خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / 55 مذكرة خاص / كربلاء الامس والحاضر.. بقلم: الشيخ عدنان الحساني الرميثي
كربلاء

كربلاء الامس والحاضر.. بقلم: الشيخ عدنان الحساني الرميثي

حينما نقرأ كربلاء لابد ان نقرأها قراءة موجهة تؤشر على كل النماذج التي اثرت في تلك الواقعة واسهمت في ايجاد التحولات الحضارية في الاخلاق والاداب والعقيدة، فشخصية الامام الحسين عليه السلام شخصية شمولية استوعبت كل قيم الحياة الدنيا والاخرة فهي قادرة على احداث تحول كوني على مستوى المفاهيم والقيم والاخلاق والسلوكيات والسنن النظمية..

خاص الاجتهاد:

كربلاء الامس والحاضر
مقاربات في وحدة المجال القيمي واتحاد الأنساق الموضوعية لإعلان الجهاد
“دراسة مقارنة”

تمهيد
كثيرة هي مطارحات العلماء والمفكرين ونظرياتهم حول التاريخ ووقائعه المتجددة ولعل هذا التضخم في الطرح التاريخي ادى بالنهاية الى نشوء علم جديد يطلق عليه في المحافل العلمية والفكرية بـ(فلسفة التاريخ).

وفلسفة التاريخ ترتبط بالنموذج الامثل الذي له صلاحية التوجيه للسنن التاريخية والحركة الاجتماعية فكلما كان هذا النموذج اكثر استيعابا للسنن والنواميس واعمق معرفة بالاسباب الطبيعية وذواتها التكوينية والنظمية كلما تعمقت سلطته المعرفية والتوجيهية وذلك لان مثل هذا النموذج يمتلك خصائص فريدة اما ان تكون هذه الخصائص لدنية زود بها وفق مقتضيات التوفيق الالهي والاستحقاق الخاص كما هو عند المعصوم عليه السلام او انه يمتلك مزايا اكتسابية جاءته وفق مقتضيات التزامه بالتكاليف الالهية مما وفر له حالة من الاستعداد لبعض التوفيقات التي أهلته للاستفادة من تجارب التاريخ وربط العلل بالمعلولات وبالتالي القدرة على توجيه السنن الاجتماعية وفق قراءة موفقة لحركة التاريخ كما هو عند بعض قادة الدين وورثة المعصومين من العلماء العاملين..

ولعل الشكل الثاني من هذه النماذج المثلى يعتمد في قراءته للتاريخ على عدة قواعد وأصول منها قواعد وأصول علمية نظرية ومنها قواعد واصول تعتمد مبدأ الاعتبار والتأسي.

اذن ثمة قاعدتين لابد من تحليل مؤدياتهما الواقعية وهما:
1- القاعدة العلمية
2- القاعدة الاعتبارية (التأسي)
وكلا القاعدتين ترتبطان في اغلب تجلياتهما بالشكل الاول من النماذج المثلى أي (المعصوم) واقصد بالمعصوم هنا اعم من عنوان اهل البيت ع فهو يشمل (القرآن والانبياء ع ) ايضا.

ولعل التعامل مع القرآن في هذا المجال يأتي باعتباره نافذة على قصص الامم والانبياء والمثلات والامثال التي يمكن ان تكون منشئا للاعتبار الذي تبتني عليه القاعدة الثانية كما انها مصدرا من مصادر العلم المعرفة الذي تبتني عليه القاعدة الاولى. نعم ثمة مصادر اخرى للعلم والاعتبار معا تتصل بما يرتبط بالتاريخ العام والقضايا التاريخية التي لم يتطرق اليها الكتاب الكريم وكذلك التاريخ الحديث والمدارس العلمية الاخرى وكل هذه المصادر هي ثانوية لذلك عبرنا بالأغلب حين تحدثنا عن ارتباط القاعدتين بالنموذج المعصوم اذ يبقى للمصادر الثانوية ثمة هامش للاستفادة منها في استكشاف السنن التاريخية وتوجيهها..

الاطر العامة لقوانين التاريخ على ضوء الكتاب الكريم

اولا: استقراء السنن الاجتماعية: ويتحدد هذا القانون من خلال رؤية القران الكريم للحركة التاريخية للبشرية من حيث ربط الاسباب بالمسببات وقياس النتائج الى الافعال عن طريق المسير الاستقرائي العقلي والنظر بتأمل الى النتيجة الموحدة لكل تلك النتائج والذي اشارت اليه العديد من الآيات كما قوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [آل عمران : 137].
ويقول تعالى : {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الأنعام : 11]

ثانيا: ملاحظة المعايير الاعتبارية
من اهم القيم التاريخية التي اكد عليها الكتاب الكريم كمعايير تصلح ان تكون قانونا اجتماعيا عاما للسلوك السليم الذي ينسجم مع السنن التكوينية والاجتماعية السليمة هو قيمة العبرة والاعتبار كما في قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف : 111]

فان قصص الانبياء مع مجتمعاتهم تصلح لان تكون قانون عام ينبغي ان ينتفع منه المجتمع من خلال استقراء النتائج التي خرجت بها تلك القصص والركون الى نتيجة موحدة ومن ثمة التزام طريق الحمية السلوكية والاعتقادية مع النبي الخاتم ص والتصديق بما جاء به والايمان به والا سيصيبهم ما اصاب الامم السابقة.

ومن المعايير التي تنسجم مع مقولة الاعتبار هي:
أ‌- معيار التأمل كما في قوله تعالى: {..أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ} .
المسلمون اليوم بحاجة الى التأمل في تاريخهم وبحاجة الى تفعيل خاصية الاعتبار.. فما حدث في كربلاء الحسين ع يدعو الى التأمل يدعو الى المفاضلة بين الدنيا والاخرة بين الهدى والضلال ..الخير والشر.. الحق والباطل.

حينما تفهم الامة تاريخها وتحسم خياراتها فانها في المقابل من ذلك اما ان تستوفي استحقاقها بمقتضى انتخابها للسبيل الاقوم او يرتد عليها خيارها بؤسا وشقاء وهذا ماحصل ويحصل في عصرنا الراهن، لان الأمة تنكرت للقيم التي ضخت في كربلاء الحسين ع وارادت الامة ان تكرر نفس الاخطاء وتنتصر لإرادة الشر استجابة لميولها وشهواتها وانسياقا وراء شياطين الأنس من قوى الاستكبار والظلام وعاد اليزيديون بلباسهم الاسود يقطّعون الاعضاء ويسبون النساء وعادت كربلاء بلونها القاتم والحسين ع يستصرخ اصحابه وهم يلبون نداءه فردانا وجماعات.

الامة التي هجرت القران ليست جديرة بالتأمل في آياته ونظمه وقوانينه وسنن التاريخ وحركته ففقدت ارادتها في انتخاب القيم فلم تستفد من دروس كربلاء ولم تربط اسباب تلك المأساة بمسبباتها فوقعت في سوء اعمالها فكلما جاءت امة لعنت اختها..لكن لازال لله في أرضه رجال يسابقون التأريخ وينهلون من القرآن دروسهم في الايمان والمعرفة ويملكون الارادة الحقة وهم الحسينيون الذين لاتخلو منهم الارض ولم تتيبس بهم الاصلاب أو تعقم بهم الارحام يضعون أرواحهم على الاكف يعيرون جماجمهم لله تعالى يصمخون باذانهم إنصاتاً لمستصرخهم وحين اذن للذين ظلموا هبوا وهم يلبون النداء يتهادون الى الموت حبا لله وكرامة لدينه ومعرفة بتكليفهم الديني والتأريخي..

ب‌- معيار المقابلة: كما في قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [النمل : 69] وكما يقول تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} [الروم : 42] ويقول تعالى : {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الأنعام : 11] وكما يقول عز من قائل:{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [آل عمران : 137].

الامة التي أجرمت بحق ابن بنت نبيها ولم تحسن قراءة التأريخ قراءة فاحصة بحيث تستدعي قيم العبرة والموعظة ستتحول الى امة مقروءة تتخطاها امتيازات التحضر والتقدم على صعيد الاخلاق والنظم الكفيلة بإدامة زخم البقاء وتبقى رهينة لإملاءات وارادات الحضارات الاخرى لتبقى حبيسة التأريخ الاسود القاتم في حين ان من ضرورات الانبعاث الحضاري الاستفادة والانتفاع من اخطاء التاريخ ومنعرجاته وهذه هي فلسفة التاريخ هذه فلسفة القراءة الفاحصة في قصصه ووقائعه واحداثه, فليس التاريخ مجرد سلسلة احداث منفصلة بل هو ترابط قيمي بين الاجيال المتعاقبة فالجيل المتأخر في سلوكه وآدابه هو امتداد لتلك النماذج الموجهة التي سبقته في الجيل المتقدم.

وحينما نقرأ كربلاء لابد ان نقرأها قراءة موجهة تؤشر على كل النماذج التي اثرت في تلك الواقعة واسهمت في ايجاد التحولات الحضارية في الاخلاق والاداب والعقيدة، فشخصية الامام الحسين عليه السلام شخصية شمولية استوعبت كل قيم الحياة الدنيا والاخرة فهي قادرة على احداث تحول كوني على مستوى المفاهيم والقيم والاخلاق والسلوكيات والسنن النظمية..

ان المشهد الملحمي الذي تميزت به النهضة الحسينية والذي اختزل عموم قيم الصراع بين الحق والباطل في حركة التاريخ ككل هذا المشهد استوعب جميع اطراف المعادلة الكونية وقدمها كتجربة كبروية ترتقي بالوجدان والعقل والفطرة والحس نحو التكامل من دون الحاجة الى الاستعانة بتجارب اخرى لانها ستكون مبتورة وناقصة وهو السر الذي جعل من الشيعة مذهبا مستغنيا بذاته ومعتدا بما يملك من ارث حسيني عميق.

هذه التجربة الكبروية الشمولية اضافت مسوغا ودافعا قويا لعلمائنا وقادتنا لتوظيف قيمها واستحضار مفاهيمها في كل مراحل الصراع مع الباطل وفي كل مراحل التاريخ ولعل ماوقع من احداث في التاريخ المعاصر يشير الى هذه الحقيقة .

في ثورة العشرين كانت هذه القيم حاضرة حيث برزت بقوة فتاوى العلماء المجاهدين وتحولت كربلاء من قراءة ساكنة الى قيم متحركة على ارض الجهاد وهي القيم التي برزت في فتوى الجهاد الكفائي للمرجعية الرشيدة التي اصدرتها لمواجهة الأمويين الجدد..

لعل ابرز القيم التي افرزتها الفتوى المباركة للمرجعية هي قيمة العزة والكرامة فاي تهاون امام الاعتداء على الاعراض والمقدسات ماهو الا صورة من صور الابتذال اللامبرر لقيم العزة والكرامة وهي قيمة اساسية ركز عليها الاسلام والقران وسيرة اهل البيت عليهم السلام..

لاريب ان كربلاء تشكل رصيد لامتناهي من المعاني والمفاهيم والقيم الانسانية التي استلهمتها الفتوى المباركة للمرجعية الرشيدة… سيما وان اهم قيمة تركزت في مضامين ادبيات عاشوراء هي قيمة العزة لان هذه القيمة تعبر عن محتوى الرسالة الاسلامية ككل ففي حال اهملت هذه القيمة كان الكلام عن سائر المثل والمعاني الاسلامية غير منتج وفاقدا لمقوماته الحقيقية.

فمهما كنت ايها المؤمن متلبسا بالشعائر والشعارات والفرائض والافتراضات فانت فاقد لأهليتك الرسالية في الوقت الذي تتنازل فيه عن هذه القيمة الاساسية التي تمثل جوهر البقاء والسلاح الفعال في ادارة الصراع مع الباطل.

لذلك نجد ان معظم كلمات الامام وشعاراته في عاشوراء كانت تتركز حول هذه القيمة وهذا المبدأ فنراه ينادي بالناس وهو في بداية انطلاقه الى كربلاء حيث يقول: ((أما بعد: فقد نزل بنا ما قد ترون، وأنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر معروفها، ولم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً)).
ويقول في مناسبة اخرى: ((ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ، ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت ، وأنوف حمية ، ونفوس أبية)) .

اذن فان أي ظاهرة استلاب تحاول ان تستلب هذه القيمة عن ادبيات الاسلام فهي ظاهرة مستنكرة يجب مواجهتها بشتى السبل ومهما بلغت التضحيات..
الامر الذي توجهت المرجعية الى اهميته باعتباره ركيزة المجتمع المسلم وقوام وجوده وديمومة حضارته..

اذن فالبعد القيمي المتقابل من حيث الاعتبار والسنن التاريخية بين كربلاء الامس واليوم عبرت عنه المشابهة في تحديد القيم الكفيلة بالدفاع عنها فكانت كربلاء استلهاما لدروس كربلاء الامس وكانت المرجعية والحوزة هي الامتداد الطبيعي لتطبيق الدروس الحسينية الخالدة وتمثيلها على ارض الواقع لمواجهة التحديات التاريخية المختلفة.

ت‌- معيار الأمكنية… والملاحظ في هذا المعيار ان فيه تحشيدا واضحا للنصوص القرآنية وما ذلك الا لان البشرية على طول خط التاريخ مستغرقة في قيم المادة والقوة بحيث شكلت هذه القيم عند البشرية مقياسا اساسيا في الانحراف عن طريق الحق والسلوك السوي كما في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الروم : 9]

وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر : 44]

وقوله عز من قائل: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} [غافر : 21] وقوله تعالى:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [غافر : 82] .

في كل الادوار والعصور يستند الطغاة الى جبروتهم والى مقدرات القوة المادية من المال والسلاح وهو ماحدث في عصرنا الراهن حيث استند الدواعش الى ذلك الدعم اللوجستي الذي يأتيهم من ممالك البترول….والتخطيط المبرمج القادم من وراء المحيطات..ولكن ماهي الفلسفة التي جعلت من هولاء الذين يدعون الاسلام يلجاون الى هذه المصادر التي هي بعيدة كل البعد عن جوهر الاسلام وتعاليمه؟.

نقول لا يخفى ان الانسان بفطرته يتجه الى خالقه والى تحقيق الكمال لكنه قد ينحرف عن مسار تلك الفطرة بسبب عوامل ترتبط بفلسفة الامتحان والابتلاء والتمحيص وهذا هو ديدن اغلب الناس كما يقول الامام الحسين عليه السلام)):الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم يلوكونه مادرت معايشهم فاذا ما محصوا بالبلاء قل الديانون)) .

هكذا هو الانسان حينما يصاب بالضعف والهوان يشعر بالضحالة في نفسه فيحاول ان يلجأ الى العوامل المادية والبشرية يبحث عن القوة والمنعة فيحاول ان يلبس لباس العزة لكن عن طريق الذلة فيتوهم انه قد تحصن بالمنعة وحقق ذاته لكنه قد ضل الطريق يقول عز وجل حكاية عن المنافقين: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} .

لذلك نجد ان جميع خطابات المصلحين المقدسين من الانبياء والائمة عليهم السلام…. توجه نحو طلب العزة من مصادرها الواقعية لذلك تظهر علامات المنافق حينما تتعلق المسألة بطلب العزة حيث تجده جاهدا في طلبها من غيرها سبيلها سبيل الحق فنجد المنافق السياسي مثلا يبحث عن المال والسلاح مثلا ليس مهما ممن المهم توفير هذين العنصرين اللذان يمثلان القوة في ادبيات الباطل .

فنجد ان ضعاف النفوس يطلبون العزة فيهما ويدخلون في دائرة ولاية الشيطان فقط من اجل تحصيل مكاسب دنيوية يحاولون تحصينها بالمال والسلاح فهذه العناصر مصادر القوة والمنعة لأولياء الشيطان .
اما اولياء الرحمن تلاميذ مدرسة كربلاء مدرسة العزة هم الذين ادركوا قيمة الاتصال بالقيم المعنوية والروحية فالانسان ذو طاقة عالية وخلاقة فكلما تصاعد ايمانه انبعثت فيه القوة والطاقة والعقيدة القتالية الهائلة التي لاتقف قبالها اي قوة اخرى بلغت ما بلغت..

ث‌- معيار المماثلة وهذا المعيار جاء للتأكيد على ان سنن التاريخ تتكرر في حق المنحرفين عن القانون التكويني السوي كما في قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد : 10].
……….

مدرسة كربلاء في سياق القوانين والنظم الاعتبارية

لكل منظومة قيمية ثمة قوانين ثابتة لابد من مراعاتها لكي تتم عملية الاقتداء والتأسي بالنماذج المثلى ..والنموذج الامثل ماهو الا تطبيق لتلك القوانين والقيم ولعل الامام الحسين ع بما يمثلة من نموج سام في اطار التضحية والفداء في سبيل القيم هو المطبق الامثل لقوانين المنظومة الاسلامية واهم القوانين الطبيعية التي عالجتها الرؤية الاسلامية هي:

• قانون الموت والحياة..الشهادة بوصفها موجها

وهو القانون الذي يتيح للبشرية تنويع حضاراتها وفقا لترابط الاجيال مما يفضي الى التجدد في كثير من حقول الفكر والمعرفة والعادات والسلوك على صعيد الفرد والمجتمع يقول تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك : 2]ويقول عز وجل: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} [الواقعة : 60].

ولو حيدنا البعد الاخروي لفلسفة الموت وتحدثنا عن الموت بقدر علاقته بصنع المستقبل نجد ان هناك توافقا كبيرا بين التوجه المادي والتوجه الديني في حدود بيان اهمية الموت بالنسبة الى النتائج المتوخاة تاريخيا واجتماعيا. يقول فرانسيس فوكوياما:(ستلحق اطالة العمر اضرارا فادحة بأغلب التسلسلات الهرمية القائمة حاليا والمرتبة حسب العمر وتفترض هذه التسلسلات الهرمية تقليديا بنية هرمية لان الموت يغربل جماعة المتنافسين على المناصب الرفيعة …الى ان يقول…ولقد شهدنا بالفعل العواقب الضارة لاستطالة تتابع الاجيال في الانظمة الاستبدادية التي لاتوجد بها متطلبات دستورية تحدد فترة البقاء في سدة الحكم)

الا ان هذه المدارس تربط الاسباب والنتائج المترتبة على قانون الموت ربطا ينسجم مع رؤيتها الكونية اما بالسياسة او بالاقتصاد او بالخصوبة والترف بل ان العقل البرجوازي الغربي ذهب الى ابعد من ذلك حيث اشتهرت لديهم المقولة التي تقول :(ان فرع علم الاقتصاد يتقدم خطوة بعد كل جنازة) .
وهذه لها مدخلية الا انها ليست هي كل الاسباب او النتائج .

وفلسفة الموت على شرط الاسلام تختلف عن فلسفته في المدارس الاخرى ففي حين ان تلك المدارس تفسر الموت من جهته الفسلجية الديناميكية المرتبطة بحركة التاريخ وصراع الحضارات فان الاسلام يجعل من الموت حالة مولدة تتوالد منها قيم الفضيلة والانسجام الاجتماعي والاخلاقي والسلوك السوي.. يقول امير المؤمنين (ع): “فليعمل العامل منكم في أيام مهله قبل إرهاق أجله وفي فراغة قبل أوان شغله . وفي متنفسه قبل أن يؤخذ بكظمه وليمهد لنفسه وقدومه . وليتزود من دار ظعنه لدار إقامته” .

فالعمل والسلوك السوي حالة ينبغي ان تتولد من قيم الايمان بالثواب والعقاب الاخروي ولان الموت هو الهوية البارزة لذلك اليوم فهو المحفز القيمي لذلك السلوك السوي..كما ان اطالة العمر في الفكر الاسلامي يرتبط بعلاقات سلوكية مع عالم الغيب في افاق البعد المثالي لتفسيره فان الصدقة وصلة الارحام مثلا لها مدخلية اساسية في تنميط هذه المسالة بينما يمثل الترف الاقتصادي والاستقرار الأمني حالة هامشية رغم اهميته الطبيعية في سير الاعمار.

ولاترتبط فلسفة الموت في البعد الفردي فقط وانما ترتبط معنويا بالبعد الاجتماعي الأممي وهو مايعبر عنه القرآن الكريم بالأجل او ما نستطيع ان نعبر عنه نظريا بالفشل الحضاري يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس: (هناك وراء الأجل المحدود المحتوم لكل إنسان بوصفه الفردي، هناك أجل آخر وميقات آخر للوجود الإجتماعي لهؤلاء الأفراد، للُامة بوصفها مجتمعاً يُنشئ ما بين أفراده العلاقات والصلات القائمة على‏ أساس مجموعة من الأفكار والمبادئ المسندة بمجموعة من القوى‏ والقابليات.

هذا المجتمع الذي يعبّر عنه القرآن الكريم بالامة، هذا له أجل، له موت، له حياة، له حركة، كما أنّ الفرد يتحرّك فيكون حيّاً ثمّ يموت، كذلك الامّة تكون حية ثم تموت، وكما أنّ موت الفرد يخضع لأجل ولقانون ولناموس، كذلك الامم أيضاً لها آجالها المضبوطة. وهناك نواميس تحدّد لكل امّة هذا الأجل) .

• قانون الخير والشر..القيم بوصفها موجها

في هذا القانون يتشكل جانبين مهمين من جوانب رسم المسار في خارطة طريق التخطيط الالهي العام
الاول: الجانب الاضطراري الذي تعبر عنه حركة الطبيعة والكون والذي يقع ضمن سياقات الاغراض والغايات التي تنسجم مع الحركة المرسومة تكوينيا للتاريخ.
الثاني: الجانب الاختياري الذي تتدخل فيه النزعة الانسانية من حيث السلوك العام في سياق ما ينبغي ومالا ينبغي وفق الاعتبارات الناشئة عن تشريعات تنسجم مع الفطرة التي تشكل حلقة وصل مابين التكوين وقوانينه والتشريع ومراداته.

• قانون الكون والفساد.. السنن التكوينية بوصفها موجها

يعتبر الثابت والمتغير التكويني هو البنية المستقرة في ترتيب دينامكية التطور ضمن مقولة الحركة سواء على مستوى المكان(الطبيعة)او الزمان(التاريخ) وهذه البنية التي يؤمن بها الفكر الديني ويفسرها تفسيرا ينسجم مع معطيات الواقع الملموس بالفطرة او المنقول نصيا على خلاف الفكر المادي الذي تلوثت فطرته وازاح المدلولات والمقاصد النصية من معطياتها الثبوتية الى تعددية ذات اطر تفريغية وتعليقها على شماعة التاريخانية….

عناصر الغلبة في المعيار الكربلائي بين الامس واليوم

ثمة هدف كبير لايمكن الوصول اليه الا من خلال تطويع الارادة وتكييفها مع السنن التاريخية من جهة والسنن التشريعية من جهة اخرى وهما معا يشكلان السنن الامتحانية التي بموجبها تتحدد النتائج اما النجاح والوصول الى الهدف او السقوط والانحراف والتماهي مع الظالمين .

وهذا الوصول يمكن ان يتحقق مع وجود التفاوت العددي مهما بلغ هذا التفاوت انما المهم ان يتناسب مع قياسات وموازين خاصة موصوفة قرآنيا .. وهذا الجعل القرآني هو في حقيقته ترتيب اسباب وعلل جديدة تتدخل بشكل مباشر في تغيير السنن التاريخية العامة فمن المعلوم ان مقتضى السنن التاريخية العامة هو كلما تباينت القيم العددية بين طرفي المعادلة كان الترجيح من نصيب القيمة العددية الأكبر الا ان الكتاب الكريم وضع معادلة جديدة واضاف سننا استثنائية خصصت العمومات الفوقانية للحركة التاريخية يقول تعالى: {… قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة : 249].

اذن فقد اسس الكتاب الكريم قاعدة تعبوية جديدة لاتعتمد مبدأ القيم العددية وانما تعتمد على اوصاف وقيم ومبادئ معنوية عالية قادرة على توليد القوة المناسبة لتحقيق التكافؤ ومن ثم الغلبة والانتصار يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}.

فالنسبة اذن واحد الى عشرة وهي نسبة تفوق هائلة خصوصا اذا علمنا ان هذه المعادلة هي من القيم الثابتة التي تنسجم مع تصعيد حالة الايمان والاعتقاد بالقضية والنضوج الفكري والمعرفي فكلما صعدت هذه القيم كلما قل الاعتماد على القيم العددية لذلك نجد الكتاب الكريم حينما دب الضعف الحماسي والعقائدي لدى المسلمين نجده تلقائيا وضع تناسبا جديدا ينسجم مع هذا التراجع المؤقت حيث يقول تعالى : {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال : 66].
لذلك فان الايمان بالقضية يستدعي الثبات والتصبر على قلة العدد والناصر فان ذلك هو الضامن الاساسي للنجاح والوصول الى الهدف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign