يستعرض الكاتب في الحلقة الثانية كم مقالته دور المتاحف الإسلامية في محاربة الاكتناز وتشجيع الاستثمار، وأثر ذلك على الاقتصاد. د.عبد الكريم بناني؛ رئيس جمعية البحث في الفكر المقاصدي بالمغرب
الاجتهاد: الناظر إلى المتاحف الإسلامية يجد أن العديد منها بدأت تستعمل التقنيات الحديثة؛ كالمرشد الإلكتروني متعدد اللغات، والمطويات التعريفية، والمقتنيات المرتبطة بالثقافة الإسلامية، وهو ما يسهم في خلق رواج اقتصادي كبير، يشكل إلى جانب الركائز الاقتصادية الأخرى بنية أساسية تمكن من البناء والتطوير الاقتصادي.
ولهذه الأهمية سارعت العديد من الدول الإسلامية إلى إنشاء هذه المتاحف والعمل على تطويرها، ومن هذه المتاحف متحف الشارقة للحضارة الإسلامية، ومتحف الآثار الإسلامية والتركية في اسطنبول، ومتحف بيت القرآن في المنامة، ومتحف الفن الإسلامي في القاهرة، ومتحف الفن الإسلامي في برلين، ومتحف الفن الإسلامي في كوالالمبور بماليزيا، ومتحف عمان.. وغيرها.
وقد تناولنا في الحلقة الأولى أقسام المتاحف وتعريف المتحف الإسلامي، كما تناولنا نماذج من المتاحف الإسلامية في العالم ودورها في تطوير البنية التحتية وتثمين الموارد البشرية .. وفي هذه الحلقة نستعرض دور المتاحف الإسلامية في محاربة الاكتناز وتشجيع الاستثمار، وأثر ذلك على الاقتصاد.
دور المتاحف الإسلامية في محاربة الاكتناز وتشجيع الاستثمار
لا يخفى الدور الذي أصبحت تؤديه المتاحف الإسلامية في الجانب الاقتصادي، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر، وسنعرض هنا بعض الأوجه التي تحققها المتاحف الإسلامية على مستوى البنية الاقتصادية، متمثلة في محاربة الاكتناز وتشجيع الاستثمار.
أولاً – دور المتاحف الإسلامية في محاربة الاكتناز وأثره على الاقتصاد:
في المفهوم الاقتصادي يمثل الاكتناز منع المال من الجريان بين الناس لإجراء المعاملات التجارية بينهم وتحقيق النماء الحسن، ويؤدي إلى حبس الأموال المعدة للتداول في أوجه مختلفة، فـ«النماء والتنمية تتحقق بالاستثمار لا بكنز المال وحبسه، لذلك كان الاستثمار وكانت التنمية إعدادًا لسبيل الله وقوة المسلمين، وكان الاكتناز صدًا عن سبيل الله(1).
فالاكتناز هي ترجمة للمصطلح الاقتصادي (Hoarding) باللغة الإنجليزية، ويراد بها: «إمساك النقود وحبسِها عن التداول»، وهو يخالف الاستثمار الذي يتطلب إخراج المال ومساهمته في الرواج بالمجتمع الذي يخلق حركية لرأس المال تنتج عملية تداول في السوق.
فالإنسان حسب فطرته يقوم بمبادلة المال والعمل، وبموجب هذه المبادلة يستقيم المجتمع الإنساني ويحصل بموجبه الإنماء والتطور في الإنتاج.
فالاكتناز يحدث بسبب تقديم المكتنز حاجاته الاحتمالية على حاجة المجتمع الحالية، وهو منهي عنه شرعاً، باعتبار أن الشرع ينهى عن كل ما فيه مفسدة للمجتمع ويأمر بما فيه مصالح الخلق جميعاً، يقول الله تعالى (والذين يَكْنِزُونَ الذهَبَ وَالْفِضةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم) التوبة 34، قال صاحب التحرير والتنوير: «ومَعْنَى: وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ الله، انْتِفَاءُ الْإِنْفَاقِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ الصدَقَاتُ الْوَاجِبَةُ وَالنفَقَاتُ الْوَاجِبَةُ: إِما وُجُوبًا مُسْتَمراً كَالزكَاةِ، وَإِما وُجُوبًا عَارِضًا كَالنفَقَةِ فِي الْحَج الْوَاجِبِ، وَالنفَقَةِ فِي نَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ مِما يَدْعُو الناسَ إِلَيْهِ وُلَاةُ الْعَدْل»(2).
والمتاحف الإسلامية لها مقاصد في محاربة الاكتناز، وتتجلى ملامحه في عملية الرواج الاقتصادي التي يسهم فيها، فقد يقول قائل: كيف يشارك المتحف في عملية الرواج الاقتصادي؟ أو كيف تسهم الأموال المستثمرة في المتاحف الإسلامية في الدور الإنمائي؟
الجواب: أن زيارة هذه المتاحف والسفر من أجل الدخول إليها، وأداء رسوم الدخول، مع ما يتطلبه ذلك من إنفاق في أوجه مختلفة، تتعلق بالمبيت والاقتناء والمعاش، وحركية في القطاع السياحي، وهو لا يخلو من تداول للأموال، فيرتفع الإنتاج بفعل هذا التداول، فيكثر الطلب على السلع الذي تخلقها عملية الرواج، وبصحبها بالتالي خلق فرص العمل ومحاربة البطالة،
فمثلاً متحف الحضارة الإسلامية بالشارقة، زاره في أبريل 2016 أكثر من 15 ألف صيني، إضافة إلى سياح من دول الخليج ودول عربية أخرى، وسياح من فرنسا وروسيا وألمانيا وإيطاليا، فضلاً عن الزوار من الإماراتيين والمقيمين بدولة الإمارات(3)، مع ما يرتبط بهذه الزيارات من ترويج للسلع، وحركة في الإنفاق والرواج الاقتصادي الذي يصاحب هذه العملية.
فاكتناز الأموال وحبسها يؤدي إلى كساد الأعمال، وانتشار البطالة، وركود الأسواق، وانكماش الحركة الاقتصادية بصفة عامة(4)، وقد أكد غير واحد من الباحثين أهمية الرواج الاقتصادي للأموال، وما يحدثه الاكتناز من مضار على الاقتصاد «وكيف أنه يؤدي إلى الركود الاقتصادي، حيث يحول دون نشاط التداول النقدي، وهو ضروري لإنعاش الحياة الاقتصادية في المجتمع، وحبس المال تعطيل لوظيفته في توسيع ميادين الإنتاج وتهيئة وسائل العمل للعاملين»(5).
فالإنفاق لزيارة المتاحف الإسلامية التي تضم مقتنيات وقطع فنية معروضة، هي مقصِد يحقق التنمية الاقتصادية، ومن شأن تطوير الوسائل والتقنيات المرتبطة بهذه المتاحف، وتوسيع دائرة المعروضات، أن يزيد من نسب الزيارات، وبالتالي، تتوسع دائرة الإنفاق ويتحقق الرواج الاقتصادي المنشود، الذي يسهم في تنمية اقتصادية مستدامة،
فمن شأن الاشتغال على وسائل جديدة أن يرهف الإحساس وينعش الأذواق، فتتخلص النفوس من الشح والبخل والحرص على الأموال واكتنازها وعدم ترويجها، فترويج الأموال ينتج فرص عمل عديدة في كثير من المجالات، ويحول الأفراد من كونهم عبئاً على المجتمع إلى طاقة عاملة في سبيل الرقي والنهوض الاقتصادي،ويسهم في ارتفاع الدخل، وفي استمرار فعالية الدورة الاقتصادية وتحقيق الانسيابية في حركة رؤوس الأموال.
وعلى هذا فالاكتناز والبخل والشح ثلاثي مدمر لاقتصادات الأفراد والشعوب لأنه تعطيل متعمد لنعمة المال في دفع عجلة التنمية وحبس له عن أداء دوره، والمستهلك هو أكبر المتضررين من هذه السلوكيات الاقتصادية الخاطئة(6)، ومن هنا كانت الحاجة ماسة لرؤية مستقبلية لتوسيع الاستفادة اقتصادياً من المتاحف الإسلامية وجعلها رافداً من روافد التنمية الاقتصادية.
ثانياً – دور المتاحف الإسلامية في تشجيع الاستثمار وأثره على الاقتصاد:
إذا كان المقصود من مفهوم الاستثمار في الاقتصاد هو «توظيف المال في أي نشاط أو مشروع اقتصادي يعود بالمنفعة المشروعة على البلد»(7)، فإن ربطه بالمتاحف الإسلامية يعني توظيف الأموال في مشروعات ترتبط بالمتاحف، إما إنشاءً وإحداثاً، أو تنظيماً وإشرافاً – من شأنه أن يدرّ الدخل ويحقق النفع للمجتمع.
فمقصد تشجيع الاستثمار مقصد شرعي مهم لا يمكن إغفاله في حل العديد من الإشكالات الاقتصادية التي تواجهها المجتمعات حالياً، فتحريك رأس المال في مشروعات تمكن من فتح آفاق جديدة وواعدة للشباب العاطل وتمنحهم فرصة الاندماج العملي في المجتمع هو مقصد وغاية شرعية،
لذلك وجدنا بعض المتاحف التي تأسست حديثاً تسعى إلى تحقيق هذا المقصد، وجعل المتحف في قلب عملية الاستثمار، فالمتحف الإسلامي يمثل مشروعاً ثقافياً ضخماً وليس مجرد متحف وقاعات للعرض المتحفي، لذلك يتم توسيع دائرة المقتنيات بالمتاحف، كما هو حال متحف الشارقة للحضارة الإسلامية، الذي تجاوزت مقتنياته من الفنون والثقافة الإسلامية أكثر من خمسة آلاف قطعة فريدة تم جمعها من مختلف أرجاء العالم الإسلامي(8)،
وبنفس القصد تم إنشاء المتحف الوطني في عُمان(9)، واعتمد ثلاثين خبيراً وأكاديمياً وعالم آثار من داخل وخارج السلطنة لاختيار مقتنيات المتحف، فتحقق بذلك تحريك لعجلة الاستثمار، ووجدت فرص واعدة للشباب للانخراط في هذا المشروع الوطني.
إن إسهام المتاحف الإسلامية في تشجيع الاستثمار يظهر من خلال العمل المتواصل على تدوير الأموال واستثمارها في اقتناء المعروضات، وإقامة المعارض الدائمة والمؤقتة، فمعرض روائع آثار المملكة عبر العصور(10)، عرض في أكثر من دولة، وفي أكثر من متحف، كمتحف اللوفر بباريس، ومؤسسة كاشيا – برشلونة، ومتحف الإرميتاج – روسيا، ومتحف البرجامون ببرلين، ومتحف ساكلر بواشنطن، ومتحف كارنيجي بيتسربرغ، ومتحف فيتوربانو بروما، ومتحف نيلسون – أتكينز – كانساس، ومتحف الفنون الجميلة في هيوستن، ومتحف الفن الآسيوي بسان فرانسيسكو، والمتحف الوطني ببكين، والمتحف الوطني بالعاصمة الكورية الجنوبية سيول، والمتحف الوطني بالرياض، والمتحف الوطني بطوكيو(11).
كما تسعى عدد من هيئات السياحة والآثار بالعالم الإسلامي، إلى تطوير الجانب الاقتصادي للمتاحف،من خلال تشجيع الاستثمار في القطاع السياحي، الذي يعد رافداً من روافد المتاحف الإسلامية، بما يسهم في تكثيف الزيارات، حيث عملت وزارة الآثار المصرية على توقيع اتفاق مع مع وزارة الاستثمار والتعاون الدولي، من أجل وضع وزارة الآثار على الخريطة الاستثمارية، وذلك من خلال إتاحة كافة المعلومات الخاصة بما يمكن استثماره بوزارة الآثار داخل جمهورية مصر العربية(12).
كما أن فتح باب إشراف القطاع الخاص على إنشاء متاحف إسلامية خاصة يعد وسيلة من وسائل تشجيع الاستثمار في القطاع المتحفي، وبالتالي تحقيق البناء الاقتصادي المتميز، ففي المملكة السعودية تم الترخيص لأكثر من 131 متحفاً خاصاً، منها 13 متحفاً في الرياض، يتم تنظيم ملتقيات خاصة بها لتبادل الخبرات والتجارب، وإبراز أهمية المتاحف الخاصة ودورها في بث الوعي بأهمية التراث(13)، تماشياً مع رؤية اقتصادية تروم جعل المتاحف الإسلامية في قلب البنية الاقتصادية للمجتمع.
وهذا التوجه يبرز في سياق دولي، حيث نجد المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) «يرينا بوكوفا»، في كلمتها بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف، تحث «الحكومات والشركاء إلى بذل كل المساعي اللازمة لدعم المراكز والمتاحف العلمية وتعزيزها، وتسخير إمكاناتها على أكمل وجه لبناء مستقبل أكثر شمولًا واستدامة من أجل الجميع»(14)، ونفس الأمر ينطبق على المتاحف الإسلامية، التي تعد ركيزة أساسية في بناء تنمية حضارية مستدامة ومتكاملة.
رؤية مستقبلية لتوسيع الاستفادة الاقتصادية من المتاحف الإسلامية
للمتاحف الإسلامية – كما سبقت الإشارة – أهمية كبيرة في نقل قيم المجتمعات ونشر تراثها وعاداتها وثقافتها وحضارتها، وربط الأجيال الحديثة بماضيها، من خلال ما تمتلكه من مقتنيات وبرامج توعوية، وتزداد هذه الأهمية إذا علمنا أن القطاع السياحي يقوم على أساس الاستفادة مما تقدمه هذه المتاحف من فضاءات ثقافية وعلمية متنوعة.
ورغم الجهد الكبير الذي يبذل من طرف الحكومات والمؤسسات والقطاع الخاص للتعريف بهذه المتاحف، وإبراز مكانتها وأهميتها، فإن التحديات التي تواجهها كمؤسسات ومراكز ثقافية وتعليمية تخلق رؤى مستقبلية تجعل المتاحف الإسلامية في صلب التنمية الاقتصادية، خاصة مع توفرها على المؤهلات الضرورية اللازمة لهذه التنمية.
ونعرض هنا التصورات التي قد تمكن من تطوير رؤية مستقبلية للاقتصاد، تسعف المتاحف الإسلامية في تأسيسها
أولاً – خلق بيئة ثقافية داخل المجتمع:
في غياب ثقافة مجتمعية واسعة ومتجددة، يتعذر علينا الحديث عن توسيع الاستفادة اقتصادياً من هذه المتاحف ذات الطابع الإسلامي، فحينما يتوفر بالمجتمع بيئة ثقافية رصينة يسهل عليه الاستثمار في هذه المجالات وتحويلها من رأسمال لامادّي إلى رافد من روافد الاقتصاد، فالبيئة الثقافية هي المجال الذي يوفر الاتصال والتواصل مع هذه المؤسسات ويهيئ البيئة المناسبة للاستثمار وخلق جيل قادر على التفاعل مع عصره ومقدرات أمته بكيفية إيجابية وبالفاعلية اللازمة،
فلا يمكن تصور إقامة معارض ثقافية ناجحة ودائمة في غياب وعي بهذه المعارض، وبالمقتنيات والنوادر التراثية التي تتوفر عليها، كما أن الاستثمار الناجح في هذه المتاحف يتوقف على الوعي العام بأهمية هذه المتاحف، وبدورها التثقيفي والحضاري والإنساني، وكذا أثرها في البناء الاقتصادي المبني على تعزيز البنية التحتية للمدن، والتنوع المعماري للفضاء الذي يجمع بين أصالتها وعراقتها وتطورها الحضاري.
فإذا كانت المتاحف عموماً، والإسلامية منها على وجه الخصوص، «تسهم في التربية والتعليم من خلال التعريف بالموروث الثقافي والدور التربوي، التعريف بالبرامج التربوية للمتاحف، الدور التكميلي للمتاحف (التربية والتثقيف والتعليم)، وتحقيق التنشئة المتحفية لدى أطفال المدارس الابتدائية»(15)،
فينبغي أن يكون المجتمع مؤهلاً لهذه الأدوار، بأن تتغير صورة المتاحف في النمط التفكيري للأفراد، فلا يظل مفهوم المتحف حبيس رؤية ضيقة لمبانٍ تضم مقتنيات مستهلكة وقديمة، فالمتاحف الإسلامية هي مراكز تعليمية وثقافية ومجتمعية ومؤسساتية، وأيضاً فضاءات فكرية، ومتنفساً يمكن من التعرف على الحضارة الإسلامية بتنوعاتها ومداخلها المتجددة،
فهي «معلم حضاري وسجل متحدث بالعلوم والفنون والإبداعات المتنوعة وهي أيقونة متطورة بأساليب العرض المشوقة وأيضاً بابتكاراتها الهادفة لتوصيل أسمى وأرقى وسائل التعليم والتثقيف المصحوبة بالإبهار»(16).
فإذا استطعنا خلق هذه البيئة الثقافية، وتغيير تلك النظرة الضيقة، فإن الدور الاقتصادي للمتاحف الإسلامية سيتوسع، وسيصبح العمل جاداً ومثمراً، وستفتح أبواب الاستثمار في هذا المجال على مصاريعها، وستتشكل لدى أفراد المجتمع حصانة فكرية تسمح بتأسيس رؤية مستقبلية متطورة ومتميزة تسهم في البناء الاقتصادي.
ثانياً – الاستفادة من الإعلام المتنوع:
لا يخفى على أحد ما تشهده المنطقة العربية في الآونة الأخيرة من تزايد ملحوظ في عدد القنوات التلفزية الفضائية والمجلات والجرائد، سواء المكتوبة أم الإلكترونية، يؤكد ذلك التقرير السنوي حول البث الفضائي الذي يصدره اتحاد إذاعات الدول العربية، حيث أفادت نسخة عام 2016 من هذا التقرير أن القنوات التلفزية الفضائية في الدول العربية قد تجاوز 1122 قناة(17)، إضافة إلى الإذاعات المحلية والدولية والجرائد الوطنية والمجلات والمواقع الإلكترونية.
فهذا التطور المهم في البنية الإعلامية، ينبغي الاستفادة منه في تطوير أي مشروع، وخاصة منها، المشروعات التي تحقق نهضة المجتمع على مستويات متعددة، كما هو حال المتاحف الإسلامية، والتي ينبغي الحرص بكل دقة على ولوجها المجال الإعلامي عموماً، من خلال التركيز على العناصر الآتية:
– تكثيف البرامج التوعوية من خلال النشرات الإرشادية حول القيمة الفنية والجمالية للمتاحف الإسلامية.
– إعداد برامج إعلامية خاصة بهذه المتاحف وجعلها من المراكز السياحية المهمة التي يتوجب زيارتها.
– تحفيز التدابير المحافظة على السمات المادية للسياحة الثقافية، والمتمثلة في المتاحف الإسلامية.
– تخصيص مساحات إعلامية خاصة بالتربية السياحية، ونشر الوعي السياحي لدى فئات المجتمع المختلفة.
– أغلب المتاحف العالمية لها مواقع الكترونية، تتناول التعريف بهذه المتاحف وما تضمه من مقتنيات، إلى غير ذلك من البيانات المرتبطة بمواعيد الزيارة، وطريقة الوصول للمتحف، وقد سعت عدد من المتاحف الإسلامية إلى اعتماد منهجية مماثلة، مع تغيير في بعض المعايير المرتبطة بخصوصية هذه المتاحف ومزاياها المتعددة،
منها متاحف دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ومصر، وتركيا، غير أن هذه المواقع تحتاج إلى التعريف بها بإنشاء فضاءات إعلانية إما بالصحافة المكتوبة، أو المسموعة، أو المشاهدة، لأنها تشكل الحافز والدافع إلى استكشاف ما يضمه الفضاء المتحفي من خبايا ونوادر وأنشطة ومعارض يستفيد منها القاصد لها.
– مشاركة المتاحف الإسلامية في الأنشطة الثقافية والعلمية والدورات التي تعقد على المستوى الدولي، ويكون لها الصدى الإعلامي الذي يفتح باب التعرف عليها من جديد، حيث تمكن هذه الأنشطة الإعلامية من إعطاء دفعة قوية تسهم في تنويع وتوسيع دائرة الزيارات للمتاحف.
إن ما تمت الإشارة إليه من عناصر قد تسهم في جعل المتاحف الإسلامية مقصِداً أساساً وهدفاً مباشراً للسياح الأجانب، وهو ما يعطي دفعة قوية للاقتصاد الوطني، الذي ينتعش بمثل هذه الزيارات السياحية المهمة.
ثالثاً – الانخراط الفعلي في اليوم العالمي للمتاحف:
يحتفل باليوم العالمي للمتاحف يوم 18 مايو من كل عام منذ عام 1977 في جميع أنحاء العالم، ويعتبر هذا اليوم فرصة لزيادة الوعي العام بقضايا المتاحف في تنمية المجتمع.
وتحدد اللجنة الاستشارية للمؤتمر كل سنة موضوع هذا اليوم، ويتمتع هذا الحدث الدولي بشعبية كبيرة، ففي السنوات الأخيرة شهد اليوم العالمي مشاركة قياسية لما يقرب من 30000 متحف، في أكثر من 120 بلد(18).
فهذا اليوم له أهميته الخاصة في التعريف بالمتاحف وإبراز دورها المجتمعي والإنساني، لذلك توليه بعض المتاحف أهمية كبيرة، كمتاحف الشارقة، التي تحتفل بهذا اليوم كل سنة من خلال تنظيم فعاليات متنوعة، حيث استمرت فعاليات الاحتفال بهذا اليوم سنة 2017 لمدة يومين،
وبهذه المناسبة تقول السيدة منال عطايا، مدير عام إدارة متاحف الشارقة: «يعد اليوم العالمي للمتاحف من أكثر المناسبات أهمية ضمن رزنامة الفعاليات والأنشطة السنوية الخاصة بنا، وفي هذا العام وسعنا نطاق أنشطتنا لتصل إلى الإمارات الأخرى، لاستقطاب أكبر عدد من الزائرين لتعريفهم بما تقدمه إدارة متاحف الشارقة»(19)،
وكذلك متاحف دبي، حيث أقيمت العديد من المعارض المختلفة للتعريف بمتاحف دبي، كمتحف الصقور، ومتحف الخيل، ومتحف الإبل، ومتحف البلدية، ومتحف المسكوكات، ومتحف العمارة التقليدية، ومتاحف أخرى(20)، وعملت هيئة الثقافة والفنون في دبي على تأسيس «شركة متاحف دبي» انطلاقاً من دورها في تعزيز مكانة إمارة دبي وجعلها وجهة بارزة للتبادل الثقافي المتنوع إقليمياً وعالمياً، وإدارة قطاع المتاحف والإشراف عليه إلى جانب المحافظة على التراث الإماراتي(21).
وتتولى الشركة الجديدة مهام إدارة المتاحف في الإمارة، وتحمل مسؤولية إبرام الاتفاقيات مع الجهات الحكومية والخاصة المحلية والدولية في مجال تطوير وإدارة المتاحف، كما احتفلت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة باليوم العالمي للمتاحف، إذ نظمت الهيئة في الفترة من 16-18 مايو 2017 مجموعة من الأنشطة والأمسيات المفتوحة للجمهور(22).
كما تعتني به وزارة الآثار المصرية، وتعتبره فرصة لتنظيم العديد من الفعاليات والأنشطة الخاصة للجمهور، للتعريف بكنوزها وتشجيع المصريين والأجانب على ارتياد المتاحف، كما يعد فرصة لوصول جيل من الشباب إلى عالم المتاحف، وذلك لرفع وعيهم حول أهمية المتاحف ودورها في المجتمع من خلال إعداد مجموعة البرامج التعليمية (ورش عمل، مسابقات، معارض، وعرض أفلام تعليمية)، منوهاً بحرص وزارة الآثار كل عام على المشاركة في تلك الاحتفالية وتنظيم العديد من الفعاليات في عدد من المتاحف بمختلف محافظات الجمهورية(23).
ويتبين من عرض هذه التجارب في الاحتفال باليوم العالمي للمتاحف، الأهمية الكبيرة لهذا اليوم في التعريف بالمتاحف، فـ«تحديد يوم عالمي لتلك المنشآت الثقافية والتراثية إتاحة الفرصة للمختصين بالمتاحف للتواصل مع العامة وتنبيههم للتحديات التي تواجه المتاحف التي أصبحت مؤسسات في خدمة المجتمع وتطوره»(24)، لذلك يتوجب على المتاحف الإسلامية أن تنخرط فعلياً في الاحتفال بهذا اليوم، من خلال تفعيل أنشطة متنوعة، وتوسيع دائرة الزيارات، وإقامة معارض تعرِّف بالمتحف، وتحفز على زيارته.
الخاتمة
لقد تناولت دور المتاحف الإسلامية في تطوير وتعزيز البنية التحتية وتثمين الموارد البشرية، في عناصر ثلاثة؛ الأول: خصصته، لبيان أثر المتاحف الإسلامية في تعزيز وتطوير البنية التحتية، باعتبار أن هذه المتاحف قيمة عمرانية وحضارية كبيرة تسهم بشكل كبير في تعزيز البنية التحتية للمدن ومحطة للإشعاع الثقافي والحضاري.
أما العنصر الثاني، فتناولت فيه أثر المتاحف الإسلامية في تثمين الموارد البشرية وخلق فرص العمل، لأن حفظ الآثار وصيانتها وترميمها يحتاج أيدي عاملة ذات خبرة عالية مما يساعد في توظيف مجموعة كبيرة من الخبراء في مجال صيانة التراث وترميم الآثار، مما يقلل من البطالة ويرفع وتيرة الإنتاج، ويحقق نسب نمو مهمة، تعمل على تحقيق تقدم اقتصادي حقيقي.
وأما العنصر الثالث، فبينت فيه دور المتاحف الإسلامية في الاستقطاب السياحي، ذلك أن السياحة تقوم بدور مهم في تنشيط المتاحف وزيادة عدد زوارها، وبالتالي زيادة دخلها من العملة الصعبة، في حين أن المتاحف تسهم في جذب المزيد من السياح خاصة في المناطق التي تركز على السياحة الثقافية، فينتعش الاقتصاد الوطني.
كما تناولت الدراسة دور هذه المتاحف في محاربة الاكتناز، من خلال توسيع دائرة الإنفاق الذي يسهم في تنمية اقتصادية مستدامة، وكذلك إبراز دور المتاحف الإسلامية في تشجيع الاستثمار الذي يظهر من خلال العمل المتلاحق على تدوير الأموال واستثمارها في اقتناء المعروضات، وإقامة المعارض الدائمة والمؤقتة، وفتح باب إشراف القطاع الخاص على إنشاء متاحف إسلامية خاصة.
وحرصت الدراسة على توضيح الرؤية المستقبلية لتوسيع الاستفادة اقتصاديا من المتاحف الإسلامية، بخلق بيئة ثقافية داخل المجتمع أولاً، من خلال زيادة الوعي العام بأهمية المتاحف ودورها الاجتماعي والتربوي والاقتصادي، وإبراز ما يتوفر لديها من نوادر تراثية تمثل حضارة الأمة وتاريخها المجيد،
مما سيوسع مجال تدخل هذه المتاحف في الاقتصاد، والاستفادة من الإعلام المتنوع ثانياً، فهذا التطور المهم في البنية الإعلامية ينبغي الاستفادة منه من أجل مستقبل اقتصادي فاعل للمتاحف الإسلامية، والانخراط الفعلي في اليوم العالمي للمتاحف ثالثاً، لأهميته في التعريف بالمتاحف وإبراز دورها المجتمعي والإنساني، وتفعيل أنشطة متنوعة تمكن من توسيع دائرة الزيارات، وبالتالي الدفع بعجلة الاقتصاد.
وبذلك يمكن القول إن:
– المتاحف الإسلامية مؤسسة تربوية وتثقيفية وتعليمية، تسهم في رفع الوعي الثقافي للأمة، وتقدم معلومات مهمة للباحثين والعلماء في التعرف على تاريخ الأمة ومجدها وحضارتها وإنسانيتها.
– لا يقتصر دور المتاحف الإسلامية على المجال التثقيفي والتعليمي والتربوي، بل يتعداه إلى تقديم خدمات ومنافع اقتصادية جليلة للمجتمع، من خلال تطوير وتعزيز البنية التحتية، وخلق فرص للعمل، وتطوير السياحة، وتشجيع الاستثمار.
– الدور الاقتصادي الفعال للمتاحف الإسلامية رهين بتطوير آليات الاشتغال، ووسائل العمل، وفتح باب الاستثمار، والاستفادة من التطور التكنولوجي والتقدم العلمي، والانخراط الفعلي في المنظومة العالمية، والاستفادة أيضاً من التجارب الدولية في هذا المجال.
المراجع
(1) مفاهيم إسلامية في النقود والفرق بين الاكتناز والادخار، د. شوقي إسماعيل شحاتة، ص28. مجلة المسلم المعاصر، العدد 14 السنة 1978.
(2) التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور،10/177. الدار التونسية للنشر، تونس 1984.
(3) متحف الشارقة للحضارة الإسلامية، باميلا كسرواني. موقع رصيف22، تاريخ النشر 4/8/2016.
(4) فقه الزكاة، 1/242، ط2/ 1393هـ/ 1973م.
(5) دور الزكاة في علاج الركود الاقتصادي، مجدي عبدالفتاح سليمان، بحث منشور بموقع eamaar.org
(6) الإسلام يرفض الاكتناز ويحاربه بالزكاة والصدقات، ملحق الدين والحياة، جريدة الخليج، تاريخ النشر 2/5/2014.
(7) مقال منشور بموقع www.miciq.com
(8) انظر: موقع هيئة الشارقة للمتاحف: sharjahmuseums.ae
(9) بمرسوم سلطاني صدر في 20 نوفمبر عام 2013.
(10) واحد من أهم المعارض السعودية العالمية التي مثلت التراث الحضاري للمملكة في العديد من الدول الأوروبية وأمريكا.
(11) انظر: موقع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني www.scta.gov.sa
(12) الآثار: نوفر مناخ استثماري فى المتاحف لزيادة موارد الوزارة، أحمد منصور، موقع www.youm7.com، تاريخ النشر 10 أغسطس 2017.
(13) مطوية المتاحف الخاصة في المملكة العربية السعودية وأوجه الدعم الذي تقدمه الهيئة، صدر عن الهيئة العامة للسياحة والآثار، موقع www.scta.gov.sa
(14)المتاحف العلمية عوامل فعالة لتحقيق التنمية المستدامة،جريدة إيلاف،تصدر من لندنwww.elaph.com،تاريخ النشر4 نوفمبر 2016.
(15) السياق السوسيولوجي للتنشئة المتحفية، د.حميد حملاوي، ص2، بحث مقدم لجامعة 8 مايو 1945 قالمة، الجزائر.
(16) المرجع السابق، ص7.
(17) التقرير السنوي حول البث الفضائي العربي لسنة 2016، تصدره اللجنة العليا للتنسيق بين القنوات الفضائية العربية، منشور بموقع اتحاد إذاعات الدول العربية، جامعة الدول العربية، www.asbu.net
(18) انظر موقع المجلس الدولي للمتاحف icom.museum.com(ترجمة خاصة).
(19) العائلات تشارك في احتفال إدارة متاحف الشارقة بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف، موقع فسيلة، تاريخ النشر 19/5/2017، www.faselah.net
(20) الإمارات تحتفل باليوم العالمي للمتاحف، أحمد مصطفى، .www. alkhaleej.aeتاريخ النشر: 18/5/2012.
(21) اليوم العالمي للمتاحف، ورش تفاعلية تتواصل مع المجتمع وتربط الماضي بالمستقبل .www.alroeya.ae تاريخ النشر 18 مايو 2017.
(22) اليوم العالمي للمتاحف، ورش تفاعلية تتواصل مع المجتمع وتربط الماضي بالمستقبل، مرجع سابق.
(23) انظر: دور المتاحف في التنمية المستدامة، موضوع اليوم العالمي للمتاحف، جريدة المصري اليوم على الشبكة، تاريخ النشر 18/5/2015.
(24) اليوم العالمي للمتاحف، ورش تفاعلية تتواصل مع المجتمع وتربط الماضي بالمستقبل، مرجع سابق.
دور المتاحف الإسلامية في خدمة الاقتصاد الإسلامي (1) الدكتور عبد الكريم بناني