خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / 5 مذكرة / قاعدة التسامح في أدلة السنن.. جذورها وأقوال الفقهاء فيها / الأستاذ محمدجواد فاضل اللنکراني
التسامح في أدلة السنن

قاعدة التسامح في أدلة السنن.. جذورها وأقوال الفقهاء فيها / الأستاذ محمدجواد فاضل اللنکراني

الاجتهاد: إنّ الكثير من المحدّثين وضعوا المسائل الواردة في سيرة وتاريخ حياة النبيّ الأكرم “ص” والأئمّة المعصومين “ع”، وما واجهه هؤلاء الأولياء من معاناة وصعوبات وتحدّيات جمّة في مسيرة حياتهم، وكذلك الدعاء والمناجاة، في دائرة التسامح في أدلة السنن ، ولم يروا لزوم التحقيق في أسنادها، وقد شُهد بسبب عدم وضوح الحدّ الفاصل في مسألة التسامح، ظهور أشكال من التحريف في الثقافة الدينيّة وتعاليم الإسلام، وأنّ الروايات في هذا المجال ضعيفة وقد تكون غير منسجمة مع السنّة الشريفة. بقلم: آية الله الشيخ محمّدجواد فاضل اللنکراني

إنّ إحدى القواعد المؤثّرة في دائرة الفقه والأصول، قاعدة « التسامح في أدلة السنن »، وهذه القاعدة وردت في مسألة الاحتياط في الشبهات الوجوبيّة، التي هي مسألة أصوليّة بوصفها أحد الطرق لتقرير إمكان الاحتياط، وكذلك وردت في الفقه أيضا في جميع الأبواب الفقهيّة تقريبا وتترتّب عليها أحكام كثيرة؛ وذلك لأنّ هذه القاعدة تتناول البحث في المستحبّات والمكروهات التي ترد في الكثير من أبواب الفقه،

ومن هذه الجهة ينبغي البحث والتحقيق في تفاصيل وجذور وأساس هذه القاعدة وأدلّتها لمعرفة مقدار استحكامها وكذلك سعة دائرتها؛ لأنّ معرفة هذه الأبعاد لهذه القاعدة تترتّب عليها آثار ومعطيات مهمّة في المسائل العلميّة وغير العلميّة.

وعلى سبيل المثال يمكن الإشارة إلى هذه النقطة، وهي أنّ السنن والآداب والمسائل الأخلاقيّة في دائرة التعاليم الدينيّة والثقافة الإسلاميّة لها موقعا مهمّا ومكانة رفيعة، وأنّ الكثير من عقائد وسلوكيّات الناس تمحور وتتشكّل على أساس هذه السنن والمستحبّات، ومن هذه الجهة فلو أنّنا تحرّكنا على صعيد القبول بهذه القاعدة في مجال العمل بالمستحبّات والتسامح فيها فربّما يؤدّي ذلك إلى حفظ الكثير من المستحبّات والانتفاع منها على المستوى الفردي والاجتماعي والاستفادة من بركاتها، ولكن من جهة أخرى فربّما تتسبّب في إحداث أضرار وافرازات سلبيّة غير قابلة للجبران في دائرة الثقافة الدينيّة،

فالكثير من السلوكيّات والأعمال الفرديّة والاجتماعيّة التي تسبّبت في صياغة ثقافتنا الدينيّة قد لا تنسجم مع روح الدين والمذهب وأقوال الأئمّة المعصومين عليهم‏السلام وبالتالي ينكشف أنّ التسامح في قبول الروايات الضعيفة والفاقدة للسند يتسبّب في صياغ ثقافة دينيّة غير متلائمة مع الثقافة الدينيّة الأصيلة المقتبسة من المصادر والمنابع الدينيّة الصحيحة.

إذن، مع الالتفات إلى ما تقدّم يتبيّن:

أوّلاً: إنّ كثيراً من الروايات والأحاديث تتحدّث عن المستحبّات، والكثير من الفقهاء أفتوا بأحكام مستحبّة على أساس هذه الروايات، وهؤلاء الفقهاء لم يجدوا أنفسهم ملزمين بالتحقيق في مكانة هذه الروايات، وقد تساهلوا في قبولها والفتوى على أساسها، من قبيل: استحباب تلقين الميّت بعد الدفن، واستحباب الوضوء عند حمل القرآن، واستحباب الوضوء قبل الغسل، وكراهة الصلاة في اللباس الذي يتّهم مالكه بالغصب، وكراهة الوقوف للصلاة مقابل قبور الأئمّة “عليهم ‏السلام” والكثير من المستحبّات والمكروهات الأخرى .

وثانيا: إنّ الكثير من المحدّثين وضعوا المسائل الواردة في سيرة وتاريخ حياة النبيّ الأكرم “صلى ‏الله‏ عليه‏ و‏آله” والأئمّة المعصومين “عليهم‏ السلام”، وما واجهه هؤلاء الأولياء من معاناة وصعوبات وتحدّيات جمّة في مسيرة حياتهم، وكذلك الدعاء والمناجاة، في دائرة التسامح في أدلة السنن ، ولم يروا لزوم التحقيق في أسنادها، وقد شُهد بسبب عدم وضوح الحدّ الفاصل في مسألة التسامح، ظهور أشكال من التحريف في الثقافة الدينيّة وتعاليم الإسلام، وأنّ الروايات في هذا المجال ضعيفة وقد تكون غير منسجمة مع السنّة الشريفة،

ولكن مع ذلك تساهل علماء الدين فيها وذكروها في كتبهم الروائيّة، وهذا التساهل في أمر السند وعدم الاهتمام بالمضمون والمحتوى والتعارض مع التعاليم الدينيّة، مهّد الأرضيّة لهجوم المخالفين وتحرّكهم على صعيد الانتقاص من تعاليم المذهب، ومن هذه الجهة نرى من الضروري السعي لمزيد من البحث والتحقيق في هذا الموضوع، ودراسة أدلّة هذه القاعدة وحدودها وأبعادها لنقترب من الحقيقة أكثر.

معرفة المفهوم

بداية نرى من المناسب استعراض المفردات المستخدمة في هذه القاعدة ومعرفة المراد والمفهوم منها:

1. القاعدة: يعني القانون الكلّي والشامل الذي يستخدم في موارد مختلفة وينطبق عليها.

2. التسامح: التسامح في اللغة يأتي بمعنى التساهل وغض النظر والسعي لتسهيل الأمر.

3. أدلّة السنن: السنّة في اللغة تعني الطريق والمنهج، وفي اصطلاح الفقهاء: قول وعمل النبيّ “صلى ‏الله‏ عليه‏ و‏آله”، وفي التعريف الشيعي: أقوال وأعمال النبيّ “صلى ‏الله‏ عليه‏ و‏آله” والأئمّة عليهم‏السلام، ولكن أحيانا تستعمل كلمة «سنن» في مطاوي كلمات الفقهاء والبحوث الفقهيّة، ومنها البحث في «قاعدة التسامح» في الأعمال المستحبّة.

وعلى هذا الأساس، فلعلّه يمكن القول بداية: إنّ قاعدة التسامح في أدلة السنن لها ثلاثة معانٍ‏ كليّة:

أ) قاعدة التسامح، تعني: لا ينبغي التشدّد في أمر الأدلّة والروايات التي تدلّ على المستحبّات، والعمل بمضمونها حسن ولو كان سند الرواية ضعيفا، ومن المعلوم أنّه على أساس هذا المعنى يعدّ الحكم بالاستحباب من لوازم هذه القاعدة.

ب) قاعدة التسامح، تعني: إذا كان لدينا دليل ضعيف على استحباب عمل معيّن قمنا بالعمل بهذا الأمر المستحب، حتّى لو لم نعتقد بحجيّة هذا الخبر الضعيف، وعلى أساس هذا المعنى فإنّ قاعدة التسامح تثبت الاستحباب لهذا العمل بالعنوان الثانوي، مثل: عنوان الاحتياط، ولا شأن لها بحجيّة الخبر الضعيف.

ج) قاعدة التسامح، تعني: أنّ الاتيان بالعمل الذي يحتمل أن يكون مطلوبا حسن، رغم أنّه لابدّ من الاتيان به رجاء الثواب لا بعنوان الاستحباب، وعلى هذا الأساس فإنّ قاعدة التسامح لا تثبت حجيّة خبر الضعيف ولا استحباب العمل، ومعلوم أنّ هذا المعنى أوسع دائرة من المعنيين السابقين، وتوجد في باب التسامح جميع هذه الأقوال والرؤى، يعني يمكن القول بأنّ جميع الفقهاء يقبولون قاعدة التسامح على أساس هذا المعنى.

خلفيّة التحقيق

عادة يتحدّث الفقهاء عن مسألة التسامح في بحث سنن الوضوء، والأصوليون بدورهم يبحثون في هذه المسألة في بحث الاحتياط في العبادة وإمكان اثباته بواسطة دليل التسامح، وبعض آخر يبحث في هذه المسألة في مستثنياة شروط خبر الواحد .

والنقطة المهمّة هنا أنّ بعض الفقهاء ذهبوا إلى أكثر من ذلك في هذه المسألة وقالوا: لا حاجة للتقليد والاجتهاد في مورد المستحبّات ، أو يقولون في باب الأدعية: لا يجب التحقيق والفحص في الأسناد الروائيّة للأدعية؛ لأنّه حتّى لو كان سندها ضعيفا فنحن نعمل بها على أساس قاعدة التسامح ، وعلى ضوء ذلك تتبيّن الأهميّة الفائقة للتحقيق والتمعّن في هذه القاعدة، وخاصّةً أنّ بعض الفقهاء عندما يصلون إلى ذكر المستحبّات في هامش العروة الوثقى أو كتب فقهيّة أُخرى يقولون: إنّ هذه المستحبّات مقبولة لدينا حتّى لو كانت روايتها ضعيفةً؛ وذلك على أساس قاعدة التسامح في أدلة السنن، ولذلك لا نتعرّض في البحث في تفاصيلها .

ومن هذه الجهة، يجب علينا البحث والتحقيق في جذور هذه المسألة لنعلم ما هو المصدر لهذه القاعدة ومقدار اعتبارها؟

عندما نبحث في كلمات الفقهاء من القدماء والمعاصرين في مسألة قاعدة التسامح فسوف نرى أنّ الفقهاء قبل العلاّمة الحلّي (قدس سره) لم يذكروا في كتبهم الفقهيّة شيئا بعنوان دليل التسامح، نعم، أورد الكليني (قدس سره)في الكافي روايتين من روايات أخبار من بلغ، التي تعتبر الأساس والأصل لدليل قاعدة التسامح، ولكن الشيخ الطوسي (قدس سره) لم يذكر هذه الروايات في التهذيب والاستبصار،

أمّا الشيخ الصدوق (قدس سره) فإنّه لم يتعرّض لذكر هذه الأخبار في كتابه من لا يحضره الفقيه، بل ذكرها في كتاب ثواب الأعمال ، وكذلك لا نرى في كلمات الشيخ الطوسي، والشيخ المفيد، والسيّد المرتضى، وابن إدريس، وابن حمزة وسلاّر رحمهم‏اللهأثراً عن مسألة التسامح في أدلة السنن ؛ وهذا يعني أنّ هذه المسألة لم تكن مطروحة في أكثر كتب القدماء، بل أنّه يمكن القول: إنّ العلاّمة (قدس سره)ذكر هذه القاعدة لأوّل مرّة في منتهى المطلب ، وقد ذكرها الشهيد الأوّل أيضا أصرح منه في كتاب الذكرى ، وبعده ذكر هذه القاعدة بصراحة المرحوم الشيخ حسين الخوانساري ، والشيخ البهائي ، والسيّد المجاهد ، والمرحوم المولى أحمد النراقي ، والمحقّق المراغي في العناوين ، والشيخ الأنصاري ، والمحدّث البحراني رحمهم‏الله ، وقد قَبِل بعضهم هذه القاعدة وردّها البعض الآخر، وبهذه الطريقة اشتهرت هذه القاعدة بين الفقهاء.

وعلى هذا الأساس فلو أردنا معرفة هل أنّ هذه القاعدة وقعت مورد القبول لدى القدماء أو أنّهم صرّحوا بهذه القاعدة في مورد المستحبّات وذهب إلى التسامح فيها، والعمل طبقا للروايات الضعيفة الواردة في هذا الشأن، فلابدّ من التحقيق في هذه المسألة بشكل واسع، ولذلك يمكن البحث عن الفروع التي ذكرها المتأخّرون في مسألة التسامح والعثور عليها في كلمات المتقدّمين أيضا وأنّهم قد أفتوا في هذه الموارد بالاستحباب أم لا؟

نظرة على مقدّمة كتاب منتهى المطلب

جاء في مقدّمة منتهى المطلب أنّ الفقهاء، رغم أنّهم يرفضون العمل بالرواية الضعيفة، ولكن هناك بعض الموارد في الفقه قد عملوا بها، وظاهر هذا الكلام أنّ طريقة القدماء أيضا كانت على هذا المنوال، وأنّ هذا المعنى لا يختصّ بالعلاّمة الحلّي (قدس سره) ومن بعده.

وهنا نقطة أخرى أيضا وردت في هذه المقدّمة، وهي أنّ الراوي قد لا يكون مقبولاً من حيث المذهب أو من جهات أخرى، ولكن هذا لا يلزم أن يكون هذا الراوي كاذباً في جميع الأحوال، ولذلك لو نقل رواية وكانت هذه الرواية مطابقة للاحتياط، أو لا يوجد لها أيّ معارض، أو أنّ عمل الفقهاء يجبر ضعفها، أو أنّ قاعدة التسامح تنطبق عليها، فلا يبعد أن يعملوا بها الفقهاء،

إذن فالمنشأ الأوّل للعمل بالرواية الضعيفة هو أنّ متن هذه الرواية مطابق للاحتياط، والمنشأ الثاني أنّه لا يوجد معارض لها في الروايات، والمنشأ الثالث أنّ عمل الفقهاء بمضمون خبر، جابر لضعفها، والمنشأ الرابع أيضا أنّ هذه الرواية مطابقة لقاعدة التسامح؛ لأنّ بعض الفقهاء في غير موارد الوجوب قبلوا هذه القاعدة وتحرّكوا على مستوى العمل بها في الموارد غير اللزوميّة.

وعلى هذا الأساس، فلا يجوز للفقيه بمجرّد أن يكون الخبر ضعيفا أن يتركه ويعرض عنه، بل إذا كان الخبر الضعيف مطابقا للاحتياط ولم يكن له معارض لابدّ من الأخذ به، وكذلك لو عمل به الأصحاب فينبغي العمل به أيضا، وعليه: فلا ينبغي أن يتصوّر أحد أنّ الطريق الوحيد للعمل بالخبر الضعيف هو قاعدة التسامح، بل إنّ العمل بالخبر الضعيف له طرق متعدّدة، أحدها مورد مسألة التسامح في أدلة السنن.

ثمّ قال: إنّ العلاّمة (قدس سره) قد عمل بالخبر الضعيف؛ لأنّه ورد في هذا الكتاب موارد عديدة من هذا القبيل، مثل الروايات التي وردت في المنع من أخذ الرشوة في الحكم وهي روايات ضعيفة ، ولكنّ العلاّمة (قدس سره)تمسّك بها وأفتى بالحرمة ، ومثل الروايات التي تقول: «يحرم الحجّ بمال غير حلال»، فهذه رواية ضعيفة، ولكن العلاّمة (قدس سره)أفتى وفقا لها ، وبالطبع فبعض هذه الروايات الضعيفة يمكن تأييدها من خلال حكم العقل، أو تأييد قاعدة أخرى كالاحتياط، ولكن البعض الآخر ليس لها مؤيّد من الدليل العقلي، في حين أنّ العلاّمة في هذه الموارد عمل بهذه الروايات الضعيفة التي ليس لها مؤيّد من العقل، أو حتى أنّها غير مجمع عليها، أو ليس من موارد عدم الخلاف أيضا.

مثلاً إذا شرع الشخص في تجارة وكانت هذه التجارة مربحة له، وهناك رواية ضعيفة تدلّ على استحباب مواصلة هذه التجارة، فإنّ العلاّمة (قدس سره) أفتى بالاستحباب طبقا لهذه الرواية، أو إذا شرع الشخص في تجارة وكانت هذه التجارة مضرّة بحاله، فقد أفتى العلاّمة هنا باستحباب تغيير الشغل، في حين أنّ الرواية الواردة في هذا الشأن ضعيفة.

ومع الالتفات إلى ما ورد في هذه المقدّمة نستنتج أنّ الفقهاء إذا أفتوا طبقا لرواية ضعيفة باستحباب عمل معيّن، فلا يلزم من ذلك أنّ هذه الفتوى تستند حتما على أساس قاعدة التسامح في أدلة السنن، بل أحيانا تكون الرواية الضعيفة مطابقة للاحتياط أو لحكم العقل أو أنّ المشهور أفتوا على طبقها، ولذلك ففي هذه الموارد لا حاجة لطرح مسألة التسامح، ولكن إذا ذهب فقيه ـ مثل المحقّق الخوئي (قدس سره) ـ ، إلى أنّ عمل المشهور لا يجبر ضعف السند، ولكنّه يقبل قاعدة التسامح في أدلة السنن، فهنا يمكن القول بأنّ هذا الفقيه أفتى بالاستحباب على أساس قاعدة التسامح.

أقوال ونظريّات الفقهاء في قاعدة التسامح

والآن نرى من المناسب تقديم قائمة وفهرست لأقوال وآراء الأعاظم في أصل قاعدة التسامح لتبيّن لنا بشكل أفضل الأقوال والنظريّات في هذه المسألة، والتحقيق حول معنى أخبار من بلغ.

الموافقون للقاعدة

1. كما تقدّم آنفا أنّ هذه المسألة لم يرد التصريح بها إلى زمان المرحوم العلاّمة (قدس سره) وحتى لم يرد التصريح بقاعدة التسامح في أدلة السنن في كتب المرحوم العلاّمه أيضا، بل إنّ المتأخّرين الذين جاءوا بعد العلاّمة صرّحوا بهذه القاعدة.

2. يقول الشهيد الأوّل (قدس سره): في ذكرى الشيعة: «لكن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم» .

وبالطبع فإنّ عنوان «الفضائل» قد يشمل أيضا المستحبّات وكذلك الزيارات والكرامات ومناقب الأئمّة المعصومين عليهم‏السلام.

3. وكذلك يقول الشهيد (قدس سره) في كتاب الدراية: «وجوّز الأكثر العمل بالخبر الضعيف في نحو القصص والمواعظ وفضائل الأعمال لا في نحو صفات الله‏ المتعال وأحكام الحلال والحرام وهو حسنٍ؛ حيث لا يبلغ الضعف حدّ الوضع والإختلاق» .

4. يقول ابن فهد (قدس سره) في كتابه عدّة الداعي، وهو بحسب الظاهر من كتب الأدعية: «فصار هذا المعنى مجمعا عليه بين الفريقين» .

ولكن النقطة الملفتة للنظر هنا، أنّ ابن فهد رغم أنّه قد كتب كتبا فقهيّة متعدّدة، إلاّ أنّه كتب هذه المسألة في كتاب الدعاء.

5. وقد نسب الشيخ البهائي (قدس سره) في كتاب الأربعين، التسامح في أدلة السنن إلى جميع الفقهاء .

وأيضا يقول في كتاب الحبل المتين: «…إنّ من عادتهم ـ قدّس الله‏ أرواحهم ـ التسامح في دلائل السنن والعمل فيها بالأخبار الضعيفة تعويلاً على الحديث الحسن المشهور الدالّ على جواز العمل في السنن بالأحاديث الضعيفة» .

6. ويقول المرحوم الوحيد البهبهاني (قدس سره): «مع أنّ التسامح في أدلّة السنن ممّا حقّق في محلّه ومسلّم بين الأصحاب وبسطنا الكلام في حاشيتنا على المدارك» .

7. وينسب المرحوم السيّد المجاهد (قدس سره) قاعدة التسامح في أدلّة السنن إلى العلماء المحقّقين ويقول: إنّ جميع المحقّقين قبلوا التسامح في أدلّة السنن، والعلاّمة فقط خالف هذه القاعدة في موردين من كتاب المنتهى، وكذلك صاحب المدارك في أوائل كتابه، وكأنّه رجع عن رأية .

8. ويقول الشيخ الأنصاري (قدس سره) في رسالته حول التسامح في أدلّة السسن: «المشهور بين أصحابنا والعامّة التسامح في أدلّة السنن» .

وهنا توجد نقطتان في كلام الشيخ (قدس سره) :

أ) هل أنّ المقصود من الشهرة، الشهرة بين القدماء أو الشهرة بين المتأخّرين، إذا كان المقصود هو الثاني فلا قيمة لها، وإذا كان مراد الشيخ هو الأوّل، فالإشكال هنا أنّه لا يوجد أيّ أثر في كلمات القدماء لمسألة التسامح في أدلّه السنن؛ ولذلك فدعوة الشهرة بين القدماء غير سديدة، إلاّ أن نقول: إنّ التسامح موجود في الواقع بين مطاوي فتاواهم، وأنّهم في مقام الفتوى عملوا بالروايات الضعيفة إستناداً إلى هذه القاعدة رغم عدم ذكر عنوان التسامح، والظاهر أنّهم لم يطرحوا هذا العنوان في كتبهم، بل إنّ مسألة «التسامح في أدلّة السنن» قد تأسّست في زمان المتأخّرين.

ب) إنّ العامّة أيضا يقبلون قاعدة التسامح في أدلّة السنن، والتسامح بمعنى أنّهم لا يعتبرون لزوم توفّر الشروط المعتبر للعمل بخبر الواحد، كالإسلام، العدالة، الضبط في الرواية، وغيرها، في الخبر الذي يحمل الاستحباب في مضمونه.

مثلاً نسب إلى أحمد بن حنبل، وهو أحد الأئمّة من علماء العامّة أنّه قال: «إذا روينا في الحلال و الحرام شدّدنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا» .

المخالفون للقاعدة

1. يقول صاحب المدارك (قدس سره) عند البحث في مسألة الوضوء المستحب: إنّ أحد الموارد التي تمسّكوا بها في قاعدة التسامح في أدلّة السنن هو: هل يستحب للحائض الوضوء أم لا؟ أراد بعضهم اثبات استحبابه عن طريق التسامح في أدلّة السنن، ولكن هذه القاعدة فيها إشكال، ثمّ يقول: «وما قيل من أنّ أدلّة السنن يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها، فمنظور فيه؛ لأنّ الاستحباب حكم شرعيّ فيتوقّف على الدليل الشرعيّ، كسائر الأحكام» .

2. يطرح صاحب الحدائق (قدس سره) بحثا مفصلاً حول هذه القاعدة ويقول في ختامه: «والقول بأنّ أدلّة الاستحباب ممّا يتسامح فيها ضعيف وبذلك صرّح في المدارك» .

3. ويقول المرحوم السيّد الحكيم (قدس سره) أيضا: «أمّا قاعدة التسامح في أدلّة السنن فغير ثابتة» .

 

الهوامش

1. ذكرى الشيعة 2: 34.
2. مشارق الشموس 34 سطر 24 ط.ق وج1: 155 (ط.ج).
3. مشارق الشموس 70: سطر2 ط.ق و ج1: 347 348 (ط.ج).
4. جواهر الكلام 8 : 444 447.
5. جواهر الكلام 8: 559 وما بعدها.
6. الصحاح 1: 336 مادة «سمح»، و ج2: 1995 مادة «سهل».
7. دروس في علم الأصول، الحلقة الثالثة 1: 204.
8. رسائل ومسائل 2: 104 س35.
9 الإقبال بالأعمال الحسنة 3: 170، بحار الأنوار 84: 82.
10. العروة الوثقى المحشى 2: 400 403، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، المكاسب المحرمة، 241.
11. الكافي2: 87.
12. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 132.
13. منتهى المطلب 9: 308.
14. ذكرى الشيعة 3: 319.
15. مشارق الشموس: 10 سطر 6، و 34 سطر 2، 47 سطر 16 و 70 سطر 3.
16. الأربعين: 385.
17. مفاتيح الأصول: 346.
18. عوائد الأيّام: 793.
19. العناوين الفقهيّة 1: 420.
20. تراث الشيخ الأعظم، رسائل فقهيّة: 137.
21. الحدائق الناضرة 4: 198.
22. منتهى المطلب 1: 63 وما بعدها.
23. وسائل الشيعة 1: 92 96، كتاب التجارة، أبواب من يكتسب به ب5.
24. منتهى المطلب 15: 401 402.
25. وسائل الشيعة 11: 144 147، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه ب52.
26. منتهى المطلب في تحقيق المذهب 10: 81.
27. ذكرى الشيعة 2: 34.
28. الدراية: 29.
29. يتمتّع ابن فهد الحلّي (قدس سره) بين علماء الأماميّة بمكانة مرفوعة، وله أكثر من 120 تأليف في الفقه والفلسفة والأصول والتفسير والرجال والعرفان، ورغم أنّ البعض الرجاليين أحيانا اتّهموه بالتصوف، ولكنّه كان عالما جليلاً، وله نظريات علميّة رصينة، وما جاء من التعابير حول ابن فهد في كتاب الرجال تتضمّن مضامين عالية، وقد نقل عنه أنّه قال: «رأيت ليلة في المنام أنّي في النجف الأشرف وفي الروضة الغرويّة المطهّرة لأمير المؤمنين عليه‏ السلام وقد أخذ الإمام عليه‏السلام بيد السيّد المرتضى في حين عليهما لباسا من الحرير الأخصر، فسلمت عليهما فردّا عليّ السلام، ثمّ قال السيّد المرتضى: يابن فهد اذكر أسامي وعنوان المصنفات، فذكرت اسامي وعناوين المصنفات للسيّد المرتضى، فاقترح عليَّ السيّد المرتضى أن اُصنّف كتاباً في تحرير المسائل»، ولعلّ أنّ ابن فهد ألَّف كتاباً بهذا الأسم بحار الأنوار، المدخل: 233 234.
30. عدّة الداعي ونجاح الساعي: 13.
31. الأربعين: 195 ذ ح 31.
32. الحبل المتين في أحكام الدين 2: 373.
33. مصابيخ الظلام 2: 85، الحاشية على مدارك الأحكام 1: 20 24.
34. مفاتيح الأصول: 346، سطر 9.
35. تراث الشيخ الأعظم، رسائل فقهيّة: 137.
36. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 1: 252.
37. مدارك الأحكام 1: 13.
38. الحدائق الناضرة 4: 198.
39. مستمسك العروة الوثقى 7: 171.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign