الإرهاب

الإرهابيون يخطفون الإسلام وفقهاء الناتو يجيرون الإسلام لصالح الإرادات الغربية

لم يتحوّل دين من الأديان إلى موضوع للإثارة والأخذ والردّ والجدل مثلما أصبحت عليه ‏اليوم حال الإسلام في الجغرافيا التي تدين بالإسلام وفي الجغرافيا الغربيّة بل في جغرافيّا ‏المذاهب الدينيّة والمذاهب الإنسانيّة على حدّ سواء, وإذا كان الإسلام في مراحل نموّه وإمتداده إرتبط بالتحضّر والفكر و الثقافة, فإنّه في الثلث الأخير من القرن الفارط و‏بدايات القرن الحالي إرتبط أو أريد ربطه بالإرهاب والقتل والإعتداء والإختطاف وتمّ ‏تجريده من كل القيّم الحضارية التي كرسّها هو في الفكر الإنساني..

الاجتهاد: كالنار في الهشيم إنتشرت ظاهرة الإرهاب في العالم الإسلامي وبات عنوانا ملازما للمشهد ‏العربي و الإسلامي في خط طنجة – جاكرتا. و تمادت وسائل الإعلام و المواقف الرسمية في ‏الغرب في غيها عندما ربطت ومزجت بين الاسلام وألإرهاب, حتى بات الإسلام الحضاري ‏المحمدي الأصيل في قفص الإتهام كدين منتج وصانع للإرهاب, و أصبح أتباعه في موقع ‏الدفاع دوما عن دينهم وحضارتهم ..علما أن هذا الغرب أدى تقاتل بنيه في الحرب الكونية ‏الثانية إلى إزهاق أرواح ستين مليون نسمة في الجغرافيا الأوروبية .‏
و الواقع أن الإرهاب مرّ بتطور تاريخي من العصور القديمة (الإغريق، الرومان، الفراعنة، ‏الإرهاب اليهودي ومرورا بالعصور الوسطى (الإرهاب في أوربا، الحروب الصليبية، محاكم ‏التفتيش، عصر صدر الإسلام وصولا إلى الإرهاب في العصر الحديث (الإرهاب الصهيوني ‏والغربي ممثلا في الحركات الإحتلالية و الإستعمارية . قبل أن يرتبط الإرهاب بالإيديولوجيا ‏كما في الحركات اللادينية (الماسونية والشيوعية) والتيارات الدينية (تنظيم الجهاد الإسلامي ‏وتنظيم التكفير والهجرة . و مدلول الإرهاب في الإسلام من خلال كلمة رهب ومشتقاتها ‏تكررت في القرآن الكريم 8 مرات تؤكد كلها نبذ الإسلام للإرهاب .‏

و الذي أصبحت الإرادات الغربية ومن خلاله تشوه صورة الإسلام وتنفر منه ناهيك عن ‏الإساءة للمسلمين وتحطيم روحهم المعنوية، وتضليل الرأي العام العالمي والسيطرة عليه، ‏وتبرير الأعمال الإسلامية ضد المسلمين، وزعزعة الأمن والاستقرار في الدول الإسلامية. و في ‏الثلث الأخير من القرن العشرين مزج بعض المسلمين بين الإسلام والإرهاب و حولوه إلى أكبر ‏دين معادي للبشرية مفرغين مصطلح الجهاد من محتواه الفعلي ..‏

لم يتحوّل دين من الأديان إلى موضوع للإثارة و الأخذ والردّ والجدل مثلما أصبحت عليه ‏اليوم حال الإسلام في الجغرافيا التي تدين بالإسلام وفي الجغرافيا الغربيّة بل في جغرافيّا ‏المذاهب الدينيّة والمذاهب الإنسانيّة على حدّ سواء, وإذا كان الإسلام في مراحل نموّه و ‏إمتداده إرتبط بالتحضّر و الفكر و الثقافة, فإنّه في الثلث الأخير من القرن الفارط و ‏بدايات القرن الحالي إرتبط أو أريد ربطه بالإرهاب والقتل والإعتداء والإختطاف و تمّ ‏تجريده من كل القيّم الحضارية التي كرسّها هو في الفكر الإنساني, وقدمّ الإسلام على أنّه ‏دراكولا الجديد الذي لا يؤمن إلاّ بالقتل و التجني على الآخرين والسطو على أموالهم ‏وخيراتهم وساهمت ممارسات المحسوبين على هذا الدين السلبيّة والمشوهّة في تكريس ‏مفهوم الإسلام دراكولا الذي تعمل مؤسسات ذكيّة على أن نشر هذه الصفّة وتعميمها. ‏

وإذا كانت إستراتيجيات الآخر الذي يهمّه وأد الإسلام وتجريده من أبعاده الإنسانية والفكرية ‏والحضارية واضحة ولها ما يبررها بحكم أنّ الصراع الفكري والمذهبي والديني صفة ملازمة ‏لحركة الإنسان والتاريخ منذ بدايتها , فإنّ ما يدعو إلى التأمّل هو قيام مجموعات من ‏المحسوبين على الإسلام على التساهل في موضوع القتل وأخذهم من الإسلام ما يبررّ هذه ‏المسلكيّة العدوانية و التي لا يقرّها لا الإسلام ولا نصوصه القرآنية و لا نصوصه النبويّة ولا ‏إجماعات العلماء المتقدمين والمتأخرين .‏

الأصل في وجود الإسلام

‏مبدئيّا تجدر الإشارة إلى أنّ الأصل في وجود الإسلام وقيامه هو البناء لا الهدم , التكامل لا ‏التناقص , الإحياء لا القتل , تقديس الروح البشريّة لا إمتهانها , حرمة الدماء والأموال ‏والأعراض لا إنتهاكها , إقامة العدل و تحقير الظلم , ولم يحتط الإسلام في شيئ مثلما ‏أحتاط في الدماء وجعل إزهاق الروح الواحدة كإزهاق أرواح البشر جميعا , ولم يشرّع ‏الإسلام التعدّي على الآخرين اللهمّ إلاّ بمقدار الدفاع عن الأرض والعرض وحتى في حالات ‏الدفاع عن الأرض والعرض هناك مجموعة شروط يجب الإلتزام بها منها حرمة التعدي ‏على النساء والأطفال وحرمة قطع الأشجار و إلحاق الرعب بالآخرين .

والذي حدث بعد ‏وفاة رسول الإسلام – ص- أنّه تمّ التجاوز عن النص إلى التأويل , وتمّ التجاوز عن سيرة ‏المصطفى – ص- إلى سيّر بعض أدعياء العلم والفقاهة ,‏
و بهذا الشكل كثرت المذاهب والطوائف والملل والنحل والتفسيرات والتأويلات حتى أصبح ‏الإسلام إسلامات و الدين ديانات و الرأي آراء والوحي الواحد الذي يمثلّه جبرائيل ‏مجموعات من الوحي , وأصبحت كل طائفة وكل ملة وكل نحلة تقتبس من مصادر التشريع ‏القرآن والسنة على وجه التحديد ما يقوّي موقف هذه الطائفة وتلك الملّة وذينك النحلة, ‏و أصبح القرآن الذي وجد ليكون أساسا للرؤية الكونية مطيّة لتبرير التصرفات الطائشة ‏للكثير من المسلمين, و يؤكّد التاريخ العربي والإسلامي أنّ ما أقترفه المحسوبون على الإسلام ‏في حق إسلامهم أكثر ممّا أقترفه الفرنجة والمغول في حق الإسلام ‏
‏ و من يقرأ كتب الملل والنحل للشهرستاني و الفرق بين الفرق للإسفراييني البغدادي والملل ‏والنحل لإبن حزم الأندلسي يدرك كم كان المحسوبون على الإسلام يتقاتلون بسبب تأويل ‏خاطئ هنا, وفتوى باطلة هناك, وتفسير غير ناضج لهذا النص وهكذا دواليك.

ومع مرور ‏القرون تشكلّت رؤى إسلامية ونظريات إسلامية ومفاهيم إسلامية مردّها ومرجعها قرون ‏التفتتّ والإفتراق والتقاتل والتباغض, وبدل أن نعود إلى إسلام الوحي الذي أوجد ‏المنطلقات التي جئنا على ذكرها في بداية الحديث العدل وتقديس الروح الإنسانية و عدم ‏جواز الإعتداء على الآخر, تغيرّت المنطلقات, وأصبح قتل المسلم جائزا لأنّه لا يؤدي الصلاة ‏وإحراق وجه المرأة مباحا لأنها لا ترتدي الحجاب, و قتل الفرنسي أو الأمريكي مستساغا ‏لأنّهما مسيحيان, و ما إلى ذلك, ولو كان المولى عزّ وجلّ يعامل خلقه بهذا المنطق لأبادهم ‏من أول وهلة أوجدهم فيها, بينما إختار خطّ الإقناع والمحاججة و التبليغ الحكيم وأرسل ‏لهذه المهمّة عشرات الآلاف من الأنبياء والرسل وكلفهم بفتح حوار طويل مع البشرية حول ‏قضايا الوجود و ما بعد الوجود, وماهيّة الإنسان و الهدف السامي من إيجاده و ما إلى ‏ذلك من التفاصيل.‏

وهذا ما يفسّر رفقة رسول الإسلام محمد بن عبد الله – ص – بمشركي قريش و العفو عنهم ‏لدى فتح مكة و إحسانه للنصارى و مبادرته لمساعدتهم ماديّا وحياتيا, وحتى اليهود عاشوا ‏في كنف دولته في المدينة المنورّة حياة كريمة قبل أن يبادروا إلى حركة سرية لتدمير المجتمع ‏الإسلامي في الداخل الإسلامي فعوقبوا لتصرفاتهم لا ليهوديتهم .‏

الابتعاد عن مقاصد الشريعة

إنّ إنحراف قطاع كبير من المسلمين عن مقاصد الشريعة الحقة ولجوئهم إلى التأويلات ‏الناشئة في عصر الفتنة وإسقاطهم تلك التأويلات على واقعنا المعيش هو الذي ألحق الأذى ‏الكبير بالإسلام وحولّه من دين حضاري إلى دين يصادر الحضارة .

والعجيب أنّ الذي يتيح ‏لنفسه قتل المسلم أو غير المسلم لم يرق ولن يرقى إلى درجة الإجتهاد التي تتيح له صناعة ‏الفتوى أو إستنباط الحكم الشرعي اللازم لمثل هذا الفعل أو ذاك, فمعظم الذين يقومون ‏بأعمال عنف هم مثيقفو أشرطة لبعض الغلاة الذين يقدمون الإسلام على أنّه دين سيف ‏وليس دين قلم, دين إمتهان الروح وليس دين تقديس الروح, دين صدام وليس دين حوار.‏
إنّ في القرآن الكريم أروع صور الحوار بين الله والشيطان, بين الله وآدم و بين الله وجميع ‏أنبيائه, و إذا كان الحوار بين الله والإنسان جائزا بمنطق القرآن, فإنّ الحوار بين الإنسان ‏والإنسان واجب بل أشدّ وجوبا .

وما جئنا على ذكره لا يلغي مسؤولية العديد من ‏السلطات العربية و الأجهزة الأمنية العربية في الترويج لإسلام القتل والذبح والتجاوزات ‏حتى تبررّ إستمرار حالات الطوارئ , و تؤكّد أن إيديولوجيتها الإشتراكية أو البعثية أو ‏الليبيرالية هيّ أولى بالإتبّاع من الإسلام الحضاري الذي ظلمه بنوه الذين حولوه إلى دكّان ‏للإرتزاق, ومصيبة الإسلام في واقعنا الراهن أنّه أبتلي بقلة الرجال الذين يرتقون إلى مستوى ‏حضاريته, ولا يمكن للإسلام أن ينزل إلى مستوانا المنحّط, فإمّا أن نرتفع إلى مستواه فنعزّ ‏ونرتفع, أو نبقى في الحضيض مع إسلام من صناعة أوهامنا وساعتها ماذا سنقول لرسول ‏الإسلام – ص- عندما يسأل يوم القيامة قائلا : أمتي, أمتي !‏

 * د.يحيى أبوزكريا مفكر عربي من الجزائر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky