مناهج الاستنباط

محكمات الفقه ومتشابهاته .. الشيخ زعيم الخيرالله

التمييز بين محكمات الفقه وضروراته، وبين متشابهاته ونظرياته، مهم جدا لترتيب الاولويات، وتحديد الاهم والمهم، وكذلك، ان تحديد هذه المحكمات وتمييزها عن المتشابهات، يقارب بين المسلمين، ويعذر المسلمون بعضهم بعضافي اختلافاتهم الاجتهادية.

الاجتهاد: المحكمات والمتشابهات، مصطلح اصلّه القران الكريم، وشيّد اركانه، وقد اشار القران اليه في الاية السابعة من سورة ال عمران، بقوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ . (ال عمران : الاية : 7.)

والمحكم والمتشابه، ليس مقصورا على القران فحسب، بل يمكن تعميمه ليشمل الحديث النبوي ايضا ، فهو يشتمل على المحكم والمتشابه، وكذلك الامر مع كلمات اهل البيت عليهم السلام. ويمتد المحكم والمتشابه ليكون قاعدة مضطردة تتسع لالوان اخرى من كلام الناس الذي يشتمل على المحكم والمتشابه، فالمحكم والمتشابه يجري في كلام الساسة والادباء، والفلاسفة، والفقهاء، فماذا نعني بالمحكم ؟ وماذا نعني بالمتشابه ؟

المحكم والمتشابه لغة

الاحكام لغة هو: الاتقان البالغ، ومنه المحكم الذي اتقن ، فلا يتطرق اليه الخلل او الفساد . وفي الاصطلاح ، المحكم : مالايحتمل الا وجها واحدا. والمتشابه لغة: من الشبه وهو: التماثل بين شيئين او اشياء ، ولمّا كان التماثل بين الاشياء يؤدي الى الشك والحيرة، ويوقع في الالتباس، توسعوا في اللفظ، واطلقوا عليه اسم المتشابه . يقال : اشتبه عليه الامر ، اي: التبس عليه، والمتشابه في الاصطلاح : مااحتمل اكثر من وجه .

وممّا مرّ ذكره يتبيّن لنا انّ المحكمات : هي الامور الواضحة ، التي لالبس فيها ، وهي التي تمثّل اصولا ومرجعيات يرجع اليها عند الالتباس والشك وعدم الوضوح . وامّا المتشابهات ، فهي الامور الملتبسة ، وغير الواضحة ، التي يكتنفها الغموض . ولمعالجة هذه الحالات الملتبسة لابد من ارجاعها الى مرجعياتها واصولها ، وهذه الاصول والمرجعيات هي المحكمات .

وعلى هذا الاساس، فانّ تمييز المحكمات من المتشابهات، وتحديد الحدود بينهما مسألة في غاية الاهميّة، وعدم تحديد المعاني ، وضبط المصطلحات، يوقعنا في الشطط، والهلاك على حد تعبير الامام الصادق عليه السلام :
(انما هلك الناس في المتشابه ؛ لانهم لم يقفوا على معناه ، ولم يعرفوا حقيقته ، فوضعوا له تاويلا من عند انفسهم ) . وسائل الشيعة ، الحر العاملي 27/201 .

المحكم والمتشابه في العقيدة

في العقيدة، هناك محكم ومتشابه ،فعلى سبيل المثال، قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) سورة طه : الاية : 5 . هذه الاية متشابهه ؛ لان الاستواء يحمل اكثر من معنى، وكذلك العرش ، هل يحمل العرش على معناه الظاهري ام على معنى اخر وهو : مصدر القدرة المطلقة في تدبير الوجود ؟

وهذه الاية وماتضمنته من معان متشابهة لابد من ارجاعها الى اية تمثل اصلا ومرجعية لحل هذا الالتباس ، والاية هي قوله تعالى : ( ليس كمثله شيء ) . الشورى : الاية : 11.والامر كذلك في قوله تعالى : (وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ) . ولو ردت الاية الى اية محكمة ، وهي قوله تعالى : ( لاتدركه الابصار وهو يدرك الا بصار وهو اللطيف الخبير ) ، لزال الاشكال ، واتضحت الصورة .

محكمات العقل ومتشابهاته

العقل ايضا بقسميه، النظري والعملي، فيه محكمات وفيه متشابهات ، فالقبليات العقلية كمبدا عدم التناقض، وكادراك العقل بان الواحد نصف الاثنين، وان الكل اكبر من الجزء، هذه كلها محكمات العقل النظري، وهناك محمكات للعقل العملي، كادراكه لحسن العدل وقبح الظلم، وهذه تمثل محكمات للعقل العملي، هذه محكمات العقل بقسميه، وتمثّل ثوابت واصولا للعقل، وهناك امور مشتبهه للعقل، يقع فيها الالتباس ، وهي سبب الاختلافات المتنوعة بين المدارس الكلامية، والفرق الاعتقادية، والسبيل الى حل هذه الاختلافات، هو رد متشابهات العقل الى محكماته .

محكمات الفقه ومتشابهاته

هذا المصطلح (محكمات الفقه ومتشابهاته )، انا استخدمته في هذا المقال، مقتبسا المصطلح من القران الكريم، وعممته الى مجالات اخرى. وهذا المصطلح لم يستخدمه الفقهاء في كلماتهم وعباراتهم؛ ولكنهم استخدموا مصطلحا اخر مكافئا له، وهو: ( الضروري والنظري في الفقه )،

فالضروري هو : الواضح الذي بلغ من الوضوح درجة لايحتاج الفقيه معه الى اجتهاد ، واعمال نظر واقامة دليل ، والنظري هو : الامر غير الواضح وضوحا يسغنى معه عن الدليل ، واقامة البرهان .
واغلب مسائل الفقه هي من القسم النظري والمتشابه ، والقلة منها ، هي المحكمات والضروريات .

المقدس الاردبيلي رضوان الله عليه، في كتابه: ( مجمع الفائدة والبرهان في شرح ارشاد الاذهان ) ج3 ، ص 199 . اشار الى ان : ( المراد من الضروري الذي يكفر منكره الذي ثبت عنده يقينا كونه من الدين ولو كان بالبرهان ، ولم يكن مجمعا عليه ) .

والفقهاء قبل حديثهم عن ضرورات الفقه ومحكماته، تحدثوا عن ضرورات الشريعة ومحكماتها، في تناولهم لمبحث (الضرورات الخمس)، التي تعد من محكمات الشريعة، وهذه الضرورات، هي: ضرورة حفظ الدين ، وحفظ النفس ، وحفظ العقل ، وحفظ النسل ، وحفظ العقل . ومحكمات الشريعة هذه تبنى عليها الكثير من مسائل الفقه وموضوعاته.

محكمات الفقه وضروراته

هناك امور في الفقه بلغت درجة من الوضوح، صيّرتها الى محكمات فقهية، وضرورات فقهية ، ولم تكن محطا لاختلاف انظار الفقهاء فيها، فهي ثوابت ومحكمات، وقد ضرب الفقهاء امثلة على هذه الضرورات ، ومحكمات الفقه، مثل: نصاب زكاة الابل اثنا عشر، حج التمتع وظيفة الحاج البعيد والنائي، والخمس في ارباح المكاسب من ضرورات الفقه الامامي، وكذلك من ضرورات الفقه الامامي ومحكماته القول ببطلان العول والتعصيب. هذه كلها ضرورات ومحكمات فقه، وليست ضرورات ومحكمات دينية .

اهميّة هذا البحث

التمييز بين محكمات الفقه وضروراته، وبين متشابهاته ونظرياته، مهم جدا لترتيب الاولويات، وتحديد الاهم والمهم، وكذلك، ان تحديد هذه المحكمات وتمييزها عن المتشابهات، يقارب بين المسلمين، ويعذر المسلمون بعضهم بعضافي اختلافاتهم الاجتهادية.

ولابد من تحديد وتمييز انواع هذه المحكمات والمتشابهات، فهناك ضرورات ومحكمات دينية ، من يؤمن بها يكون داخلا في الدين، ولايمكن ان اخرجه من الدين على اساس عدم ايمانه بالنوع الثاني ، وهو الضرورات والمحكمات المذهبية، والضرورات والمحكمات المذهبية واضحة ومحددة، فلايمكن ان اخرج من المذهب شخصا يعتقد بضروراته ومحكماته، على اساس النوع الثالث، وهو ضرورات الفقه، ومحكمات الفقه .

فلابد من التمييز بين ضرورات الدين ومحكماته، وضرورات المذهب ومحكماته، وضرورات الفقه ومحكماته، وبين المتشابهات المذهبية والفقهية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky