الشهيد الصدر في رؤى العلماء والمفكرين

الشهيد الصدر في رؤى العلماء والمفكرين.. حوار مع سماحة السيد محمد حسن الأمين “ره”

الاجتهاد: حوارات حول شخصية السيد الشهيد محمد باقر الصدر “قدس سره” وفكره ودوره اجرتها هيئة تحرير مجلة المنهاج مع ثله من العلماء والمفكرين ‏هم: المشاركون: العلامة السيد محمد حسن الامين، العلامة الشيخ حسن طراد، د. حسن حنفي.

تكن شخصية السيد الشهيد محمد باقر الصدر متعددة الجوانب، ومتفردة على مختلف المستويات، وما كان ممكنا ان يكتمل‏ التعرف اليها من طريق الدراسات والمقالات فحسب، ولهذا رات هيئة تحرير مجلة المنهاج ان تعتمد مقاربة اخرى ‏تتمثل في اجراء حوارات مع علماء ومفكرين عرفوا السيد الشهيد معرفة شخصية وثيقة او من خلال كتبه وآثاره‏ العلمية.

فسعت الى عدد من العلماء والمفكرين تطلب منهم المشاركة. ووفقت، بعون اللّه، الى اجابات نخبة منهم هم: السيد محمد حسن الامين، الشيخ حسن طراد، الدكتور حسن حنفي. عن كثير من الاسئلة التي طرحتها، وفي ما ياءتي يجد القارئ الاسئلة والاجابات عنها…

وكان اللقاء الاول مع سماحة السيد محمد حسن الامين.

وفي ما ياتي نقدم ما دار، في حوارنا معه، من اسئلة‏ واجوبة.

عرفتم السيد الشهيد معرفة شخصية وحضرتم مجالسه، هل يمكن ان تقدموا للقارى صورة عن هذه الشخصية كما عرفتموها معرفة مباشرة؟

تعرفت الى شخصية الشهيد الصدر مباشرة في اعوام الستينات، في النجف الاشرف، ايام طلب العلم، وحضرت بعض ‏دروسه والكثير من مجالسه.

لا يستطيع المرء ان يقدم صورة وافية عن هذه الشخصية المتميزة، ولكن ذلك لا يمنع من‏ قراءة بعض عناوين هذه الشخصية، بدءا من المميزات الخاصة بهذه الشخصية، وهي مميزات الخلق النبيل، والعلم ‏الوفير، والورع، والحب.

واركز على كلمة «الحب‏» فاقول: ان كل من اتصل بالسيد الشهيد خرج باحساس مفاده ان هذا الرجل، على الرغم من توفر عناصر النبوغ الفكري والعلمي في شخصيته، فان العنصر الجاذب في شخصيته هو هذا المقدار من الحب، حب الاخر، حب الحقيقة، حب يكاد يكون في اطار شبه شخصي ايضا.

واعتقد ان هذه الصفة تلازم‏ عظماء الرجال الذين يغيبون الكثير الكثير من حضور «الانا» في داخلهم، لان همومهم العامة وهموم التغيير تملا وجدانهم، وتملا آفاق سلوكهم الى درجة لا يعود هناك متسع للاهتمام بذواتهم. اقول هذا الكلام، وانا اعلم ان‏ شخصيات كثيرة علمية وفكرية في الحوزة العلمية في النجف الاشرف كان السيد الشهيد يتميز اذا قورن بها بهذه ‏الجاذبية الشخصية، التي اعتقد ان مصدرها هو هذا الحب العارم للاخر وللحقيقة…

وانتقل من هذه الخاصية الى المنحى الفكري الذي تمثله شخصية السيد الشهيد، حيث الانطباع المباشر الذي يخرج به‏ من يجلس اليه، هو هذا النوع من التكامل في هذه الشخصية.

يوجد اختزان جدي وكامل لتراثنا العلمي والفقهي‏ والاصولي والفلسفي والتاريخي، وما عدا ذلك من المعارف الاسلامية، ولكنها لدى السيد الشهيد تعود لتغدو كانها انتاج، او ابداع شخصي، بمعنى ان لدى الشهيد طاقة في تحويل الخبرة السائدة الى معرفة جديدة. والسر في ذلك يعود الى ان السيد الصدر لم يكن يعتقد ان العالم هو كتاب متحرك… كان ينظر الى المعرفة على انها انبثاق ‏حي ‏وحيوي ‏ومعاصر وملامس بصورة كاملة ودقيقة لتطلعات عصره وجيله… ثم ان السيد كان رجلا مستقبليا، فانت حين ‏تستمع اليه وتحاوره فانك تشعر من دون شك بانه، بالاضافة الى هذه القدرة الفائقة على اختزال الماضي، مسكون ‏بالمستقبل لدرجة ان هاجسه الاساس هو المستقبل اكثر من الماضي.

وهذا ما جعله ينطلق مبكرا في اعادة انتاج الفكر الاسلامي على النحو الذي مكنه من ان يحدث نقلة نوعية في هذا الفكر وينجز مشروع معاصرة حقيقية، ربما كانت ‏تحتاج الى عدد كبير من الرجال وعدد من المؤسسات ايضا، لكن السيد الشهيد استطاع ان يحدث هذه النقلة النوعية‏ خلال مدة قصيرة من الزمن بالمقارنة مع الازمنة التي تحتاج اليها مثل هذه النقلات الكبيرة في تاريخ الفكر وفي تاريخ ‏المؤسسات جميعها.

وتجلى ذلك في جميع ما انتجه السيد الشهيد، سواء على مستوى العلوم الاكاديمية، اي الفقه ‏والاصول، ام على مستوى الفلسفة، ام على مستوى الرؤية الفكرية للازمة البشرية المعاصرة ولازمة الفكر الاسلامي‏المعاصر.

وبالتالي فان هذه المعارف التي نتكلم عليها جزء اساسي منها موثق في مؤلفاته التي يتيح الاطلاع عليها جزءا من معرفة السيد الشهيد، ولكن هذه المعرفة من وجهة نظري لا تكتمل الا بهذا النوع من التماس الشخصي، اوالمعرفة الشخصية للسيد الشهيد، وهذه القدرة الفائقة على رؤية الواقع ونقده.

واذكر ان السيد الشهيد، بالاضافة الى هذه الاهتمامات الكثيرة التي كان يواجه مسؤولياتها في الحوزة وفي التاليف ‏والكتابة، كان يتابع بصورة دقيقة المميزات الفكرية وحتى الشخصية لدى عدد كبير من طلاب العلم آنذاك، وكان لا يقلل‏ من اهمية اي موهبة، بل كان يشجعها، ويظهر وهو يشجع هذه الموهبة سواء كانت ادبية ام فكرية انه على المام دقيق‏بالموضوع الذي تنطلق منه هذه الموهبة وتصب فيه.

ولا انسى، هنا، ان اشير الى ان السيد، في جلساته، واحيانا قبيل وقت الدرس، كان حريصا على ان يظهر انه ليس مجرد ناقل معرفة او حتى انه ليس منتجا للمعرفة بمعزل عن الاهتمامات الاجتماعية والسياسية التي تدور في عصره، فكان ‏يلمح، من خلال بعض ما يرويه لطلابه، الى امور، ثم يتركهم، بعد ذلك، يفكرون بمغزاها وبما المح اليه هذا الرجل.

ذات مرة اذكر انه تكلم على احد اساتذة الحوزة الكبار وكنا في مجلسه فقال: ان هذا الاستاذ الكبير الذي كان يدرس‏ يوميا، والذي كان حريصا على ان يدرس في جميع الايام من دون عطلة، كان ان حصلت احداث سياسية دموية في‏ عصره في العراق، فجاء الطلاب او بعض الطلاب، وكانوا يعتقدون ان استاذهم سوف يعطل في مثل هذا اليوم، ولكن‏ الاستاذ جلس على عادته وفتح الكتاب وشرع في الدرس، ودرس الطلاب الموجودين، فساله احدهم، بعد انتهاء المحاضرة، او الدرس: كيف تدرس في مثل هذا اليوم الذي تعرف ماذا جرى فيه؟

فاجاب الاستاذ: ان هذا لا يجوز ان ‏يعطل دروسنا على الاطلاق، فنحن نهتم بالدرس وبالدرس فحسب.

وكان السيد، وهو يروي لنا هذا الحادث،حريصا على ان لا ينال من شخصية هذا العالم الكبير، ولكنه ترك لنا هامشا كبيرا لننتقد نحن هؤلاء العلماء الكبار الذين ‏لم يكونوا قادرين على ان يعيشوا قضايا عصرهم، وكانوا يظنون اننا اذا كنا حريصين على الدرس فقط، نستطيع ان نحقق‏ غاياتنا ونقوم بواجباتنا فيما السيد الشهيد كان يريد القول: ان النجف الاشرف ليست مجرد مكان لتلقي الدروس ‏فحسب، بل هي، ايضا، مكان لتحسس المشكلات التي تعصف بعالمنا الاسلامي وبالعراق وبما حولنا، وان المدرس‏ الكبير يجب ان يكون فيه شي‏ء من نزعة القيادي المسؤول الذي يعطي مساحة مهمة للاحداث الاساسية التي تدور في‏عصره، وان الدرس ليس كل شي‏ء رغم اهميته.

اقول: ان المرء، لو اراد ان يستطرد، لتكلم طويلا عن مثل هذه المميزات التي طبعت شخصية السيد الشهيد، والتي‏ كرسته معلما متميزا في تاريخ النجف وفي التاريخ الفكري والسياسي الاسلامي المعاصر، وبالتالي فنحن نعتقد ان‏ مزيدا من تخصيص الابحاث والدراسات عن هذه الشخصية هو جزء من تخصيص الابحاث والدراسات عن مرحلة‏ بكاملها وعن مفصل من مفاصل النهوض الفكري الاسلامي الشيعي بكامله.

ما موقع السيد الشهيد ودوره في تطور حركة الفكر الاسلامي المعاصر؟

يعد السيد الشهيد احد كبار المفكرين الاسلاميين المعاصرين،… وتتصف شخصيته بالكثير من المميزات ‏والخصوصيات في انتاج المعرفة وفي المنهج الذي اسهم في ارساء حركة الفكر الاسلامي المعاصر الراهنة.

وهنا اود ان ‏اشير الى ان السيد الشهيد، بالاضافة الى اهتمامه باطلاق حركة الفكر الاسلامي المعاصر، كان مشغولا، بحكم موقعه، بجانب اساسي هو الدراسات الحوزوية ومناهج الدراسات الحوزوية، وكانت حركته في هذا الاتجاه تحاول ان تلائم بين ‏تطوير الدراسات الحوزوية وانجاز معطيات ميدانية في مجال الفكر الاسلامي المعاصر غير الحوزوي.

ولعل الظروف ‏والمعطيات الضاغطة، داخل الحوزة في العراق، كانت مؤثرة الى درجة لم تتح الفرص والامكانات الكبيرة لكي يقدم ‏السيد الشهيد نماذج اكثر كمية وكثافة مما قدمه، ولكن ضياع مثل هذه الفرصة لم يكن عبثيا ، وانما كان لحساب ما انجزه‏على مستوى التطوير المنهجي للدراسة الحوزوية نفسها، ونحن ندرك ان تطوير مثل هذه الدراسة هو نقلة نوعية لكي ‏يكون العالم المسلم المتخرج من هذه الحوزة معدا لان يسهم في حركة تطوير الفكر الاسلامي المعاصر والاجابة عن ‏الاسئلة التي تتحدى هذا الفكر.

سوف اشير، هنا، الى عمل فكري فلسفي تفسيري قام به السيد الشهيد، وهو عمله المتعلق بالتفسير الموضوعي للقرآن ‏الكريم.

نحن نعرف ان السيد الشهيد، عندما اطلق هذه الاطروحة، بدا كانه يقترح مجرد منهج للتفسير يتميز ببعض‏ الخصائص الايجابية التي لا توجد في مناهج التفسير القديم، حيث اقترح ان يكون التفسير الموضوعي على هذا الشكل: انت تستحضر مشكلة من المشكلات التي تواجهها في عصرك، ثم تذهب الى القرآن الكريم، فتساله عن هذه‏المشكلة، فيجيبك القرآن الكريم عنها.

بعضهم راى ان مثل هذا التفسير الموضوعي موجود من خلال الموضوعات‏ الاسلامية التي بحثها مفكرون اسلاميون وكتاب اسلاميون واستشهدوا عليها بالقرآن الكريم، قالوا: ان هذا هو ايضا تفسيرموضوعي.

انا اعتقد ان ما يرمي اليه السيد الشهيد، ويريد ان يغرسه ويرسيه في الوجدان الفكري والعلمي لطلابه ‏وللمثقفين المسلمين هو ان هناك فاصلا بين المعرفة الاسلامية وبين الهموم التي تتراكم شيئا فشيئا عبر التطور السريع ‏الذي شهدته القرون المتاخرة.

كان السيد الشهيد لا يستطيع ان ينتقد بصورة مباشرة المعرفة الموروثة، ويريد معرفة‏ مستقبلية. اراد، من خلال التفسير الموضوعي، ان يدفع بالمثقف، او المفكر، او طالب العلم المسلم، الى التفكير في ‏العصر وفي مشكلات العصر اكثر فاكثر، وان يجعل من هذا الطالب، او هذا المفكر، عنصرا فاعلا في استقراء المعطيات‏ الجديدة والمتجددة باستمرار للقرآن الكريم، والتي حرم القرآن الكريم منها لان الكثير ممن يقراونه ويريدون تفسيره ‏يلجاون، دائما، الى من فسره في السابق.

السيد الشهيد الذي يشير الى ان القرآن هو نص متجدد كان يريد ان يربط هذه ‏المقولة بمسار حيوي ومسار تطبيقي، اي ان هذا القرآن ما دام هو كلام اللّه المتجدد، فاذا علينا ان نكون على معرفة بما يتجدد من قضايا الفكر والوجود والاجتماع الانساني لنسال القرآن عنها.

هذا ينطلق من عنوان اساسي هو ما اشرت اليه سابقا، ومفاده ان السيد الشهيد كان عقلا مستقبليا، وكان يدرك ان الامة‏ الاسلامية عاشت قرونا من الجمود، ما جعلها امة غير فاعلة وغير منتجة في عصرها، وان اعادة الامة الى موقع التفاعل‏ والانتاج والابداع في عصرها يتطلب اختراق هذا القدر الكبير من العصور الجامدة، التي لم تبدع فيها هذه الامة.

وهذا يتم عبر التفكير في قضايا المستقبل، وبالتالي في قضايا المعرفة التي انتجتها مسيرة الانسان. انا لم اجد مفكرا اسلاميا، على اهمية حرصه على الاطروحة الاسلامية، متعاطفا مع الانجازات الفكرية الانسانية بالدرجة التي وجدت عليها الشهيد الصدر، فهو حتى في مجال تفنيده ومناقشته لما انتجته الفلسفات الحديثة فانك، لا شك، سوف تشهد هذا النوع‏ من التنويه والاعجاب بكثير من المسائل التي حققتها هذه المعرفة الحديثة، وهذا يتجلى سواء في كتابه: «فلسفتنا» او «اقتصادنا»، وبصورة اساسية يتجلى في كتابه «الاسس المنطقية للاستقراء» التي يبدو فيها السيد الشهيد فيلسوفا حقيقيا ،فيلسوفا يشكل حلقة من حلقات الفلسفة الكبيرة في عصرنا،

وهذا لا يمكن ان يتم من دون تماس‏ واهتمام فعلي‏ واعجاب فعلي بالنتاج الفلسفي الانساني الاسلامي وغير الاسلامي، وكان بعضهم يرى ان مثل هذا الانتاج لا علاقة له‏ بالاهتمامات الحوزوية والدينية، وفي هذا اقدر ان السيد الشهيد عندما انجز مثل هذا الكتاب: «الاسس المنطقية‏ للاستقراء» كان يرمي الى ان يجعل اهتمام الحوزة العلمية الدينية ينصب في مثل هذه الاتجاهات التي كان يراهن على‏انها هي التي ستشكل رافعة التغيير والتطور باتجاه فكر اسلامي معاصر وفاعل ومنتج يحقق هذه النهضة الحديثة. قدم السيد الشهيد نظرية في تحصيل المعرفة وتقديمها تتمثل في عدد من كتبه منها:

«فلسفتنا» و«الاسس المنطقية‏ للاستقراء». بم تتميز هذه النظرية من سواها؟

في «فلسفتنا» السيد الشهيد ينجز حلقة اولى من تفكيره الفلسفي ومن اسهاماته الفلسفية في عصرنا، لكن الطابع‏ الاساسي ل‏«فلسفتنا» هو انجاز نقدي، يعني ان السيد الشهيد حاول ان ينتج ملامح فلسفة اسلامية جديدة، او مختلفة من‏خلال المنهج النقدي للفلسفة الماركسية (المادية) بصورة اساسية.

في كتابه «الاسس المنطقية للاستقراء» فان السيد الشهيد انتقل الى طور اعلى، حاول ان ينتج جانبا اساسيا من نظرية المعرفة الاسلامية. نحن نعرف ان الفلاسفة المسلمين هم من المسهمين الاساسيين في تاريخ الفلسفة بانتاج نظرية المعرفة، ولكن السيد الشهيد، كجميع المفكرين الكبار، يدرك ان نظرية المعرفة لم تكن نظرية فلسفية تم انتاجها لدى الفارابي وابن سينا وحتى الفلاسفة الغربيين، وانتهى امرها عند هذا الحد، فان كل تطور في الفكر الانساني وفي الفلسفة وفي العلوم سوف‏ يكون عاملا جديدا من عوامل اعادة النظر في الاسس التي استندت اليها نظرية المعرفة، وجاء كتابه «الاسس المنطقية‏ للاستقراء» متميزا، اذ انه ينتج مفهوما اسلاميا ابداعيا لنظرية المعرفة، جاء ليحتوي على معطيات نقدية لنظرية المعرفة ‏منذ ارسطو وصولا الى عصرنا الراهن، وليضيف الى ذلك عنصرا جديدا هو نظرية الاحتمالات.

دخل السيد في آخر اهتمامات الفلسفة الحديثة، وادخل نظرية الاحتمالات في هذه الاطروحة الفلسفية المهمة، بصورة منهجية علمية دقيقة ‏اعاد فيها الاعتبار الى المنهج العقلي.

السيد الشهيد هو احد رواد المنهج العقلي في الفلسفة، وفي نظرية المعرفة‏ بالذات، ولكن ليس مجرد نسخة عن القائلين بهذا المنهج العقلي، فقد بلور هذا المنهج بصورة مبتكرة، مستفيدا، بشكل كبير، من استيعاب هذا المنهج العقلي الذي بدا منذ اليونان وصولا الى الفلاسفة المسلمين، وفلاسفة العصور الوسيطة‏ الى عصرنا الراهن.

وانتج، من خلال ذلك، ومن خلال نزعته النقدية لهذه المدارس، ومستفيدا من معرفته الدقيقة ‏آخر اهتمامات الفلسفة الغربية، ومنها نظرية الاحتمال، لينشى هذا البنيان الفلسفي الذي استطيع ان اصنفه بانه جزء من‏ اعادة الاعتبار لنظرية المعرفة واعادة طرحها من جديد على مستوى عصرنا وادخال الحيوية الاسلامية الى هذه‏النظرية.

وبنظرية الاحتمالات، وهي نظرية استخدمت في العلوم، وفي الفلسفة العلمية تقريبا، استطاع السيد الشهيد ان يثبت من‏ جديد وجود اللّه سبحانه وتعالى، وان يكافح الاتجاهات الالحادية التي حاولت ان تستخدم نظرية الاحتمال نفسها لتثبت الاراء الالحادية.

ومما يقوله السيد في ادبيات هذا الكتاب: ان «الاسس المنطقية للاستقراء»، علاوة على تماسكه ‏المنهجي، قلص فرصة الملحد الى نسبة واحد الى مليارين على الاقل. اذا كان احتمال وجود اللّه وعدم وجوده ‏متساويا عند بعضهم، فان ادخال نظرية الاحتمال الى الفلسفة في المجال الالهي اثبت ان فرصة الملحد للقول بالالحاد لاتتجاوز واحدا على مليارين فقط.

وانا اود الاشارة اليه لاننا نفتقد مثل هذا التماسك المنهجي. هذا الترابط الهرمي الذي ‏يبدا من القاعدة وينتهي الى ذروة معينة غير موجود، بصورة دقيقة، في انجازاتنا الفلسفية بعد عصور ابن سينا والفارابي ‏وابن رشد وغيرهم.

ولا استطيع القول ان انجازات الشهيد الفلسفية متضمنة في انجازات «صدر المتالهين‏» وغيره على‏اهميتهم، ففي انجازاته وحده، في مجال الفلسفة، يوجد تجديد لم نلحظه عند مفكر اسلامي معاصر على الاطلاق. يعد السيد الشهيد رائدا في مواجهة مشكلات العصر الاقتصادية.

ما الذي اضافه في هذا المجال، وبخاصة في كتابيه:«اقتصادنا» و«البنك اللاربوي في الاسلام‏»؟

انا اعتقد ان اهمية كتاب «اقتصادنا» لا تكمن في درجة انجازه للنظرية الاقتصادية الاسلامية بقدر ما تكمن في النقد الاسلامي المتنور للاسس والمرتكزات التي تقوم عليها النظريات الاقتصادية والماركسية، يعني الاقتصاد الموجه.

السيد الشهيد، في كتاب «اقتصادنا»، انجز الاسس والمنطلقات التي تمكن الباحثين النشطين والطموحين من ان يحققوا هذا الهدف، وهو اقامة نظرية اقتصادية اسلامية، على الرغم من انني اشك في ان السيد الشهيد من الذين يعتقدون بامكان ‏انجاز نظرية اقتصادية شاملة وحاسمة ونهائية، فهو تحدث بصورة واضحة، وخصوصا في كتابه راطروحته «البنك ‏اللاربوي‏» عما يسمى بمناطق الفراغ في الاحكام وفي الشريعة الاسلامية، وكاني به يريد ان يلمح او يصرح بان ما هو مناطق فراغ شاءت الحكمة الالهية ان ينجز ملؤها بالجهد البشري، فهو اذا من الذين يرون ان الانجاز البشري هو جزء من‏ عملية انجاز التاريخ وليس الاحكام الشرعية وحدها، بدليل ان الاحكام الشرعية في شان الاقتصاد تقدم توجهات عامة‏ ومبادى عامة، من ينجز هذا المسار الفعلي التاريخي للاقتصاد؟ ينجزه الناس المسلمون في مثل حضارتنا الاسلامية‏ وفي مثل مجتمعنا الاسلامي.

فالسيد الشهيد لم يكن يدعي انه يقدم اطروحة شاملة للاقتصاد الاسلامي، ولكنه كان ‏يريد ان يشير الى ان الاقتصاد الاسلامي وعلوم الاقتصاد هي امور ينجزها الناس، ينجزها البشر، ولكن المبادى العامة‏ هي التي تراقب هذه الانجازات وتضع الارضية الفلسفية لها.

اذن الاقتصاد الاسلامي، في كتاب «اقتصادنا»، هو اقتصاد ينتمي الى بنية فكرية، ويتاسس على قاعدة فكرية مختلفة عن‏القاعدة التي يقوم عليها الاقتصاد الراسمالي، ومختلفة عن القاعدة التي يقوم عليها الاقتصاد الماركسي، وهذا ما حرص‏السيد على ان يبلوره في كتاب «اقتصادنا».

اي ان للاقتصاد الاسلامي مرجعية فكرية يجب ان تستعيدها، ويجب ان‏ نحقق هذه المرجعية الفكرية من خلال العودة الى الكتاب والسنة من جهة، ولكن ايضا من خلال مناقشة الاطروحات‏ الاقتصادية العالمية الراهنة الموجودة حاليا، مناقشتها فلسفيا، لان كل نظرية اقتصادية خلفها نظرية فلسفية من‏ جهة ‏اخرى.

وهذه المحاولة في الحقيقة بداية، جاء «البنك اللاربوي‏» ليشكل تطبيقا عمليا لهذه الاطروحة النظرية، فاقترح بنية للبنك اللاربوي، لكنه، في الوقت نفسه، راى ان هذه الاطروحة ليست اطروحة نهائية، فانك تستطيع ان ‏تقدم اطروحة للبنك مختلفة عن الاطروحة التي تقدمها في ظل بنية اقتصادية ربوية تتحكم بعالمنا الراهن، فهو حاول ‏اذن ان يوفق بين اطروحة بنكية لا ربوية في ظل اقتصاد ربوي مطروح علينا في هذه المرحلة الزمنية من عالمنا وبين‏فكرة ان يكون هناك بنك لاربوي، ولكن في اطار احكام الاسلام جميعها، يعني انه قدم مشروعا، لامكانية قيام بنك‏لاربوي حين يتاح للمجتمع ان يطبق احكام الاسلام بصورة متكاملة، وقدم امكانيات فقهية لتعامل لاربوي في ظل ‏الواقع الربوي الراهن حاليا.

هذا ما تتضمنه اطروحة «البنك اللاربوي‏» التي تشكل تطبيقا ميدانيا لنظريته، او لمحاولته النظرية التي اطلقها في كتاب‏«اقتصادنا» التي ناقش فيها بعمق الاسس التي ترتكز عليها الراسمالية والاشتراكية في آن واحد.

الى من كان يتوجه الشهيد الصدر في خطابه التجديدي، هل كان يتوجه الى طائفة معينة او الى المسلمين ‏جميعهم؟

السيد الشهيد مرجع ديني، او على الاقل، وفي البداية، مشروع لمرجع ديني في حوزة النجف الاشرف، ولكنه كان‏ يحمل هموما تتجاوز ذلك. انه كان يعيش قضية التجدد الحضاري الاسلامي بصورة شاملة.

انا اعتقد ان السيد الشهيد لم يكن يتوجه الى طائفة معينة، وان كان يعيش في داخل طائفة معينة، وبالتالي يراعي ‏معطيات تاريخية لطائفة معينة، ولكنه كان يتوجه الى ابعد من ذلك بكثير.

واذا اخذنا انجازاته الاسلامية الفكرية الاحظنا انها تتجه الى المسلمين جميعا، اي تتجه الى هموم التجدد الحضاري، واحداث النقلة النوعية في التجدد الحضاري ‏للمسلمين، وكان يحاول ارساء نهضة اسلامية حديثة هي على صلة، من دون شك، بما نسميه عصر النهضة في اواخر هذا القرن الذي يشكل جمال الدين الافغاني ومحمد عبده وآخرون رموزه المعروفة في ذلك الحين، لكن بعد مرور اكثرمن سبعين سنة على قيام هذه النهضة بدا ان بنية الفكر الاسلامي باتت بحاجة الى تجديد هذه النهضة، فكان السيد الشهيد احد الاعلام البارزين في العمل على تجديد هذه النهضة الاسلامية.

وبطبيعة الحال لا بد من ان يكون التوجه، هنا، للبنية الاسلامية بصورة عامة، وان كان المرتكز الذي انطلق منه السيد الشهيد هو الحوزة العلمية في النجف الاشرف ‏والتي تعبر، بصورة تاريخية، عن الطائفة الشيعية، اي الشيعة الاثني عشرية.

تحدثتم عن سعي السيد الشهيد الصدر لانجاز التجدد الحضاري الاسلامي، هل كانت لديه رؤية الى ما يسمى اليوم ب‏«حوارالحضارات‏»؟

نحن نطرح هذا السؤال ونعلم انكم معنيون بهذا الامر. بالتاكيد، وهذا ما اشرت اليه في محاضرة عن «حوار الحضارات‏»، فاننا نصنف، بصورة مباشرة وبالبداهة، السيد الشهيد الصدر بوصفه احد كبار دعاة الحوار الحضاري، حوار الحضارات وليس صراع الحضارات، بل يمكننا القول ان السيد انجز شوطا كبيرا في مجال حوار الحضارات، خصوصا اذا فهمنا حوار الحضارات بوصفه مفهوما مركبا وليس بسيطا، لان ‏جزءا من حوار الحضارات له طابع صراعي، كما ان جزءا من صراع الحضارات له طابع حواري.

السيد الشهيد الذي‏ يقارع الحضارة المادية او الحضارة الراسمالية او الاشتراكية الماركسية، في الحقيقة لم يكن يقارعها لالغائها، انه كان ‏محاورا حصيفا لهذه الحضارة الغربية يتركز همه على اظهار العناصر الحيوية في الفكر الاسلامي والبنية الاسلامية التي ‏تمكنها من ان تكون محاورة لهذه الحضارة ذات الوجهين الراسمالي والاشتراكي.

ان الاسلام يمتلك المعطيات التي ‏تمكنه من ان يكون محاورا فعليا وصولا الى العقيدة التي يتضمنها فكر الشهيد الصدر، وهي ان يكون الاسلام موجها الى‏ العالم كله، ولكن بالتاكيد السيد لم يستعمل مصطلح الحوار الحضاري، وربما يكون قد استعمله ولكن لا اذكر، الا انه كان‏ منغمسا فيه الى ابعد حدود الانغماس، وكان فاعلا فيه الى ابعد حدود الفاعلية، فهو الذي فتح العقل الاسلامي على ‏مثل هذا الحوار في مساحة واسعة من المسلمين ومن المفكرين المسلمين ومن علماء المسلمين، وبالتالي فانه يشكل‏ جزءا من تراثنا الحديث باتجاه ارساء قواعد حوار الحضارات واسسه في مواجهة نهج صراع الحضارات.

نهج السيد الشهيد ينطلق من التكامل، وهو يدين ادانة كاملة منهج الصراع، اي التنابذ، اي النفي والنفي المتبادل في البنية الانسانية، فهو اذا احد كبار المفكرين الانسانيين ايضا بالاضافة الى كونه مفكرا اسلاميا.

هذه النظريات التي تشمل مختلف شؤون الحياة، الا تندرج في سياق نظرية شاملة لاقامة دولة اسلامية؟ وهذا يقودنا الى الحديث عن دور السيد الشهيد الصدر السياسي الجهادي؟

بالتاكيد، فان السيد الشهيد الصدر كان يرى ان الاسلام فقد الكثير من خصائصه الفعلية عندما تم الفصل بين الاسلام بوصفه‏ معرفة وعقيدة من جهة وبين الاسلام بوصفه اطروحة حياة واطروحة تاريخ واطروحة مجتمع ودولة من جهة ‏اخرى.

وهو، في جميع ادبياته، يركز على هذه النقطة بالذات، ولعل من ابدع ما كتبه، في هذا المجال، هو مقدمة كتابه ‏«اقتصادنا» الثانية.

هذه المقدمة التي يشرح فيها بصورة بالغة الدقة والعمق والمسؤولية الازمة، ازمة التراجع والتخلف‏ العربي الراهنة، وانهيار التنمية على مستوى العالم العربي، ويقدم لهذه التنمية مبادى اساسية تشعر، من خلالها، ان‏السيد الشهيد يربط موضوع التنمية الاقتصادية ببنية الامة الثقافية، وانه لا يمكن ان تتحقق التنمية بدرجة تجعلنا بموازاة‏التنمية الغربية وبموازاة التفاعل مع هذه التنمية الغربية الا من خلال انجاز هذا التكامل بين التنمية المادية وبين ‏المعطيات الروحية والفكرية التي يشكو المجتمع الاسلامي من غيابها.

فهو اذا يشير الى اننا لا يمكن ان نحقق حركة نهوض حقيقية، ونقدم تنمية حقيقية الا بالربط بين التنمية الاقتصادية وبين ‏العقيدة التي نختزنها والمغيبة عن المجال التاريخي لهذه التنمية، بما يعني ان السيد الشهيد كان يدعو، او يعمل، لقيام ‏بنية اسلامية متكاملة.

لا شك في ان صيغة الدولة هي احدى الصيغ المهمة في تفكير السيد الشهيد الصدر. وهنا اعود الى فكره‏ السياسي، ارى ان هذا الافق المتكامل في رؤيته الفكرية، هو الذي شكل الاساس في تفكيره السياسي في ضرورة العمل ‏لايجاد نظام اسلامي، وبالتالي فان هذا الفكر كان له تاثيره واشعاعاته، التي يمكن اليوم، ونحن ندرس الحركة الاسلامية، ان نرى التاثير المباشر وغير المباشر لهذه الرؤية على قيام الحركات الاسلامية التي تدعو، بصورة واضحة ودقيقة، لقيام ‏الدولة الاسلامية، عدا عن ان موقف الشهيد الاخير تجاه قيام الثورة الاسلامية في ايران كان واضحا بانه شعر بان هناك‏ حلما شخصيا، اذا صح التعبير بان هناك احلاما شخصية، قد تحقق من خلال ايجاد اطار اسلامي يمكن للسيد الشهيد، اي يمكن لفكر السيد الشهيد، بان يجد ميدانه الحيوي والملائم، ليغدو فكرا ميدانيا وليس فكرا نظريا، اي ليطبق ‏اطروحته الاسلامية، فهو اذا لا شك من دعاة قيام الكيان السياسي الاسلامي الذي يحقق لعملية التجدد الحضاري ‏اطارها السياسي.

المعروف ان السيد الشهيد الصدر كتب في دستور الدولة الاسلامية كانه كان يهيى لقيام هذه الدولة، او يتوقع قيامها؟

لا شك في ذلك، وهذا ما اقترحه على الثورة الاسلامية الايرانية، وهذا الدستور هو احدى الصيغ التي اقترحها على‏ الجمهورية الاسلامية، على ان موضوع قيام دولة اسلامية، وان كان هو الهدف الذي لا شك فيه لدى السيد، الا ان هذا الموضوع هو سياسي، بمعنى ان الشغل فيه مرة يكون في المجال النظري لانجاز النظرية حول الدولة، ومرة يكون العمل ‏فيه سياسيا عمليا.

انا اعتقد ان السيد الشهيد الصدر اشتغل في الجانب النظري الحقيقي في هذا المجال، وبالتالي فان النظام‏ السياسي في العراق لم يكن لينتظر لتنطلق حركة ميدانية في هذا الاتجاه.

وارى ان هذه الانجازات النظرية البالغة الاهمية ‏للسيد الشهيد هي في محصلتها مشروع قيام دولة اسلامية، الامر الذي دفع النظام السياسي في العراق للتعامل مع السيدالشهيد الصدر بوصفه عدوا للنظام السياسي، حيث ان جميع انجازاته في هذا المجال تهدف الى انتاج نظام مختلف كل ‏الاختلاف عما هو قائم ولا يزال قائما حتى هذا اليوم.

تتحدثون دائما عن ضرورة تلازم المعتقد مع الموقف لدى الانسان، الا ترون ان السيد الشهيد، الذي استشهد في سبيل ‏معتقداته، يمثل الانموذج الاعلى لهذا الانسان؟

لا اظن انه يوجد لدينا نماذج كثيرة في هذا المجال، وهذا الرجل حقيقة متميز، وانا كنت اراه مشروع شهيد حتى قبل‏احتدام الصراع السياسي في العراق لشدة ما يتماهى في داخله الجانبان الفكري والعملي، النظري والمسلكي.

هو يمثل‏ هذا النوع من التطابق الكامل بين النظرية والسلوك على مستوى سلوكه الشخصي، لكن هذا لا يعني ان السيد الشهيد كان يعتقد ان الفترة المناسبة للقيام بحركة سياسية كاملة هي تلك الفترة التي عاشها في الستينات، فهو كان يعمل على‏انجاز القاعدة النظرية للحركة السياسية اكثر مما عمل في النشاط السياسي الميداني من دون ان ننفي حركته في هذا المجال، ومن دون ان ننفي مواقفه السياسية الشجاعة في هذا المجال، لكنني اعتقد ان السيد الشهيد لم يعط الاولوية في‏عمله للحركة الميدانية بقدر ما اعطاها للعمل الفكري والنظري الذي يؤسس لهذه الحركة الميدانية التي تحتاج، بالاضافة الى الاساس النظري المتين، والى الظروف المؤاتية ايضا، ولا ادري الى اي حد يمكن القول بان السيد الشهيد،في اواخر الستينات، او في اواخر السبعينات، قد بدا، او تمكن من البدء بتنظيم سياسي كامل للقيام بهذا الانجاز.

انا اعتقد انه لم يكن قد انجز هذا الامر من دون ان انفي انه كان غاضبا وناقما على النظام العراقي، داعيا الى تغيير هذا النظام ‏ومؤيدا لقوى التغيير لهذا النظام.

هل من كلمة اخيرة؟

الحقيقة، كلمتي في هذا المجال، هي الدعوة مجددا لقراءة السيد الشهيد قراءة مسؤولة وهادفة تنطلق من كونه يشكل ‏مفصلا حيويا من مفاصل السعي الى التجدد الحضاري الاسلامي، وفي الوقت نفسه ادعو الى تمثله بوصفه يمثل هذا المفصل، وادعو ايضا الى طموح اكبر هو ان نبدا من حيث انتهى السيد ايضا الى تطوير حركته الفكرية، حركته البنيوية ‏الكاملة، وبالتالي تعميم هذا الانموذج الذي يمثله السيد الشهيد الصدر على جميع النخب الاسلامية، وهي تعمل على‏ تحقيق مشروعها الفكري والسياسي في عالمنا المعاصر.

 

المصدر: مركز الابحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر

 

سماحة السيد محمد حسن الأمين “ره”

ولد العلّامة الأمين، في بلدة شقرا (قضاء بنت جبيل) سنة 1946، حيث درس المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، فيما كان يتابع دراسته تحت إشراف والده السيد علي مهدي الأمين، في علوم اللغة والنحو والصرف والمنطق. وانتقل الى حوزة النجف في العراق عام 1960، حيث تابع دراسة الفقه وأنهى دراساته العليا عام 1972، تاريخ عودته إلى بلدته شقرا في جبل عامل.

دخل الراحل سلك القضاء الشرعي الجعفري عام 1975، ثمّ عُيّن قاضياً في مدينة صور حتى عام 1977، قبل أن ينتقل إلى مدينة صيدا وبقي رئيساً لمحكمتها حتى سنة 1997، حين نُقل إلى المحكمة العليا بصفة مستشار إلى يوم وفاته.

اهتمّ بالأدب والشعر منذ صغره. وكانت له مساهمات في «مجلة النجف»، كما شارك في إصدار وتحرير «مجلة الكلمة» في النجف، الى جانب مساهمات في مجلة «عبقر». وله عدة مؤلفات؛ منها: «الاجتماع العربي الإسلامي»، «نقد العلمنة والفكر الديني»، «بين القومية والإسلام»، «الإسلام والديموقراطية»، «مساهمات في النقد العربي»، «وضع المرأة الحقوقي بين الثابت والمتغير»، «حقوق وواجبات المرأة المسلمة في لبنان» (مع آخرين)، «الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، سموّ الذات وخلود العطاء».

كان العلّامة الأمين، الى جانب الراحل السيد هاني فحص، من رجال الدين الذين انخرطوا في العمل السياسي المباشر. وكانا على علاقة وطيدة بمنظمة التحرير الفلسطينية وخصوصاً حركة «فتح» وربطتهما علاقات خاصة مع قيادتها ولا سيّما الرئيس الراحل ياسر عرفات ورئيس السلطة الحالية محمود عباس. إضافة الى علاقات مع قيادات الأحزاب والقوى التي شكّلت الحركة الوطنية في لبنان، وتفاعلا مع المنظمات العربية والإسلامية. وأظهرا اهتماماً خاصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران.

أدّى العلّامة الراحل دوراً بارزاً في مرحلة التصدي للاحتلال الإسرائيلي للجنوب عام 1982. وتحوّل منزله في صيدا الى مركز يلتقي فيه مناضلون وناشطون في مقاومة الاحتلال، كذلك وثّق علاقات قوية مع القيادات الفاعلة في المدينة من علماء وقيادات مدنية وسياسية من مشارب فكرية مختلفة. وظلّ على تواصل وثيق بالقوى الفلسطينية في مخيمات الجنوب. وكانت له مواجهات مباشرة مع قوات الاحتلال التي عملت لاحقاً على إبعاده إلى بيروت. ومن هناك واصل دوره في التحريض على مقاومة الاحتلال، وجرى تعطيل محاولة اغتيال كان العدوّ يعدّها له في العاصمة.

عاد إلى الجنوب بعد تحريره عام 1985، ورفع من مستوى حضوره السياسي والثقافي والأدبي، واشتهر بانفتاحه على الحوارات مع أصحاب الأفكار الأخرى سياسياً وعقائدياً. لكن في مرحلة التسعينيات، ظهر التوتر على علاقته مع القوى البارزة على الساحة الشيعية وخصوصاً حركة أمل، قبل أن يشوب التوتر علاقته مع حزب الله، وهو ما استمر حتى وفاته.

وتوفي العلامة الأمين الليلة الماضية، بعد اصابته بفيروس كورونا. وكان أدخل مساء السبت في 22 آذار إلى مستشفى دلاعة في صيدا، لتلقي العلاج إثر اصابته بالفيروس الذي أدّى إلى مضاعفات خطيرة على وضعه الصحي، استدعت تزويده بعلاج خاص وأجهزة التنفس اللازمة. 

 

موسوعة الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر “قدس سره”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky