العملات الافتراضية

العملات الافتراضية المعاصرة / الدكتور يوسف صالح محمود

الاجتهاد: ظهر في عصرنا الحاضر ما يسمى بالعملة الافتراضية، أو العملة الرقمية، أو العملة الوهمية، ومن أشهرها «بتكوين» و«إيثر»، مما يعني أن هذه العملات ليست مثل الأوراق النقدية، فالأوراق النقدية ملموسة، أما العملة الرقمية فهي غير ملموسة؛ ولكن يمكن تداولها عن طريق الإنترنت.

وإذا كان الأمر كذلك فهل نتعامل معها كالعملات الملموسة بالبيع والصرف والهبة …إلخ، أما أنها مختلفة تماماً عن هذه العملات، وهذا ما سنتناوله في هذا البحث إن شاء الله تعالى.

حقيقة‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية

إذا افترضنا أن شخصاً كان يملك مليون درهم، فاشترى عملة رقمية (بتكوين مثلاً) بالمليون، ودفع المليون لبائع البيتكوين (العملة الرقمية) وتم تحويل البيتكوين إلى محفظة المشتري. السؤال: هذا الشخص دفع مالاً (مليون درهم) مقابل البيتكوين الموجود داخل الجهاز الإلكتروني، فهل يملك هذا الشخص الآن مالاً أم أنه لا يملك مالاً؟

قبل أن نجيب عن هذا السؤال ينبغي أن نوضح الفرق بين المال والمنافع، حتى يتضح لنا هل العملة الرقمية من المال أم أنها من المنافع، وقد سمى البعض هذا العصر بأنه «العصر الرقمي».

الفرق‭ ‬بين‭ ‬المال‭ ‬والمنافع

إن المنافع قد تكون في الإنسان وقد تكون في الأموال. وقد ناقش الفقهاء قديماً مالية المنافع، هل هي مال أم لا، جاء في الموسوعة الفقهية: «اختلف الفقهاء في المنافع والحقوق هل تتمول أم لا؟ أي: هل هي من قبيل المال أم لا؟ فذهب الجمهور إلى صحة تموّلها، وذلك لأن المقصود من الأشياء منافعها لا ذواتها. وذهب الحنفية إلى عدم اعتبار ماليتها، وهي عندهم من قبيل الملك لا المال، لأن الملك من شأنه أن يُتصرف فيه بوصف الاختصاص، والمال من شأنه أن يدخر للانتفاع به وقت الحاجة»(1).

ولا نريد أن ندخل في تفاصيل هذا الخلاف وأدلة كل فريق، إلا أنه ينبغي في هذا المقام أن نشير إلى بعض المنافع حتى يتبين لنا الفرق بينها وبين المال، فعلى سبيل المثال يعتبر العمل من المنافع ولا يعتبر مالاً، وقد فرّق النبي صلى الله عليه وسلم بين المال والعمل، فبيّن أن العمل يبقى مع الميت، بينما المال لا يبقى معه. عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاَثَةٌ: فَيَرْجِعُ اثْنَانِ، وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ»(2).

ويتبين من الحديث أن العمل ليس مالاً، وكذلك العِلم فإنه من المنافع وليس مالاً. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَه»(3). ويتبين من هذا الحديث أن العِلم وأجر الصدقة الجارية والدعاء من المنافع وليست أموالاً بخلاف الذهب والفضة والنقود الورقية فإن هذه الأشياء كلها من الأموال.

ومن المعلوم أن الناس يستخدمون الأجهزة الإلكترونية، وهي تحتوي على البرامج والبيانات والمعلومات، ولا شك أن الأجهزة تعتبر من الأموال، ولكن السؤال: هل تعتبر البرامج والبيانات داخل جهاز الحاسوب من الأموال أم من المنافع؟

نقول: إن البرامج والبيانات داخل جهاز الحاسوب تعتبر من المنافع، وهذه المنافع وإن كان لها وجود إلا أنها غير ملموسة. فمثلاً إذا كتبت شيئاً في الحاسوب فإنك تستخدم برنامج «وورد» ثم تحفظه في محفظة داخل الحاسوب. وهذه المحفظة ليست مثل المحفظة الملموسة التي تباع في المحلات التجارية، فالمحفظة في المحل التجاري مال، أما المحفظة في الحاسوب فإنها ليست مالاً، لكنها من المنافع الموجودة داخل الحاسوب فتنتفع بها وتخزن فيها الملفات.

وكذلك يتم تخزين قطع «بيتكوين» في محفظة، وتعد عملة «بيتكوين» أشهر العملات الافتراضية، ويتم تداولها عبر الإنترنت فقط، ولا فرق بين هذه المحفظة والمحفظة التي تخزن فيها ملف وورد أو إكسل؛ حيث إن كلتاهما غير ملموسة، وهذه المحافظ وما يتم التخزين فيها ليست مالاً.

العملة‭ ‬الرقمية‭ ‬ليست‭ ‬مالاً

ذكرنا الفرق بين المال والمنافع، فالمال شيء ملموس والمنافع ليست شيئاً ملموساً، وعلى هذا الأساس فإن العِلم وأجر الصدقة الجارية والدعاء تعتبر من المنافع وليست أموالاً، إذ إنها غير ملموسة، بخلاف الذهب والفضة والنقود الورقية فإنها تعتبر من الأموال، وهي من الأشياء الملموسة. وقد جاء في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي: «يعتبر الورق النقدي نقداً قائماً بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان، كما يعتبر الورق النقدي أجناساً مختلفة تتعدد بتعدد جهات الإصدار في البلدان المختلفة»(4).

وعندما تكلم الإمام مالك عن إمكانية صناعة النقود الجلدية فقد تكلم عن عملة ملموسة (الجلود)، قال الإمام مالك في المدونة: «ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود؛ حتى تكون لها سكة وعين؛ لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة»(5).

والقاسم المشترك بين النقود المعدنية (الذهب والفضة) والنقود الورقية هو أنها ملموسة، وكذلك إذا تم صناعة النقود من الجلود فهي شيء ملموس ومن ثم تعتبر من الأموال.

وقد ذكرنا أن الأجهزة الإلكترونية تعتبر من الأموال، وأما البرامج والبيانات والمعلومات الموجودة داخل جهاز الحاسوب فهي من المنافع وليست من الأموال، وكذلك العملة الرقمية فإنها ليست من الأموال.

وقد يستبدل الإنسان مالاً بمنفعة، فيأخذ المال ويقدم المنفعة. فمثلاً إذا استأجر إنسان مدرساً مقابل مبلغ من المال فإن المدرس (الأجير) يأخذ المال (ألف درهم مثلاً) ويقدم له العلم (منفعة)، وهذا مال بمنفعة. وإذا أجر شخص داراً لمستأجر، فإنه يأخذ من المستأجر مالاً (أجرة)، ويحصل المستأجر على منفعة (السكنى). وهذا يعني أن المنفعة قد تكون منفعة عين كسكنى الدار، وركوب السيارة، وقد تكون منفعة إنسان. جاء في موسوعة الفقه الإسلامي لمحمد بن إبراهيم التويجري: «والمنفعة قد تكون منفعة عين كسكنى الدار، وركوب السيارة، وقد تكون منفعة عمل، مثل عامل البناء، والحداد، والخياط ونحوهم، وقد تكون منفعة الشخص الذي يبذل جهده كالخادم والعامل»(6).

وقد يشتري الإنسان البرامج المحاسبية المستخدمة في مجال الحاسوب ويدفع الثمن (مائة ألف درهم مثلاً) وهذا مال مقابل منفعة لأنه يستخدم البرنامج في عمليات المحاسبة على الحاسوب. وهذه المعاملة مختلفة عن معاملات بيع وشراء العملات الرقمية، وذلك لأن الشخص إذا اشترى عملة «بيتكوين» بمائة ألف درهم مثلاً فإنه دفع مالاً (مائة ألف درهم) مقابل شيء وهمي (هذه العملة تسمى أيضاً عملة الوهمية)، بمعنى أن هذا الشخص اشترى عملة غير حقيقية فيندرج التعامل بهذه العملة تحت بيع الأوهام! قال الدكتور الحاج محمد الدوش في بحثه «الجهالة في العملات الافتراضية»: «العملات الافتراضية هي مفهوم يدور حول مال وهمي غير حقيقي ليس له أصل ولا ضامن له»(7).

وقال الدكتور عبدالله راضي الشمري في بحثه «التأصيل الفقهي للعملات الافتراضية»: «سيكون هناك عندنا مشكلة في النقود المتدفقة من العملات الافتراضية دون ضابط، حيث إن هذه العملات الافتراضية تخلق من لا شيء، وليس لها سند أو غطاء من أي شيء، وبالتالي سيكون النقد مع مرور الوقت نقداً وهمياً لا حقيقياً، وهذا له آثار عظيمة ووخيمة على الاقتصاد»(8).

وقال الدكتور محمد محمود أبو ليل في بحثه «حكم إصدار العملات الرقمية من منظور السياسة الشرعية: «بناء على ما يتوفر من معطيات لوقتنا الحاضر بأن إصدار مثل هذه العملات محفوف بالمخاطر، فهي عملات ليست لها تغطية على الإطلاق، وهي سلع وهمية يجرى تداولها دون ضوابط، وقد يترتب عليها أضرار سلبية على اقتصادات الدول»(9).

وقد حذر كثير من الخبراء الاقتصاديين من التعامل بـ»بيتكوين» (العملة الافتراضية) وأكدوا أنها مجرد فقاعة وليست أصلاً مالياً. والفقاعة شيء زائل وموهم، جاء في معجم المعاني الجامع: «الفُقَّاعة: شيء جميل ولكنه زائل أو خادع أو موهم».

والسؤال: إذا كانت البرمجة لا يقال عنها إنها وهمية، فلماذا تسمى العملة الافتراضية بالعملة الوهمية؟ والجواب واضح، وهو أن البرمجة سميت بهذا الاسم والشخص الذي يشتري البرمجة يشتريها على أنها برمجة ولا يشتريها على أنها شيء آخر، أما إذا اشترى شيئاً وهو يظن أنه من البرمجة وليس من البرمجة فقد اشترى شيئاً وهمياً، ومن المعلوم أن الشخص قد يظن السراب ماءً، والسراب نوع من الوهم البصري وليس ماءً، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا) النور39.

ويتبين من الآية الكريمة أن السرابَ سرابٌ وليس ماءً، فإذا رأيت سراباً وقلت: «هذا سراب»، فكلامك صحيح، وكذلك إذا قلت: «هذا ماء وهمي» فكلامك صحيح. أما إذا قلت: «هذا ماء» فقد أخطأت. ونستنتج من ذلك أنك إذا قلت في العملة الافتراضية: «هي عملة وهمية» فكلامك صحيح. أما إذا قلت: «هي عملة» فقد أخطأت.

وهناك فرق بين من اشترى العملة الافتراضية (الرقمية) ثم تصرف فيها، ومن أودع مبلغاً من المال في حسابه لدى جهة ما (البنك مثلاً) ثم تصرف في هذا المبلغ. أما الأول الذي اشترى العملة الافتراضية فإنه يتصرف في شيء وهمي، لأن البائع الذي أخذ المال (مائة ألف درهم) مقابل عملة «بيتكوين» يملك هذه المبالغ، أي: ليست هذه المبالغ (مائة ألف درهم) وديعة لديه. وأما الشخص الذي يتصرف في المبالغ التي أودعها لدى البنك (في الحساب الجاري) فإنه يتصرف في أمواله لدى البنك.

فمثلاً الشيكات من الأوراق التجارية وأصبح الناس يتعاملون بها بدلاً من النقود الورقية، إلا أن هذه الشيكات لا تعتبر في حد ذاتها نقوداً، وإنما هي مجرد أمر صادر من صاحب الوديعة إلى البنك ليدفع مبلغاً من المال لحامل الشيك – مثلاً، وهذا يعني أن مصدر الشيك يتصرف في ماله لدى البنك.

وهذا كمن يستخدم البطاقة المدفوعة مسبقاً أو بطاقة الصراف الآلي، حيث إن هذه البطاقة تُعد بديلاً مناسباً لحمل النقود، فإذا استعملتها للسفر أو للتسوق أو للدفع في المطاعم فإنك تتصرف في أموالك – في الحساب الجاري مثلاً – ولا تتصرف بعملة افتراضية وأرقام مجردة.

ثم إنه يوجد فرق بينهما من الناحية الشرعية، الزكاة مثلاً تجب في المال كما قال الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَة) التوبة103. ويتبين من الآية أن الزكاة تجب في الأموال (مِنْ أَمْوَالِهِمْ).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: «إنك ستأتي قوماً أهل كتابٍ، فإذا جئتَهم فادْعُهُمْ إلى أن يَشْهَدوا أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسولُ الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أنَّ اللهَ قد فَرَضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أنَّ اللهَ قد فرضَ عليهم صدقةً تؤخذُ من أغنيائهم، فترد على فقرائِـهم، فإنْ هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائِمَ أموالِـهم، واتقِ دعوةَ المظلومِ، فإنه ليس بينَـها وبين الله حجاب»(10).

ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن الزكاة تجب في المال (فإياك وكرائِمَ أموالِـهم). فمثلاً تجب الزكاة في الحاسوب إذا كان للبيع لأنه مال، ولا تجب الزكاة في البرامج داخل الحاسوب بمفردها. وهذه البرامج مثلها مثل التيار الكهربائي المخزن في البطاريات وأرصدة الهواتف المحمولة وغيرها، ولا تجب الزكاة فيها لأنها ليست أموالاً.. وهكذا. وعندما نقول إنها ليست مالاً فهذا لا يعني أنه يحرم بيعها إذا كان فيها منفعة، لأن البرمجة يجوز بيعها مع أنها ليست مالاً.

