خاص الاجتهاد: المدرسة القمية هي من أهم وأبرز الحوزات الشيعية ويعود تاريخها إلى النصف الأول من القرن الثاني على أثر هجرة الأشعريين إليها وقد تألق نجم حوزة قم العلمية بعد الغيبة الكبرى في القرنين الثالث والرابع الهجريين؛ إلا أن حركتها العلمية ضعفت بظهور مدرستي الري وبغداد في القرن الخامس الهجري، ووصلت إلى مرحلة الانحلال والاندثار بعد هجوم المغول سنة 621 هـ ق.
وبقيت حالة الركود هي السائدة في المدرسة القمية حتى قدوم الشيخ عبد الكريم الحائري سنة 1300 شمسي[1921م] حيث تمكن من إحيائها وإنشاء مدرسة علمية جديدة، وكان لقدوم السيد البروجردي بعد ذلك الدور الكبير في انتعاش المدرسة القمية حيث بلغت الذورة في عطائها وأصبحت في مصاف أهم الحوزات العلمية حينها.
ثم جاء دور الثورة الإسلامية لترفع من مكانة الحوزة القميّة على مستوى المناهج والتنظيم واستقطاب الكثير من الطلاب من شتى بلدان العالم فضلاً عن وجود شخصيات علمية ومراجع تقليد كبار بذلوا جهوداً جبارة في دعم الحركة العلمية وإنشاء جيل كبير من خيار العلماء وتربية الكثير من المحققين والباحثين في شتى العلوم العقلية والنقلية. (المصدر: ويكي شيعة)
مع اقتراب مئوية تأسيس حوزة قم العلمية في السنة القادمة (April 2022) وتشكيل لجان من قبل إدارة الحوزة العلمية وتقديم آثار من الباحثين والمهتمين بتاريخ الحوزة، قدم الباحث المؤرخ حجة الإسلام الدكتور رسول جعفريان بهذه المناسبة كتاب مجموعة مقالات بعنوان “صدسالگی حوزه قم” (مئوية حوزة قم) في 645 صفحة باللغة الفارسية.
وفي ما يلي نقدم لكم ترجمة مقدمة هذا الكتاب بقلم المؤلف الدكتور جعفريان.
أثارت أهمية مدينة قم وسمعتها التاريخية والدينية الاهتمام بهذه المدينة عند مختلف أصحاب كتب التاريخ منذ القرن الثاني الهجري وما بعده؛ بحيث ذُكر اسم هذه المدينة التي ينتمي أهلها إلى مذهب مختلف عن مذهب البلاد الأخرى في معظم الكتب الجغرافية المصنفة في القرنين الرابع والخامس الهجريين وبعدهما، وفي الحديث عن قم كان هناك تركيز على التشيع فيها، وعلى خصوصيتها العربية باعتبار وجود عائلة الأشاعرة فيها.
إن كتابة كتاب “تاريخ قم” في القرن الرابع الهجري بطريقة علمية وبأسلوب متميز، مقارنة بالتواريخ المحلية الأخرى في العالم الإسلامي يظهر الرغبة في تأريخ أوضاع هذه المدينة ووقائعها في هذه الفترة ويشير إلى وجود مصادر كافية للمعلومات حول هذا الموضوع.
كانت قم مرتبطة بشكل وثيق وفي وقت واحد بمدينتي “كاشان” و “الري”، ويشهد على هذا الارتباط حركة العائلات والشخصيات بين هاتين المدينتين وبعض المدن الأخرى في نفس المنطقة.
تضاءلت أهمية قم تدريجياً منذ القرن الخامس، وخاصة عندما تضررت في الغزو المغولي للمدن الوسطى في إيران، فلم نعد نرى ذكر ذا شأن لهذه المدينة في المصادر التاريخية.
واستمر هذا الوضع حتى القرنين الثامن والتاسع الهجريين، حيث ظهر أمراء محليون في هذه المدينة؛ الذين قاموا مضافا إلى القليل من الشهرة السياسية بالتعريف بمدينة قم فنياً.
ويمكن رؤية أعمالهم الفنية في مقابرهم الباقية، وضريح السيدة المعصومة(ع)، وحتى بعض المدن المجاورة، وفي الفترة التركماينة تجد لمدينة قم مكانًا خاصًا، وهذا واضح تمامًا من المراسيم والدساتير التي خلفها السلاطين التركمان (انظر: فرمانهای ترکمانان قراقویونلو وآق قویونلو، مدرسی طباطبائی، قم،۱۳۵۲شمسية).
مع وصول الصفويين إلى الحكم أصبحت قم تدريجياً أكثر شهرة من أي وقت مضى، وربما وصلت إلى مستوى الأهمية التي أولاها إياها الشيعة في القرنين الثالث والرابع، وكان هذا الاهتمام مضافا إلى زيارة السلاطين الصفويين المستمرة للمدينة، وكذلك تحويل جزء من الحرم السيدة المعصومة إلى مقابر لملوك الصفويين، كانت جميعها عوامل أدت إلى ازدياد أهمية مدينة قم وازدهارها. (انظر: سيد بنكدار وإمامي جمعة، بررسی مقابر پادشاهان صفویه مدفون در حرم حضرت معصومه، (دراسة مقابر الملوك الصفويين المدفونين في حرم السيدة المعصومة)، مجلة تاريخ انديشه، صيف 1397 شمسي، السنة الأولى، العدد الأول، 21-46)
خلال العهد القاجاري أكتسب قم مزيدا من الأهمية، وأوْلاها “فتحعلي شاه القاجاري” على وجه الخصوص اهتمامًا خاصًا، كما حرص على إكرام علمائها وإجلالهم ومنهم الميرزا القمي (ت 1231 هـ).
وفي العصر الصفوي كانت حوزة قم نشطة إلى حد ما، وتم تعزيزها في فترة القاجار، وخرج منها العديد من العلماء، فكثير من المدارس الدينية التي بقيت في المدينة من الفترتين الصفوية والقاجارية، وخاصة مدارس الفترة القاجارية مثل دار الشفاء والفيضية، والتي قام فتحعلي شاه بترميمها بالكامل، يظهر ازدهار الحوزة العلمية في هذه المدينة. (انظر حول إنشاء هاتين المدرستين على يد فتح علي شاه: كتاب ” أنجم فروزان “، بالفارسية، عباس فيض، “طهران، 1322” ص 133 -140)
كما لا ينبغي في الوقت نفسه تجاهل دور بناء مرقد السيدة المعصومة (ع)، الذي كان أحد عوامل نمو وتطور هذه المدينة والاهتمام بها على مرّ القرون، كما أشار عبد الجليل الرازي، في القرن السادس عشر إلى بناء حرم السيدة المعصومة واهتمام الشيعة به، ونلاحظ أهمية منصب المتولين الشرعيين للحرم في فرامين السلاطين التركمان.
ويمكن رؤية تكوّن حوزات علمية دينية في هذه المدينة مثل ما وجدت في النجف أو كربلاء وحتى مشهد من حيث تركيب “الحرم -الحوزة”، رغم أن أصفهان أصبحت مركزًا علميًا شيعيًا بسبب كونها عاصمة للدولة الصفوية.
بعد الصفويين ومع استمرار النشاط الضئيل في أصفهان، أصبحت كل من قم ومشهد _التي كانت محط اهتمام الصفويين_ أكثر أهمية تدريجيا، وكذلك طهران التي صارت عاصمة للقاجاريين.
وفي مدينة قم، وخاصة منذ العصر الصفوي وما بعده، ظهرت العديد من العائلات المعروفة نسبيًا والتي أدت دورًا محوريًا في تطور هذه المدينة، واليوم هناك آثار تاريخية تتعلق بوجود هذه العائلات على أساس البيوت والأحياء المخصصة لها.
كما تُشير مصادر المؤرخين عن مدينة قم إلى هذا الموضوع، ومع ذلك وبسبب مشكلة شحّ المياه وملوحتها، فإن قم ونظرًا لوقوعها على حافة الصحراء ونقص الموارد المالية المهمة، فقد كانت تعتمد دائمًا على مساعدة الآخرين، وبالتالي لم يتم تطويرها إلا مع اهتمام السلاطين بحرم السيدة المعصومة “ع” أو علماء هذه المدينة، ومن المتصور أن هذا الرأي، على الرغم من أهميته، إلا أنه لا يمكن أن يكون دائمًا.
في أواخر العهد القاجاري تم إيلاء مزيد من الاهتمام لزيارة السيدة المعصومة(ع)، خاصة وأن أمين السلطان المعروف باسم “أتابك الأعظم”، قام بإصلاح خانات المسافرين في الطرق المؤدية إلى قم (مثل خانة السلجوقي في علي آباد، قم)، فأدّى ذلك إلى زيادة عدد المسافرين والزوار.
(تصف “علوية الكرماني” خانَ “علي آباد أمين السلطان” في: “روزنامه سفر حج” (صحيفة سفر الحج) ” قم، عام 1386شمسي، ص 197، أنّه كان أكبر خان في الطريق من طهران إلى قم)
رافق هذا العمل إعادة شق الطرق وبناء الخانات فيها مضافا إلى عمليات الترميم الكبيرة والتطوير في حرم السيدة المعصومة “عليها السلام” بما في ذلك بناء صحن الأتابكي. (انظر لمزيد من المعلومات: مذكرات ديوان بيكي، طهران، 1382 شمسي، ص 215 -223. عن أعماله في مزار شاه حمزة في قم، انظر: كتاب ” تربت پاکان قم”، مدرسي، 1 / 1359، وأيضًا بناء مبنى في جمكران، تاريخ قم، أو الحرم المطهر …، ناصر الشريعة، طهران، 1383 شمسي ص .233.)
كل هذه الأعمال مضافا إلى شعيرة زيارة السيدة المعصومة (عليها السلام) تسببت في سفر عدد كبير من الزوار كل عام من طهران والمدن الأخرى القريبة من قم إلى هذه المدينة وازدهرت المدينة أكثر مع مراكزها العامة.
على أي حال، كانت قم موضع اهتمام القاجاريين، وكانوا يختار أمراء القاجار وحتى ملوكهم أماكن دفنهم إما في مقبرة “شاه عبد العظيم” في طهران أو في قم، بحيث تم تدريجياً تخصيص الغرف لمقابر الملوك القاجاريين؛ ومع ذلك اختفى في أواخر فترة القاجار وبعد ذلك، مقابر عدد من الملوك الصفويين، الذي كان يقع بجوار الحرم السيدة المعصومة عليها السلام.
تشير التقارير إلى أنه في السنوات القريبة من الثورة الدستورية وبعدها وحتى وصول أسرة البهلوي إلى السلطة، كانت حشود كبيرة تأتي إلى قم كل عام لإحياء رأس السنة الإيرانية الجديدة في مستهل أعياد النوروز.
تُشير المصادر أن أحد الأسباب الرئيسة لأعمال الشغب في طهران والتي أدت إلى الثورة الدستورية كانت هي الطريق البرية بين طهران وقم والاحتجاجات التي وقعت في هذا الإطار، ويبدو أن حالة المرور أصبحت أسهل، والمثير للدهشة بالنسبة لنا أنه في عام 1301 شمسي(1340هجري)، سافر الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري ومجموعة من طلابه إلى هذه المدينة لحضور مراسم رأس السنة، وهي رحلة لم تعد أبدًا، فقد استقر الحائري في المدينة وأسس حوزة قم العلمية.
لقد كان التأريخ لمدينة قم ومنذ القدم يتصف بزخم قوي نسبيًا، وكما ذكرنا فقد بدأت هذه العملية بكتاب “تاريخ قم”، الذي كتبه بالعربية في القرن الرابع الهجري (378) حسن بن محمد بن حسن الأشعري القمي، وهو عمل اختفى للأسف، إلا أنّ ترجمته الفارسية، التي قام بها حسن بن علي بن حسن القمي في بداية القرن التاسع (805-806)، تتضمن خمسة من الفصول العشرين المذكورة في مقدمته.
ليس من الواضح ما إذا كان الكتاب الأصلي يتكون من عشرين باباً، أي أنه كُتب بالكامل، أم أنّ كاتبه لم يوفق إلا لتصنيف الأبواب الخمسة فقط، وخلال فترة القاجار كُتبت عدة أعمال عن قم، وبعد ذلك وفي الخمسينيات من القرن الماضي، بدأ السيد حسين مدرسي عمليًا أدب التعريف بدينة قم.
