن الإنسان أخ الإنسان أو نظير الإنسان: (إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، جاء الإسلام و نظّم ضوابط، أنا أسميها هوامش، على ما هو موجود في الحياة العقلائية من تعاملات بين الناس لكي يقلل من الخلافات ولكي لا يصل المجتمع إلى ركود حاد، للحفاظ على الأهداف والأغراض الاجتماعية العامة و … .
عندما حرم الربا مثلا، عندما منع من بيع الجزاف، عندما منع من بيع الغرر، عندما … هذه الأمور جزء منها أساساً هي ضوابط عقلائية، حتى العقلاء يمنعون من هذا، و بعضها على وزانٍ آخر، لذلك أنا أقول: نُظُم معاملات الناس ما جاء الإسلام لإختراعه، يعني الإسلام ما اخترع المضاربة و ما اخترع المضارعة و مااخترع المساقات، هذه موجودة.

لذلك أنت الآن إذا تقرأ في روايات هذه الأبواب الفقهية: البيع المضاربة والمضارعة، لماذا تجد الرواية القليلة، قياساً لكتاب الصلاة أو لكتاب الزكاة أو لكتاب الحج أو كتاب الطهارة، لأنه ليس من تأسيسات الشارع.

ثانياً الأهم من هذا، أدخل إلى الروايات، لا تجد رواية تتحدث عن أصل هذه العقود، بل كل ما تجده في الروايات هو تعاليم. إما إبتداءً تعاليم النبي و الأئمة عليهم السلام على مستوى الخطوط العريضة، يعني تحريم الربا في هذه الأمور، وتحريم الفائدة المقطوعة و هكذا، مثلا في المضاربة ليس لك أن تجعل الربح مقطوعاً، إجعل نسبة مئوية من الربح مثلاً، أو في المزارعة كذلك، في بيع الثمار لعام واحد لا أقبل، لكن لعامين يمكن، لأنه في العادة في عامين لا يخیس الثمر و لا ينقطع الثمر لعامين متتاليين، لذلك الرواية تعللت قالت: حتى إذا أثمر في عام و لم يُثمر في العام الآخر، أو العكس كان ماله مقابل العمل الذي أثمر، حتى لا يكون دفع ماله أكلا بالمال بالباطل.

هذه المؤشرات هي التي أنا اسميها مذاهب اقتصادية. اما أن تقول أنا أستخرج من الآية والرواية تطوير نظرية الحسابات الحديثة قطعاً لن تجدها. وأنا أقول لك أكبر مرجع في الدين لن يجدها لك و لو ذهبت إلى الإمام المعصوم، لو كان موجوداً، أيضا سيقول لك أنا عملي من حيث الأساس ليس في هذا الجانب، هذا جهد إنساني بشري، لكن لأن الإمام أحد البشر النابغين، غير قوله الإمام المعصوم، هو يمتلك رؤية في هذا المجال في عصره التي عاش فيه، ويمتلك الرؤية كاملة لكن هل هذه وظيفته كالإمام؟ ابداً .

إذا لا یؤخذ من الدين کل القوانین وضوابط العلوم فكيف تتعاملون مع الأدلة الكثيرة على خلافكم، مثل ما من رطب و لا يابس الا في كتاب المبین؟

الشيخ سويدان: هذا من خلط المطلب، أولاً نحن نعتقد أن للقرآن الكريم نشئات، نحن نتحدث الآن أن نشأة الكتاب الذي بين أيدينا، نتحدث عن ظواهر القرآن الكريم. لا نتحدث هنا لا عن بطون القرآن ولا عن تأويلات القرآن. لا نتحدث عن هذا، بل نحن نتحدث عن الإستنباط الفقهي و منهج التجديد الإجتهادي.

تقول لی المعصوم عليه السلام عندما يقرأ أقيموا الصلاة يذهب إلى سبعين بطن وراء ظاهرها، أقول لك على رأسي و عيني، لكن هذا لا دخل له في منهجية الفقهي الآن. أنا الفقيه أتعامل مع ظواهر النصوص. لنعترف بهذه الحقيقة، و إذا لم نعترف بهذه الحقيقة توجد كارثة. كل يوم یظهر مدّع للفقاهة ويدعي هذا بطن من بطون القرآن. ما الدليل؟ لا دليل! فكل الإستحسانات تصبح بطون القرآن. هذه كارثة.

لکنّکم لم تحصروا عدم الاستنتاج من القرآن بمراجع الدین بل عمّمتموه إلی الامام ع؟

الشيخ سويدان :لا، انا عندما تحدثتُ عن الإمام، تحدثت عن أمور خارجة عن اختصاص القرآن الكريم.

هل يوجد شئ خارج عن اختصاص القرآن الكريم؟

الشيخ سويدان: لازلتم تخلطون بين مطلبين، بين وظيفة الدين و وظيفة الإنسان بما هو إنسان. لنفترض أنا کعالم الاقتصاد، الدين يأتي و يقول لي: صلي، صم، تطهّر، کن عابدا لله عزوجل، کن مطیع، تأمّل، تفکّر، تدبّر، إذهب، الإمکانات التی خلقها الله لهذا الخلق، و ایضا يقول لرجل المختبرات إبحث عما يوجد مما يضر هذا الإنسان في هذا الكون، إذهب و ابحث و اكتشف فيروسات حديثة وحذّر الناس منها و اخترع العقاقير لها. هل القران الكريم أتی ليخترع العقاقير لمحاربة الفيروسات؟!

هل القرآن الذی یهدی الفرد لا یهدی المجتمع؟

الشيخ سويدان: القرآن والدين يهدي كل أفراد المجتمع لأن الكل مخاطب بهذا الدين.

لا فردا فرداً، بل الاجتماع والجمع؟

الشيخ سويدان: توجد نظم تبيّن مذهب الإسلام في الاجتماع الإنساني، الآن من أهم فروع علم الاجتماع هي فقه الأسرة، نعم؟ مثلاً من ضوابط  القوانين الأسرية في الإسلام، ضوابط النكاح، ضوابط الطلاق، ضوابط تعدد الزوجات، ضوابط الأحوال الشخصية في الميراث، ضوابط أحوال الشخصية في التصرفات. الإسلام بيّن توجيه الإنسان وسلوكيات الإنسان في عقد الزوجية و في ممارسة العلاقة الزوجية و في عشرة الزوجية و في عشرة الآباء مع الأبناء والعكس بالعكس هذه كلها نحن نسميها مذاهب.
كل ما هو من قبيل إفعل أو لا تفعل و یکون إرشادیا نسميه المذهب.

ماهو فرق المذهب والنظام عندكم؟

الشيخ سويدان: العلم هو الذي يأتي إلى ظاهرة موجودة في الكون ويكتشف أسرار هذه الظاهرة في الكون، أو ظاهرة موجودة يفسرها لماذا حدثت؟ كيف حدثت؟ إلى أين تنتهي هذه الظاهرة إذا بقيت على حالها؟ مثلاً الآن حصل أمطار كثيرة و إرتفعت المياه في النهر، علم المياه وعلم الأنهار مع علم الرياح ومع علم المناخ يقول لي بأنه في الفصل الكذائي سيكون المياه في هذا النهر مرتفعة جداً، و قد تجرف في الناس و تحذر الناس بالابتعاد عن المياه الى الاماكن المرتفعة. هذا وظيفة العلوم، عندما قلت “العلم”. أنا لن أجد في القرآن الكريم أنه إذا أمطرت السماء كذا ملي متر ماذا يحصل! سيرتفع الماء كذا. هذا اصلا ليس وظيفة الأديان، هذه وظيفة الإنسان الذي تصنعه الأديان.

 

نتقدم بالشكر والتقدير لسماحة الأستاذ الشيخ حسان سويدان العاملي على إتاحتنا الفرصة لهذا الحوار.

موقع الاجتهاد

 

أجرى الحوار: فضيلة الأستاذ السيد رضا شيرازي.

 

 

الفقه ومتطلبات العصر / الفرق بين الاستدلال بالكتاب والاستدلال بالسنة؟ .. حوار مع فضيلة الشیخ حسّان سویدان (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign