خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / 5 مذكرة / الإمام الصادق والاتجاه الفكري / بقلم الدكتور السيد محمد بحر العلوم

الإمام الصادق والاتجاه الفكري / بقلم الدكتور السيد محمد بحر العلوم

الاجتهاد: إذا كان الإمام الصادق (عليه السلام) قد اعتزل النشاط السياسي العلني نتيجة عوامل ظرفه المعاش، الزاخر بالسلبيات والمتناقضات فإنه توجه بكل طاقاته المعنوية، وقدراته العلمية إلى إبراز الأصالة الفكرية في مدرسة ائمة آل البيت “عليهم السلام”، وتألقها في ميدان المعرفة بما يتناسب وشموخها العلمي.

وهذه المدرسة – في حقيقتها – وضع لبنتها الأولى الإمام علي (ع) وتعهدها من بعده أولاده الغر المياميين، وكان دور الصادق فيها، ان باشر نهضتها على نطاق واسع مكشوف مبيناً الحقائق العلمية الإسلامية، والمفاهيم الشرعية، والأحكام الدينية وهو بذلك يجدد النهضة فيها بعد فترة من الركود الفكري تحمل وزرها الأكبر الحكام والأمراء والملوك الذين بسطوا سلطانهم على الساحة الإسلامية مغتصبين مركز القيادة في ادارة شؤون الأمة من اصحابها الشرعيين.

«لقد استفاد الإمام الصادق من ضعف القوى السياسية التي كانت من قبل تضيق عليه، وعلى الائمة من آبائه، بالنظر لأن عصره شهد ضعف وانهيار الكيان السياسي الأموي، ثم نشاط الحزب العباسي، وتأسيس الدولة العباسية وسط خضم من المنازعات والفتن، فانشغل الحكام بأمورهم هذه عنه مما أمكنه من فتح ابوابه لطلاب العلم والحقيقة، وجعله على اتصال مباشر مع الأمة يشحنها بمقومات الفكر والاصلاح والهداية” (١)

والإمام عندما تلمس واقع الأمة السياسي المرير، وسحطية ثقافتها العقائدية، وعدم وعيها لمسؤولياتها الاجتماعية اتجه إلى تهيئة المسارب الفكرية، وشحذ النفوس بالهمة والجلد لمعرفة الثقافة الاسلامية، والاستفادة منها استفادة فعالة في مواجهة تحديات التيارات المناوأة للعقيدة التي زخر بها ذلك العصر، وبما يؤهل الفرد للمشاركة الجدية في ترسيخ القواعد والأسس لبناء مجتمع انساني حضاري، هو من أهم اهداف المسيرة الإسلامية.

وان هذه العملية التغييرية البناءة للانسان المسلم تحتاج إلى انطلاق وتحرك من القيادة الرائدة، وأن الإمام كان محاطاً بعيون ترقب كل تحركاته وتحصي عليه انفاسه، في العهدين الأموي والعباسي، بالاضافة إلى الحملات الارهابية والتعسفية التي كانت تلاحق أصحابه وشيعته، وحتى يصل بهم إلى التنكيل والقتل، ولكن كل هذا لم يقف سداً في وجه الإمام من ممارسة دور القيادة الرائدة في الأمة، بحيث تمكن ـ رغم كل العقبات – أن يحقق أهدافه في هذا المضمار في خلق ثورة فكرية، لمت رواد العلم والفضيلة حولها، ونشرت الوعي الثقافي الإسلامي في اوساط الجماهير المتعطشة لثقافة آل البيت، حتى ذهبت المصادر التاريخية إلى القول بأن طلاب مدرسة الإمام أبي عبد الله الصادق تجاوزوا الأربعة آلاف طالب، ومن مختلف البلاد الاسلامية، جاؤوا لينتهلوا من غير الإمام في شتى أنواع المعرفة. وهي حصيلة ـ في حد ذاتها ، ووقتها ـ تعتبر انتصاراً كبيراً لأهداف الدعوة الكبرى.

إن البناء الحضاري للمجتمع – أي مجتمع كان ـ يرفع من مستواه التقييمي، عند مقارنته بالمجتمعات المتخلفة، ذلك لأن النهضة الحضارية تعيد صياغة الإنسان إلى جذوة زاخرة بالعطاء كما تشد تركيبة المجتمع إلى الرقي والتقدم.
والإمام من هذا المنطلق البناء، فجر الثورة الفكرية الزاخرة بالعطاء في ارجاء المجتمع وباشر عمله بالاسلوب العلني الظاهر في دفع مدرسته الثقافية، معتقداً أن السلاح وحده لا يحل مشكلة اجتماعية، ولا يدفع ظلامة مظلوم، ولا يخلق انساناً يتحلى بارادة صلبة، وبالعكس فإن الثورة الفكرية تنتج كل ما تقدم، وتنمو في ظله كل المقومات الأساسية للانسان المجند للعمل الظافر في ميدان العقيدة.

ولا بد لنا ونحن في اطار الحركة الفكرية – التي خلقها الإمام الصادق لأمته ـ أن نوجز مميزاتها ومحتواها، لنكتشف من خلالها الابعاد الرصينة في تحقيق الأهداف الكبرى للدعوة الإسلامية، ويمكن أن تتمثل بالاتي :

۱ – انها جمعت عدداً كبيراً من المسلمين، ومن شتى أنحاء العالم الإسلامي حتى تجاوز عدد طلابها الأربعة آلاف، في ذلك الوقت الذي لم يكن السفر فيه بسهولة اليوم، لتوفر المواصلات وراحة الانتقال.

٢ – كما أنها ضمت أعلاماً كباراً اشتهروا بمركزية علمية، ورئاسة مذهبية إسلامية فردية وجماعية، مما يدل على أن سعة آفاق هذه المدرسة في المعرفة الفكرية دفعت بهم للانتماء اليها، والاستفادة من منهلها وقد مرت الاشارة الغى ذكر بعضهم من غير الشيعة وقد ذكر أن أبا حنيفة – إمام المذهب الحنفي – قال: «لولا السنتان لهلك النعمان» ويقصد بالسنتين اللتين تلمذ بهما على الإمام الصادق.

كما ذكر عن مالك بن انس – إمام المذهب المالكي – أنه قال: « ما رأت عين ولا سمعت أذن، ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد فضلاً، وعلماً، وعبادة وورعاً، وكان كثير الحديث، طيب المجالسة، كثير الفوائد (٢).

٣ – أنها لم تقتصر في عطائها على الفقه والحديث، وان كانا من اولى مهامها فقد فتحت باب التخصص العلمي في الفلسفة، وعلم الكلام، والرياضيات، والكيمياء إلى جانب العلوم الدينية: كالتفسير والحديث، والفقه وأصول الفقه مما يدل على أن قصد الإمام الصادق كان متجهاً نحو قيام حضارة إسلامية متميزة تقوم على العلم والفكر فيما تقوم عليه من دعائم، وما تتجه نحوه من أهداف (٣) .

٤ – فتح باب الاجتهاد والاستنباط، وقد كانت الأفكار الفقهية خاصة تجمد على محتواها النصوصي وعندما يغلق باب الاجتهاد على مذهب فكري – أيا كان المذهب الفكري – فان عصر الصادق، وإقبال الناس عليها لمسايرتها للاوضاع الاجتماعية المتجددة(٤).

ه – تدوين العلوم والتأليف، فقد وضعت هذه المدرسة أساس التدوين والتأليف لمختلف العلوم التي تلقوها واخذوها عن الإمام ، ولم يكن تأليف الكتب معروفاً قبل الإمام الصادق، بل كان نادر الوقوع “فاذا بالصادق ينهض بهذا العبء ويحرض على التدوين والتأليف، ويقول لهم: (اكتبوا فانكم لا تحفظون ما تكتبون) (٥) ، ويقول مرة إلى المفضل بن عمر الجعفي – وهو من أخص تلامذته – أكتب، وبث علمك في اخوانك فان مت فورث كتبك بنيك، فانه يأتي زمان ما هرج يأنسون فيه إلا بكتبهم” (٦).

وذكرت المصادر: ان طلاب الإمام الصادق انطلقوا للتأليف والتدوين تبعاً لتعليماته فبلغت اربعمائة مؤلف في شتى أنواع المعرفة والعلوم (٧).

ان هذه أهم مميزات مدرسته الفكرية، والتي انعكست اثرها على المجتمع الإسلامي بما يدعو للفخر والاعتزاز، يقول الجاحظ : « وفجر الإمام الصادق (ع) ينابيع العلم والحكمة في الارض، وفتح للناس أبواباً من العلوم لم يعهدوها من قبل وقد ملأ الدنيا بعلمه. (٨)

وقال ابن حجر في هذا الصدد : « ونقل عنه الناس من العلوم ما سارت به الركبان صيته في جميع البلدان (٩)

 

الهوامش

۱ – حسن الأمين – دائرة المعارف الشيعية: ۷۸/۲ – ۷۹ .
۱ – المظفر – الإمام الصادق : ١٣٣/٢
٢ – للاطلاع على جوانب المعرفة في مدرسة الإمام الصادق يراجع : المظفر – الإمام الصادق: ۱۳۹/۱ – ١٨٥ وحسن الأمين – دائرة المعارف الشيعية : ٧٤/٢ – ٧٦ ورمضان لاوند – الإمام الصادق : ١٦٥ – ١٩٦ .
۱ – حسن الأمين – المصدر المتقدم : ۷۸/۲ .
۲ – المظفر – الإمام الصادق: ١٤٢/١
۱ – المظفر – المصدر المتقدم : ١٤٢/١
۲ – معروف – الائمة الاثنا عشر : ٢٥٥/٢ – ١٥٧ – ٣. الجاحظ – رسائله – تحقيق السندوبي: ١٠٦
٤ – ابن حجر – الصواعق المحرقة : ١٢٠

 

المصدر: الصفحة ٦٨ من كتاب: دور الإمام جعفر الصادق عليه السلام في مسير الدعوة الإسلامية. بقلم سماحة الدكتور السيد محمد بحر العلوم.

 

تحميل الكتاب

دور_الإمام_الصادق_ع_في_مسيرة_الدعوة_الإسلامية_السيد_محمد_بحر_العلوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign