الاجتهاد: يترتب على التعسف في استعمال الحق الجزاء التعويضي والذي تقوم فكرته على مبدأ إزالة الضرر المادي الذي أصاب الآخرين، ويعبر عنه في الفقه الإسلامي بـ الضمان. ومن القواعد المقررة في الفقه الإسلامي أن «الضرر يزال» والتي تم تأصيلها من حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- «لا ضرر ولا ضرار»، (رواه الحاكم).
وتتحقق إزالة الضرر الواقع على النفس الإنسانية بالقتل أو الجرح قصداً وعمداً في هذه الشريعة السمحة بالقصاص أي المماثلة بأن تكون العقوبة مماثلة للجناية عند توفر مجموعة من الشروط مجتمعة، فمن قتل يُقتل ومن جرح يُجرح؛ لأن هذه النوعية من الجرائم والجنايات خطيرة جداً، وتمس أمن الناس ولا تتغير من زمان إلى زمان ولا من شخص إلى آخر، إضافة إلى أنها لا تُقْمَعُ وتردع إلا بذلك تأديباً للجاني وزجراً لغيره، قال تعالى: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، (البقرة: 971).
أما إزالة الضرر الواقع على المال أو على الأبدان بطريق الخطأ فتتحقق بالتعويض المالي لا بالمماثلة؛ لأن في التعويض جبر الضرر الواقع ومحو آثاره ورد مال المعتدى عليه كما كان.
أما الإتلاف المماثل لمال المعتدي ففيه تكرار الضرر ومضاعفة المفسدة. فلو أضر شخصٌ بآخر في ذاته أو ماله لا يجوز للمتضرر أن يقابِلَه بضرر؛ بل يجب عليه أن يراجع الحاكم ويطلب منه إزالة ضرره بالصورة المشروعة، كما لو أتلف شخص كرماً لآخر فليس للمتضرر أن يتلف كرمه كما ذكرت مجلة «الأحكام العدلية» المستمدة أحكامها وتفاصيلها من الشريعة الإسلامية.
وذكر الفقيه العلامة الشيخ مصطفى الزرقا -رحمه الله- في كتابه «نظرية الالتزام في الفقه الإسلامي» أنواعاً أخرى من الحقوق التي تستوجب الحفظ والحماية من العدوان عليها أو سرقتها ونسبتها إلى غير صاحبها هي الحقوق المعنوية كحق الاختراع أو الابتكار، وهو ناتج عن أوضاع الحياة المادية والثقافية والاقتصادية الحديثة، كحق المخترع والمؤلف والمنتج لأثرٍ فني أو فكري أو صناعي، فإن لهؤلاء حقاً في الاحتفاظ بنسبة ما اخترعوه أو أنتجوه إليهم، والاحتفاظ بالمنفعة المالية التي يمكن استغلالها من نشره وتعميمه.
وهذا ما أقره «مجمع الفقه الإسلامي»؛ حيث جاء في قراره رقم ٣٤(٥/٥) بشأن الحقوق المعنوية: «إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من ١-٦ جمادى الأولى ٩٠٤١ه وفق ٥١-٠١-٨٨٩١م، بعد إطِّلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع الحقوق المعنوية، واستماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي:
١- الاسم التجاري والعنوان التجاري والعلامة التجارية والتأليف والاختراع أو الابتكار هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتموُّل الناس بها، وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً فلا يجوز الاعتداء عليها
٢- يجوز التصرف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية ونقل أيٍّ منها بعوض مالي ، إذا انتفى الضرر والتدليس والغش باعتبار أن ذلك أصبح حقاً مالياً.
٣- حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعاً، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها.
وقال الإمام البغوي في كتاب «شرح السنن»: (أما كتب العلم فقد قيل: يجوز النظر في الكتاب بغير إذن صاحبه لأن العلم لا يحل منعه ولا يجوز كتمانه، وقيل أيضاً لا يجوز النظر فيه لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا ينظر أحد منكم في كتاب أخيه إلا بإذنه» وفي رواية «ومن نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فكأنما ينظر في النار» رواهما الحاكم؛ ولأن صاحب الشيء أولى بمنفعة ملكه، وإنما يأثم بكتمان العلم الذي سئل عنه، فأما منع الكتاب عن غيره فلا إثم فيه).
تدل هذه النصوص على أن الاعتداء على حقوق الآخرين المعنوية بأي شكل يوجب الملاحقة القانونية والجزائية؛ بسبب الإضرار بأصحابها؛ لذا يقتضي تعويضهم عنها.
والقسم الثالث من الجزاء على التعسف في استعمال الحق هو الجزاء التعزيري، والتعزير من العقوبات التي أُعطي حق تقديرها إلى ولي الأمر، يوقعها على من يقترف أفعالاً محظورة ليست من جرائم الحدود أو القصاص التي وضعت لها الشريعة عقوبة محددة. وتختلف العقوبة التعزيرية من شخص إلى آخر ومن بلد إلى آخر ومن جريمة إلى أخرى لأن القصد منها الزجر والردع.
أما القسم الرابع من الجزاء على التعسف في استعمال الحق فهو الجزاء الأخروي فالإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان، فيه يحشر الناس جميعاً لله رب العالمين، فتوزن أعمالهم ويحاسب كل منهم على ما قدم وعمل حساباً دقيقاً.
* رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في فلسطين سابقاً
# الضمان