الاجتهاد: قد يقال: بأنَّ المرأة والرجل اذا لم يمتنعا عن الانجاب فلا يجوز زواجهما؛ لأنَّ إصابة الجنين بمرض الإيدز تحدث في نسبة غير قليلة. أقول:إنّ هذا كلام لا دليل عليه، لأنّ الحمل بعد لم يوجد، فاذا وجد وهو في بطن اُمه فليست الاُم مسؤولةً عن حياته، وليست هي المسببة لاصابته إذا اُصيب، ولم تكن متعمدة لاصابته، ولهذا فقد يقال بجواز الحمل، فان ولد سليماً فهو، وان ولد مصاباً فهو كمن ولد معلولاً ومشوّهاً نتيجة معلولية الزوجين أو تشويههما فلا يجوز قتله.
الغرض من اليوم العالمي للأيدز، الذي يُحتفل به في الأول من كانون الأوّل/ديسمبر، هو حثّ الناس في جميع أنحاء العالم على إذكاء الوعي بوباء الإيدز والعدوى بفيروسه وإبداء تضامن دولي من أجل التصدي لهذا الوباء.
مازال فيروس العوز المناعي البشري يشكل إحدى المشكلات الصحية العمومية الكبرى، وقد حصد أرواح قراية 33 مليون شخص حتى الآن. ومع ذلك، فمع الزيادة في إتاحة الوسائل الفعّالة للوقاية من فيروس العوز المناعي البشري وتشخيصه وعلاجه ورعاية المصابين به، بما في ذلك حالات العدوى الانتهازية، أصبحت العدوى بالفيروس حالة صحية مزمنة يمكن توفير تدبيرها العلاجي للسماح للأشخاص المتعايشين مع ذلك الفيروس بالتمتع بحياة طويلة وصحية.
وفي نهاية عام 2019، كان هناك نحو 38 مليون شخص متعايش مع الفيروس.
الختان الطبي الطوعي للذكور
إن ختان الذكور الطبي يقلل من خطر الإصابة بفيروس العوز المناعي البشري المكتسب من الجنس الآخر بين الرجال بنسبة 50٪ تقريبًا بما في ذلك في بيئات “العالم الحقيقي” حيث حدث التوسع إلى جانب التغطية المتزايدة لمضادات الفيروسات القهقريّة مع تأثير الوقاية الثانوي.
وفي عام 2020، استكملت منظمة الصحة العالمية توصية عام 2007 بأن يستمر الختان الطبي الطوعي للذكور كتدخّل وقائي إضافي بين الذكور الذين تبلغ أعمارهم 15 سنة فما فوق. وهذا تدخّل رئيسي لاستراتيجية الوقاية المركَّبة في البيئات التي ترتفع فيها معدلات انتشار الفيروس، ولا سيما في بلدان شرق أفريقيا وجنوبها.
كما يقلِّل الختان الطبي الطوعي للذكور من خطر الإصابة بالأمراض الأخرى المنقولة جنسيّاً. وفي نهاية عام 2019، تم تزويد 27 مليون من المراهقين والرجال في شرق أفريقيا وجنوبها بمجموعة من الخدمات. وقد تم تنفيذ أكثر من 15 مليون عملية ختان طبي طوعي للذكور بين عامي 2016 و2019. (1)
أما بخصوص الأحكام الفقهية لمرض المناعة المكتسبة (الإيدز) هناك تساؤلات نشأت عند الفرد والمجتمع يطلب فيها تحديد حكمها الشرعي، ويمكن تلخيصها بما يأتي :
أولاً : ما هو حكم عزل المصاب بالإيدز ؟
ثانياً : ما هو حكم تعمّد نقل العدوى ؟
ثالثاً : ما هي حقوق المصاب وواجباته ؟
رابعاً : ما حكم زواج حاملي فيروس الإيدز ؟
خامساً : ما حكم المعاشرة الجنسية بالنسبة للمصاب بمرض الإيدز ؟
سادساً : ما حكم حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة ؟
سابعاً : ما حكم طلب الطلاق من المرأة اذا كان الزوج مصاباً بمرض الايدز ؟
ثامناً : ما حكم اجهاض الحامل المصابة بمرض الايدز ؟
تاسعاً : ما حكم حضانة الاُم المصابة لوليدها السليم وإرضاعه ( اللباء وغيره ) ؟
عاشراً : ما حكم اعتبار مرض الايدز مرض موت (2) ؟
و أما بيان حكم المسائل العشر فنقول :
أولاً : ما هو حكم عزل المصاب بالايدز ؟
إن عزل المريض فيه نفع للمجتمع وللمريض معاً. أمّا للمجتمع فيتصور في الوقاية من انتشار المرض ، وأمّا للمريض فيتصور في حفظ المريض من أنْ تسري إليه العدوى بأمراض الآخرين وهو في حالة منهكة ، وتقديم الرعاية المركّزة له.
وبناءً على ما ذكره المتخصّصون من الأطباء في أنّ العدوى بمرض الايدز تنتقل أساساً بثلاث طرق :
١ ـ الاتصالات الجنسية.
٢ ـ الدم ومشتقاته ( سواء بنقل الدم العلاجي او باستخدام الإبر والمحاقن الملوثة بالفيروس ، ولا سيما في حالة تعاطي المخدرات حقناً ).
ولكن من حسن الحظ قلّت خطورة العدوى بنقل الدم العلاجي بعد التأكد من خلو الدم من الفيروس بوسائل متطوّرة. أمّا انتقاله في حالة تعاطي المخدرات حقناً فلا تزال له خطورة كبيرة.
٣ ـ انتقال العدوى من الام لجنينها وهو في الرحم ، وهذا الانتقال يحصل بنسبة ضئيلة.
وعلى هذا فلا مسوّغ لعزل المريض بالايدز من المجتمع في مصحّات خاصة ، لعدم وجود أي احتمال أساسي لانتقال المرض عن طريق الطعام أو الشراب أو المرافق الصحية أو المسابح أو التنفس أو المقاعد أو أدوات الطعام أو الملابس أو اللمس.
ولكن هنا أمرٌ يتوجه الى المريض نفسه ، وهو : أن يتجنب طرق العدوى للآخرين (3) ممن هو محترم النفس ، لما ثبت من نصوص الشرع الحنيف من حرمة الاضرار وإلقاء الأنفس في التهلكة ؛ لأنّ مصير المريض بالايدز القبر لا محالة.
وإليك النصوص :
١ ـ « لا ضرر ولا ضرار في الاسلام » (4) حسب الحديث المشهور بين المسلمين.
٢ ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لا يوردُ ممرضٌ على مُصِحّ » (5).
٣ ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « الطاعون رجز أو عذاب اُرسل على بني إسرائيل أو على مَن قبلكم ، فاذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، واذا وقع بأرض وانتم فيها فلا تخرجوا فراراً منه » (6).
فالنهي قد توجه الى الفرد الذي كان في ارض الطاعون ، وليس إلاّ لأجل احتمال إصابته وعدواه للآخرين ، فينتشر المرض في مساحة اكبر من الارض ، وفيه مفسدة للمجتمع أوجبت ذلك النهي (7).
وحينئذ نقول بذلك فيما نحن فيه ( مرض الايدز ) بالأولوية ، لأنّ كلامنا في من اُصيب بمرض الايدز قطعاً ، فيجب عليه التحرّز من عدوى الآخرين ، وهذه الأولوية هنا قطعية.
٤ ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « فرّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد » (7).
واذا أوجب الشارع الفرار من المجذوم فهل يمكن أن يجوّز للمجذوم أن يعدي الآخرين عن قصد وعمد ؟
والجواب بالنفي ؛ للمنافرة بين افراد الصحيح من المجذوم وجواز عدوى المجذوم لغيره عن عمد وقصد.
وقد يقال في بطلان الاستدلال المتقدم على عدم جواز عدوى المريض للصحيح : بأنّ الروايات المتقدمة ـ باستثناء الاُولى ـ غير إلزامية ، بل هي إرشادية الى ما ينبغي أن يفعله المريض أو الصحيح.
والجواب أولاً : أنّنا لا طريق لنا بالقطع بأنّ هذه الأوامر والنواهي غير إلزامية ، بل الآية القرآنية ( … وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا… ) (8) تقول بإلزامية أوامر النبي صلىاللهعليهوآله ونواهيه في مورد الشك في كونها إلزاميةً أو إرشادية.
ثانياً : اذا لم تكن الادلة المتقدمة إلزامية إلهية فهي من صلاحيات الحاكم ( على أقل تقدير ) فيجب ان يتجنب المريض بالايدز طرق عدوى الآخرين.
ثالثاً : يكفينا للاستدلال على الحكم الشرعي الإلهي حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) الذي يوجب على المريض عدم الاضرار بالآخرين ، ذلك الإضرار الذي يؤدي الى الموت.
وقد يقال أيضاً : إنّ تجنب المريض طرق العدوى قد يكون واجباً وجوباً الهياً ، ولكن فيما اذا كان احتمال العدوى كبيراً جداً فإنّ المتخصّصين قد ذكروا : « أنّ درجة شدة سراية المرض أو احتمالات العدوى من جماع واحد لا تتعدّى نصفاً بالمائة ( أي مرّةً في كلّ مائتي مرة ) الا اذا كان احد الطرفين مصاباً بمرض تناسلي آخر فتصل نسبة احتمال العدوى الى اثنين بالمائة » (9).
وهذه النسبة لا توجِد وجوباً على المصاب في تجنب المواقعة الجنسية ، لأنّ كلّ مواقعة جنسية يشكّ المصاب في حرمتها عليه لضآلة احتمال الاصابة فتكون العملية بالنسبة له محلّلة.
أقول : صحيح أنّ احتمال الاصابة وإن كان ضئيلاً إلاّ أنّ المصاب يعلم من الاول بتعدد المقاربات الجنسية ، وهذا التعدد يقوّي احتمال الاصابة لا محالة ، فمثلاً اذا قارب هذا المصاب زوجته مائتين مرة في السنة فهناك احتمالات كثيرة :
أولها : أنّ الاصابة وقعت في واحد من المائتين.
وثانيها : أنّها وقعت في اثنين من المائتين … الى وقوع الاصابة في جميع المائتين ، كما يبقى احتمال أنّ الإصابة لا تقع أصلاً (10).
ونحن يهمنا نفي الاحتمال الأخير حتى تكون الاصابة متيقّنةً من الاتصالات الجنسية المتعددة وإن كان احتمال الاصابة في المرة الاُولى أو في غيرها ضعيفاً.
واذا نفي الاحتمال الأخير ـ ولو بأن نفرض أنّ المقاربات ستمائة مرّةً في ثلاث سنين ـ فهل يكفي هذا للقول بحرمة اتصال المريض بزوجته اذا كان يعلم أنّه يقاربها بالقدر المتقدم من المقاربات ، أو يبقى جواز ذلك ، لأنّه في كل مرّة يبقى عنده احتمال الإصابة احتمالاً ضعيفاً لا يعتدّ به ؟
الجواب: اذا نفي الاحتمال الاخير أو أصبح غير عرفي فلابد من القول بحرمة الاتصالات الجنسية، لأنَّه إلقاء للنفس في التهلكة (11).
وأمّا اذا كان احتمال الإصابة قد قوي بصورة عرفية ، بحيث يكون العرف مهتماً بهذا الاحتمال ( ولم ينتف الاحتمال الاخير ) وكان المحتمل مهماً جداً ـ كالموت كما في فرضنا ـ فلا يبعد ان تكون القاعدة هي منع المريض من الاتصال بزوجته ( قبل ان يخبرها بالواقع ) وذلك :
أ ـ لأنّ أدلة حرمة الاضرار تشكل هذه الصورة عرفاً.
ب ـ كما أنّ الرواية المروية عن الرسول الاعظم صلىاللهعليهوآله القائلة : « اذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها ، واذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها » تشمل ما نحن فيه ؛ حيث إنّ وقوع الطاعون بأرض وأنا فيها ليس معناه أنّني مصاب بالطاعون قطعاً ، وليس معناه أنّني سوف أنقل مرضي ـ على تقدير وجوده ـ للآخرين ، بل يحتمل أن أكون مصاباً ، ويحتمل أن أنقل المرض للآخرين ، وهذا الاحتمال عقلائي ، فَمنَعَ الشارع الشخص الموجود في أرض الطاعون من خروجه منها ، وما نحن فيه أيضاً كذلك ؛ لأنّ احتمال الإصابة اذا كان معتدّاً به فللشارع المقدّس أن يمنع من إيجاد طرق العدوى.
فاذا قلنا : إنّ الطاعون قد ذكر في الرواية كمثال فيكون ما نحن فيه مشمولاً للمنع ، كما أنّ رواية « لا يورد ممرض على مصحّ » تفيد نفس المعنى المتقدم.
وبعبارة اُخرى : أنّ الشارع قد اهتم بنفسه لسدّ طرق العدوى المحتملة احتمالاً عقلائياً ، فاذا كانت طرق العدوى من الاتصال الجنسي بين الزوج وزوجته محتملةً احتمالاً عقلائياً ، ومع عدم الفرق بين الطاعون ومرض الايدز فالمنع حسب النص هو الصحيح.
كما أنّ أهل الخبرة في الطب قد أمروا بالتحرز من مصاحبة أهل الأمراض المعدية ، ومن طرق نقل العدوى ، وكما يرجع اليهم في تشخيص الدواء فكذلك يرجع اليهم في هذا وأشباهه.
ثانياً : ما هو حكم تعمّد نقل العدوى ؟
إنّ تعمّد نقل العدوى الى الآخرين عمل محرم ؛ لارتكازية حرمة الإضرار بالآخرين ؛ وبخاصة الأضرار المؤدية الى الموت.
ثمّ إنّ القتل بالاسباب الخفية يوجب القصاص اذا استند القتل اليها ، كالقتل بالاسباب الظاهرة بلا فرق بينهما ؛ وذلك لما دلّ على أنّ إسناد القتل الى شخص مع سبق النية عليه يوجب القصاص ، وبما أنّ العدوى لمرض الايدز مع الاصرار عليها توجب اسناد القتل الى المعدِي ـ حامل الفيروس ـ فهي توجب القصاص. واليك التفصيل :
أ ـ اذا كان قصد المعدي هو قتل مَن يَنقل اليه المرض ، وقد تحقق القتل قبل أن يموت المعدِي فيثبت على المعدِي القود ( القصاص ).
ب ـ اذا كان قصد المعدي هو قتل المعدى ، وقد تحقق القتل بعد أن مات المعدي فالحكم هو ثبوت الدية في ما تركه المعدي ، وذلك لعدم إمكان القصاص فنتنزّل الى الدية.
ج ـ اذا كان قصد ناقل المرض هو قتل من ينقل اليه المرض وقد حصلت العدوى فقط فهنا لا يجوز قتل الناقل ( المصاب ) ؛ وذلك لعدم جواز القصاص قبل وقوع الجناية ( القتل ).
ولا ينطبق على قتل الناقل عنوان الدفاع عن النفس ، ولكن يستحق الناقل للمرض التعزير من قبل الحاكم الشرعي حسب ما يراه مناسباً.
د ـ إذا كان قصد الناقل للمرض ( أي حامل الفيروس ) هو قتل الآخر ( المنقول اليه المرض ) ولم تحصل الاصابة بالمرض فان توقف الدفاع عن النفس والممانعة عن العدوى على قتله جاز قتله دفاعاً عن النفس ، كما اذا أجبر ( حامل الفيروس ) الآخر السليم على المواقعة الجنسية بقصد تلويثه بالمرض ، أو أجبره على ثقب جسمه بإبرة ملوثة ، أو أراد نقل الدم من بدنه الى بدن السليم بقصد العدوى.
واذا رُفعت دعوى ( قصد المعدي عمداً ) الى الحاكم الشرعي عند عدم حصول العدوى وأقرّ التاقل بها فيستحق التعزير أيضاً.
ه ـ إذا كان قصد ( حامل الفيروس ) نقل المرض الى المجتمع ( لإشاعة الفساد ) وصرح بذلك ، وتوقف التحفظ عن سراية مرضه الى المجتمع على قتله جاز قتله ، بل وجب ، وذلك دفاعاً عن النفوس التي يجب حفظها عن المرض المهلك.
وأمّا إذا لم يتوقف التحفظ منه على قتله ، كما اذا أمكن سجنه بصورة انفرادية فلا يجوز قتله ، بل يعزّر بالسجن طيلة عمره ، لأنَّ المرض ملازم له حتى الموت حسب قول المتخصصين في هذا الوقت.
و ـ إذا كان قصد حامل الفيروس نقل المرض لفرد معين واعترف بذلك ولم تحصل الاصابة فينطبق عليه عنوان التجري وحكمه فلا يبعد استحقاقه التعزير بسبب قصده الإيذاء وإيقاع الفساد.
ز ـ وإذا لم يكن قصد المصاب العدوى ـ وقد حصلت في الخارج ـ فيكون عمله خطأً ، فاذا مات المنقول اليه المرض بسبب العدوى فقد حصل القتل الخطأ فتثبت الدية على العاقلة.
وإذا كانت طريقة نقل المرض محرّمةً بالأصل ( كالزنا واللواط ) وقد استخدمها المعدي بقصد نقل العدوى الى الآخرين فقد تقدم حكمها بتفاصيلها المتقدمة. ولكن لا يخفى أنّ الفعل المحرّم الذي قُصد نقل المرض بسببه له حكمه المستقل من الحدّ أو التعزير.
ثالثاً : ما هي حقوق المصاب وواجباته ؟
هل يجوز للمصاب بالايدز أن يتزوج من السليم ؟
والجواب : هناك صورتان :
إحداهما : أن يكون غرض الزوج المريض من الزواج هو إنجاب الاطفال والمعاشرة الجنسية بالصورة الطبيعية والمتعارفة ، مع عدم إعلام الزوجة بواقع الحال ، ففي هذه الصورة لا يكون الزواج جائزاً ، لانه من مصاديق إيقاع النفس المحرّمة في التهلكة والاضرار بها ؛ لأنّ المواقعة الجنسية هي الطريق الأكثر شيوعاً في انتقال المرض كما تقدم. إضافة الى أ نّه تدليس وغش ، وقد شاع قول النبي صلىاللهعليهوآله : « مَن غشّنا ليس منّا ».
واذا حصل هذا الزواج المحرّم فيكون باطلاً ، وحينئذ :
أ ـ فان كان الرجل هو المدلِّس فيجب عليه المهر مع الدخول ، وأما قبله فلا ، ويجوز للمرأة الفسخ اذا علمت بذلك.
ب ـ وإن كان المدلِّس هو الزوجة وعلم الزوج بذلك فيجوز الفسخ للزوج ، ولا تستحق المرأة مهراً حتى بالدخول ، لأنَّ الفسخ قد حصل بسبب تدليسها.
ج ـ وإن كان المدلِّس شخصاً ثالثاً ولم يكن التدليس بطلب من الزوجة فهو الذي يتحمل استقرار الخسارة اذا دفع الزوج المهر الى زوجته المريضة بهذا المرض.
د ـ وإن كان المدلِّس شخصاً ثالثاً وكان التدليس بطلب من الزوجة فخسارة المهر الذي دفعه الزوج تكون عليه ، ثم هو يرجع على الزوجة التي طلبت منه التدليس.
والاُخرى : أن يكون غرض الزوج المريض هو المعاشرة الجنسية فقط مع استعمال الواقي والعازل ، وأخبر الآخر بذلك وحصلت الموافقة فلا دليل على تحريم هذا الزواج ، لعدم تحقق إيقاع النفس المحترمة في التهلكة والإضرار بها رغم وجود احتمال ضئيل جداً بالعدوى ؛ لأنَّه احتمال غير عقلائي.
رابعاً : ما حكم زواج حاملي فيروس الايدز ؟
اذا كان الرجل والمرأة مصابَين بمرض الايدز فهل يجوز لهما الزواج ؟
والجواب بالايجاب، سواء اتفقا على الامتناع عن الانجاب ـ كما في حالة استعمال العازل والواقي من اختلاط السوائل الجنسية ـ أو لم يمتنعا عن ذلك ، لأنَّ المرض قد حلّ بهما قبل الزواج، والزواج لا يؤدي إلاّ الى المرض على احتمال معتدٍّ به ، وهو موجود قبل ذلك ، فلا دليل على منعهما منه.
وقد يقال : بأنَّ المرأة والرجل اذا لم يمتنعا عن الانجاب فلا يجوز زواجهما؛ لأنَّ إصابة الجنين بالمرض تحدث في نسبة غير قليلة.
أقول: إنّ هذا كلام لا دليل عليه، لأنّ الحمل بعد لم يوجد، فاذا وجد وهو في بطن اُمه فليست الاُم مسؤولةً عن حياته (12) ، وليست هي المسببة لاصابته إذا اُصيب، ولم تكن متعمدة لاصابته، ولهذا فقد يقال بجواز الحمل ، فان ولد سليماً فهو ، وان ولد مصاباً فهو كمن ولد معلولاً ومشوّهاً نتيجة معلولية الزوجين أو تشويههما فلا يجوز قتله.
خامساً : ما حكم المعاشرة الجنسية بالنسبة للمصاب بمرض الإيدز ؟
اذا كان أحد الزوجين مصاباً بمرض الإيدز فهل لغير المصاب أن يمتنع عن المعاشرة الجنسية، لأنَّها هي الطريق الرئيس للعدوى ؟
قد يكون الجواب بالايجاب ، لأنَّه يدخل تحت عنوان الدفاع عن النفس من الإصابة بمرض مهلك.
ولكن يوجد لنا طريق للجمع بين حق المصاب والسليم معاً ، وهو : استعمال العازل والواقي من اجتماع السوائل الجنسية ، وبذلك تحصل المعاشرة مع عدم العدوى.
وبما أنّ المعاشرة الجنسية مع الواطئ يُطمئنّ معها بعدم الاصابة فهي طريق الجمع بين الحقّين. فاذا رضي الزوجان بهذه الطريقة فلا تصل النوبة الى امتناع السليم عن حق المعاشرة الزوجية التي اوجبها الله تعالى وجعل الممتنع عنها اذا كانت هي الزوجة ناشزاً ، والزوج اذا كان امتناعه اكثر من اربعة أشهر بحلف وقد آلى (13) من زوجته فله احكامه الخاصة ، وبغير حلف يعدّ عاصياً.
سادساً : ما حكم السليم من الزوجين في طلب الفرقة ( فسخ عقدالنكاح ) ؟
اذا كان أحد الزوجين سليماً فهل له الحق في فسخ عقد النكاح ؟
أقول : إذا كان جواز الفسخ قد ورد به النص في جذام أحد الزوجين أو برصهما ، وكانت العلّة في جواز الفسخ هي العدوى بهذين المرضين غير المميتين فيكون جواز الفسخ في هذا المرض المعدي المميت أولى.
ولكن بما أنّ الأمراض المعدية التي توجب الفسخ قد نصّت عليها الروايات وهي محدودة ( كالجذام والبرص والعمى … ) ، ومرض الإيدز ليس منها ، وقد تنفى الأولوية لاحتمال أن العلة هي العدوى والشكل القبيح الحاصل من الجذام والبرص لذا سوف يكون الافتراق بواسطة الطلاق هو المتَّبع والموافق للاحتياط ، فيما اذا كانت الاصابة في الزوجة ، اما اذا كانت الاصابة في الرجل ولم يوافق على طلاقها ، فان كان الإيدز أولى من مرض الجذام لكونه مميتاً قطعاً فليس من البعيد أن يكون حق الفسخ ثابتاً للزوجة للفرار من الخطر المهلك.
سابعاً : ما حكم المرأة في طلب الطلاق اذا كان الزوج مصاباً بمرض الإيدز ؟
اذا كانت الزوجة سليمةً والزوج مصاباً وتوقّف التحفّظ عن العدوى على أخذ طلاقها من زوجها ( كما اذا حلفت على عدم الفسخ لو حدث مرض يوجب الفسخ ) أو كان الفسخ غير ممكن لها ، لعدم تمكنها من إعطاء المهر الى الزوج قبل الدخول أو بعده ، وكان أكثر من مهر المثل جاز لها إجبار الزوج على الطلاق بواسطة الحاكم الشرعي ، أو يطلقها الحاكم الشرعي اذا امتنع الزوج المريض.
كل ذلك للادلة المتقدمة التي توجب على المريض أن يتحفظ من نقل المرض الى الآخرين ، بل سوّغت لغير المريض أنْ يفرّ من المريض بهذا المرض المعدي.
نعم، اذا رضي الزوج على أن تكون طريقة المجامعة الجنسية بينهما بواسطة العازل من اختلاط السوائل الجنسية، وتحفظ من الطرق الاخرى التي تسبب نقل المرض فعند ذلك لا يكون للزوجة الحق في إجبار الزوج على الطلاق؛ لعدم تمامية الأدلة المتقدمة في هذه الحالة.
وجوب الفحص على الزوجين :
إنّ خطر مرض الإيدز قد يدعو الحكومات لأخذ الحيطة من انتشاره بين أفرادها ، ومن جملة الاحتياطات أن تفرض الحكومة على كلا الزوجين إجراء الفحوصات للتأكد من خلوهما من مرض الإيدز ، ولكلٍّ من الزوجين طلب الفحص من الآخر.
ولكن اذا توقف الفحص على أخذ السوائل المنوية من الرجل وسوائل رحم المرأة فهل يكون إخراج السائل المنوي من الرجل في هذه الحالة بواسطة العادة السرية جائزاً ؟ وهل يجوز سحب السائل من داخل رحم المرأة ؟
فقد يقال : إنَّ الزواج إذا لم يمكن بطريقة اُخرى غير الطريقة المتقدمة ، وكان ترك الزواج حرجياً على الفرد فلا بأس بما يتوقف عليه الزواج من الطرفين ، وذلك لأدلة نفي الحرج في الشريعة المقدسة.
ولكن لنا الحق في التساؤل عن أدلة حرمة إخراج المني ، أو أدلة حرمة إخراج السائل من رحم المرأة هل هي مطلقة لشمول هذه الحالة العقلائية التي فيها غرض مهم يعود للزوجين ؟
أقول : قد ندّعي عدم الإطلاق في أدلة الحرمة لهذه الأغراض المهمة.
ثامناً : ما حكم إجهاض الحامل المصابة بمرض الإيدز ؟
ذكروا : أنّ نسبة انتقال المرض الى الجنين أثناء الحمل ضئيلة لا تتجاوز ١٠ %، وحينئذ إذا توصل العلم الى تشخيص إصابة الجنين مبكّراً بهذا المرض فهل يكون هذا مسوِّغاً لإجهاضه إذا لم يوجد علاج لهذا المرض ؟
والجواب: هو عدم جواز قتل الجنين أو إجهاضه، للعمومات (14) الدالة على حرمة قتل الانسان الذي يصدق على ما في البطن بعد ولوج الروح، وخصوص الروايات الدالة على وجوب دية الجنين على مَن أسقط جنيناً في بدايات وجوده (ولو بعد العلوق) ، ولما ورد من أن « أول ما يُخلق نطفة » (15).
أمّا حرمة إسقاطه اذا تعلّقت به الروح ( اي بعد مائة وعشرين يوماً ) فقد أجمع عليها علماء الاسلام ، إضافةً الى نصّ القرآن القائل : ( … ومن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً … ).
وأمّا حرمة إسقاط الجنين قبل ذلك ـ أي بمجرد العلوق ـ فقد ذهب اليه جمع من علماء الاسلام، مثل الإمام الغزالي حيث قال : « … لأنّ الوجود له مراتب : أولها أنْ تقع النطفة في الرحم وتستعد لقبول الحياة ، فإفساد ذلك جناية ، فاذا صارت مضغةً وعلقة ( علقةً ومضغةً ) كانت الجناية أفحش ، وإن نفخ فيه الروح ازدادت الجناية تفاحشاً » (16) ، وذهب الى ما تقدم بعض الأحناف والمالكية.
نعم ، إذا زاحم وجودُ الجنين وجودَ الاُم، فعندئذ يجوز قتل الجنين ؛ للمحافظة على حياة الاُم، سواء كان مصاباً بمرض الإيدز أو لا ، ودليله هو التزاحم بين حياة الأصل والفرع ، وبما أنّ الأصل أهمّ من الفرع فجوّزوا قتل الجنين للمحافظة على الاُمّ.
ولكن هناك حالة اُخرى، وهي: ما اذا لم تتعرض حياة الاُم للخطر من وجود الجنين المصاب بالمرض، ولكنّ الحمل في بطن الام سيقصِّر مدة كمون المرض في المرأة ويُسرّع في قتلها فهل يجوز في هذه الحالة إسقاط الجنين ؟
والجواب : أنّ القطع بالفرض المتقدم ليس عملياً، لأننا اذا أحسنّا رعاية الاُم من الناحية الصحية فلا نقطع بأنّ الحمل سيكون هو السبب في قصر مدة كمون المرض ، وحتى لو ظهر المرض مبكّراً فلا دخل له في قصر أجل الاُم ، أو ـ على الأقلّ ـ لا يكون لنا علم في تأثيره. وعلى هذا فلا يجوز إسقاط الجنين في هذه الصورة الثالثة.
تاسعاً : ما حكم حضانة الاُم المصابة لوليدها السليم وإرضاعه ؟
أمّا بالنسبة الى الرضاع: فاذا كانت الاُم مصابةً بمرض الإيدز واحتمل أن يُصاب الوليد السليم بسبب ارتضاعه من ثديها احتمالاً ضعيفاً جداً ، فهل يسقط وجوب الإرضاع من ثديها ( اللباء ) وغيره ؟
قد يقال في الجواب على ذلك: اذا خيف العذر على الطفل من الإرضاع، ووجد بديل لإرضاعه لبن اُمّه المصابة فعلى الاُم الامتناع عن إرضاعه.
أقول : ولكن اذا نظرنا الى نقطتين :
أحداهما : أنّ احتمال الإصابة ضعيف جداً ، حيث لم يذكر انتقال فيروس الإيدز بواسطة لبن الاُم إلاّ في حالات محدودة جداً في العالم كله حتى الآن ، كما يظن أنّ حدوث تشققات في حلمة الثدي مما يتسبب عنه خروج دم مع اللبن هي التي أوجبت احتمال عدوى الرضيع ، لا الارتضاع من اللبن لوحده.
والاُخرى : أنّ إرضاع الاُم المصابة وليدها اللباء واجب وتمام مدة الإرضاع مستحب أو واجب على الخلاف.
اقول : اذا نظرنا الى النقطتين المتقدمتين أمكننا أن نقول : لا يجوز حرمان الرضيع من حقه لمجرد احتمال ضعيف لضرر يمكن الاحتراز منه اذا حرصت المرضع على تنفيذ وصاية الاطباء بأن تتجنب الارضاع المباشر عند وجود تشققات بحلمة الثدي.
أمّا بالنسبة الى الحضانة فإنّه لم يثبت انتقال العدوى في الاُسر إلاّ بين الزوج والزوجة ، وعلى هذا فتجوز حضانة الاُم لولدها اذا تحقّق أمران :
الاول : قد قلنا سابقاً : إنّ مرض الإيدز ينتقل عن طريق السوائل الجنسية ، ونقل الدم ، والثقب بالإبر المشتركة بصورة رئيسة ، فاذا راعت الاُم عدم ملامسة الاغشية المخاطية للطفل عند اصابتها بجروح أو تلوثت يدها بالسائل الجنسي أو دم الحيض ، ولم تستعمل الابر الثاقبة المشتركة فلن تكون مصدر خطر على الطفل.
الثاني : أنّ حق حضانة الاُم للطفل فيه جهتان :
جهة للطفل من حيث تطوره النفسي ونشأته الطبيعية.
وجهة للاُم كحقٍّ جعله الله لها في حضانة الولد من اُنس لها. وعلى كلا الحقين : فلا يجوز أن تُحرم الحاضنة من حقها والطفل من الرعاية الافضل من اجل احتمال ضعيف لضرر يمكن الاحتراز عنه اذا حرصت الاُم على تنفيذ الأمر الاول.
عاشراً : ما حكم اعتبار مرض الإيدز مرض موت ؟
إنّ مرض الموت عُرفاً هو : المرض الذي يستشعر فيه الإنسان بدنوّ أجله ، وقد حكم الشارع المقدّس في هذه الحالة بالحجر على تصرفات المريض التي تضرّ بحقوق الدائنين والورثة.
وبما أنَّ مرض الإيدز ـ على ما ذكره الأطباء ـ يكمن في الجسم ـ من حين حدوثه الى ان تظهر أعراض المرض المميّزة له ـ عدة سنوات قد تبلغ عشر سنين أو اكثر يكون فيها المصاب بالمرض عادياً في كل تصرفاته في اكثر هذه المدة ، إذن لا يمكن أن يحكم على المريض بمرض الإيدز أنه في حالة مرض الموت.
نعم ، في المراحل المتأخرة من العدوى التي يستفحل فيها المرض وتصاحب المريض تغييرات سلوكية مصحوبة بالخرف ، وتقعده عن ممارسة الحياة اليومية ، وتتصل هذه التغييرات بالموت ففي هذه المراحل يحكم على المريض بأنّ مرضه مرض الموت ؛ لأنّه في هذه الحالة الشديدة يستشعر بدنوّ أجله ، وبهذا ينطبق عليه عنوان ( مرض الموت ) فتتقيّد تصرفاته المضرّة بحقوق الدُيّان والورثة.
الوقاية من المرض :
بعد أن سُيطر على طريق انتقال العدوى ( بانتقال الدم الملوّث والإبر المشتركة ) بواسطة الكشف السريع والحديث للفيروس منع استعمال الإبر المشتركة بعد أن بيِّن خطرها للافراد، وبعد أن كان انتقال المرض عن طريق الاُم الى طفلها أثناء الحمل أو الولادة يوجد بنسبة ضعيفة جداً لم يبق أمامنا من طرق العدوى الرئيسة الاّ الجنس ، فهل هناك طرق واقية من هذا المرض المعدي بطريقة الاتصال الجنسي ؟
أقول : إنّ طرق الوقاية من مرض الإيدز تتلخّص باتّباع الوسائل الآتية :
١ ـ يجب توعية أفراد المجتمع بخطورة مرض الإيدز ، وكيفية انتقال عدواه وسبل الوقاية منه ، وبهذا يتجنب الفرد الطرق التي من شأنها نقل العدوى اليه.
٢ ـ ينبغي أن يشجّع الشباب على الزواج المبكّر ، كما قال تعالى في حثّهم على الزواج : ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ) (17).
وقد كان بعض الصحابة ( رضوان الله عليهم ) يقول : « من أراد الغنى فليتزوَّج » إشارة الى الآية الكريمة ، ولعلّ الآية قد جعلت الزواج واجباً اجتماعياً تنهض به الدولة أو المجتمع اذا لم يستطع الفرد أن يقوم به (18).
وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس منّي » (19). وقال صلىاللهعليهوآله : « من تزوَّج فقد أحرز نصف دينه ، فليتق الله في النصف الآخر » (20). وقال صلىاللهعليهوآله : « اذا جاءكم مَنْ ترضون خُلُقه ودينه فزوّجوه إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير » (21).
وبهذا الطريق يقضى على طريق الرذيلة والفساد.
٣ ـ يجب توعية المسلمين وغيرهم، وحتى إجبارهم على سدّ جميع الطرق التي حرمها الشارع المقدس التي تجرّ الانسان الى الرذيلة ، وعدم الالتزام بالفضائل التي أوجبها الشارع المقدس ، مثل :
أ ـ تحريم النظر الى ما حرّمه الله تعالى : ( قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إنّ الله خبير بما يصنعون ) (22). ( قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهنّ … ) (23).
ب ـ حرمة إبداء زينة النساء إلاّ ما ظهر منها ، فقد قال تعالى : ( … ولا يبدين زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها وليضربن بخُمُرِهِن على جيوبهن … ) (24). ( … ولا تبرجنّ تبرج الجاهلية الاُولى … ) (25).
ج ـ بل حرّم الشارع كل ما يثير الشهوات ، فقد قال تعالى : ( … ولا يضربن بأرجلهن ليُعلَمَ ما يخفين من زينتهن ) (26) ، فيعلم منه حرمة حتى صوت الخلخال وحتى التكسّر في المشية مما يوجب لفت نظر الرجال وتحريك شهواتهم.
د ـ تحريم الخلوة بالأجنبية ، فقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لا يخلونّ رجل بامرأة إلاّ كان ثالثهما الشيطان » (27).
ه ـ تحريم الغناء الذي فسِّر به لهو الحديث الوارد في الآية القرآنية : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله بغير علم ويتّخذها هزواً اُولئك لهم عذاب مهين ) (28).
٤ ـ توعية المجتمع على نوع العقوبة الرادعة عن الفحشاء في الدنيا ، وبيان أنّ عذاب الله أشدّ في الآخرة ، وتطبيق هذه العقوبة أمام المؤمنين اذا وقعت الفحشاء في المجتمع ؛ ليرتدع الناس عن هذا الإثم ، كما ذكر ذلك القرآن الكريم. فيبيّن للناس حدّ الجلد والرجم والقتل والإلقاء من شاهق والإحراق بالنار ، وما الى ذلك من عقوبات ذكرها المشرّع الحكيم في القرآن والسنة. فمثلاً :
أ ـ حكم الزاني أو الزانية ( اذا لم يكونا محصنين ) هو الجلد مائة جلدة ، قال تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابَهما طائفة من المؤمنين ) (29).
ب ـ حكم الزاني أو الزانية ( اذا كانا محصنين ) هو الرجم.
ج ـ حكم اللائط والملوط به ( سواء كانا محصنين أو غير محصنين ) هو القتل للفاعل والمفعول به ، وطريقة القتل مخيّرة ( كما في الروايات ) بين القتل بالسيف أو الالقاء من شاهق أو الإحراق بالنار.
وبهذه التدابير (30) نكون قد صُنّا الإنسان من الوقوع في الحرام ، واذا وقع في الحرام فقد سددنا الطريق على العدوى بمرض الإيدز.
الهوامش
(1)- المصدر: منظمة الصحة العالمية
(2) هناك روايات عن النبي صلىاللهعليهوآله مضمونها: أن لا عدوى في الاسلام. كما أنّ هناك رواياتٍ ـ كما ستأتي توجب عدم ورود الممرَض على المصحّ فهل هناك تعارض بينهما ؟
والجواب: أنّ العرب في الجاهلية كانت تزعم وتعتقد أنّ المرض والعاهة تعدي بطبعها لا بفعل الله تعالى ، فجاء الحديث يردّ هذه المزاعم، فقال: «لا عدوى» اي لا عدوى بطبعها من دون إذن الله تعالى. وأمّا حديث لا يورد ممرَض على مصحّ فهو إرشاد الى حكم عقليٍّ يبعد الإنسان عن ضرر الآخرين عادةً بفعل الله تعالى وقدره، ويحذّر الصحيح من الضرر الذي يحصل بفعل الله سبحانه وإرادته وقدره.
(3) تراجع مصادر الحديث في رسالة ( لا ضرر ولا ضرار ) لشيخ الشريعة الاصفهاني ، تحقيق مؤسسة آل البيت : ـ قم المقدّسة.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي : ج ٧ ، باب لا عدوى ، ح ٢٢٢١ وما بعده.
(5) المصدر السابق : ج ٧ ، باب الطاعون والطيرة ، ح ٢٢١٨.
(6) إنّ الروايات الواردة في مرض الطاعون ( الوباء ) وجواز خروج من كان في أرض الطاعون على ثلاثة أقسام :
الأول يقول : لا تخرج من أرض الطاعون مطلقاً.
الثاني يقول : اُخرج من أرض الطاعون مطلقاً.
الثالث يقول : اُخرج من أرض الطاعون اذا لم تكن في محل الاصابة ، ولا تخرج من ارض الطاعون اذا كنت في محل الاصابة. وهذا القسم هو شاهد جمع بين القسمين الأوّلين ، فممّـا روي في كتاب ( معاني الأخبار ) عن علي بن جعفر قال : سألت أخي موسى بن جعفر ( الامام الكاظم ) عليهالسلام عن الوباء يقع في ارض هل يصلح للرجل أن يهرب منه ؟ قال عليهالسلام : « يهرب منه ما لم يقع في ( أهل ) مسجده الذي يصلي فيه ، فاذا وقع في اهل مسجده الذي يصلي فيه فلا يصلح الهرب منه ». بحار الأنوار : ج ٦ ، ص ١٢٢.
(7) صحيح البخاري بحاشية السَنَدي : ج ٤ ، باب الجذام ص ١٢ ، ط دار بيروت. من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ، ص ٣٥٧ ، ط طهران.
(8) الحشر : ٧.
(9) رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز : ١٧ ، د. احمد رجائي الجندي.
(10) وأمّا ما هو اكبر الاحتمالات ؟ فالجواب : أنّ أكبر الاحتمالات هو ما كانت له صور متعددة ممكنة ؛ ولمعرفة ذلك لابدّ من مراجعة نظرية التوزيع ل ( برنولي ) لمعرفة أقوى الاحتمالات ، واذا عرفنا أقوى الاحتمالات فإنّ هذا لا يجعل الاحتمالات الاُخرى صغيرةً بدرجة يمكن إهمالها.
(11) بناءً على منجزية العلم الإجمالي التدريجي.
(12) بل هي مكلفة بعدم اسقاطه وعدم التعدي عليه ، وحينئذ فاذا اُصيب مع عدم ارادة الاصابة بل مع التحفظ عن الاصابة لا تكون الاُم هنا متعدية.
(13) الايلاء : هو الحلف على عدم وطئ الزوجة اكثر من أربعة أشهر ، وله أحكام خاصة ، منها : وجوب الوطئ مع الكفارة أو الطلاق اذا رفعت المرأة امرها الى الحاكم وعيّن لها مدة لهذا الحكم.
(14) ( … مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً … ). المائدة : ٣٢.
(15) يراجع وسائل الشيعة : ج ١٩ ، باب ١٩ من ابواب ديات الاعضاء ، الأحاديث ، وباب ٧ من قصاص النفس ، ح ١ موثقة اسحاق بن عمار « قال قلت لأبي الحسن عليهالسلام : المرأة تخاف الحَبَل فتشرب الدواء فتلقي ما في بطنها ؟ قال : لا. فقلت : إنّما هو نطفة ، فقال عليهالسلام : إنّ أوّل ما يُخلق نطفة ».
(16) تحديد النسل للسيوطي نقلاً عن القوانين الفقهية لابن جزي : ص ٢٣٥.
(17) النور : ٣٢.
(18) ولكن الصحيح : أنّ الأمر هنا قد توجّه الى المجتمع ، وهو ينحلّ الى واجبات متعدّدة بعدد الأفراد.
(19) وسائل الشيعة : ج ١٤ ، باب ١ ، من مقدمات النكاح ح ١٤ ، وباب ٢ ، ح ٩.
(20) المصدر السابق : ح ١١ و ١٢ ، وتراجع سنن الترمذي وابن ماجة باب النكاح.
(21) الوسائل : ج ١٤ ، باب ٢٨ ، ح ٢ ، وراجع أيضاً سنن الترمذي وابن ماجة باب النكاح.
(22) النور : ٣٠.
(23) النور : ٣١.
(24) النور : ٣١.
(25) الأحزاب : ٣٣.
(26) النور : ٣١.
(27) أخرجه الترمذي وأحمد في مسنده : ج ٣ ، ص ٣٣٩.
(28) لقمان : ٦.
(29) النور : ٢.
(30) أنّ التلفاز وما تقوم به فِرَقُه يؤثّر أثراً مهماً ورئيساً في توعية الشعب، فعلى عاتق المسؤولين عنه تقع هذه المسؤولية الكبيرة أولاً وبالذات.
المصدر: كتاب بحوث في الفقه المعاصر – لـ آية الله الشيخ حسن الجواهري/ المجلد الثاني
روابط تحميل وقراءة الكتاب