والبرمجة من المنافع ولها وجود كالظلال، فإنها (أي: الظلال) من المنافع التي ينتفع بها الإنسان والكائنات الأخرى، وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة في الظلال ومنها قول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا) الفرقان45، وقوله تعالى: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً الإنسان14، إلى غير ذلك من الآيات الكريمة في كتاب الله، تذكر الظل على أنه نعمة ورحمة من الله. وهذه المنافع لها وجود ولكنها ليست ملموسة. ويتبين من ذلك أن هناك أنواعاً من المنافع، فمنها ما يمكن بيعها كالبرمجة، ومنها ما لا يباع كالظلال، وسواء أكانت المنافع مما يباع أو لا يباع فإنها ليست مالاً.

ومثال آخر: إذا كان لديك عملة ورقية (ألف درهم مثلاً) وأخذت منها صورة، فهل نقول: لديك ألفان؛ ألف درهم ورقية ملموسة بيدك، وألف رقمية غير ملموسة في الكاميرا! ولا شك أن الساعي الذي يجمع الزكاة إذا جاء إليك فإنك تزكي عن المبلغ (الألف درهم) الذي بيدك ولا تزكي عن الألف الرقمية في الكاميرا، وذلك لأن المبلغ الذي بيدك مال، وأما الشيء الموجود داخل الجهاز الإلكتروني ليس بمال.

ونخلص من ذلك إلى أنه يوجد فرق بين المال والمنافع. وتُعدّ النقود الذهبية أو الفضية أو الورقية من الأموال، وقد يستخدم الناس الشيكات والبطاقات المصرفية بدلاً من حمل النقود، وقد وجدت قبولاً عاماً لأنها (أي: الشيكات والبطاقات) مغطاة بالأصول وليست نقوداً بحد ذاتها. فمثلاً الشيك المرتجع يعرف أيضاً باسم «شيك بدون رصيد» أو «شيك سيئ»، وهو شيك مقدم من قبل المدفوع له، ويرفضه البنك المسحوب عليه. والزكاة لا تجب في هذه الشيكات والبطاقات وإنما تجب الزكاة في الأموال في الحسابات الجارية.

والعملات الافتراضية (الرقمية) إذا كانت مغطاة بالأصول (كالعملة الورقية) فإنها تكون مثل الشيكات والبطاقات المصرفية المغطاة بالأصول، وفي هذه الحالة لا تجب الزكاة في العملات الافتراضية ذاتها كما لا تجب في الشيكات والبطاقات المصرفية وإنما تجب الزكاة في العملة الورقية. وأما إذا كانت العملات الافتراضية (ومنها عملة بيتكوين) غير مغطاة بالأصول فإنها تكون مثل الشيكات المرتجعة أو السيئة لأنها بدون رصيد، ومن المعلوم أنه لا قيمة للشيكات المرتجعة.

موقف‭ ‬الباحثين‭ ‬المعاصرين

ينقسم موقف الباحثين المعاصرين إزاء الحكم على العملات الافتراضية بين من يحظر التعامل بها (بيتكوين أو العملات الافتراضية الأخرى) وهذا رأي الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات العربية المتحدة، وبين من يرى أنها مازالت محل بحث وتحتاج إلى دراسة، ولذلك لم يُتخذ موقف صريح بشأنها، وعلى رأس هذا الفريق مجمع الفقه الإسلامي الدولي.

قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي:

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي، المنعقد في دورته الرابعة والعشرين بدبي، 1441هـ/ 2019م، وبعد اطلاعه على التوصيات الصادرة عن الندوة العلمية للعملات الإلكترونية، التي عقدها المجمع في جدة خلال الفترة من 10-11 محرم 1441هـ الموافق 9-10 سبتمبر 2019م، واستماعه إلى المناقشات التي دارت حوله قرر ما يلي:

«الحكم الشرعي: 1- من خلال الأبحاث المعروضة والمناقشات التي دارت تبين أن ثمة قضايا مؤثرة في الحكم الشرعي لا تزال محل نظر منها:

1.1. ماهية العملة المعمّاه (المشفرة) المرمزة هل هي سلعة أم منفعة أم هي أصل مالي استثماري أم أصل رقمي؟

1.2. هل العملة المشفرة متقومة ومتمولة شرعًا؟

ثالثاً: نظرًا لما سبق ولما يكتنف هذه العملات من مخاطر عظيمة وعدم استقرار التعامل بها؛ فإن المجلس يوصي بمزيد من البحث والدراسة للقضايا المؤثرة في الحكم»(11).

 رأي الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف (الإمارات):

حكم التعامل بالبتكوين: «البتكوين عملة رقمية لا تتوفر فيها المعايير – الشرعية والقانونية – التي تجعلها عملة يجري عليها حكم التعامل بالعملات القانونية الرسمية المعتبرة دولياً. كما أنها لا تتوفر فيها الضوابط الشرعية التي تجعل منها سلعة قابلة للمقايضة بها بسلع أخرى؛ ولهذا: فإنه لا يجوز التعامل بالبيتكوين أو العملات الإلكترونية الأخرى التي لا تتوفر فيها المعايير المعتبرة شرعاً وقانوناً؛ وذلك لأن التعامل بها يؤدي إلى عواقب غير سليمة: سواء على المتعاملين، أو على الأسواق المالية والمجتمع بأكمله، وسواء اعتبرناها نقداً أو سلعة فالحكم يشملها على كلتا الحالتين»(12).

فتوى دار الإفتاء المصرية:

أصدر مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام (2018)، فتوى تحرّم استخدام عملة «بتكوين» الرقمية. قال: «لا يجوز شرعاً تداول عملة البتكوين أو التعامل من خلالها بالبيعِ والشراءِ والإجارةِ وغيرها، بل يُمنع من الاشتراكِ فيها لعدمِ اعتبارِها كوسيط مقبول للتبادلِ من الجهاتِ المختصة. ولما تشتمل عليه من الضررِ الناشئ عن الغررِ والجهالةِ والغشِ في مَصْرِفها ومِعْيارها وقِيمتها، فضلاً عما تؤدي إليه ممارستها من مخاطرَ عالية على الأفراد والدول»(13).

المراجع

(1) الموسوعة الفقهية الكويتية، ج14، ص29.

(2) صحيح البخاري، دار ابن كثير، دمشق، طـ. الأولى 1423هـ ، 2002م، كتاب الرقاق، باب سكرات الموت، رقم الحديث 6514.

(3) صحيح سنن الترمذي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، صحيح، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، 1420هـ ، 2000م كتاب الأحكام، رقم الحديث 1376.

(4) قرار مجلس المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، الدورة الخامسة، قرار رقم (6).

(5) المدونة الكبرى لإمام دار الهجرة مالك بن أنس، رواية سحنون، الناشر: وزارة الأوقاف السعودية، مطبعة السعادة، 1324ه، كتاب الصرف، ج8، ص104.

(6) موسوعة الفقه الإسلامي، محمد بن إبراهيم التويجري، بيت الأفكار الدولية، طـ. الأولى 1430هـ – 2009م، ج3، ص529.

(7) الجهالة في العملات الافتراضية: دراسة فقهية قانونية مقارنة، الدكتور الحاج محمد الدوش، جامعة الإمارات العربية المتحدة. ينظر: كتاب وقائع المؤتمر، البحوث المقدمة والمقبولة للعرض في الجلسات العلمية للمؤتمر الدولي الخامس عشر 2019م الذي نظمته كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الشارقة: العملات الافتراضية في الميزان، ص648.

(8) التأصيل الفقهي للعملات الافتراضية، الدكتور عبدالله راضي الشمري، أستاذ الفقه المساعد بقسم الثقافة الإسلامية بكلية التربية بجامعة حائل، السعودية. ينظر: كتاب وقائع المؤتمر: البحوث المقدمة والمقبولة للعرض في الجلسات العلمية للمؤتمر الدولي الخامس عشر 2019م، ص 74.

(9) حكم إصدار العملات الرقمية من منظور السياسة الشرعية، الدكتور محمد محمود أبو ليل، الجامعة الأردنية، الأردن. ينظر: كتاب وقائع المؤتمر: البحوث المقدمة والمقبولة للعرض في الجلسات العلمية للمؤتمر الدولي الخامس عشر 2019م، ص150.

(10) صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن، رقم الحديث 4347.

(11) قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 237 (8/24) بشأن العملات الإلكترونية، 1441هـ، 2019م.

(12) الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، الإمارات العربية المتحدة، حكم التعامل بالبتكوين، الفتوى رقم 89043، عام 2018 م.

(13) ينظر: كتاب وقائع المؤتمر: البحوث المقدمة والمقبولة للعرض في الجلسات العلمية للمؤتمر الدولي الخامس عشر 2019م، ص340.

 

المصدر: الاقتصاد الإسلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky