الاجتهاد: يمكننا ان ننزّل عقد التأمين منزلة الهبة المعوضة حيث ان المؤمَّن له يهب مبلغاً معيناً من المال سنويا في مقابل ما يحصل على خدمات بواسطة بطاقة الائتمان ومنها التأمين على الحياة وحينئذ يجب على المؤمِّن الوفاء بهذا الشرط، وعلى هذا يكون التأمين بجميع اقسامه صحيحاً شرعا،واذا لم يعمل المشترط عليه بالشرط يحق للمؤمَّن له ان يرجع في هبته نتيجة عدم العمل بالشرط.
ان بعض البنوك تعطي البطاقات الائتمانية الذهبية التي فيها حدوداً ائتمانية عالية الى العملاء ذوي الكفاءة المالية العالية، وتمنحهم اضافة الى الخدمات المتقدمة المتوفرة للبطاقة تأميناً على الحياة وخدمات اخرى دولية فريدة، كأولوية الحجز في مكاتب السفر والفنادق والتأمين الصحي والخدمات القانونية. كما ان بعض البطاقات تتضمن تأميناً على حياة المسافر حال سفره اذا اشترى بطاقة السفر.
والمهم هنا : وجود تصور عند البعض في عدم تطابق هذا المنح من قبل البنك او الشركة للتصور الاسلامي (١).
فنقول : ان عقد التأمين هو اتفاق بين المؤمِّن ( الشركة او البنك مثلا ) وبين المؤمَّن له على ان يدفع المؤمَّن له مبلغاً من المال معينا شهريا او سنويا لقاء قيام المؤمِّن بتدارك خسارة ما ( كالحياة ) ان حدثت على المؤمَّن عليه ، وقد يكون الشرط هو ان يطلب المؤمِّن فتح بطاقة الائتمان ويدفع الرسم على ذلك ، وان يكون له حساب من الدرجة الاولى في البنك. فهنا يكون عقد التأمين قد اشتمل على اركان اربعة.
١ ـ الايجاب من المومَّن له.
٢ ـ القبول من المؤمِّن.
٣ ـ المؤمَّن عليه ( الحياة ).
٤ ـ قسط التأمين الشهري او السنوي.
وواضح ان الاركان الاربعة متوفرة هنا حيث ان المؤمَّن له يوجب ، ويقبل المومِّن ، ويكون المؤمَّن عليه هو ( خطر الموت ) ، وقسط التأمين هو الرسم الذي يدفعه او فتح حساب من الدرجة الاولى لدى البنك ليحصل على خدمات ، منها : التأمين على الحياة ، وبما ان البطاقة تنتهي الى سنة فان بداية ونهاية التأمين ايضا معينة ، وبهذا سوف يكون هذا الاتفاق عقداً وعهداً يشمله : ( أوفوا بالعقود ).
كما أنه يمكننا ان ننزّل عقد التأمين منزلة الهبة المعوضة حيث ان المؤمَّن له يهب مبلغاً معيناً من المال سنويا في مقابل ما يحصل على خدمات بواسطة بطاقة الائتمان ومنها التأمين على الحياة (2) وحينئذ يجب على المؤمِّن الوفاء بهذا الشرط ، وعلى هذا يكون التأمين بجميع اقسامه صحيحاً شرعا ، واذا لم يعمل المشترط عليه بالشرط يحق للمؤمَّن له ان يرجع في هبته نتيجة عدم العمل بالشرط ، كما يجب على المؤمِّن العمل بالشرط اذا حصل الموت ، نتيجة اقتضاء الشرط ذلك.
الهوامش
(١) بحث عن بطاقات الائتمان المصرفية لبيت التمويل الكويتي ، ص ٢٧.
(2) وقد نوقشت هذه الفكرة في مجمع الفقه الاسلامي في بروناي دار السلام من قبل اتباع بعض المذاهب الذين ذهبوا الى القول بأن الهبة المعوضة هي بيع ، والبيع لا يمكن ان يكون مؤقتاً بينما التأمين على الحياة في بطاقة الائتمان مؤقتٌ ، فلا يصح توجيه التأمين على الحياة في بطاقة الائتمان على اساس الهبة المعوضة.
وقد جهدنا في توضيح الفرق بين البيع والهبة المعوضة فكان خلاصة ما بُيّن هو : ان الهبة المعوضة عبارة عن التمليك الذي اشترط فيه العوض. وعلى هذا فهي ليست انشاء تمليك بعوض على جهة المقابلة وإلاّ اذا كانت هي تمليك بعوض على جهة المقابلة ـ لم يعقل تملّك احدهما لأحد العوضين من دون تملك الآخر للآخر مع أن ظاهر الفقهاء في الهبة المعوضة هو عدم تملك العوض بمجرد تملك المرهوب له الهبة ، بل غاية الامر أن الموهوب له لابدّ له من إنشاء تمليك العوض نتيجة اقتضاء الشرط في ما وهب له ، وإن لم يفعل كان للواهب الرجوع في هبته نتيجة اقتضاء عدم العمل بالشرط.
وعلى هذا : فان التعويض المشترط في الهبة كالتعويض الغير المشترط في الهبة يكون عبارة عن تمليك جديد يُقصد به وقوعه عوضاً ، لا أن حقيقةً المعاوضة والمقابلة مقصودة في كل من العوضين كما يتضح ذلك بملاحظة التعويض الغير المشترط في ضمن الهبة الاولى. وقد اتضح من هذا ان البيع يختلف عن الهبة المعوضة اختلافاً أساسياً حيث أن حقيقة البيع تمليك العين بالعوض ، وهذا لا يكون هبة معوضة وإن قصدها. وحقيقة الهبة المعوضة : هو التمليك المستقل مع اشتراط العوض في تمليك مستقل يقصد به العوضية وهذا ليس معاوضة حقيقية مقصودة في كل من العوضين ، وبهذا يبطل ما يقال من أن الهبة المعوضة هي بيع ، للاختلاف الحقيقي في قعنيهما.
المصدر: كتاب ” بحوث في فقه المعاصر” لآية الله الشيخ حسن الجواهري ، المجلد الاول، ص: 274