إن الفارابي قد عد (الفقه) في (احصاء العلوم) جزءا “من العلوم العقلية لا النقلية، وأعتقد أنا شخصيا” بصحة ما ذهب إليه، لأن العلم الذي يعتمد الاستدلال والاستنتاج لابد و أن يكون عقليا”، ولا تأثير لمادة القياس على هذا الصعيد، وهي لا تنتزع العقلي عن دائرة العقل حتى وإن كانت نقلية، وعلم الفقه هو هكذا أيضا، مادة قياسه نقلية، في حين يعد الإجتهاد في الفقه، عملا” عقليا”.. بقلم / أ.حسن علي الأحسائي
خاص / الاجتهاد: أطروحة العقلانية والعقلائية في التنظير الفقهي الإمامي وأصوله، والذي تمخض عن الإجتهاد العميق لفقهاء الإمامية منذ عهد الشيخ الأعظم الأنصاري تحديدا” إلى يومنا هذا، في حاجة لأن تعقد له الندوات والمؤتمرات وتصنف فيه الدراسات..
غير أن رشحات من تلك البارقة لمنجز الإجتهاد الإمامي العقلي والعقلائي، لاحت في الكتاب القيم والثمين للخبير الحقوقي والقانوني الدكتور مصطفى محقق داماد( الحقوق الإنسانية بين الإسلام والمجتمع المدني)..
حيث افتتح مقدمة كتابه بإشارة إلى موقعية القانون في دوائر الحكمة القديمة حيث قدماء الحكماء منذ أفلاطون و أرسطو مرورا” بالفارابي وابن سينا يعتبرون القانون أحد فروع الحكمة العملية..
إلا أن اللافت والمهم فيما ذكره الدكتور الداماد هو :
أن الفارابي قد عد (الفقه) في (احصاء العلوم) جزءا” من العلوم العقلية لا النقلية، وأعتقد أنا شخصيا” بصحة ما ذهب إليه، لأن العلم الذي يعتمد الاستدلال والاستنتاج لابد و أن يكون عقليا”، ولا تأثير لمادة القياس على هذا الصعيد، وهي لا تنتزع العقلي عن دائرة العقل حتى وإن كانت نقلية، وعلم الفقه هو هكذا أيضا، مادة قياسه نقلية ، في حين يعد الإجتهاد في الفقه، عملا” عقليا”..
ثم يمضي الدكتور الداماد في رواشح رؤيته تجاه علم الأصول بقوله :
وبلغ فقهاء الشيعة_ لاسيما في القرون الأخيرة_ بعلم أصول الفقه الذي هو بمثابة ميثودولوجيا الإجتهاد والاستنباط أسمى درجات العقلانية..
مما يعني أن علم أصول الفقه وما أنتجته العقلية الاجتهادية بالأخص في باب المعاملات بالمعنى الأعم حري بأن تجرى عليه مقارنات مع فلسفة الحقوق التي أنتجتها المدارس الغربية لتتجلى الفلسفة الحقوقية العميقة ذات الرؤية المنطقية والعقلانية والعقلائية، وهنا يقول الدكتور الداماد:
ولا ينكر أحد أن فقهاء الإمامية قد قطعوا في تنظيراتهم الفلسفية ذات الطريق الذي قطعه كبار مفكري الحقوق في الغرب، و ذلك من أجل إيجاد حلول للمشاكل الفقهيه في العقود والايقاعات والسياسات أو ما يسمى لدى الفقهاء بالمعاملات بالمعنى الأعم، من خلال الإستعانة بالقواعد العقلية، مع الإلتزام بمعايير العقلاء في إدارة شؤونهم..
ويختم الدكتور الداماد رؤيته بقوله:
وتطور علم اصول الفقه بين فقهاء الإمامية_ لاسيما في القرون الأخيرة وبعد الحركة الأخبارية_ درجة بحيث بات بإمكانه خوض نقاش مع ما يدعى بفلسفة الحقوق في الغرب..
وفي الختام تجدر الاشارة إلى ما ذكره الباحث المغربي محمد عدي_عضو و كاتب في موقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود_ في سياق قراءته (لكتاب فلسفة الفقه دراسة في الأسس المنهجية للفقه الإسلامي. لمحمّد مصطفوي)، حيث يقول:
وبالإضافة إلى علمي الكلام والأصول، فإنّ الفقه متداخل، كذلك، مع شتّى العلوم والمعارف الإسلامية، مثل التفسير، وعلوم القرآن، وعلوم الحديث؛ بل يتداخل مع علوم ومعارف إنسانية واجتماعية ليست من صميم العلوم الدينية، مثل الأنتربولوجيا، والتاريخ، واللسانيات، والقانون، وعلم الاجتماع، وعلم النفس.