الأحكام التدبيرية
درس بحث الخارج الشيخ حيدر حب الله

هويّة الحوزات والجامعات الدينيّة

واحدٌ من أكثر الأسئلة إلحاحاً اليوم، هو: ما هي هويّة الحوزات؟ما هي هويّة الجامعات الدينيّة؟ ما هي هويّة المعاهد الدينيّة؟ هل يمكن الحديث عن مؤسّستين منفصلتين: واحدة علميّة بالمعنى المتقدّم، والثانية دينيّة بالمعنى السابق أو أنّ هذا هراء وتخريف أو أنّه حقيقة بدأت بالتشكّل اليوم ـ شئنا أم أبينا ـ في ظلّ تناول القضايا الدينية من قبل غير المنتمين للدين بالمعنى التديّني الالتزامي الدفاعي؟ موضوع الهويّة مهم للغاية ويحتاج لتفكير كثير، وفي ظنّي أنّه مسؤول عن الكثير مما نراه اليوم، وأدعو للتفكير الجادّ فيه.         بقلم: الأستاذ حيدر حب الله

موقع الاجتهاد: لا شكّ في أنّ الهويّة (التعليميّة البحثيّة) سمة واضحة في هذا الإطار، فالحوزات مراكز تعليميّة، كما أنّها مراكز بحثيّة، إلا أنّ الأمر يدور بين هويّتين:

الهويّة الأولى: وهي الهويّة العلميّة، ونعني بها أنّ هذه الحوزات والمعاهد هي مراكز للعلم، فهدفها دراسة الموضوعات الدينيّة.
الهويّة الثانية: وهي الهويّة الدينية الانتمائيّة، ونعني بها أنّ هذه الحوزات والمعاهد هي مراكز للدفاع عن الدين، والتصدّي لكلّ المغرضين والناقدين وأمثالهم، والذود عن حياض الشريعة.
(يهمّني جداً أن اُقرّ بأنّني لا أقصد سلب صفة العلم عن الديني، بل استخدمت هذا التعبير من باب ضيق الخناق كما يقولون، فاقتضى التوضيح).

بين الهويّتين مشتركات كثيرة ومتعدّدة، لكن بينهما نقاط افتراق جوهريّة لا يُستهان بها، وتترك أثراً من اليوم الأوّل على البُنية النفسيّة للمنتسبين لهذه المؤسّسة، ومن أبرز نقاط الافتراق أنّك إذا اعتبرت الهويّة المركزيّة هي الهويّة العلميّة، عنى ذلك أنّ المنتمي لهذه المؤسّسات العلميّة يمكنه أن يخرج بخلاف ما ينتمي إليه السائد في هذه المؤسّسات نفسها؛ لأنّ معيار انتسابه لها هو موضوع البحث، وهو الدين، وليس نتيجة البحث أو غايته، وهما الانتصار للدين، وهذا بخلاف ما لو قلنا بالهويّة الدينية الانتمائيّة، إذ لن يكون المعيار الوحيد هو موضوع البحث بل سيغدو غاية البحث ومآلاته، وهي غاية تتحدّد بالآتي: الدفاع عن الدين والمذهب ونحو ذلك، بما قد يمتدّ أحياناً للدفاع عن المشهور والمجمَع عليه والسائد.

ربما يقال: كلّما تغلّبت الهويّة الدينية الانتمائية على الهويّة العلميّة، فرض ذلك تقلّصاً في مساحة الحريّات الفكرية والبحثيّة، والعكس صحيح، وكلّما تغلّبت الهويّة العلميّة على الهويّة الدينية فتح ذلك المجال لاختراق الدفاعات الدينيّة.

فهل هناك مانع من اعتماد الهويّة العلميّة التي يكون موضوعها الدين وليس غايتها الدين أو أنّ ذلك يعدّ تمزيقا للهويّة التاريخيّة الوجوديّة لهذه المؤسّسات، فيصبح الأمر وكأنّه ضربٌ من المستحيل؟ هل يمكن التوصّل إلى صيغة جمع بين الهويّتين أو أنّ ذلك عبثٌ من القول والسعي؟ هل يمكن اختيار واحدة من الهويّتين والسعي لتفادي خسران التخلّي عن الهويّة الثانية أو أنّ ذلك أمرٌ خيالي لا واقعيّة ممكنة له؟ هل يمكن الحديث عن مؤسّستين منفصلتين: واحدة علميّة بالمعنى المتقدّم، والثانية دينيّة بالمعنى السابق أو أنّ هذا هراء وتخريف أو أنّه حقيقة بدأت بالتشكّل اليوم ـ شئنا أم أبينا ـ في ظلّ تناول القضايا الدينية من قبل غير المنتمين للدين بالمعنى التديّني الالتزامي الدفاعي؟

موضوع الهويّة مهم للغاية ويحتاج لتفكير كثير، وفي ظنّي أنّه مسؤول عن الكثير مما نراه اليوم، وأدعو للتفكير الجادّ فيه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky