الاجتهاد: على صغر مساحة التأليف في نظرية الوضع، نجد أن ما كُتب فيها من قبل الأصوليين يرقى إلى المستوى النظري، ولنظريات متعددة. وقد دافعت مدرسة النجف الأصولية المعاصرة عن مشتركات معرفية لهذه المادة، ظهرت واضحة في هذه الورقة البحثية، وأهم هذه المشتركات، أن علماء هذه المدرسة جعلوا الوضع اللغوي يمتد إلى طرائق الاستعمال اللغوية، ولا يقتصر على عوامل نشأة اللغة.
أضع في هذا البحث القسم الثاني من الدراسة الموسومة بـ “القواعد التمثيلية في نظرية الوضع عند الاصوليين” ، وهي التي عالجت نظرية التمثيل الدلالي وصلته بعمل الاصوليين.
وتعالج هذه الورقة البحثية هنا الموسومة بـ “أطوار التمثيل الدلالي عند أصوليي النجف” التطورات الحاصلة في نظرية الوضع، بدءاً من نظرية (العراقي) وصلتها بعلم الدلالة المعاصر. وفي المرحلة الثانية تكشف هذه الورقة عن صلة نظرية الاعتبار عند الاصفهاني بعلم العلامة، ونظام التأسيس للمعنى اللغوي. ودرست في المرحلة الأخيرة نظرية السيد الخوئي في التواصل، وصلتها بنظرية هابرماس، من جهة، وبنظرية كرايس من جهة أخرى.
وقد خلص البحث إلى أن هذه الاطوار هي أطوار أربعة، انتهت عند نظرية السيد الشهيد (محمد باقر الصدر) ، وهي ما أطلق عليها مصطلح (القرن الأكيد) واعتذر البحث عن الخوض فيها لأسباب ذكرت في خاتمة البحث. ومن الله التوفيق.
نظرة الى محتويات البحث
أطوار التمثيل في مدرسة النجف:
الطور الأول : وهو ما يعرف «بالوضع من طريق استعمال اللفظ في المعنى
وفيه يجعل الواضع في استعماله هذا إيجاداً للوضع؛ «فتمام العلقة والارتباط بين اللفظ والمعنى كانت حاصلة بالجعل، وبوضع الواضع، بعد أن لم تكن بينهما علاقة وارتباط أصلاً
الطور الثاني: مجال التمثيل بالاعتبار
يرى المحقق الأصفهاني أن المعنى ماهية غير مرتبطة بالواقع، وأننا لا نبتكر في الوضع مقولات لغوية، ولا نخضع في عملية الفهم إلى مثل ذلك؛ فاستدعى هذا التفكير أن يتجاوز المعنى المقولي، إلى الأمر الاعتباري، يقول: «لاريب في ارتباط اللفظ بالمعنى واختصاصه به، وإنما الإشكال في حقيقة هذا الاختصاص والارتباط، وأنه معنى مقولي، أو أمر اعتباري 18(» (.
الطور الثالث: التعهد والالتزام النفسي
نظريات مدرسة النجف في ميزان الدرس الحديث
ارتكزت نظرية المحقق العراقي على ثلاث جدليات شغلت الفكر اللغوي المعاصر، الأولى: هي علاقة المفهوم بالماصدق والأثر الدلالي المترتب على هذه العلاقة، والثانية: هي الاشتقاق الدلالي وعلاقة الكل بأجزائه، والثالثة: هي ترجمة اللغة الطبيعية إلى نماذج منطقية.
المحقق الاصفهاني والتأسيس لنظرية المعنى
وأما في نظرية المحقق الأصفهاني، فنلمس طريقاً آخر للمعنى، فبدلاً من لجوئه إلى العلاقات الدالة على معاني التعبيرات، نراه يأخذ طريق السيميائيين في البرهنة على تلك المعاني، وتحديدهم للمعنى يقرر «بالحقائق التي يفرضها وجود التعبيرات بوصفها ذات محتوى دلالي 48(» (، بمعنى أن هناك عوامل تقف وراء التعبير ليكون التعبير دالاً، ولتقريب الفكرة أكثر، فإن عمل السيميائيين يقوم على الأشياء التي تعمل داخل مجتمع ما بوصفها علامة.
إرادة التفهيم ومبادئ “كرايس”
كما تقدم في نظرية الفهم والدلالة التصديقية المبنية على مباحث السيد الخوئي، اتفق البحث الأصولي على مبادئ عامة لتحقيق الدلالة القصدية، وهذه المبادئ قريبة جداً من ما سمي ببرنامج )كرايس( الذي ينص على أن المعاني يمكن أن ينظر إليها من خلال دعوتين مترابطتين، وهما على النحو الآتي:
1 .1 إن الحقائق المحيطة بما تعنيه التعبيرات المنطوقة، هي التي تكون مفسَّرة ومحللة، من ناحية كونها حقائق تدور حول ما يعنيه المتكلم بنطقه لها.
2 .2 إن هذه الحقائق الدائرة حول ما يعنيه المتكلمون بنطقهم يمكن أن تفسّر من ناحية مقاصدهم، والأطروحتان تختزلان المعنى إلى محتوى قصدي للمتكلمين (61)
المصدر: مجلة العميد ، السنة الخامسة – المجلد الخامس – العدد العشرون
تحميل البحث