تناول كتاب “کتابشناسی آثار مربوط به قم” (ببليوغرافيا الكتب المؤلفة حول مدينة قم) لحسين مدرسي (قم، 1353شمسي / 1974م) بعض ما تم تصنيفه من كتب حول قم إلى ذلك التاريخ، كما قام الدكتور مدرسي بمجموعة متنوعة من أعمال التصحيح والتأليف، ومنها تصحيح عدد من الأعمال القديمة، منها عدة أعمال من العصر القاجاري مثل (تاريخ دار الإيمان قم 1295 هـ 1353 شمسي (بالفارسية)) وكتاب ” قم في القرن التاسع الهجري ” بالفارسية (قم 1350شمسي). والمقالات الكثيرة التي صنفت تحت عنوان” قُميّات” (بالفارسية) (نيوجيرسي، 2007) والأهم من ذلك كتاب “تربت پاكان قم” في مجلدين (قم، 1352شمسي / 1973)، كل لذلك كان جزءًا من الأعمال التي نشرها الدكتور مدرسي في هذه السلسلة من دراسات تاريخ قم.
وفي أوقات سابقة ولاحقة كُتبت أعمال مختلفة عن قم، يشير معظمها إلى تاريخ الحوزة ورجالها، ومن المصادر التاريخية المهمة عن مدينة قم شأنها شأن مدن أصفهان وقزوين وتبريز وبعض المدن الأخرى، هي العديد من كتب الرحلات لمؤلفين أجانب من العهد الصفوي إلى العهد القاجاري وحتى بعد ذلك، ودائماً ما تم الرجوع إليها عند البحث في تاريخ قم.
يجب أيضًا إضافة كتب رحلات السلاطين القاجار، إلى هذه المجموعة بما في ذلك رحلات ناصر الدين شاه، (انظر: سفرهای ناصرالدینشاه به قم (رحلات ناصر الدين شاه إلى قم) 1309-1266 هـ بقلم فاطمة قاضي ها، طهران ،1381ش / 2002).
منذ أواخر العهد البهلوي الأول ومن ثم في عهد ابنه تم نشر عدة كتب دليل لمدينة قم (أحدها كان في العام 1317ش والثاني عام 1318ش وآخر عام 1328ش وأيضًا عدة كتب دليل عن قم في العامين 1353، 1354ش)، بالإضافة إلى عدد من كتب التقويم الصادرة عن بعض المدارس الثانوية في قم (منها مجموعة كتب التقويم التي أصدرتها مدرسة حكمت الثانوية في قم)، وكلها تحتوي على معلومات مهمة عن هذه المدينة.
كما صدر كتاب ” قم دار المؤمنين ” عام 1355ش / 1976 من تأليف حسين قاسمي نجاد، ونُشرت أعمال عن شعراء وخطباء هذه المدينة (على سبيل المثال، كتاب تذکره شعرای معاصرین دارالایمان قم لـ علي أكبر فيض، نشرت عام 1393 هـ) (تذكرة شعراء دار الإيمان المعاصرين)، كما صدر كتاب “تاریخ مذهبی شهر قم از قدیم تا روزگار جدید” (تاريخ قم الديني من القديم إلى العصر الحديث) من تأليف علي أصغر فقيهي، وفي الآونة الأخيرة، كانت مؤلفات مهدي عباسي المهمة والقيّمة عن مدينة قم.
وخلال السنوات السابقة، تم نشر عدد من المجلات والكتب من قبل الدوائر الثقافية في حرم السيدة المعصومة “عليها السلام” (وكذلك مكتب الإرشاد)، والتي تحتوي على العديد من المعلومات والأخبار حول هذه المدينة.
أما عن الحوزة العلمية في قم، فإن أول كتاب نُشر عن تاريخ الحوزة في الثلاثينيات كان كتاب “آثار الحجة، أو تاریخ ودائرة معارف حوزۀ قم العلمیۀ ” (بالفارسية) (من منشورات شعبان 1373 هـ) للشيخ محمد الرازي، الذي حاول أن يروي كل شيء عن مجيء الشيخ عبد الكريم الحائري وتأسيس الحوزة، وقدوم الجيل الأول من الطلاب وتدريبهم.
ويعتبر الشيخ الرازي أول مؤرخ عن الحوزة العلمية في قم، (راجع سيرته الذاتية في كتابه “كرامات صالحين” (بالفارسية) في قم 1380ش، 2001م) كما قدم الكثير من المعلومات في هذا المجال في أعماله الأخرى، مثل “گنجينه دانشمندان قم”.
بالإضافة إلى هذا الكتاب فإن أعمال المرحوم عباس فيض، مثل كتاب “أنجم فروزان” و” بدر فروزان”، وكتب أخرى عن الحوزة وإنشائها، تحتوي على الكثير من المعلومات حول الرجال وأوصاف بعض الأماكن.
يعتبر كتاب “رجال قم وبحثی در تاریخ آن” (بالفارسية) للسيد محمد مقدس زاده (طهران، 1335ش) من أوائل الأعمال التي تشرح حياة عدد من طلاب الشيخ الحائري الأوائل.
ويعتبر كتاب “زندگی فردی ناشناخته”(فارسي) (حياة شخص مجهول) لأحد تلامذة الشيخ الحائري الذي لم يرغب في الكشف عن اسمه، مصدرا قيّما لمعرفة حياة طلبة الحوزة في تلك الفترة، وتعدّ الكتب والمجموعات الكشكولية مثل كتاب “الكلام يجر الكلام” لآية الله السيد أحمد شبيري الزنجاني من بين المصادر الهامة في فهم الثقافة العامة لمدينة قم في هذه الفترة، وكذلك الأمر بالنسبة لخلفه في العصر الراهن كتاب “جرعهای از دریا” (رشفة من البحر)، وأقسامه الرجالية الأخيرة، والتي تقدم بنفس الأسلوب معلومات قيمة حول المكانة الثقافية-التربوية لمدينة قم وحول المرجعية فيها.
وحول واقع الحوزة العلمية قبل الثورة، قمت قبل سنوات بنشر كتاب بعنوان “برگهایی از تاریخ حوزه علمیه قم” أوراق من تاريخ حوزة قم العلمية” (طهران 1381ش، 2002م) احتوى على عدة نصوص حول هذا الموضوع.
للتعرف على حوزة قم العلمية، إلى جانب هذه الأعمال، نأتي إلى فترة ما بعد الثورة الإسلامية في إيران، والتي نظرًا لظهور الثورة ودور قم والحوزة العلمية في هذه الأحداث، فقد حَظِي تاريخها وما جرى فيها من أحداث ووقائع باهتمام كبير، وانتشرت أعمال كثيرة حول هذا الموضوع.
فقد نُشرت بعض المذكرات في مجلة “ياد” والتي كانت بمناسبة أحداث السنوات قبل الثورة أي أحداث سنوات 1340 ش وما بعدها، كما ركز عدد من الأعمال، بما في ذلك مقابلات مع كبار رجال الدين من قبل مجلة “حوزه” وغيرها، على دور آية الله الحائري والبروجردي في الحوزة العلمية.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك كتاب “چشم وچراغ مرجعیت” (عين ومصباح المرجعية)، وهي مجموعة مقابلات مع تلامذة المرحوم البروجردي (قم 1379ش، 2000م)، كما تتناول دراسة “آيت الله مؤسس” ترجمة الشيخ عبد الكريم الحائري، وهي دراسة ذات صبغة دينية -تاريخية (قم 1372ش، 1993م).
وتم نشر المذكرات الشخصية للعديد من رجال الدين بشكل تدريجي، وقدمت معلومات حول أوضاع مدينة قم وحوزاتها العلمية، ومن حيث الوثائق فمضافا إلى الوثائق التي نشرت لتشرح سير وأحوال رجال الثورة أو أحداث شهر خرداد 1342ش / يونيو 1963 وما شابه، فإن كتاب “مرجعیت در عرصه اجتماع وسیاست” (المرجعية في مجال المجتمع والسياسة) هو أحد أفضل الأعمال المنشورة عن أحداث 1292-1339ش (1913 / 1960 م) (محمد حسين منظور الأجداد، طهران 1379ش / 2000م).
وفي السنوات الأخيرة، تم تأليف عدد كبير من الكتب عن السير الذاتية للعلماء؛ ومنهم الحائري والبروجردي والإمام الخميني، وكلها مهمة في إيضاح تاريخ حوزة قم العلمية.
يُقسّم تاريخ حوزة قم العلمية حتى عام 1357ش / 1978 إلى ثلاث فترات، الفترة الأولى من المرحوم الحائري والآيات الثلاث حتى عام 1325ش /1946 م، الفترة الثانية منذ عصر آية الله البروجردي حتى عام 1340ش / 1961م، وأخيراً الفترة الثالثة حتى عام 1357ش / 1978م. هذه الفترات الثلاث هي ثلاث مراحل مهمة ومختلفة ومتنامية لحوزة قم العلمية، وأخيراً شهد عام 1978 ثورةً أدت إلى وصول رجال الدين إلى السلطة.
بعد الثورة الإسلامية، بدأت حوزة قم العلمية مرحلة جديدة، وللأسف، ليس لهذه الفترة مصادر تاريخية مباشرة ومفصلة، مثل تاريخ قم نفسها، وإن كان هناك تأليفات مثل كتاب “سیر تحولات حوزه علمیه قم پس از پیروزی انقلاب اسلامی” (تطور حوزة قم بعد انتصار الثورة الإسلامية) (طهران1384ش، 2005).
كما تم نشر عدد كبير من المقالات المختارة حول مدينة قم في كتاب ” شناختنامه قم” بالفارسية (9 مجلدات) والذي يحتوي على العديد من الأخبار الجديدة عن المدينة.
يجب أن نذكر أيضًا مؤسسي قناة “قم پژوهی” على التلغرام، التي قدمت على مدى السنوات الماضية معلومات وصور قيمة جدًا للآثار التاريخية والمعارف العامة لمدينة قم، وفي الواقع، لقد قدموا نوعًا من العمل الجماعي لتمهيد مقدمات لتأريخ أكبر لهذه المدينة في إطار موسوعة شاملة.
ما يمكن قوله عن حوزة قم العلمية هي أن هذه الحوزة هي جزء من النظام التعليمي التقليدي الذي استمر في هذه المدينة بمركزية خاصة، على الرغم من وجوده في العديد من المدن في إيران وعدد من المدن في العراق أو بلدان اخرى.
النظام الخاص لرجال الدين جعل من هذه المدينة مشروعا بحثيا كبيرا، وما زال هناك مجال كبير لمزيد من الدراسات حول هذه الحوزة العلمية كما الحوزات العلمية الأخرى، ومن الموضوعات الكثيرة التي تستحق البحث في تفاصيل حوزة قم العلمية يمكن أن نذكر: النظام التعليمي، والهيكل الإداري، والمدارس العلمية، والتعليم، والدروس، والشؤون الدراسية، والنظام المالي “الشهرية”، ونظام المرجعية، والعلاقة مع الحكومة ، والاستفتاء ،والإفتاء، والأسرة ، والعلاقة مع الجماهير، ونظام الدعوة والتبليغ والعديد من القضايا الأخرى في الحوزة التي يمكن أن تكون موضوعا للدراسة والبحث.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الوثائق التي يتم توفيرها في الحوزة العلمية، وكذلك نظام الكتب والمكتبات، ومكتوباتها وموضوعاتها الخاصة، والمنشورات الدينية والناشرين هي أيضًا من الموضوعات المثيرة للاهتمام في هذه الحوزة العلمية العريقة.
ومن الموضوعات التي يجب البحث فيها ودراستها أيضا نذكر: الحياة الخاصة لعلماء الدين في قم، مثل النظام التربوي الحاكم في عائلات علماء الدين وطلبة العلوم الدينية، وأبناء علماء الدين، واستمرارية التخصص في العلوم الدينية في العائلة، ومكانة النساء والبنات، وبالطبع مدارس النساء في الحوزة.
(پیشگفتار کتاب مجموعه مقالات بهمناسبت صد ساله شدن حوزه علمیه قم/ مقدمة لكتاب ” مجموعة مقالات بمناسبة مرور مائة عام على حوزة قم العلمية)